أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إياد الركابي - العدة والحداد بين الحقيقة والوهم















المزيد.....


العدة والحداد بين الحقيقة والوهم


إياد الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 7471 - 2022 / 12 / 23 - 00:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قال تعالى : - وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ - البقرة 234 

 

سنبسط الكلام في هذا النص لنبين للناس طبيعة الوهم وشكله ومنشأه ، الوهم الذي ساهم بشكل حاد في تغيير المفاهيم والقيم ، بعدما تدخل في المخيال العام وروج لمفاهيم غريبة منتحلة ، وكثير منا يعلم أن الوهم له من القوة لدى البعض ما يجعله يطغى على تفكيرهم وعقلهم ، ويُغلَّب فيهم تلك الترسبات السوقية غير المنتظمة بسلم من المعارف والعلوم ، حتى ساد في أوساطنا كحقايق ثابتة ، ومنها على سبيل المثال مفهومي - العدة والحداد - ونعني بالعدة : - هي تلك المدة الزمنية التي تعيشها المرأة منتظرة لزوجها بعد وفاته - ، واما الحداد : - فهو تلك المدة التي تقضيها المرأة في مكان ما حدادا على زوجها بعد وفاته - ، ولم يفرق عامة المفسرين وأهل الفقه بينهما مع الأسف ، بل ذهبوا للقول : بأن العدة هي الحداد ، والحداد هو العدة !!! ، وهذا كما ترون وهم وخلط في المفاهيم ساد في لسان العرف وتمكن منه ، وهذا التوهم منهم هو إدماج قهري وصهر غير معرفي للمفاهيم في وضع مغاير للحقيقة الشرعية والدلالية ، وصار الأستعمال العرفي للمفاهيم هو الغالب أو قل هو الشرعي ، وغابت في ظل ذلك الحقيقة الشرعية والحكم الصحيح ، ولكي نقف عند أصل هذا الوهم وفصله ، لابد من أستطلاع لغة العرب في هذا الموضوع أولاً ، أعني في الألفاظ والمعاني التي يتشكل منها النص ، وثانياً سنسلط الضوء على الحقيقة الشرعية معناها ومُرادها لدى الأصوليين ، وكذلك كما وردت في نصوص الكتاب المجيد توالياً :

المفردة الأولى : قوله تعالى : - يتوفون - ، هذا الفعل في أصله مصدر هيئة يدل على المفارقة والبعد ، ويكون دالاً على الموت في حال ثبوت ذلك ، أي حين يكون ذهاب الروح عن البدن أمراً حقيقياً واقعياً ، ولا يكون ذلك كذلك إلاَّ في حالة تحقق كل الشروط الموضوعية الدالة على ذلك ، وقد عبر البعض عن ذلك بقولهم : - حين يستوفي الكائن الحي فيها على كل الشروط الموضوعية الدالة على إستحالة الحياة في الدنيا - ، وإلى ذلك ذهب علماء في اللغة للقول : - بأن الموت يكون أخص في الإعتبار من معنى الوفاة ، التي هي الأعم في الدلالة من الموت في المعنى - ، ومنه نعلم إنه كلما جاء لفظ - يتوفى - فهو صيغة إستغراق ووصف عام ، ويدل على هذا المعنى ماورد في قوله تعالى : - فلما توفيتني – المائدة 117 ، عن قصة عيسى النبي و ذلك الحوار الذي دار بينه وبين الله تعالى ، والذي نفهم منه أن هناك إتفاقاً قد جرى بينهما ، يتكفل بموجبه الله القدير بإبعاد عيسى لسبب ما ، عن تلك الجماعة التي كان عنها مسؤولاً ، وتتحول المسؤولية المباشرة والرقابة لله الخالق القدير ، فقال : - وكنت أنت الرقيب عليهم - المائدة 117 ، أي أنت الرقيب عليهم في الحال المشار إليها ، والذي قد تم بناءاً على صيغة الإتفاق الذي باعد الله فيه بين عيسى النبي وبين عالم الإمكان و المادة ، ومن ذلك نفهم : إنه لماذا لم يأت الله بالفعل بصيغة - أمتني - ؟ ، بل جاء بصيغة – توفيتني – التي هي بمعنى أبعدتني أو فارقت بيني وبين جماعتي ، وفعل المخاطب هنا يُراد منه ليقع موقع البناء للمعلوم من جهة السامع ، فلو قال مثلاً - أمتني - بدلاً عن - توفيتني - لأصبح الخطاب لغوا منه وعبثا ، لماذا ؟ لأن خطاب المتكلم العاقل مع الميت بتلك الصيغة وعلى هذا النحو غير ممكن البتة هذا من جهة عالم الأمكان . 

وقد عَّرفنا الموت : - بأنه خروج للروح عن البدن - ، وأختلف بمعنى الروح !! فمن قائل بأنها من جنس المادة ، ومن قائل إنها من جنس غير معلوم ولكنه ليس مادياً ، والذي نرجحه في هذا الباب انها من المادة ، لقوله تعالى : - يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي - الإسراء 85 ، ومعلوم إن عالم الأمر هو عالم مادي ، ومن هذه الجهة نرجح ماذهبنا إليه من كونها مادة ، والروح هي تلك المادة التي يتحرك بها البدن ، أو قل هي الطاقة التي تحرك أجهزة البدن ، والتي يتم بها تشغيل تمام أعضاء البدن أو الجسد ، والموت يكون حقيقيا وتاماً في حال خروج هذا المؤثر أو هذه الطاقة من البدن أو الجسد ، ويجب ان يكون ذلك على نحو تام و نهائي ، وهذا القيد الذي وضعناه إحترازي بأمتياز ، وفي حال الموت تنعدم صفة الحوار على النحو المتقدم ولا تصح كذلك في غيره ، ولكن ذلك يكون ممكنا في حال الوفاة التي هي صيغة مفارقة أو بعد على نحو ما . 

هذا الكلام يقودنا للسؤال المشروع حول حقيقة عيسى النبي !! ، وهل أنه حي أم لا ؟ ، والحديث عن الحياة والموت يلزمه الدليل الدال على إثباته ، فالكتاب المجيد ونصوصه التي بين أيدينا لا تتحدث عن الموت بشكل واضح وصريح ، وإنما ورد الكلام بصيغة - توفيتني - وبصيغة - متوفيك - ، ولم ترد بصيغة – أمتني أو مميتك - !! ، والفرق بين الصيغتين واضح لا يخفى على أهله ، بل أن ماورد من بيان في قوله تعالى - شُبه لهم - إنما هو إشارة ضمنية تدعونا للتفكير الجدي في حياة عيسى النبي ، فالتشبيه في لغة العرب هو إستعارة تبعية دالة هنا على التعمية التي يراد منها إتمام عملية الأبعاد دون إلفات نظر . 

ونفس الشيء يمكننا قوله أو اسقاطه على حياة الإمام المهدي الغائب كما يرآه عامة المسلمين ، فغيبته على هذا النحو تكون وفاة بلحاظ هذا المعنى لمن يؤمنون بوجوده ، فهو إذن غائب ومفارق بلحاظ عالم الإمكان والمادة لا بلحاظ عالم الشهود والقدرة ، أعني أن مفهوم الوفاة مصداقها غيابه عن عالم الإمكان . 

ومن باب التنبيه كذلك ، يمكننا من جهة حساب حياة أصحاب أهل الكهف ضمن حدود هذه المصاديق ، أولئك الفتيه الذين ضرب الله على آذانهم في الكهف سنيين عددا فصاروا رقوداً - وتحسبهم ايقاظا وهم رقود - الكهف 18 ، ورقود في اللسان العربي بمعنى نيام وخصوصاً في الليل ، والوصف جاء من وحي الطبيعة أو الهيئة التي كانوا عليها ، وقيل بل معناه النوم العميق المستغرق في الظل والعتمة ، بحيث يدل معناه على مفارقة عالم الإحساس وعدم الشعور بالمحيط العام ، ويكون ذلك من خلال تعطيل أداتي السمع والبصر ، أي يجعل منهما بعيدين عن المؤثرات أو الإستجابة للمتغيرات الطبيعية التي تحدث حولهما . 

ولكن مامعنى قوله تعالى : - الله يتوفى الأنفس حين موتها ..- الزمر 42 ؟ ، والبحث في الأصل يجب أن يذهب إلى ماذا تعني لفظ - الأنفس - ؟ والتي مفردها النفس ، يقول أهل الحكمة النفس : هي ( الطبيعة المادية ) للكائن الحي ، والموت يقع عليها ، أذن هي الموضع أو هي المكان الذي يقع فيه أو عليه الموت ، ومن هنا قالوا : وبالنفس نتعرف على صفات الكائن الحي التي يتميز بها من حركة وشعور وغير ذلك ، فاذا توقفت هذه الطبيعة عن الإستجابة لصفاتها الحيوية فعند ذاك يُقال عنها أو أنها ميته ، ولايكون الموت ممكناً من غير مقدمته التي قلنا عنها بأنها المفارقة أو البعد ، و الذي به يتم الإنتزاع الذي يسميه النص - يتوفى - ، والذي هو الشرط الموضوعي السابق و اللازم لصحة الموت أو قل هو المقدمة ، بدليل صيغة التوكيد في البيان التالي والذي قال فيه : - فيمسك التي قضى عليها الموت .. – 42 الزمر ، فيكون الإمساك بمعنى : ان الله قد جعل من المفارقة نهائية وتامة في حال حكم أو قضى الله على الأنفس بالموت . 

المفردة الثانية : هي فعل - ويذرون - ، والذي هو بحسب أقرب المقاييس المعجمية يدل على الترك إن كان مضارعاً وعلى الخلق ان كان ماضياً ، والضمير في مسألتنا يعود في الفعل على الأزواج الذين يتوفون ويتركون أزواجا لهم . 

المفردة الثالثة : قوله - يتربصن - أي ينتظرن من الفعل تربص الرباعي الجذر قال تعالى : - فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ - التوبة 24 ومعناه أنتظروا أمر الله الذي يأتي أو سيأتي ، وفعل تربص من الافعال التي تتضمن حركة النقلة من جهة مخالفة مايريده الأعداء فيكون الإنتظار من جهة الفئة المؤمنة للخير كقوله تعالى : - قل هل تربصون بنا إلاَّ أحدى الحسنيين - الطور 30 ، فهي من هذه الجهة إنتظار لأحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ، وتارة يكون التربص للشر كقوله تعالى : - نتربص به ريب المنون - الطور 30 .

 

 الحقيقة الشرعية :

 - الحقيقة الشرعية : - هي مفهوم دلالي ورد التنويه عليه في البند الثاني من المقدمة ، ويُراد منها المعنى الحقيقي للفظ وذلك في مقابل المعنى المجازي ، وبما إننا ممن يقول بعدم الترادف في الكتاب المجيد ، فهذا دليل إثبات على صحة قولنا : ذلك أننا نعلم ان الله حينما وضع الألفاظ في الكتاب المجيد ، إنما وضعها لمعاني خاصة محددة ومعينة ، ولم يجعل من المعاني سائبة أو خاضعة للقيل والقال ، أعني أن كل لفظ في الكتاب المجيد وضع لمعنىً معين ومحدد بدقة ، وهذا التوكيد يجعلنا نقول : - إن الحقيقة الشرعية ثابتة في الكتاب المجيد - ودليل ثبوتها هو من وضعها وهو الله القدير ، ويعني هذا ان كل المعاني تكون حقيقية بالنسبة للألفاظ التي وضعت لها ، وهذا ما استدلّ عليه - صاحب كفاية الأصول : في ثبوت الحقيقة الشرعيّة من خلال التبادر ووضوح المعاني الشرعيّة من الفاظها - ، وإلى ذلك ذهب السيد الخوئي أيضاً في ثبوت الحقيقة الشرعية ، وانّ أعتبر الوضع قد تم تعيناً وناتجاً عن كثرة الإستعمال. 

 وفي مسألتنا تكون الحقيقة الشرعية هو هذا المعنى المُراد من النص ، ودلالة اللفظ على معناه تكون من خلال الوضع اللغوي أو من طبيعة المتبادر منه ، ومن هنا لا نجد فرقاً فيه بين معناه هنا والمعنى الدلالي للفظ ، ذلك الذي أتخذناه ركيزة في بحثنا عن مفهوم النص ، ويكون وصفنا للحقيقة بأنها دلالية وشرعية وهو ما يرآه أيضاً عبدالقاهر الجرجاني رحمه الله في التعاريف ، هذا بلحاظ وحدة السياق والنظم :

 ونعود لنقول : ومادمنا نعتبر معنى - يتوفى - معناً عاماً دالاً على المفارقة والبعد ، و لا يكون الموت من أصدق معانيه أبتداءً كما تدل على ذلك لغة العرب ، وإنما يكون الموت من أحد مصاديقه الثابتة ( بالعلم واليقين ) ، ويعني هذا أن مجرد لفظ - توفى - لا يدل على الموت مع عدم العلم واليقين ولا يعد موتاً أبتداءً ، وإنما الموت يكون في السياق و في العرض ان ثبت بالعلم واليقين ، أي لا يكون أولاً وبالذات من جهة اللفظ . 

والمرأة التي - يتوفى - عنها زوجها تكون مفارقة له على نحو ما ، وحكمها من جهة الشرع حكم المنتظرة له بهذا اللحاظ ، إن لم تعلم علم اليقين بأنه قد مات أو إنه ميت بالفعل ، لنقرأ النص قال تعالى : - وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ - خطاب النص إنما يتحدث عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها ، ولا يتحدث عن المرأة التي مات عنها زوجها ، أي إنها هنا بحكم التي لا تعلم بإنه ميت أم لا يقيناً ، وقيد ( لا تعلم ) أتينا به للتضمين والدلالة على ماورد في النص من معنى قوله : - يتوفون - ، فالذين يتوفون عنهم أزواجهم ، جعل الله لهم مدة من الإنتظار حكماً شرعياً ، قال : هي - أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً - ، وهذه المدة يمكن حسابها الزمني ليتحصل منها البراءة الشرعية - براءة الذمة - مما يتعلق بالزوج المتوفي ، إذن هي وقت مستقطع من حياة المرأة منظوراً إليه في حال ، إن كانت المرأة في شك من أمرها من جهة الحمل أم لا ، وعليه يكون الوقت المعين يرتبط :

أولاً : بالنظر لمعرفة حقيقة غياب الزوج والتحقق من ذلك على كل نحو . 

وثانياً : يرتبط من جهة المرأة بالتثبت من حقيقة فيما لوكانت حاملاً أم لا . 

وبالعودة لتحليل فعل - يتربصن - وضميره المتعلق به نعلم ، إنه يعود على الأزواج المتوفين ، وليس على ترك الزينة والطيب على فراق الزوج ، لماذا ؟ لأن الزينة في أصلها تنقسم بحسب الواقع والوضع إلى - زينة داخلية وزينة خارجية - ، ولا يصح منع الزوجة من رعاية مظهرها أو الإعتناء بزينتها الداخلية ، بل المنع في هذه الحالة أمر مستقبح عند العقلاء ، وأما مفهوم الزينة الخارجية فهي من الأشياء النسبية التي تتفاوت شدة وضعفا بحسب الواقع الإجتماعي والبيئي والثقافي ، وتعميم الأحكام والفتاوى من غير علم بالواقع من هذه الجهة ، دليل ضعف وقلة خبرة في مجال البحث العلمي والشرعي ، لهذا وصف أحد الفقهاء قول بعض المفسرين : - بتحريم مطلق الزينة على الزوجة المتوفى عنها زوجها ، بأنه قول واهن ضعيف ولا يعضده دليل من كتاب أو سنة - ، نعم يتطلب الأمر الدقة وعدم التقليد أو الخلط في تركيب الأحكام والفتاوى وتأليفها ، إنما يجب رعاية نصوص الكتاب المجيد ورفع درجة الوعي ، وتخليص الذهنية القديمة من مفاهيم غير صالحة كالقول بوجود النسخ في نصوص الكتاب وآياته ، وإلى ذلك نسترعي الإنتباه فالتراث القديم في بعض فصوله قدم لنا مواداً لا تصلح ولا يجب الأخذ بها خاصة بما يتعلق في الكتاب المجيد ، ذلك إننا نؤمن بان كل نص في كتاب الله المجيد له مساحة معينة من الأهداف والمعاني تكون مستقلة عن غيرها ، ناهيك عن أن مفهوم النسخ في لغة العرب له موضوع معين لا يصح تطبيقه على الكتاب المجيد . 

 وفي مسألتنا نجد ان الله قد فصل بحسب الوضع والطبيعة حكم كل الأشياء ، فهو حين نظر إلى ذوات الأحمال من النساء قال تَعَالَى: - وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ - الْبَقَرَةِ 240 ، جعل مدة الإنتظار حولا كاملاً ، أي إنه رتب المدة بحسب علم المرأة بحملها ، ولا يصح الإدعاء بأن النص مورد البحث قد نسخ هذه المدة فجعلها أربعة أشهر وعشرا ، بل ان لكل نص متعلق ما ولم يأت لكي ينسخ ما قبله ، فالأحكام الشرعية إنما وردت لتجعل من الحكم مناسباً لموضوعه ، و لم تأت لتنسخ بعضها بعضاً ، بل جاءت لتكمل بعضها بعضاً . 

وعلى ما تقدم يمكن القول بأن فرضية السقف الزمني إنما جاءت متسقةً مع طبيعة كل إمرأة منظوراً إليها بحسب وضعها ، وكيف تكون في الأحوال التي هي فيها ، ولهذا قال تعالى في موضع اللائي : - .. يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ - الطلاق 4 ، فالنص يتحدث عن النساء اللائي أنقطعن عن المحيض لسبب ما ، فقد جعل الله لهذه المرأة مدة زمنية تعتد بها - ثلاثة أشهر - ، وجعل من هذه المدة بمثابة القيد الذي تحرز فيه المرأة حالها وتطمئن له بدليل قوله - ان ارتبتم - ، فالمدة الزمنية المشار إليها في كل حالة ، إنما تأتي بدرجة تامة للحصول على الحقيقة الشرعية ، وليس من باب إضطهاد المرأة ومنعها من أن تعيش حياتها و مزاولة عملها ، إنما المراد من ذلك تحقيق البراءة الشرعية ليس إلاَّ .     

نعم العدّة وَاجِبَةٌ عَلَى المرأة ، وَهي حرة في إنتخاب المكان الذي ترى فيه سعادتها لكي تكمل فيه عدتها ، ولا يجوز فرض نوع معين من الحياة عليها ولا يجوز منعها ، ان تتزين على نحو لا يخرجها من طبيعتها ، والفتاوى المانعة لها إنما هي نتاج واقع قد ولى وأندثر ، وليس له نصيب من الكتاب أو السنة الصحيحة المعتبرة ، وأما الأقوال المانعة من جهة بعض أهل التراث فلا يعتد بها ولا نميل إليها ونمنع الأخذ بها ، وأما الحداد فهو غير العدة هو شيء من التقاليد والأعراف التي منعها الشرع المقدس ، روي عن النبي عليه السلام قوله : - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ - . 

وخلاصة الكلام : إن لغة الفقه القديم تحتاج إلى إعادة نظر وتغيير ، ذلك ان كثير من الأحكام والفتاوى كتبت على نحو ما ، أفتقد فيه الكاتب على الضمانات العلمية والفكرية ، ومن بين تلك المسائل ما نحن بصدده هنا حول عدة المرأة المتوفي عنها زوجها ، والتي صارت بحكم تلك العقلية تعني حداد المرأة على زوجها ، مع إشتراطات ولوازم ما أنزل الله بها من سلطان ، ولهذا نقول المهمة إذن هي في التوكيد على قيمة الكتاب المجيد ، وكيف يجب أن نقرئه من جديد ؟ ، وكيف يمكن إنتاج أحكام وفتاوى منه تكون مناسبة للزمان والمكان ؟ ، ومن هنا يجب التفريق أولاً بين لفظ العدة وبين لفظ الحداد ، والتفريق في الحكم بينهما ، فالعدة واجبة بحكم الشرع وكتاب الله ، والحداد مستحب عند موت عزيز أو قريب ، شرط ان لا يزيد الحداد عن ثلاث ليال ، وأما ماهو جاري في أعصارنا فمن فرط التوهم وعدم التفريق والعلم .. 






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- معاريف عن اللواء احتياط إسحاق بريك: حماس عادت إلى حجمها قبل ...
- ما الذي يمنعك من مسامحة حبيبك السابق؟
- حزن وقلق بسبب إصابة نجم بايرن والمنتخب الألماني موسيلا
- التبت: الدالاي لاما يحتفل بعيد ميلاده التسعين وسط أسبوع من ا ...
- شاهد..مباراة كرة قدم بين روبوتات في الصين
- شرطة النووي.. تاريخ إسرائيل في تدمير المفاعلات النووية العرب ...
- متظاهرون في باريس يطالبون بفرض عقوبات حازمة على إسرائيل
- خشية تهدئة محتملة.. إسرائيل تسرّع التهجير والتدمير بشمال غزة ...
- نعيم قاسم: لن نستسلم ولن نترك السلاح
- تقرير: حماس حاولت اختراق قاعدة سرية بإسرائيل عبر شركة تنظيف ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إياد الركابي - العدة والحداد بين الحقيقة والوهم