أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوري أفنيري - وجبة غداء في دمشق















المزيد.....

وجبة غداء في دمشق


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 09:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ذات مرة، وخلال سفرة قمت بها، دار حوار حول السلام بيني وبين سائق سيارة أجرة، وهي مهنة ألصق بممتهنيها لدينا كنية بأنهم متطرفون. حاولت، دون جدوى إقناعه أن السلام مع العرب هو أمر جيد. لقد فشلنا في البلاد التي لم تر يوم سلامة واحد في السنوات المائة الأخيرة، ويبدو السلام وكأنه أمر خيالي.

فجأة لمعت في رأسي فكرة، فقلت له "عندما سيحل السلام ستتمكن من سياقة سيارتك والسفر إلى دمشق لتتناول وجبة غداء من الحمّص الأصلي والعودة إلى البيت في المساء"

لقد أثارته هذه الفكرة. "والله، إذا حدث ذلك، فسآخذك معي مجانا!"

"وأنا سأدعوك للوجبة على حسابي،" اتفقنا.

استمر السائق يحلم. "إذا استطعت السفر إلى دمشق بسيارتي، فسيكون بإمكاني أن أواصل الطريق من هناك إلى باريس!"



بشار الأسد فعل ذلك ثانية. لقد نجح في دب البلبلة بين أوساط حكومة إسرائيل.

فطالما كان يصرح بتهديداته في تحرير هضبة الجولان بالقوة، لم يكن هذا ليقض مضجع أحد، فهو يصادق بذلك على ما يريد الكثيرون سماعه: لا يمكن إحلال السلام مع سوريا، وسنخوض حربا ضدها، عاجلا أم آجلا.

لماذا هذا الأمر جيد؟ الأمر بسيط جدا: السلام مع سوريا معناه إرجاع هضبة الجولان (ولا يختلف أحد على أنها أراض سورية). إذا لم يحل السلام، فلا حاجة لإرجاعها.

ولكن عندما يبدأ بشار الحديث عن السلام، فنحن في ورطة. هذه مؤامرة خطرة، يمكن أن تؤدي، لا قدر الله، إلى وضع نضطر فيه إلى إرجاع الأرض.

لذلك يوافق الكثيرون على أنه من غير المفضل حتى التحدث عن هذا الموضوع. يجب دفن هذا الخبر في الصحف أسفل صفحة داخلية وتركه إلى آخر النشرة الإخبارية في التلفزيون، بما معناه "خطاب آخر يدلي به الأسد". الحكومة ترفض هذا الأمر "رفضا باتا"، وتضيف أنه لا حديث عن هذا الموضوع حتى....

حتى ماذا؟ حتى يوقف دعمه لحزب الله. حتى يطرد ممثلي حماس وسائر المنظمات الفلسطينية من سوريا. حتى يحدث تغييرا في سوريا. حتى يُقام هناك نظام حكم ديموقراطي على الطراز الغربي. باختصار: حتى يتم تسجيله عضوا في التنظيم الصهيوني.



للعلاقات بين إسرائيل وسوريا تاريخ موثّق من 2859 سنة على الأقل. في عام 853 قبل الميلاد، تذكرت إسرائيل، للمرة الأولى على ما يبدو، وثيقة ملائمة خارجة عن روايات التوراة. لقد اتحد اثني عشر ملكا من ملوك المنطقة ضد التهديد الصادر عن أشور، على رأسهم ملوك أرام-دمشق وإسرائيل. كانت المعركة الحاسمة قد دارت بجانب كركر (شمال سوريا). وفق شهادة آشورية، شاركت القوات الدمشقية التي كان تعدادها 20 ألف جندي و 1200 مركبة، وجيش آحاب ملك إسرائيل، الذي كان تعداده 10 آلاف جندي و 2000 مركبة. ليس واضح تماما من الذي انتصر في المعركة.

ولكن هذه الشراكة كانت استثنائية. لقد تقاتلت إسرائيل وآرام فيما بينها معظم الوقت. مات آحاب موت الأبطال في إحدى هذه المعارك بعد سنتين فقط من المعركة ضد الآشوريين.

في الفترة المعاصرة، قاوم السوريون الحركة الصهيونية منذ بدايتها، حتى عندما كانت سوريا قابعة تحت الحكم الفرنسي. ولكنهم قاتلوا الحركة الوطنية الفلسطينية أيضا. يوجد لذلك سبب تاريخي: تشتمل أسم "الشام" بلاد الشمال (كما تُدعى سوريا) على كل المناطق الواقعة بين مصر وتركيا. لذلك بموجب الإدراك العربي، ليس لبنان فقط هو جزء من سوريا، بل كذلك الأردن، فلسطين وإسرائيل أيضا.

عندما أسس ياسر عرفات الحركة الوطنية الفلسطينية المستقلة في أواخر الخمسينيات، طالبه السوريون الاعتراف بهم كأوصياء على القضية الفلسطينية، وعندما رفض ذلك زج السوريون بكل الزعماء الفلسطينيين في السجن. (انتصار الوزير، زوجت أبي جهاد، هي الوحيد التي بقيت خارج السجن وقادت مقاتلي فتح - وتحولت بذلك إلى أول امرأة تقود قوة عسكرية عربية).

كان من الطبيعي أن يجد كل معارضي عرفات ملجأ لهم في دمشق، وهذا هو السبب الرئيسي لتواجد بعض زعماء حماس والمنظمات الأخرى هناك. لقد شكلوا تهديدا لمنظمة التحرير أكثر من التهديد الذي شكلته إسرائيل.



في حرب عام 1948 كان الجيش السوري هو الجيش العربي الوحيد الذي لم يُهزم. لقد واصل سيطرته على بعض الأراضي الإسرائيلية، وقد نشأت على هذه الحدود مشاحنات كثيرة (بدأ معظمها ضابط يُدعى أريئيل شارون)، إلى أن احتل الجيش الإسرائيلي هضبة الجولان في حرب حزيران، التي كان نشوبها متعلق، إلى حد كبير، بذنب السوريين.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تتمحور العلاقات بين إسرائيل وسوريا حول تلك الأرض المحتلة. إن إرجاعها هو مهمة سورية سامية. لقد طبقت إسرائيل القانون الإسرائيلي على هذه الأرض (خلافا للرأي السائد، فهذا أقل من أن يكون ضما حقيقيا). حافظ الأسد عاد واحتل هذه المنطقة في بداية حرب تشرين، ولكن الجيش السوري دُحر في نهايتها إلى مشارف دمشق. منذ ذلك الحين، يحاول السوريون قض مضجع إسرائيل مستخدمين بالأساس حزب الله.

ذات مرة كان يخيم علينا كابوس "الجبهة الشرقية" - هجوم مركز من قبل الأردن، سوريا والعراق. نبوءة النبي إرميا (1,14) "من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض" قد تركت أصداءها لدى قادة الجيش الإسرائيلي. منذ ذلك الحين صنعنا السلام مع الأردن، والعراق قد تم تحطيمها من قبل الأمريكيين، بتشجيع متأجج من قبل حكومة إسرائيل وأصدقائها في الولايات المتحدة. ولكن سوريا ما زال يُنظر إليها على أنها خطرة لأنها حليفة إيران ومرتبطة بحزب الله.

هل يُفضل لنا أن نعيش هذه الحالة لنتشبث بهضبة الجولان فقط؟ المنطق يقول لا. إذا توصلنا إلى تسوية مع سوريا، فهذا سيؤدي تلقائيا إلى تسوية مع حزب الله أيضا. من دون موافقة سوريا، لا يستطيع حزب الله أن يقيم قوة عسكرية ناجعة، لأن كل سلاح حزب الله يجب أن يأتي من سوريا أو أن يمر من أراضيها. من دون الدعم السوري سيتحول حزب الله إلى حزب لبناني عادي، وسيتوقف عن تهديدنا.

إضافة إلى ذلك، فإن سوريا هي دولة علمانية محضة. حين تمرد الإخوان المسلمون على الأسد الأب، أغرقهم بالدم. ناهيك عن أن معظم السوريين هم من السنة. عندما ستتوصل سوريا إلى سلام مع إسرائيل لن تكون لديها أية مصلحة في الارتباط بإيران الشيعية المتطرفة.

إذن لماذا لا نصنع السلام مع سوريا؟



يوجد الآن سببان لذلك: أحدهما داخلي والآخر خارجي.

السبب الداخلي هو وجود حوالي 20 ألف مستوطن في هضبة الجولان، وهم أكثر شعبية من مستوطني الضفة الغربية. هم ليسوا متدينين متطرفين، وقد أقاموا مستوطناتهم برعاية حزب العمل. لقد تخوفت كل حكومات إسرائيل من المس بهم.

هذا هو السبب الحقيقي لفشل محاولات المحادثات مع سوريا. لقد فكر إسحق رابين بذلك ولكنه ارتدع. لقد ادعى أنه من المفضل التركيز على التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين أولا. إيهود باراك كاد يتوصل إلى اتفاقية، ولكنه فرّ في اللحظة الأخيرة تماما. السؤال الوحيد الذي ظل من دون إجابة كاد يكون مضحكا: هل سيصل السوريون إلى مياه بحيرة طبريا (كما كان الوضع عليه عشية حرب حزيران) أو إلى بعد عشرات الأمتار فقط من خط المياه (وفقا للحدود التي تم تحديدها في حينه بين البريطانيين والفرنسيين، الذين سيطروا على سوريا). وكما تقول العامة: هل سيغسل الأسد رجليه الطويلتين في مياه البحيرة؟ بالنسبة للأسد الأب كان ذلك متعلق بالكرامة.

هل من المجدي، من أجل ذلك، التضحية بحيات آلاف الإسرائيليين والسوريين، الذين يمكن أن يموتوا في حرب أخرى؟

لن يكون هناك اتفاق مع سوريا حتى تقوم في إسرائيل حكومة تكون مستعدة لمواجهة هذه المسألة ولتجابه المستوطنين.

السبب الثاني لرفض السلام مع سوريا متعلق بالولايات المتحدة. تنتمي سوريا إلى "محور الشر" الذي بدعه جورج بوش. لا يأبه الرئيس الأمريكي للمصالح الإسرائيلية طويلة الأمد. ما يهمه هو إحراز نصر أيا كان في الشرق الأوسط. إن كسر نظام الحكم في سوريا ("الجبهة الديموقراطية") سوف يعوضه عن إخفاقه في العراق.

لن تكون هناك أية حكومة إسرائيلية - ولا حكومة أولمرت بالطبع - لتجرؤ على التمرد على الرئيس الأمريكي، ولذلك من المفروغ منه أن كل التماسات الأسد للسلام سترفض "رفضا باتا". حتى تسيبي ليفني التي فتحت هذا الأسبوع جبهة ضد أولمرت وقدمت نفسها كداعية سلام تعارض الشروع في مفاوضات مع سوريا.



هذه القضية تسلط الضوء على العلاقات المعقدة بين إسرائيل والولايات المتحدة: من يلوّح بمن - الكلب بالذنب أم الذنب بالكلب؟

يقول أولمرت أن علينا تجاهل اقتراحات السلام التي يتفوه بها الأسد، لأنه لا يجدر بنا أن نساعده على التملص من قبضة بوش. يجدر بنا أن نفكر للحظة في هذا التوجه.

إن وطنيا إسرائيليا كان ليقول، بطبيعة الحال، العكس بالضبط: أسد مستعد لصنع السلام معنا - حتى وإن كان بسبب خوفه من الأمريكيين فقط، فيجدر بنا أن نمتطي هذه الفرصة بكل ما أوتينا من قوة بهدف استغلال الوضع للتوصل أخيرا إلى سلام على حدودنا الشمالية.

تفوه أولمرت هذا الأسبوع بجملة يجدر بنا أن نتوقف عندها: "طالما ما زلت رئيسا للحكومة، فلن نتخلى عن الجولان إلى الأبد!" كيف يمكننا أن نفسر هذه المقولة؟ فإما أن أولمرت يؤمن أن فترة توليه ستواكب فترة تولي رب العالمين، وسيحكم إلى الأبد، أو أن الأبد في عالم مصطلحات أولمرت يمتد على مدى أربع سنوات على الأكثر.

على أية حال، لن نتمكن أن سائق السيارة أنا نتناول طعام الغداء في دمشق إلى أن ينقضي هذا الوقت.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل شيء من أجل مسمار صغير
- سيف محمد
- النجدة! مثيرو سلام!
- يسار، ولكن
- النحل على جيفة الأسد
- مثلما انتصر نابليون في معركة ووترلو
- كلب الروطوايلر الأمريكي
- الضحية رقم 155
- من الهوس إلى الهلوسة
- ماذا حدث للجيش الإسرائيلي؟
- مساطيل
- طعنة من الخلف
- في المرصاد: سوريا! أو: حرب صغيرة وجميلة
- حرب أحادية الجانب
- أغاتا في أمطار الصيف
- كرة بدل عيارات
- حتى حجارة الجدران تستغيث
- يا لها من خطة رائعة!
- إهدار الفرص
- من هو المذنب؟ الضحية طبعا


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوري أفنيري - وجبة غداء في دمشق