أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبري يوسف - قراءة تحليليّة لرواية عراقي في باريس، لصموئيل شمعون 2 4














المزيد.....

قراءة تحليليّة لرواية عراقي في باريس، لصموئيل شمعون 2 4


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 05:41
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يزرعُ صموئيل شوارعَ باريس بتساؤلات لا حصر لها، يسيرُ بهمّةٍ لا تلين جيئة وذهاباً حتى يبزغ الفجر أو حتّى يفتح مقهى ما أبوابه للزائرين فيعبر المقهى وكأنّه آتٍ محمّلاً من ثمارِ معركةٍ إنتصر فيها على أنين الغربة والصعلكة، غربة ذات أنياب شرسة لكنّها لا تخيف صموئيل بل تزيده تشبّثاً بحلمه الكبير بكتابة سيناريو سينمائي عن والده الأصم والأبكم، هذا الوالد الذّي أحبّه صموئيل حبّاً عميقاً، من خلال تواصله الجميل مع عوالمه عن طريق الاشارات، وأرجح الظنّ أن الّذي خلق في أعماقِ صموئيل شهوة الإبداع والبحث وقدرة التحمّل والتسكُّع هو والده، فقد منحه قدرة خارقة على تحمّل مرارات الحياة، فربّما تساءل صموئيل في قرارة نفسه مراراً، أنّه بألف خير طالما يرى ويسمع ويحكي ويبتسم ويرتشف نبيذه المسكّر بلذّة فائقة، مقارنةً بوالده الأطرش والأبكم، لهذا نراه يتواصل مع والده أكثر مما كان يتواصل مع والدته وبقية أسرته، من خلال لغة الاشارات التي اخترعاها وكم كان حوارهما عبر الاشارات حميماً وساخراً ورشيقاً وانسانياً، متعلّقاً به تعلّقاً رائعاً، ووفاءاً من صموئيل أطلق على موقعه الرَّاقي اسم كيكا، وكيكا كان لقباً يكنّى به والد صموئيل إشارة إلى أنه أطرش وأبكم، إلا أن صموئيل لا يكترث إلا للمحبة، محبة والده ومحبة الحياة كلّها رغم مرارتها، يعبر صموئيل اليابسة والبحر بدون مجاذيف لأنّه يعتمد على المصادفات تارةً وعلى مغامرات تصلح أن تكون مواضيع لأفلام سينمائية، ويلمس القارئ أن رواية "عراقي في باريس" هي عشرات القصص وأكثر من رواية، إنّها رواية الرّوايات ..
إنَّ أكثر ما لفت إنتباهي عبر متون الرّواية كلّها، أن صموئيل لم يتوقّف عند جنون الحرب وويلاتها ولا عند السياسة والسياسيين الذين زجّوا وطنه في حروبٍ مفتوحة على قبّة السَّماء إلى أجلٍ غير مسمَّى، ومع كلّ هذا الغليان الكوني والمحلّي على العراق، فإنّ صموئيل لم يتوقَّف عند هذه المحطّات كي لا تبرقع تشردّه الجميل، وكي لا تخدش اِيقاعات شخيره وهو مسترخٍ في محطّات القطار بعيداً عن ضجيج الحرب وويلاتها التي لا ترحم حتى أعماق الحلم، لهذا فقد شطب شمعون غطرسة الحرب وجنون ساسةِ الحرب من شهقته الروائيّة وكأنّه يقول أنتِ يا حرب وأنتم يا ساسة لا وقت لديَّ للحديث عنكم وعليكم، إنَّ كأساً من النّبيذ المعتّق بعد تشرّدٍ طويل أفضل من رحى حروبكم المغبرة بترهَّاتِ الحياة!
صموئيل شمعون، روائي من نكهة الفرح وساخر سخرية جامحة مكتنزة بعفوية الأطفال الكبار، يحوّل بدهاءٍ راقٍ كلّ هذه المصائب إلى بسمة طفل في صباح باكر، ولا يفوته أن يسخر أحياناً حتّى من ذاته ومن محيطه ومن الدُّنيا برمَّتها فلا أهداف عملاقة لديه، ويرى أنَّ الذين لديهم أهداف عملاقة، ما هي أكثر من أبراج طينية هشّة، تقتلعها الرّيح وهي أشبه ما تكون أبراج من الرَّماد والتّبن المتبقّي من طعام الأحصنة التي يمتطيها في أحلامه في اللَّيالي القمراء بعيداً عن مادّيات وشرور العالم، لأنه يرى أن جنون الإنسان منبعث من شراهة الإنسان ولهاثه خلف مادّيات الحياة، خلفَ قشور الحياة، فلا يهمّه شيئاً، حتى ولو فشل في تنفيذ حلمه، لأن صموئيل روائي بارع من خلال تصعلكه وتشرُّده في محراب الحياة، يستقبل التشرّد بطريقة طريّة وكأنه مندلق من صدرِ نيزك للقيام بهذا الدَّور في سيناريو الحياة، بحثاً عن تحقيق سيناريو فيلم سينمائي يكون بطله روبيرت دونيرو.
يمتلك الرِّوائي خصائل إنسانية راقية، فلا يملك ضغينة في قلبه، يدافع عن نفسه وعن أصدقائه بكلّ شهامة، ويدوّن نصّه وكأنه يعيش لحظة التَّدوين والكتابة، فلا يميّز القارئ فيما إذا يقرأ نصّاً روائيّاً أم أنّه يعايش المتشرد تشرُّده الحقيقي، فلديه قدرة كبيرة على نقل تصعلكه إلى بياض الورق بدون أيَّة تحفُّظات وتزويقات، فهو أمين وصادق في ترجمة تجربته بكلِّ تلاوينها ومراراتها، حتّى أنّكَ تشعر وأنتَ تقرأ النصّ، أنَّه يأخذ أشدّ المواقف قساوةً بنوع من الدُّعابة والطرافة وكأنَّ ما حصل له لا يؤلمه أو يعرف كيف يتجاوزه بصبرٍ أيّوبيّ، مركّزاً على أقرب حانة كي يخلخل كلّ ما جار عليه الزَّمن بكأسٍ من النبيذ المسكّر.



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة تحليليّة لرواية عراقي في باريس، لصموئيل شمعون 1 4
- أنشودة الحياة ج 7 ص 700
- أنشودة الحياة ج 7 ص 699
- أنشودة الحياة ج 7 ص 698
- أنشودة الحياة ج 7 ص 697
- أنشودة الحياة ج 7 ص 696
- أنشودة الحياة ج 7 ص 695
- أنشودة الحياة ج 7 ص 694
- أنشودة الحياة ج 7 ص 693
- أنشودة الحياة ج 7 ص 692
- أنشودة الحياة
- أنشودة الحياة ج 7 ص 690
- أنشودة الحياة ج 7 ص 689
- أنشودة الحياة ج 7 ص 688
- أنشودة الحياة ج 7 ص 687
- أنشودة الحياة ج 7 ص 686
- أنشودة الحياة ج 7 ص 685
- أنشودة الحياة ج 7 ص 684
- أنشودة الحياة ج 7 ص 683
- أنشودة الحياة ج 7 ص 682


المزيد.....




- السعودية.. تركي آل الشيخ يرد على حملة ضده بعد تدوينة -الاعتم ...
- مدى قدرة جيش إسرائيل على بسط سيطرة كاملة في غزة؟.. محلل إسرا ...
- إعلام رسمي إيراني: المعدوم بتهمة التخابر مع إسرائيل كان عالم ...
- إشادة فرنسية أمريكية.. حكومة لبنان تتجه لنزع سلاح حزب الله
- المجلس الأمني الإسرائيلي يقر خطة نتانياهو -للسيطرة على مدينة ...
- دبي .. روبوت في اجتماع رسمي
- حراك شعبي في هولندا دعما لغزة وتنديدا بالمجازر الإسرائيلية
- تحقيق يكشف فظاعات وجرائم ارتكبت بمخيم زمزم للنازحين في دارفو ...
- خمسة مبادئ وانقسام حاد.. تفاصيل قرار -الكابينت- لاحتلال غزة ...
- مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبري يوسف - قراءة تحليليّة لرواية عراقي في باريس، لصموئيل شمعون 2 4