أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهمى عبد السلام - أمنية فهمى















المزيد.....

أمنية فهمى


فهمى عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 7461 - 2022 / 12 / 13 - 22:11
المحور: الادب والفن
    


أمنية فهمي

-1-


كانت من البارزات في دفعتنا،ولم تكن من جميلات الدفعة ولكنها كانت تتمتع بجاذبية أنثوية قوية ومفعمة، بخلاف أناقتها وأصولها الأرستقراطية، وذاعت شهرتها بيننا عندما تم زواجها وهى طالبة من المعيد المعروف فوزي أبو غالي، وإن كان من أصول شعبية، وهو إبن فراش في كلية الطب، إلا أن فوزي كان معيدا مرموقا ونجما من نجوم الدروس الخصوصية، وقد تعرف فوزي على زميلتنا أمنية فهمي عندما كان يتردد عليها في شقة أسرتها الفارهة في جاردن سيتي ليدرس لها درساً خصوصيا، وتنتمي أمنية إلى أسرة عريقة، فوالدها هو المرحوم كمال بك فهمي القاضي العتيد، وقضت أمنية طفولتها في جاردن سيتي ونادي الجزيرة وتخرجت من مدرسة المرديديو الراقية والتحقت بكليتنا، وأقام العريس مع عروسه الطالبة في شقتها الفارهة والتي تقيم فيها مع أمها وشقيقتها الوحيدة. وكما فوجئت الكلية بخبر الزواج بين المعيد الفقير- آنذاك – فوزي أبو غالي وتلميذته الثرية أمنية فهمي، فوجئ مجتمع كليتنا بعد عام واحد بخبر طلاق أمنية من فوزي، وكان للزواج الخاطف الذي أعقبه طلاق خاطف وقع الصاعقة، لا سيما أن العروس كانت على أبواب الأمتحانات، وعرف الجميع أن العريس المعتز بنفسه إلى درجة الغرور، لم ثيابه من شقة الزوجية في جاردن سيتي وعاد إلى مسكن أبويه في ساقية مكي.

رفعت أمنية رأسها وقالت بفمها الواسع وأسنانها النضيدة في نوبة صراحة:
- ذات مرة قرر فوزي أن يحضر من بيتهم أنت تعلم أن أهله من البسطاء
- أعلم والده
لم تدعني أكمل وقالت
- ليس هذا بالمهم المهم أنه أحضر مكتب، مكتب خشبي عادي، أحضره من بيتهم ليذاكر عليه، واكتشفت ماما المكتب، فلم تتوانى وأمرت بإخراج المكتب خارج الشقة، وأمرت الخدم بإخلائه ومعاجلته بالمبيدات لمدة ثلاثة أيام، وأن يترك باب الشقة اسبوعا كاملاً ليتطهر من الحشرات ومن البق
- وماذا فعل فوزي؟
هكذا سألت فقالت
- لم يفعل شيئا.. فقد كان يخاف من ماما... تشاجر معي مشاجرة صغيرة لكنه أضمرها في نفسه.
وكان خبر الطلاق حديث الكلية كلها، وسرعان ما استيقظ مجتمعنا الصغير على مفاجأة ثالثة بعد الطلاق بشهور، فقد تزوج المعيد فوزي أبو غالي من أعز صديقات مطلقته " أمنية فهمي" فالعروس الجديدة كانت" ليلى علام " زميلتنا في نفس الدفعة وصديقة ليلى فهمي الحميمة، صديقتها كما يقولون" الروح بالروح". وضرب الجميع كفاً بكف دهشة وتعجبا، فالكل يعلم بعمق الصداقة بين العروس الجديدة ليلى علام و والزوجة السابقة أمنية فهمي، وتحولت الصداقة الحميمة إلى عداوة وبغضاء، ودارت أقاويل عن مواجهات فظيعة في شراستها دارت بين الغريمتين أثناء فترة التدريب العملية وبحكم سكن كل منهما فقد إجتمعن في فترة التدريب في معمل واحد. ودارت التكهنات والأقاويل عما حدث؟ وكيف يتزوج فوزي من صديقة عمر مطلقته الشابة، ومن رسم على من؟
- فوزي أبوغالي لا يصلح معه سوى ليلى علام التي ستجعله يمشى على العجين ما " يلخبطوش"... صاحبتي وأنا عارفاها
هكذا قالت أمنية فهمي وأردفت
- الطيور على أشكالها تقع... ليلى نفعية و وفوزي بلا ضمير لقد ساعدها في الامتحان العملي وأوصى بها في الشفوي فحصلت على تقدير امتياز في مادته، وهاهى يتم تعيينها معيدة في القسم نفسه، وسلم لي على القيم الجامعية والعدالة.

-2-

أنهيت سنة التجنيد الإجباري وتسلمت عملي كمعيد في القسم لأجد أن أمنية فهمي قد سبقني بعام واحد في العمل معيدة معي في القسم نفسه، ولاحظت بعد فترة قصيرة أن أمنية تسعى لتوطد علاقتها ، وتميزني عن بقية الزملاء بمعاملة خاصة، الدلائل عديدة وملحوظة، منها حرصها على أن تختلي بي في كافيتيريا أعضاء هيئة التدريس أو في حجرة المعيدين، وأحاديثنا التي تمتد لساعات طويلة، وتطورت المسألة إلى توصيلي بسيارتها الأنيقة الحديثة إلى مكان قريب من منزلي في وسط البلد، ودعتني لزيارتها في منزلها فلبيت الدعوة ولم ألتق بوالدتها، وبُهِرْتُ بالبيت العتيد من عراقة الأثاث والغرف الفسيحة والثريات البللور الثمينة، والستائر المخملية البديعة، وحدثتني كثيراً عن نفسها وعن أبيها القاضي الجليل ونسبه إلى الأعيان في الصعيد، وأن أمها من أسرة أعيان في الصعيد، وعن وفاة أبيها وهو في ريعان الشباب ليترك أرملته الشابة مسئولة عن طفلتيها، وحدثتني عن شقيقتها التي تزوجت مدرس مساعد في كلية التجارة وسافرت معه باريس ليحصل على الدكتوراة ويعود استاذا في كلية التجارة، وعن زيجتها المأساوية من فوزي أبو غالي زوجها السابق الذي اساء إليها، وعن إصرار أمها على أن يطلقها لسوقيته وتعمده إهانتها تنفيثا عن شعوره بالدونية وعقده الدفينة.
كل الشواهد كانت تؤكد أن أمنية وقع اختيارها على، وأعترف أنني تعلقت بها بشدة، وجدتها حارة الطباع تتمتع بالأناقة والذكاء وبقوة الشخصية، بخلاف الثراء والحضور والأنوثة وقوة الشخصية، وعندما نجحت في امتحان الماجيستر عزمت القسم كله على حلوى فاخرة، وكانت " سيمون فيميه " من حلواني الطبقة الراقية.
وقضيت ليالي أفكر فيها كزوجة المستقبل، وفي كل ليلة كنت أعقد العزم على الارتباط بها بالخطوبة ثم الزواج، وأن أفاتحها في الغد- بدون ابطاء- على رغبتي في أن تقبلني خطيبا لها، وأن نحدد موعدا لكي أصحب شقيقتي الكبرى لخطوبتها من أمها أتقدم إلى أمها على الفور ، لاسيما أنني كنت أعيش وحيدا، وكنت أتوق لكي املأ حياتي الجافة بإمرأة ترطب وتلطف من حياتي الموحشة، ليالي بلا عدد وشهور طويلة أرقد مؤرقا أفكر في أمنية وأنا أشحذ نفسي لكي أفاتحها في الصباح وفي طلب يدها وخطوبتها، وفي الصباح أعود إلى ترددي وحذري الفطري، فيتبدد ماعزمت عليه ويسيح كما الزبد، فأحجم في الصباح عما كنت عزمت عليه.
الحقيقة أن طبعي وخلقي الهاملتي الحذر المتوجس والمتردد، كان سببا من أسباب إحجامي عن التقدم للزواج من أمنية فهمي، بالإضافة للحذر المشئوم، هناك نقطتان عانيت منهما، كانتا أشبه بوخزات أليمة كانت تسمم حياتي وتخيفني وتضاعف من حذري واحجامي.
النقطة الأولى أن فوزي أبو غالي طليقها يعمل معنا في نفس المبنى، وأنا أعرفه جيدا، ويعرفني جيدا، وهو شخص كريه وسخيف ومغرور ومتعالى وكتلة من العقد، ربما كنت حساساً أكثر مما ينبغي، كيف سيستقبل الخبر؟ كيف سيراني؟ إذا ما التقينا كيف سيكون لقائنا؟ ماذا سأقول له وماذا سيقول لي؟ النقطة الثانية وهى الأكثر صعوبة تتعلق بظروف أمنية، فهى ثرية ولديها شقتها الفارهة وتنتمي إلى الطبقة الراقية، وأنا لا أملك شيئا، لا دخل لي سوى مرتبي الهزيل وما أتقاضه من عمل خاص، بالكاد يغطيان مصاريفي الشخصية من طعام ودخان وسهرات رخيصة مع أصدقائي من الصعاليك، فأنا من أسرة متوسطة مستورة بالكاد، ولا أملك لاشقة ولا مدخرات، سأكون " شريكا بالمجهود" سوف أتعرى أمام الجميع، ومجتمع الكلية محدود وكله على عينك يا تاجر، سيعتبرني الجميع مجرد إنتهازي وصولي استغل أنها " مطلقة " ليتزوج مجانا ويعيش في شقتها وتنفق أمها عليهما معا. هل أتحمل النظرات والغمزات باعتباري أنتهازي و وصولي؟ كيف ستكون لي الكلمة العليا في بيتنا؟ هل يتكرر معي مافعلته أمها مع فوزي أبو غالي فتأمرني فألم ثيابي وأخرج مشتوما مطروداً؟ خبرتني الحياة أن لكل شئ ثمن، فما الثمن الذي سيكون على أن أسدده في مقابل الحياة في قصر جاردن سيتي وبأموال الهانم؟
كانت تلك الهواجس السوداء تسمم حياتي وكنت أسقطها فتترسب في أعماقي كما يترسب الطين في قاع الكأس، وبالرغم من تلك الأفكار السوداء المسمومة، اعترف بأنني كنت مجذوبا إليها بشدة، ولم أتمكن من الابتعاد عنها فظللت أدور في فلكها كما يدور النجم في المدار.
- هل تعلم أنني أمتلك ثروة كبيرة... رصيدي في البنك مائة وخمسين ألف
كان ذلك المبلغ يكافئ الملايين من جنيهات هذه الأيام
لم أعلق
وفي مرة أخرى وجدتها تقول:
- هل تريد العمل في الخليج؟
- نعم...
- ماما لها صديقات من الأسرة المالكة... وممكن جدا
وفي مرة ثالثة وجدتها تقول:
- بالأمس كنت مع هند لزيارة طبيب النساء، هههه.. قال لهند غريبة أن صديقتك- يقصدني- وكأنها مازالت بكر ولم تتزوج يوما
هكذا راحت أمنية تقدم الاغراءات لكى أتغلب على ترددي وحساسيتي. وبعد شهور قليلة وجدت زميلتنا هند وهى صديقة أمنية الحميمة تقول لى مباشرة:
- لماذا لا تتقدم لخطوبة أمنية؟
ارتبكت وتهربت من الإجابة وتأكدت أن أمنية بعثت بها لأنها ملت من ترددي.

وعصر يوم جمعة، وقد خلت شوارع القاهرة من المارة بسبب مباراة دولية في الكرة بين مصر ونيجيريا للتأهل لكأس العالم، كنت أصطحب صديقتي الجميلة باسانت حمدي، وكان بيننا إعجاب ومواعدات، قابلتها وكنا في طريقنا إلى فندق شبرد، وبينما نعبر- باسنت وأنا - ممرا ضيقا وقصيرا في وسط البلد، وجدت أمنية فهمي ومعها فتوح رشدي أستاذنا في نفس القسم. ارتدت أمنية ثياباً أنيقة تكشف عن ذوقها الراقي، وقد زينت وجهها فبدت صارخة الأنوثة والصبا.
"إني رأيتكما معا"
هكذا قلت في نفسي وقد صعقتهما المفاجأة،ولم يكن ثمة مجال اللهروب أو التراجع، سرنا خطوات قليلة وتلاقينا وقد ابتسما في ارتباك فابتسمت في ظفر.
- أقدم لك أستاذنا د. فتوح رشدي.. وزميلتنا د. أمنية فهمي..
تصافحنا وابتسما في ود هما يخفيان ارتباكهما
- أهلاً وتشرفنا
- الآنسة باسنت حمدي
- هل تفضلتما معنا لنتناول" لقمة " معا؟
هكذا قال د. فتوح في بساطة:
- بالهناء وبالشفاء يا باشا... بعد إذن سيادتك. هكذا قلت وأنا أصطحب باسانت وننصرف.

انصرفت ورأسي تدور، شعرت بفرحة شديدة لأن أمنية رأت جمال باسنت وأناقتها ورشاقتها، وفكرت أن استاذنا على مشارف الخمسين، ويعرف الجميع أنه على خلاف كبير مع زوجته، وأن لعابه يسيل مع أية أنثى، فوق هذا وذاك اللقاء يثبت انتهازية أمنية، "أية لقمة" ستتناولانها ببفراناتكما وأناقتكما وهيامكما؟ هذا موعد غرامي سري شاء القدر أن يطلعني عليه، دعك من أن د. فتوح لا طاقة له بأن يتماسك أمام أي أنثى؟ فهذه حقيقة يعرفها الجميع، المشكلة كانت في أمنية فهمي، اثبتت الواقعة أنها انتهازية، كنا نعلم د. فتوح رشدي سوف يناقش رسالة الماجيستير لأمنية صباح اليوم التالي، اشترته أمنية بثمن بخث، أن يخرج معها وأن يتناولا الطعام سويا. اليست انتهازية؟ كيف يفلت هذا السلوك من شبهة " العهر"؟ ألا تأخذ البغي ثمن أنوثتها؟ هذا جوهر العهر، ستأخذ أمنية فهمي ثمن أنوثتها بقبولها دعوة الطعام والثمن سيكون مناقشة لينة هينة للرسالة؟... هكذا جرت أفكاري حادة قاطعة- تتناسب مع سخونة الشباب- لا تعرف الهوادة.
وسمعت أن د.فتوح – في اليوم التالي وفي أثناء المناقشة- أسهب وأطنب في الثناء على الرسالة وعلى الباحثة. تحققت من زيف د. فتوح وقلة أمانته العلمية، وتجسدت – عندي- الانتهازية في سلوك أمنية. اوأدنت سلوك أمنية الوصولي ورأيته رخيصا إلى درجة الابتذال، وقررت أن أحسم أمري مع أمنية، وعملت بمبدأ لا يفل الحديد إلا الحديد، في ذلك اليوم قررت أن أتقدم لخطوبة باسانت حمدي فهى " على باب الله " مثلي، وسوف تكون لى الكلمة العليا في بيتي، وسوف تسافر باسانت إلى الخليج وسنعتمد على أنفسنا في تكاليف الزواج، وقد كان.


-3-
على ناصية مجمع التحرير وأمامي مدرسة على عبد اللطيف تلك الفيللا الأنيقة المزركشة بروائع الركوكو، ومعي خطيبتي باسانت حمدي لنعبر تمثال سيمون بوليفار في طريقنا لبهو فندق شبرد، وتصادف خلو الشارع والميدان من المارة، وفجأة التقيت بأمنية فهمي وهى تقود سيارتها، التقينا وجها لوجه والعين في العين، اتسعت حدقتاها دهشة وهى تتطلع إلى باسانت التي كانت قد تأنقت وتزينت على سنجة عشرة وقد بدت في أبهى حالاتها أناقة ورشاقة وجمال. وفي اليوم التالي التقيت بأمنية وهنأتني على الخطوبة فشكرتها على مشاعرها النبيلة. ولم تستمر خطوبتي لباسانت طويلاً، فقد ناصبتني شقيقتها الكبرى- التي لم تتزوج – العداء، وعملت بكل مرارات عنوستها على افساد الزيجة، أما أمنية فقد تزوجت من جراح يقاربها من العمر، ولم تستمر زيجتها طويلا، فقد دبت بينهما الخلافات العميقة، وأخبرتني أن الزوج هجر عش الزوجية في جاردن سيتي غاضب، وأخبرتني أن حماتها كانت السبب فيما هى فيه، وأنها على وشك الطلاق، واستأنفنا علاقتنا القديمة، وازدادت علاقتنا حرارة، فكنا نخرج كل يوم، ومضت سنوات لم نكن نفترق تقريبا، في النهار نحن معاً في العمل، وبعدها تأخذني بسيارتها لنمضى ثلاث وربما أربعة ساعات معاً، وربما تناولنا طعام الغداء سويا، لنفترق أنا إلى عملي الخاص، وهى إلى بيتها، وبعد أن أنتهى من العيادة الشعبية التي كنت أعمل بها، نتواصل بالتليفون، وتمتد مكالماتنا لساعات، والخلاصة أن أمنية شملتني بأنوثتها وبحضورها الرائع ومن ناحيتي اعترف أنني آنست إلى ظلال أنوثتها الوارفة وهجعت في أريجها.

وها أنا أتخلى عن حذري وأغادر ترددي، فذات أمسية قلت لها وكأنني ألقي بنفسي في البحر:
- هل تقبلين يا أمنية أن تتزوجيني؟
- أشرق وجهها بابتسامة تقطر عذوبة وتألقت عينيها السوداوين ببريق الفرحة والظفر .
وساد الصمت،واومأت برأسها
- موافقة؟... جميل ورائع.. هذه لحظة من أروع لحظات حياتي.
حلقنا في ذرى السعادة، ومرت الساعات في سرعة الريح، وغادرتها إلى العمل، كنت أسعى على قدمي ولكنني أحسب أنني طائر.
وفي الليلة نفسها داهمتني - وأنا في ذروة الفرحة - نفسى اللوامة عندما تجددت هواجسي، وعلى السرير وقد تنازعتني الفرحة الطاغية والهواجس السوداء، قلت لنفسي وقد انفردت بها
" ذهبت السكرة وجائت الفكرة "
لم تعد أمنية فهمي مطلقة فحسب، لكنها مطلقة مرتين؟ وأنا؟ كنا نخرج معا ومازالت على ذمة الجراح؟ كانت تضعني احتياطياً، فإذا ما رضى عنها الجراح، تركتني لمصيري، وفي حالة الطلاق- رغما عنها – سأكون البديل وأحل محل الجراح في شقة جاردن سيتي، وأحصل على ترتيب الثالث في الأزواج.
ماذا سيقولون في الكلية؟ من يقبل بالزواج من مطلقة مرتين إلا إنتهازي وصولي يقبل هذا لثرائها ولشقتها.!.. هل ستكون لك الكلمة العليا في بيتك.... إلى آخره.
كتمت تلك الهواجس وأخمدتها وأنا أتذكر فرحتها وحضورها وذكائها وأنوثتها وحرصها على الزواج مني بالذات، وقد خيبت أملها مرة من قبل، فتزوجت الجراح، بخلاف أنها اختارتني بالذات.
في اليوم التالي غابت أمنية ولم تأت للكلية، وأمضيت يومي في النادي مع الأصدقاء وعندما أنهيت عملي الخاص طلبتها في التليفون كالمعتاد
- آلو...
وبعد التحيات قالت في جدية
- أريد أن أتحدث معك في موضوع
- خيرا؟
- بشأن ما حدث وما تكلمنا عنه أمس الأول
- بشأن أنني أريد خطوبتك
- نعم... بهذا الشأن...فأنا في رأى أننا تسرعنا
- تسرعنا؟
- لا تفهمني غلط... تسرعنا في الموافقة...
شعرت بالاحباط والحيرة وعدم الفهم، وأكملت:
- فكرت في الموضوع ووجدت كما قلت لك أننا تسرعنا
- وماذا بعد؟
- سوف نرجئ الخطوبة الرسمية وإعلانها حتى أقدمك إلى أسرتي وأقدمك إلى أصدقائي، وتقدمني إلى أسرتك وإلى أصدقائك... هذا ما توصلت إليه.
لذت بالصمت دهشة وحيرة وضيقا، وأنهينا المكالمة وقد اختلط الغضب عندي بالحيرة ، ماذا أقول لها؟ ما هذا التقلب؟ تذكرت مقولة هاملت شكسبير" يا لسرعة التحول لو اسموك شيئا لاسموك امرأة" ألم تكن في ذروة السعادة؟ ألم تكن تدفعني دفعا لهذه الخطوة، ألم تقضي السنوات تهيأ لى أنها تسعي لهذا، ألم تقدم لي شتى الاغراءات المالية، ولم أتذوق طعما للرقاد في تلك الليلة




-4-

في الليلة التالية هاتفتها
- في الحقيقة أنك تسببت لي في حيرة
- أنا!؟
كنت منفعلاً بشدة ولعلي بالغت في الحساسية ووجدت نفسي أقول لها في حسم
- بالنسبة لما قلت بالأمس... أرجو أن تنسي كل ماحدث بيننا... وكأن شيئا لم يكن
- ماذا تقول؟
- كما قلت لك... أنا
- أعطني فرصة لكي أوضح لك
- الأمر واضح ... واضح للغاية...
رحت أكمل لها الكلام الذي يقال في تلك المناسبات بأننا زملاء وبيننا صداقة عزيزة وأنني أتمنى أن لا يتسبب هذا في أي سوء تفاهم.... إلى آخره.
لم يكن أمام أمنية إزاء حدتي وإصراري سوى أن تصمت وندم عميق يظهر في كلماتها وأنتهت المكالمة، وما أن وضعت السماعة حتى شعرت بارتياح شديد، وكأنني رفعت جبلاً كان جاثما على صدري.
ولم أشعر بألم الفراق على الفور، على العكس غمرتني نشوة الثأر لكرامتي التي استمرت عدة أيام، وبعدها ذهبت السكرة وجائت الفكرة، كما في الكسور والجراح لا يشعر المريض بالألم فورا، وسقطت في هوة من الاحباط والشعور بالكآبة، إذ شعرت بلوعة الفقد، افتقدتها وافتقدت حضورها اللطيف في حيلتي، افتقدت مقابلاتنا ونزهاتنا ومكالماتها الهاتفية، كانت تملأ حياتي التي خوت بعدها، ومرت الأيام قاسية بطيئة، كنت اجاهد الحنين الجارف للعودة إليها، كنت أعد الأيام التي صمدت وأنا أوقف الحنين الجارف لها.
ولكي أفلت قررت الزواج، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولنسيان امرأة فلتحل أخرى محلها.



#فهمى_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما هتفت الجماهير تسقط الديمقراطية
- -حجرة الفئران-...
- فصل من رواية - دولاب مريم -
- شاعر البؤس.... عبد الحميد الديب
- قراءة في - رباعيات الإسكندرية -- لورانس داريل - وتحديات الشك ...
- قراءة في - رباعيات الإسكندرية -- لورانس داريل - وتحديات الشك ...
- -حجرة الفئران-... قصة قصيرة
- في.... الجاكس...قصة قصيرة
- قراءة في - مرايا - نجيب محفوظ


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهمى عبد السلام - أمنية فهمى