أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى البوبلي - كافكا والحرب الخاسرة ضد البيروقراطية














المزيد.....

كافكا والحرب الخاسرة ضد البيروقراطية


يحيى البوبلي

الحوار المتمدن-العدد: 7487 - 2023 / 1 / 10 - 00:43
المحور: الادب والفن
    


بعد انتظار دام ثلاث ساعات، جاء دوري أخيراً لتقديم طلب الحصول على دفتر عائلة جديد. توجهت للموظفة وألقيت عليها التحية. لم ترد ولم تنظر إلي. قدمت لها الأوراق، فتفحصتها بشيء من القرف وقالت: أين دفتر عائلة الأب؟ - ماذا تقصدين؟ سألتها وقد علت وجهي نصف ابتسامة خرقاء. – دفتر عائلة أبيك! أحتاج نسخة منه، قالت بنبرة حادة. أخبرتها بثقة أن هذا لم يذكر في المتطلبات الموجودة على الموقع الالكتروني، فقالت: يا أخي لا تغلبني، اذهب وأحضر نسخة كما قلت لك وارجع، ثم عادت لتنظر لشاشة الكمبيوتر وجاء دور الشخص التالي. شعرت بالغضب وبرغبة في الصراخ، لكنني لم أفعل. سيكون علي العودة مرة أخرى والانتظار، على أمل أن تكون معاملتي كاملة. إن عزائي في تلك اللحظة كان بتذكري لأبطال روايات أحد الأدباء المفضلين لدي، فرانز كافكا. إن ما مررت به لا شيء مقارنة بما حصل لغريغور سامسا أو لجوزيف ك.

البيروقراطية موضوع مركزي في أدب فرانز كافكا. اشتهر كافكا بقصصه التي تستكشف علاقة الفرد بالسلطة بطريقة توصف غالباً بأنها "كابوسية"؛ حيث تمر شخصيات قصصه بمواقف عبثية تتنافى مع المنطق، وبنفس الوقت يستحيل الفكاك منها كشعور الإنسان باستحالة استيقاظه من كابوس مزعج. في العديد من أعماله، يصور كافكا البيروقراطية على أنها قوة لا يمكن التغلب عليها، تحطم روح الإنسان وتجرده من إنسانيته. إن تصوير كافكا للبيروقراطية هو انعكاس لتجاربه مع الأنظمة البيروقراطية في عصره. لقد رأى كيف يمكن استخدام البيروقراطية لقمع الأفراد والسيطرة عليهم، وكيف يمكن استخدامها لإحباطهم وتشويشهم. كتب كافكا أعماله في بدايات القرن العشرين، ولا تزال ظلالها حاضرة في حياة الفرد في أيامنا هذه.

أحد أشهر أعمال كافكا، رواية التحول (أو المسخ في بعض الترجمات العربية)، تدور أحداثها حول بطل الرواية غريغور سامسا، الذي يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة. على الرغم من هذا التحول، يظل غريغور هو نفس الشخص، بمشاعر وأحاسيس إنسانية مسجونة في جسد حشرة، ويواصل محاولة الوفاء بالتزاماته باعتباره المعيل لأسرته. ومع ذلك، فإن بيروقراطية وظيفته تجعل من المستحيل عليه توصيل وضعه لرؤسائه، وفي النهاية يتم تجاهله وإساءة معاملته من قبل الجميع من حوله، وتنتهي المعاناة بموت غريغور.

في رواية كافكا "المحاكمة"، يروي لنا قصة رجل يدعى جوزيف ك الذي تم اعتقاله ومحاكمته بتهمة ارتكاب جريمة مجهولة. طوال الرواية، يخضع جوزيف ك لسلسلة من الإجراءات والعمليات البيروقراطية التي لا يفهمها. يتم نقله من مسؤول مجهول إلى آخر، ويتنقل بين المكاتب الحكومية التي توجد في أكثر الأماكن غرابة، وفي الكثير من الأحيان يستقبل معلومات متضاربة من المسؤولين المختلفين. على الرغم من بذل قصارى جهده للدفاع عن نفسه والمرافعة في قضيته فإن جوزيف ك لا يقدر في النهاية على الهروب من القوة الساحقة للبيروقراطية، ويتم إعدامه دون أن يعرف (ودون أن نعرف نحن كقرّاء) ما هي تهمته.

في رواية القلعة، يروي كافكا قصة رجل اسمه ك. يصل ك إلى قرية نائية حتى يعمل كمساح أراضٍ. يحاول ك خلال أحداث الرواية الوصول إلى القلعة التي تلوح في الأفق فوق القرية، في محاولة للحصول على تأكيد أنه سيتم توظيفه. تحيط بالقلعة هالة من الغموض وعدم التأكد، ويجد ك نفسه في وضع يجبره على التنقل في شبكة معقدة من المسؤولين والقواعد واللوائح. على الرغم من إصراره، لا يستطيع ك أبدًا الدخول إلى القلعة أو حتى مقابلة المسؤولين الغامضين المقيمين هناك. مات كافكا دون إكمال هذه الرواية، إلا أنه أخبر صديقه ماكس برود بالكيفية التي تنتهي بها. يموت ك دون الوصول للقلعة ودون معرفة وضعه في القرية، وبعد وفاته يصل خبر من القلعة يفيد بتعيينه مساح أراضٍ في القرية.

في كل من المحاكمة والقلعة، يستخدم كافكا البيروقراطية كاستعارة للطرق التي يمكن من خلالها قمع الأفراد والسيطرة عليهم من قبل أنظمة السلطة. يتم تصوير البيروقراطية على أنها قوة هائلة غير شخصية تسحق الفرد. دائماً ما تكون شخصيات كافكا عاجزة في مواجهة هذه البيروقراطية، وغير قادرة على فهم قواعدها وأنظمتها. ويلاحظ أن البيروقراطية في أعمال كافكا مجهولة وبلا وجه. يصور كافكا المسؤولين والإداريين كشخصيات مجهولة الهوية وقابلة للتبادل تفتقر إلى الفردية والشخصية. في المحاكمة على سبيل المثال لم يتمكن جوزيف ك أبدًا من رؤيه وجوه المسؤولين الذين يقاضونه. يشار إليهم دائمًا من خلال ألقابهم أو مناصبهم، ولا يعرف جوزيف ك أبدًا أسمائهم أو شكلهم. وفي أحد مشاهد رواية القلعة، يتلصص ك من خلال فتحة الباب على أحد الموظفين المهمين في القلعة لكنه لا يتمكن من تمييز ملامح وجهه.

لا مفر من البيروقراطية عند كافكا؛ فهي قفص كبير يبحث دائماً عن طيور جدد ليحبسهم دونما مخرج، وهي شبكة عنكبوت لا مرئية تلتف حول عنق كل من يتعثر بخيوطها. إن القدرة اللانهائية للبيروقراطية وطابعها الغامض في أدب كافكا يجعلنا نفكر بتأويل أعمق في عالم فوق العالم الذي نعيش فيه. لقد ألقي بنا نحن البشر في عالم بارد بلا معنى، وبحثنا عن غاية لحياتنا يجعلنا نتطلع لعالم آخر. إن هذا العالم موجود في مكان ما في أدب كافكا، لكنه عالم لا فرق فيه بين النعيم والجحيم، ولا ينبغي للإنسان أن يبحث فيه عن الخلاص المنشود.



#يحيى_البوبلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرقام والواقع: هل الرياضيات هي كل شيء؟
- لوحات ياروسلاف كوكوفسكي
- الرسّام جان ماري بوميرول
- داعش واللغة
- قصة السريالية
- لوحات جيسلاف بيكسينسكي: الكوابيس المدهشة


المزيد.....




- “ثبت الآن بأعلى جودة” تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة لمسل ...
- الإعلان عن قائمة الـ18 -القائمة الطويلة- لجائزة كتارا للرواي ...
- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس
- “قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D ...
- فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
- -فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج ...
- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى البوبلي - كافكا والحرب الخاسرة ضد البيروقراطية