أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جان لوك غودار - منذ اختراع التصوير، صنعت الامبريالية أفلاماً حتى تمنع من تضطهدهم من صنعها















المزيد.....


منذ اختراع التصوير، صنعت الامبريالية أفلاماً حتى تمنع من تضطهدهم من صنعها


جان لوك غودار

الحوار المتمدن-العدد: 7448 - 2022 / 11 / 30 - 23:25
المحور: الادب والفن
    


نشرت الورقة باللغة الفرنسية في موقع Revue Periode، بتاريخ 28 أيار/مايو عام 2018

مقدمة المترجم:

واحدة من خيبات غودار، دون أن أدعي التحدث باسمه، هي مصير حركة فتح ومنظمة التحرير وألاعيب عرفات البهلوانية، التي أفضت، من ضمن ما أفضت إليه، إلى اتفاقات الإذعان. إلا أن ترجمة هذا النص جاء حصراً لقيمته التاريخية بما خص التصوير والإخراج والهيمنة المفروضة من قبل الاحتلال والامبريالية. ومهما كانت خيبة غودار كبيرة إلا أن طريق تحرير القدس يتقرر (حصراً)، الآن وهنا، في جنين ونابلس وغزة، ولكن أيضاً في شوارع قطر خلال كأس العالم لكرة القدم، وعلى لسان الكثيرين رفضاً لاتفاقيات الإذعان والتطبيع مع العدو الصهيوني.

ملاحظة أخيرة، علمت بعد أن أنهيت الترجمة خلال الصيف الماضي بأن النص نفسه جرى نشره في موقعي رمان والمدن، لا بأس “زيادة الخير خير”.



لم تتوقف قناعات جان لوك غودار المؤيدة لفلسطين من مرافقة عمله السينمائي، الأمر الذي جعله عرضة لردود فعل سيئة. في هذا النص المكتوب عام 1970، في الفترة الأكثر نضالية من الأعمال الغودارية، حين تعلق الأمر بإنتاج فيلم عن المقاتلين الفلسطينيين في مخيم بعمان – الأردن، المعنون بالأصل “حتى النصر”. إذا كانت مجموعة “دزيغا فيرتوف” لم تستعمل صوره، فإن غودار وآن ماري مييفيل اقترحا إجراء مونتاج في فيلم “هنا وهنالك”. الفيلم الأخير، فريد من نوعه لأنه يسائل إمكانية إظهار الثورة الفلسطينية؛ ويطرح مشكلة المونتاج، والتأثيرات الأيديولوجية للكاميرا؛ كما يتساءل عن ماهية “صناعة فيلم سياسي”، وما هي الصورة السياسية.



النص المعاد نشره هنا رائع لأنه يثير مثل هذه القضايا، في وقت يقدم قراءة معادية للامبريالية للسينما وشركات التوزيع. “عليك أن تدرس وتبحث، وتسجل هذا التحقيق والدراسة، ومن ثم أن تُظهر النتيجة (المونتاج) إلى مقاتلين آخرين. إظهار معركة الفدائيين إلى أشقائهم العرب المستغلين من قبل أصحاب العمل في المصانع بفرنسا. إظهار ميليشيا فتح إلى إخوانهم في حزب الفهود السود المطاردين من مكتب التحقيقات الفيدرالي. تصوير فيلم سياسياً. وعرضه سياسياً. ونشره سياسياً. إنها مسألة صعبة وطويلة. إنه يعني حل مشكلة ملموسة كل يوم”.



اعتقدنا أنه أفضل شيء، من الناحية السياسية، المجيء إلى فلسطين عوضاً عن الذهاب إلى مكان آخر مثل موزامبيق أو كولومبيا أو البنغال. (1) خضع الشرق الأوسط للكولونيالية المباشرة بواسطة الامبرياليتين الفرنسية والبريطانية (بموجب اتفاقية سايكس بيكو). نحن مناضلون فرنسيون. من الأفضل المجيء إلى فلسطين لأن الوضع معقد وأصلي. هناك العديد من التناقضات، والوضع هو أقل وضوحاً مما هو عليه الوضع في جنوب شرقي آسيا، على الأقل من الناحية النظرية.

بالنسبة لنا، كمناضلين في السينما، ما زالت مهمتنا نظرية. التفكير بشكل مغاير بهدف صنع الثورة…، نحن ما زلنا هنا. ما زلنا متأخرين عشرات السنوات عن الرصاصات الأولى لقوات العاصفة. (2)

قال ماو تسي تونغ إن الرفيق الجيد يذهب إلى حيت توجد الصعوبات، حيث تكون التناقضات أكثر حدة. ممارسة البروباغندا لصالح القضية الفلسطينية، من دون شك. بواسطة الصور والصوت. السينما والتلفزيون. ممارسة البروباغندا من أجل طرح المشاكل علناً. الفيلم هو سجادة طائرة يمكن أن يصل إلى كل مكان. ليس أمراً سحرياً. إنما هو عمل سياسي. يجب الدراسة والتحقيق، وتسجيل نتيجة التحقيق والدراسة، ومن ثم إظهار النتيجة (المونتاج) إلى المقاتلين الآخرين. إظهار معركة الفدائيين إلى إخوانهم العرب المستغلين بواسطة أصحاب العمل في المصانع بفرنسا. إظهار ميليشيا فتح إلى إخوانهم من الفهود السود الملاحقين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. تصوير الفيلم سياسياً. وعرضه سياسياً. ونشره سياسياً. إنها مسيرة طويلة وصعبة. إنه يعني حل مشكلة ملموسة كل يوم. إيجاد فدائي، وكادر، ومسلحة، والبحث معاً كيف يمكننا صنع صور وأصوات النضال. القول له: “أريد تصوير صورة لك في حين تطلق الرصاصة الأولى للعاصفة”. معرفة أي صورة يجب وضعها قبل، وأي صورة بعد، حتى يأخذ المجموع معنى. معنى سياسي، ثوري، أي بشكل يساعد الثورة الفلسطينية، ويساعد الثورة العالمية. كل ذلك، صعب وطويل. يجب معرفة، ما هي السينما…، وما هي فتح، والمعلومات عن فتح، والتناقضات بينها وبقية المنظمات. فتح، على سبيل المثال، تحارب الامبريالية الأميركية. ولكن الامبريالية الأميركية هي أيضاً نيويورك تايمز والسي.بي.سي. نحن نناضل ضد الأخيرة. هناك من يعتنق الأفكار اليسارية ولا يحارب ضد السي.بي.سي. والنيويورك تايمز. يعتقد أنه يمكن دعم فتح عبر نشر مقال في الصحافة البرجوازية. ولكن هؤلاء لا يناضلون مطلقاً. إنما فتح هي التي تناضل وتكدح. إنهم مقاتلو فتح الذين يقتلون. يحب معرفة ذلك. في الأدب والفنون يكون النضال على جبهتين. الجبهة السياسية والجبهة الفنية، في المرحلة الحالية، يجب تعلم حل التناقضات بين هاتين الجبهتين. ما زلنا في الصحافة اليومية لفتح نرى صور مسؤولين أكثر من صور المقاتلين. إنها مشكلة سياسية في المجال الأيديولوجي (الصحافة). يجب تعلم محاربة العدو بواسطة الأفكار، وليس فقط بواسطة البندقية. إن الحزب هو الذي يوجه البندقية، وليس العكس. (3) وتعقيد النضال الفلسطيني يكمن بصعوبة بناء الحزب، كما في فرنسا. أصالة فتح، حتى قبل احتلال قناة السويس، هي أنها رفضت أن تسمي نفسها حزباً أو جبهةً. هي كأنك تقول لمسلم: “لا تتخلى عن أفكارك، إنما انضم إلى منظمتك، انضوِ في صفوفنا”. لا تحتاج فتح إلى أن تكون ماركسية بالأقوال، لأنها ثورية بالأفعال. إنها تعلم أن الأفكار تتغير خلال المسار. وكلما طالت المسيرة إلى تل أبيب، ستتغير الأفكار، ما يسمح بنهاية المطاف بتدمير دولة إسرائيل.


الجبهة السياسية والجبهة الفنية

جئنا إلى هنا لدراسة: تعلم، استخلاص الدروس، وإذا أمكن تسجيل هذه الدروس، ونشرها بعد ذلك هنا، أو في أي مكان آخر من العالم. منذ سنة تقريباً، جاء اثنان منا للتحقيق عن الجبهة الديمقراطية. ومن ثم ذهب واحد إلى فتح. لقد قرأنا النصوص والبرامج. وبصفتنا من الماويين الفرنسيين، قررنا تصوير فيلم مع فتح حيث يكون عنوانه “حتى النصر”. تركنا الفلسطينيين، خلال الفيلم، حتى يقولوا بأنفسهم كلمة: “ثورة”. ولكن العنوان الحقيقي للفيلم هو طرق تفكير وعمل حركة التحرر الفلسطينية. مع رفاقنا من الجبهة الديمقراطية، أجرينا نفس النقاشات التي نجريها مع رفاقنا في باريس. لا نتعلم أي شيء، لا نحن ولا هم. مع فتح المسألة مختلفة. من الصعب التحدث مع مسؤول عن الصورة التي يجب أن تتكون منها الثورة الفلسطينية، والصوت الذي ينبغي له أن يرافق هذه الصورة (أو يناقضها). ولكن هذه الصعوبة هي بالضبط إيجابية. إنها تطرح بشكل ملموس التناقض بين النظرية والممارسة: بين الجبهة السياسية والجبهة الفنية. لقد وصلنا إلى عمان وقيل لنا: “ماذا تريدون مشاهدته؟” قلنا: “كل شيء!”. لقد رأينا الأشبال، (4) وتدريب الميليشيا، والقواعد في الجنوب، وفي الشمال والوسط. لقد رأينا مدرسة الشهداء. ورأينا مدرسة الكوادر، والعيادات. لذلك قيل لنا: “ما تريدون تصويره الآن؟” قلنا: “لا نعلم!- كيف؟ لا تعلمون؟…- لا، نريد التكلم، التعلم قليلاً منكم. ليس لديكم الكثير من الذخيرة للكلاشينكوفات ومضادات الدروع. أما، نحن فبحاجة إلى الصور والأصوات. لقد أتلفها الامبرياليون (هوليود) أو دمروها. لذلك لا يمكننا هدرها. إنها ذخيرة أيديولوجية. يجب تعلم كيفية استعمالها على نحو جيد لقتل أفكار العدو. لذلك نحن بحاجة إلى التحدث معكم. -طيب، مع من تريد التحدث؟” قيل لنا: “أبو حسن”(5). لم نكن نعرف من هو، لكننا قرأنا مقالة كتبها في العدد الأول من مجلة فدائيين. (6) تحدث إلينا. سياسياً. على سبيل المثال، قال لنا: “جيش الشعب، ليس راداراً متطوراً. إنهم 10 آلاف طفل مع مناظير وأجهزة اتصال لاسلكية”. هذه صورة ثورية. نرى فوراً أن الجيش المصري ليس جيش الشعب. بدلاً من 10 آلاف طفل، هناك 10 آلاف مدرب سوفياتي.

الرصاصة [مرت] بالقرب من الأذن

أبو حسن قال كذلك: رصاصة العاصفة الأولى، يجب إطلاقها قرب آذان الفلاحين حتى يسمعوا صوت تحرير الأرض. هذا صوت ثوري. وهكذا أصبح بإمكاننا إقامة علاقات سياسية بين الصورة والصوت، بدلاً من صنع ما يسمى بالصور “الحقيقية” لكنها لا تقول شيئاً، لا تقول لأنه ليس لديها ما تقوله، لا شيء تقوله لا نعرفه بالفعل. وما فائدة قول ما نعرفه فعلياً؟ على كلٍ ليست الثورة من تبحث عن الجديد خلف القديم. الأمر يتطلب وقتاً. إنه مسار طويل وصعب. ولكن لا يوجد سبب يمنع فيلم الثورة الفلسطينية من مواجهة صعوبات هذه الثورة. لماذا يعرض الفيلم على التلفزيون الأميركي؟ هل تراقب فتح المحطات التلفزيونية اليانكية؟ لا. لا تراقب حتى صالات السينما في عمان. إنها تراقب عمان. ولكن، كل ليلة، في الصالات المظلمة، يعرض العفن الامبريالي ليعمي الجماهير. لحسن الحظ، وبسبب أزمة حزيران، أصبح بإمكان القيادة الموحدة تفتيح هممهم في اليوم التالي بنشرها جريدة يومية. مشكلة الإعلام الثوري مهمة. قلنا: السينما مهمة ثانوية بالنسبة لنا في فرنسا. لكننا نجعل من نشاطنا الثانوي نشاطنا الأساسي. لذا أنظر بوضوح إلى التناقض بين المهمة الثانوية والمهمة الأساسية للثورة التي تعني هنا الصراع المسلح ضد “إسرائيل”. النظر إلى التناقضات الأخرى بين السينما والمهام الثانوية الأخرى للثورة الفلسطينية. النظر كذلك إلى أنه في لحظة معينة، في مكان محدد، يتحول الثانوي إلى أساسي. هذا ما نطلق عليه سياسياً واقع صناعة فيلم سياسي. ليس مجرد إجراء مقابلة مع حبش أو عرفات أو حواتمة. وليس فقط عرض صور استعراضية لـ”الأشبال” يجتازون النيران، إنما علاقات صور، وعلاقات أصوات وعلاقات الأصوات بالصور الدالة إلى تلك العلاقات، في الثورة الفلسطينية، بين النضال المسلح وسياسة العمل.



كل صورة وكل صوت، وكل توليفة صور وأصوات هي لحظات، موازين قوى، ومهمتنا تكمن في توجيه هذه القوى ضد أعدائنا المشتركين: الامبريالية- أي ضد وال ستريت، والبنتاغون، والأي بي. أم. ويونايتد آرتيست. على سبيل المثال، نعتقد أن فتح خلال أزمة حزيران (8)، قد تعرضت لهزيمة في مجال الإعلام. بما خص الدول الرأسمالية الأوروبية، ما الذي تحدثت عنه التايمز وايل ميساغيرو ولوموند ولوفيغارو؟ عن ردة فعل الجماهير على الاستفزازات القاتلة للرجعية الأردنية؟ لا. عن الدور الذي لعبته فتح في طريقة تنفيذ هذا الرد سياسياً وعسكرياً؟ لا. كل هذه الصحف، إضافة إلى التلفزيونات والإذاعات الأوروبية الغربية روجت لجورج حبش على حساب ياسر عرفات. مهمتنا كثوريين في مجال الإعلام هو أيضاً تحليل سبب وكيفية حصول مثل هذه الأمور. بالنسبة للامبريالية، لم يكن فقط محاولة كسر الوحدة التي تبنيها المقاومة الفلسطينية، إنما كان من الضروري كذلك تحوير معنى نضالها التحريري في عيون الجماهير الإنكليزية والإيطالية والفرنسية… وبالتالي توجيه ضربة أخرى للعناصر الثورية لهذه الجماهير التي تعتبر الثورة الفلسطينية مثل تلك الفيتنامية، خميرة ثمينة. كذلك اليوم، إنه لأمر مؤسف عدم ترجمة نص كالذي كتبه أبو أياد (9) في “حوار مع فتح” إلى الفرنسية. قد تكون هذه هزائم صغيرة. ولكن على المرء أن يتمتع بالصدق الثوري لتحليلها على أنها هزائم: كفاح، فشل، كفاح جديد، فشل جديد، وكفاح جديد حتى النصر، هذا هو منطق الشعب، كما يقول رفاقنا الصينيون. هذا هو منطق الشعب الفلسطيني في حركته التحررية الوطنية بقيادة فتح. وهذا ما نحاول إظهاره في فيلمنا، في فيلمكم. أين سيعرض الفيلم؟ الأمر يعتمد على الوضع الحالي للنضالات. يمكن عرضها في شارع قرية بجنوب لبنان. نمد قماشة بين شباكين، ونعرض الفيلم. أمام طلاب في بيركلي. وبين عمال مضربين في كوردوبا (قرطبة) أو ليون. في مدرسة أميلكار كابرال. (10) أي، بشكل عام، سيعرض أمام طليعة الجماهير. لماذا؟ لأنها تمثل القوى المناضلة.

علاقات الصور

يجب أن تكون قابلة للاستخدام، على المديين القصير والبعيد، من قبل عناصر أخرى من هذه القوى في لحظة نضالها. أي في لحظة تكون مفيدة لنضالها. لنأخذ مثالاً: نعرض صورة فدائي يعبر النهر؛ بعدها صورة ميليشياوية من فتح تعلم القراءة للاجئين في المخيم؛ وبعدها صورة “شبل” يتدرب. ما هي هذه الصور؟ إنها مجموعة. ليس لأي واحدة قيمة بحد ذاتها. قد تكون قيمة عاطفية أو فوتوغرافية. ولكن ليست ذات قيمة سياسية. حتى يكون لها قيمة سياسية، كل صورة من هذه الصور يجب أن تكون مربوطة بالصورتين الأخريين. في هذه اللحظة، ما يصبح مهماً، هو الترتيب الذي تعرض فيه هذه الصور. لأنها تشكل جزءاً من مجموع سياسي؛ يشكل الترتيب الخط السياسي. أي على خط حركة فتح. إذا سنرتب الصور بالترتيب التالي: 1) الفدائي خلال عملية؛ 2) الميليشياوية في عملها بالمدرسة؛ 3) طفل يتدرب. وهذا يعني: 1) الكفاح المسلح؛ 2) العمل السياسي؛ 3) الحرب الشعبية الممتدة. الصورة الثالثة هي بالنهاية نتيجة للصورتين الأخريين. إنها: الكفاح المسلح + العمل السياسي= الحرب الشعبية الممتدة ضد الاحتلال. إنها أيضا: الرجل (الذي يطلق المعركة) + المرأة (التي تحول، التي تصنع الثورة) والتي تلد طفلاً سيحرر فلسطين: جيل الانتصار. لا يكفي إظهار “شبل” أو “زهرة” والقول: إنه جيل الانتصار. يجب إظهار الأسباب والكيفية. الصور التي تنتج صورة طفل صهيوني (11) ليست هي نفسها التي تظهر طفل فلسطيني. إضافة إلى ذلك، يجب ألا نتحدث عن الصور؛ يجب التحدث عن علاقات الصور.



الخدم اللبنانيون والمصريون لهوليود

لقد علمتنا الامبريالية النظر إلى الصور بحد ذاتها؛ الذي جعلنا نعتقد أن الصورة حقيقية. في حين أن الصورة، يظهرها الحس السليم البسيط أنها يمكن أن تكون خيالية فقط، تحديداً لأنها صورة. انعكاس. كانعكاسك في المرآة. ما هو حقيقي، هو بداية أنت، وبعد ذلك، هي العلاقة بينك وبين الانعكاس الخيالي. ما هو حقيقي، بعد ذلك، هو العلاقة التي تقيمها بين هذه الانعكاسات المختلفة لنفسك أو هذه الصور المختلفة لك. على سبيل المثال، تقول لنفسك: “أنا جميل” أو “أبدو متعباً”. ولكن بقولك ذلك، ماذا تفعل؟ لا تفعل شيئاً سوى إقامة علاقة بسيطة بين عدة انعكاسات. صورة تكون فيها بأحسن حال، وأخرى على العكس من ذلك. وتقارن، أي أنك تقيم العلاقة، وبعدها تستطيع الاستنتاج: “أنا متعب”. إن صنع فيلم، يعني إقامة هذا النوع من العلاقات سياسياً، أي حل مشكلة سياسياً. أي بمعنى العمل والكفاح. وبالتحديد، إن الامبريالية، من خلال سعيها لجعلنا نعتقد أن صور العالم حقيقية (بينما هي خيالية) تسعى إلى منعنا من القيام بما ينبغي القيام به: إقامة علاقات (سياسية) حقيقية بين الصور؛ إقامة علاقة حقيقية (سياسية) بين صورة الأشبال الذين يتدربون وبين صورة الفدائي الذي يجتاز النهر. الحقيقة الثورية الوحيدة، هي الواقع (السياسي) لهذه العلاقة. سياسية، لأنها تطرح سؤال السلطة؛ وسلسلة الصور كالتي وصفناها منذ قليل تعلن أن السلطة هي للبندقية في نهاية الأمر. تريد الامبريالية الاكتفاء بإظهار الفدائي يعبر نهراً، أو مزارعة تتعلم القراءة، أو الأشبال خلال تدربهم. الامبريالية ليست معادية لكل ذلك. فهي تصنع صوراً كهذه كل يوم (أو يفعل عبيدها ذلك لأجلها). وتبث كل يوم على قناة بي.بي.سي.، وفي لايف، وال اكسبرسو، ودير سبيغل. من جهة هناك الأونروا (12) (للبطن)، ومن جهة ثانية، هوليود وخدمها السينمائيون اللبنانيون والمصريون (للأفكار والصور التي تثير الأفكار). لقد علمتنا الامبريالية ألا نربط بين الصور الثلاث التي تحدثنا عنها منذ قليل، أو ترتيبها بشكل معين، حتى لا نزعج خططها [للامبريالية].

الأفكار والتناقضات

بالنسبة لنا، مهمتنا كمناضلين في المجال الإعلام المعادي للامبرياية، هي النضال من دون هوادة في هذا المجال. أن نحرر أنفسنا من قيود الصور التي تفرضها الأيديولوجيا الامبريالية بكل أجهزتها: الصحافة، والإذاعة، والسينما والتسجيلات والكتب. إنما مهمة ثانوية، ونقوم بنشاطنا الأساسي بمحاولة حل كل التناقضات التي تنطوي عليها. على سبيل المثال، من خلال النضال في الجبهة الثانوية، غالباً ما يواجه المرء رفاقاً آخرين. هؤلاء الرفاق، في هذه الحالة، في فتح، على سبيل المثال، لديهم أفكار متقدمة وصحيحة على الجبهة الأساسية للنضال المسلح، وفي كثير من الأحيان أفكار أقل صحة على الجبهة الثانوية، أي الإعلام. بالنسبة لنا جميعاً، يتعلق الأمر تعلم حل هذا التناقض باعتباره جزء من التناقضات بين الناس. لا تناقضات بيننا وبين العدو. صنع الصور المتناقضة؛ هي المضي في الطريق لحل هذه التناقضات. وهنا، بعد أن طرحت مشكلة إنتاج هذه السلسلة من الصور (حتى نستعيد المثل نفسه)، يمكنك الآن تطرح نفسك بطريقة سياسية وأكثر عدلاً مشكلة نشر هذه الصور. ولأن هذه الصور (الخيالية) لها فيما بينها علاقة حقيقية (متناقضة)، بسبب هذه العلاقة الحقيقية، فإن أولئك الذين ينظرون ويستمعون إليها سيكون لديهم كذلك علاقة حقيقية معها. ستكون رؤية الفيلم لحظة وجودهم الحقيقية، لحظة واقعهم. هذه المرة العلاقة السياسية. كفلاح مضطهد، وعامل مضرب، وطالب متمرد، وفدائي يحمل الكلاشينكوف… هذا ما نعنيه بقول: “يسقط الاستعراض، عاشت العلاقة السياسية…”.



الأسنان والشفتان

هذه هي الطريقة التي يمكن أن يصبح فيها الأدب والفن، كما أراد لينين، المسمار الحي الصغير لآلية الثورة. لذلك، باختصار، لا تظهر فدائياً مجروحاً؛ إنما أظهر كيف يساعد هذا الجرح فلاحاً فقيراً. وللوصول إلى ذلك مسألة طويلة وصعبة، لأن الامبريالية، منذ اختراع التصوير، قد صنعت صوراً لإخفاء حقيقة الجماهير التي تضطهدها. مهمتنا هي بتدمير هذه الصور وبتعلم كيفية بناء صور أخرى، أبسط، وتخدم الشعب، وحتى يتمكن الناس من استعمالها بدورهم. القول: إنها طويلة وصعبة، أي أننا نعني أن هذه المعركة (الأيديولوجية) هنا هي جزء من الحرب التي طال أمدها ضد الاحتلال التي يشنها الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن المعركة مرتبطة بكل الحروب ضد الامبريالية وحلفائها. متحدة كالأسنان والشفتين. (13). كالأم والابن. كأرض فلسطين والفدائيين…

الهوامش:

1. نشر هذا النص في مجلة فتح بتموز/يوليو 1970، تحت عنوان مانيفستو. كل الهوامش هي من وضع دافيد فارو، وقد وردت في نسخة النص المنشورة في: Jean-Luc Godard : Documents, Centre Pompidou, 2006.

2. الجناح العسكري لحركة فتح.

3. إن صيغة ماو تسي تونغ: “يجب على الحزب أن يقود السلاح”، استعملت في فيلم الصينية- La Chinoise، تؤكد على أن المسألة العسكرية هي التي يجب أن تحكمها المفاهيم السياسية، وليس العكس.

4. الأشبال: مقاتلون صغار ومراهقون.

5. علي حسن سلامة، الملقب بـ”الأمير الأحمر”، رئيس المخابرات في منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1969، كان مسؤولاً عن الاتصالات مع وكالة المخابرات المركزية، ثم لاحقاً، اتهم بإبلاغ الأخيرة عن المجموعات الأقلوية داخل منظمة التحرير. يعتقد أنه ترأس منظمة أيلول الأسود، التي احتجزت الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونخ عام 1972.

6. مجلة شهرية فرنسية مقربة من فتح، بدأت بالصدور في كانون الثاني/يناير 1970، ونشر فدائيون فيها على نحو خاص ترجمات مختارة من مجلة فتح.

7. انضم نايف حواتمة إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي منظمة ماركسية-لينينية موالية للصين بقيادة الدكتور جورج حبش. عام 1969، انشق عنها وأسس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجناح اليساري لمنظمة التحرير. كان حواتمة شخصية مميزة في الحركة الفلسطينية، أول من روج وأقام، منذ عام 1970، حواراً مع اليسار المتطرف الإسرائيلي، والذي اعتبره “تهديداً لكل من الصهيونية والرجعية العربية”، وكذلك حارب محاربة شرسة ضد معاداة السامية في صفوف الفلسطينيين برفض منذ عام 1969 عبارة مثل: “رمي اليهود بالبحر”.


8. 6 و7 حزيران/يونيو عام 1970، وفي حين أنهى المؤتمر السابع للمجلس الوطني الفلسطيني أعماله، حيث بحث مسألة التوحيد السياسية والعسكرية، زادت المجموعات الصغيرة، التي تسمي نفسها “منظمات المقاومة الفلسطينية” من استفزازاتها بإطلاق النار في عمان. وهاجمت مناضلي الفصائل الأساسية للمقاومة الفلسطينية الحقيقية، وزرعت الفوضى وأدت إلى تدخل الجيش الأردني ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين (9 حزيران). أجبر الرد العسكري لفتح ملك الأردن على طلب التفاوض والسماح بإيجاد مخرج للأزمة في 10 حزيران/يونيو. لكن سرعة وبلبلة الأحداث أدت إلى الاعتقاد بأن أصل الأزمة كانت رغبة المجلس الوطني استبعاد المنظمات الصغيرة من اجتماع القاهرة (نوقشت المسألة مطولاً في المجلة الشهرية Fedayin, n°6-7, juin-juillet 1970, p.1-8 et 22).

9. مؤسس مشارك مع ياسر عرفات لحركة فتح.

10. المنظر والقائد السياسي والعسكري لحرب استقلال غينيا بيساو/الرأس الأخضر بقيادة الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر اغتاله الكولونياليون البرتغاليون في 20 كانون الثاني/يناير عام 1973. نجد شهادة لافتة حول المدارس التي أقامتها قوات كابرال على الرغم من الملاحقة العسكرية للجيش البرتغالي في فيلم الذي كرسه توبياس إنغل إلى هذا النضال، نو بينشا- No Pincha عام 1969.

11. تتطلب الجملة السابقة هذه الملاحظة: من المستحيل نشرها، من دون ردة فعل، جملة توحي أن طفلاً إسرائيلياً يمكن أن يولد صهيونياً. الصهيونية هي موقف سياسي، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الأحوال الشخصية أو الجينات. أن تكون مولوداً في إسرائيل، وتحمل الجنسية الإسرائيلية، لا يحدد أي موقف سياسي. فتح، من جهتها، رفضت بوضوح أي خلط بين يهودي وإسرائيلي وصهيوني، خاصة في سلسلة مقالات نشرت بالفرنسية في الصفحات التي نشرت بيان غودار هذا، في آذار/مارس ونيسان/أبريل وأيار/مايو عام 1970 (بيان غودار نشر في عدد تموز/يوليو). سلسلة المقالات، التي أعيد نشرها في مجلة فدائيين في الأعداد 5 إلى 8 من أشهر أيار/مايو حزيران/يونيو-تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر، قد جمعت في كتاب يحمل نفس العنوان: فتح، الثورة الفلسطينية واليهود- El Fath, La Révolution palestinienne et les Juifs, Éditions de Minuit, 1970 يمكن الاطلاع عليه هنا:

http://etoilerouge.chez-alice.fr/palestine/revpalest1.html

12. الأنروا أقامتها الأمم المتحدة عام 1949، وكان هدفها أن تكون هيئة مؤقتة. بدأت العمل عام 1950، وما زالت مكرسة للاجئين الفلسطينيين. وبحسب بيانها التأسيسي، (مساعدة اللاجئين الفلسطينيين بالتعاون مع السلطات المحلية، وتوفر الإغاثة المباشرة وتنفذ الأعمال الضرورية) فإن التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية هي من مهماتها الأساسية. مع حرب عام 1967، وعمليات تهجير السكان من جديد، امتدت ولايتها لتشمل كل المهجرين.

13. تستعيد هذه الصيغة عبارة لويس ألتوسير الواردة في كتاب: Louis Althusser, » La philosophie comme arme de la révolution. Réponse à huit questions « , La Pensée, n°138, avril 1968, repris in Louis Althusser, Positions, Éditions sociales, Paris, 1976, p.48: “الصراع الطبقي والفلسفة الماركسية-اللينينية متحدتان كالأسنان والشفتين”.



#جان_لوك_غودار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منذ اختراع التصوير، صنعت الامبريالية أفلاماً حتى تمنع من تضط ...


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جان لوك غودار - منذ اختراع التصوير، صنعت الامبريالية أفلاماً حتى تمنع من تضطهدهم من صنعها