أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة النعيمي - ظاهرة الاغتراب في كحل مريم/ قصص قصيرة للكاتب السعودي حسن الشيخ















المزيد.....

ظاهرة الاغتراب في كحل مريم/ قصص قصيرة للكاتب السعودي حسن الشيخ


بديعة النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7517 - 2023 / 2 / 9 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


إصدار دار ريادة للنشر والتوزيع/2023
قراءة بديعة النعيمي

يعيش العالم العربي كثيرا من التناقضات التي أنتجت العديد من الأزمات سواء على المستوى الاجتماعي أو الفكري أو النفسي. ولم يكن الأدباء يوما إلا جزءا من هذا العالم حيث أدت تلك الأزمات إلى تعرضهم لصدمة انعكست على تجربتهم الأدبية. وكلما ازدادت التحولات الحضارية تعقيدا وازدادت الأنظمة السياسية تعددا وتضاربا كلما انعكس ذلك على الإنسان بشكل عام فأصبح أكثر ميلا إلى الاضطراب والتمزق الداخلي وعلى الأديب بشكل خاص حيث انعدمت ثقتة بالواقع, فأفرزت معاناته على مستويات متعددة من الاغتراب. والاغتراب ظاهرة انعكست على كتاباته حتى غدا موضوعا بارزا فيها. فنجده يعمل على نقل رؤيته وأثر التحولات المحيطة في بنيته النفسية والفكرية من خلال نصوصه.
وتعتبر القصة من أكثر الأشكال الأدبية اقتناصا لقضايا الواقع.من حيث أنها تمتلك القدرة على إعادة بناء تلك القضايا على نحو حيوي ومركز ومكثف يقوم على اختزال اللغة والفضاء زمانا ومكانا وشخوصا ثم نتيجة لذلك اختزال الموقف والرؤية الفنية المطروحة. ومن هنا نجد أن حسن الشيخ في كحل مريم قد توجه إلى عالم الغرابة والخيال والعجائبي لفهم الواقع ورصده ثم رفضه.حيث سعى من خلال أبطاله إلى تغييره والتحرر منه وإحلال واقع جديد أكثر حرية وكرامة.وقد يكون النزوع عنده إلى ذلك العالم للتعويض عن الشعور بالنقص الناتج عن القيودالمفروضه على الكاتب سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
وقد جسد الكاتب فكرة الاغتراب من خلال أبطال قصصه.فنجده وقد رسمها بدقة ليطرح من خلالها مشكلات نفسية بوحدتها وقلقها ويأسها وقد ظهرت صور الاغتراب بأنواعها الجسدي والذاتي وغيره من الأنواع في كحل مريم.
ويتضح للمتلقي في القصة الموسومة ب أنا خنثى مظهر من مظاهر الاغتراب الجسدي على لسان البطل زكي أو البطلة زكية (هواجسي مشتتة,مبعثرة,أحاول لملمتها فيفضحني جسدي,أنا متعب من حمل هذا الجسد) ونلاحظ من خلال هذا الهاجس على لسان البطل/البطلة مقدار المسافة التي تزداد بين الذات والجسد. وانطلاقا من هذا نجد أن الذات تحاول أن تحط من قيمة الجسد الذي كان سبب اغترابها وآلامها فعلى لسان زكي/زكية ( أتمنى أن أعيش هادئا,ساكنا,مثل دودة صغيرة في بلور ملحي منسية منذ سنين). وإحساس الشخصية بالتقزز من جسد يجعلها تبحث عن الإنفصال عما حولها ( في قارورتي الزجاجية تلك سجنت نفسي,كانت حدودي الآمنة من الآخرين).
وفي القصة الموسومة ب رجل المستنقع نجد الصراع بين الذات والجسد يؤدي إلى انفصال الذات عن الجسد ومحاولة الخروج منه إلى جسد آخر لا يشبهه (الآن أشعر أن هذا المستنقع بدأ يتسع لي ,إلا أنني أصبحت رخوا ,لينا ,قد بهت لون بشرتي واخضرّ,بدأت أفقد شكل ساقيّ شيئا فشيئا, فإذا هما تشبهان ساقيّ ضفدع عجوز....وعندما صرخت بأعلى صوتي لم يخرج من شفتيّ غير النقيق).وهنا يتضح لنا بأن البطل عندما تحول إلى ضفدع وخروجه من جسده الأصلي إلى جسد آخر نفى عنه أسباب الاغتراب التي أفقدته حريته.فكان التحول طريقه للإنطلاق بحثا عن ذاته الحقيقية ( الآن أشعر بالرضا وكفى ,وهذا المستنقع هو رحمي الأول الذي حملني قبل أن تلدني أمي هناك).
وفي القصة الموسومة ب أنا أطير تتضح ملامح الاغتراب الذاتي حيث نجد البطل يعيش في الأوهام ويخلط بين الواقع والحلم. ويتضح هذا للمتلقي عندما يقرأ ما جاء على لسان البطل( ربما أنت تحلم ,هكذا قيل لي,إلا أنني متأكد من أنني أعيش الواقع لا الحلم,لا يهم ما يقوله الآخرون عني,فأنا أرسم واقعي لا تخيلاتي......أنكمش إلى داخل ذاتي ,أتكور, أدور على نفسي لآلاف المرات ,مخافة تسرب الحلم من يدي).فالبطل يستغرق في الحلم بإرادته ويتمسك به خوفا من فقدانه,لأنه يزيد من عزلتة ويفقده التواصل مع العالم من حوله. فكل شئ حوله يطير والطيران يرمز إلى الإنعتاق من قيود الواقع والحصول على الحرية التي تتوق ذاته إليها وربما تتوق لها ذات الكاتب.
وقد سعى حسن الشيخ عبر أبطاله العجائبيين إلى إعادة إنتاج معاني وقوانين بديلة للواقع المستبد وكشف ما هو مضمر تحت سطح السرد وفي نفس الوقت الكشف عن حجم الاغتراب والفشل في تحقيق الذات عبر الواقع. ويتضح هذا في القصة الموسومة ب الصراخ بلغات مختلفة حيث نجد مجموعة غريبة من الناس أوصافهم غريبة تلاحق البطل وتسعى إلى إنزال عقاب ما فيه على ذنب لم يقترفه ( أجسامهم قصيرة جدا ,كأنهم عشيرة من الأقزام التي تعيش في القارات البعيدة إلا أن أيديهم طويلة جدا يلوحون بها أمامي) وبالرغم من اعتراف البطل بذنب لم يرتكبه إلا أن المجموعة لا تكف عن ملاحقته إلى أن تتسبب في سقوطه في مجاري المدينة الموحشة. وهذه القصة فيها إشارة إلى العجز عن تغيير الواقع المستبد. وهذه القصة كما الكثير من قصص المجموعة تحمل إشارات سياسية أعلنت عن ما هو مسكوت عنه.كما أن اللجوء إلى تقنية الاسترجاع باستعادة الماضي المفقود وتكراره يجعل البطل ينفصل عن واقعه الذي يشعر فيه بالاغتراب النفسي ويستعيد نفسه من خلال الماضي البعيد ويتضح لنا هذا في القصة الموسومة ب لا أستطيع البقاء حيث البطل أحمد الذي يسير في شوارع المدينة بلا هدى يجتر ماضيه ويغمض عينيه لكي لا يرى سواه( تذكر آمنة التي يحملها جثة هامدة في داخله. تذكر ضحكتها التي تندلع بصخب هادئ من بين شفتيها الغليظتين المثيرتين,تطلع إلى الشوارع المزدحمة, والناس المسرعين والمباني الشاهقة....ثم أغمض عينيه كي يحتفظ في ذاكرته بما تبقى من رسمها الذي كسرته الأيام).
ومن مظاهر الإغتراب لجوء الكاتب إلى توظيف السريالية أو ما وراء الطبيعة حيث ينعكس العالم الغريب لدى البطل على كينونته الداخلية وحالته النفسية والذهنية فيلجأ إلى تجاوز المنطق وتوظيف كل ما هو غريب لا ينتمي إلى الواقع ويقدمه على أنه واقع حقيقي عن طريق صنع العوالم الغريبة بالخيال والاستيهام بلغة تقترب من لغة الحياة اليومية المألوفة ليشاكل بين الواقع واللاواقع فيجعل اللاواقعي واقعي والعكس.وويتمثل هذا في القصة الموسومة ب كحل مريم حيث مريم تمتلك مكحلة سحرية ما أن تكتحل بكحلها حتى ترى تفاصيل المجهول والأحداث( ضاعت منها ابنتها مريم , فخرجت تبحث عنها..وقف أمامها عفريت من عفاريت الجن..فاخذها العفريت إلى أحد الكهوف الجبلية, وإذا بمريم نائمة فيه..وأهداها العفريت مكحلة,قال لها إنها من خزائن سليمان..اكتحلت بها مريم فرأت البعيد ..استطاعت أن تعرف نوايا الناس). وقد وظف الكاتب السريالية في أكثر من قصة في مجموعته القصصية لينقل للمتلقي مظاهر الإغتراب التي يعاني منها أبطاله.
إذن فقد ارتبطت الغرابة في قصص حسن الشيخ بالوحشة وهي حالة من الشعور بالعزلة والخوف والإفتقار إلى الأمن التي نتجت عن علاقته بالآخر الذي يشاطره المكان فتعمل الوحشة عملها فتزداد الوساوس والآمال لذلك نجد الكاتب يلجأ إلى كل ما هو غريب وعجيب إلى ما وراء الواقع ليحول خوف أبطاله إلى طمأنينة ووحشتهم إلى أنس.
بقي أن نقول بأن حسن الشيخ قاص وروائي سعودي من الأحساء عمل في الصحافة الثقافية واشتغل في الإعلام المرئي وهو أستاذ جامعي له العديد من الأعمال الإبداعية المنشورة.



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات العاطفة في رسائل نازفة للكاتبة السورية هند يوسف خضر
- التشظي والانشطار في رواية الشظايا والفسيفساء للراحل مؤنس الر ...
- المكلن ودلالته في رواية حيوات سحيقة للكاتب يحيى القيس
- القلق الوجودي في رواية الهامش للكاتب خالد سامح
- صورة المرأة في رواية جوهرة والبيت الكبير للكاتب الجزائري علي ...
- النزعة الإنسانية حبال متينة تشد أركان العمل الفدائي في رواية ...
- تحليل مسرحية موتى في إجازة للكاتب حسام الرشيد
- تمزق الهوية وفقدان الذات في رواية حياة ترف_ظل بديل للكاتبة ا ...
- تشظي الذات في رواية أميرة بنت تونس للكاتب العماني عادل الحمد ...
- حضور فلسطين في المجموعة الروائية بيت رحيم للكاتب إبراهيم غبي ...
- البحث عن الذات بين رماد الذكريات في رواية عندما يهطل المطر ل ...
- العجائبي في رواية موتائيل للكاتب العماني أحمد البحراني
- ما بين الحلم والذكريات جسر هش في رواية الجائحة للكاتب السعود ...
- علاقة المكان بالشخصية في رواية حارسة للكاتب عبد الهادي المدا ...
- الأبعاد السياسية في رواية خيط العنكبوت للكاتب السوداني جعفر ...
- تجليات البعد النفسي في بكره العيد وبنعيد محموعة قصصية للكاتب ...
- الصراع الأيديولوجي في رواية أبناء غورباتشوف للكاتب الروسي أل ...
- أهمية الحوار في أجنحة المخيم للكاتب الفلسطيني محمد حسين
- الشخصية في رواية الطريق الوعر للكاتب الفلسطيني محمد حسين
- تعدد الأصوات في رواية العاشق للراحل غسان كنفاني


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة النعيمي - ظاهرة الاغتراب في كحل مريم/ قصص قصيرة للكاتب السعودي حسن الشيخ