أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ٱمْتِشَاقِ ٱلْمَدِيْنَةِ، بَيْنَ ٱعْتِشَاقِ ٱلْخَدِيْنَةِ (3)















المزيد.....


اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ٱمْتِشَاقِ ٱلْمَدِيْنَةِ، بَيْنَ ٱعْتِشَاقِ ٱلْخَدِيْنَةِ (3)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 16:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مَنْ لا يَقُولُ ٱلْحَقَّ جَادًّا حَتَّى فِي ٱلْصَّغَائِرِ،
لَنْ يَسْتَحِقَّ ٱلْوُثُوقَ رَادًّا بِمَا يَقُولُ فِي ٱلْكَبَائِرِ!
آلبرت آينشتاين

(3)

قلتُ قبلاً إنَّ «التاريخانيةَ» Historicism، بِوَصْفِهَا حركةً فكريةً امتدَّتْ بينَ أواسطِ القرنِ الثامنَ عشرَ وأوائلِ القرنِ العشرينَ، لم تنظرْ إلى «التاريخِ الإنسانيِّ» نظرًا إيديولوجيًّا أو مذهبيًّا، بلْ نظرًا منهجيًّا أو برنامجيًّا يرقَى بِهِ إلى مَصَافِّ «العلمِ الطبيعانيِّ»، ويُمَيِّزُهُ بالغاياتِ الاِستقصَائيَّةِ والاِستكشافيَّةِ عن سائرِ المجَالاتِ المعرفيةِ والعرفانيةِ الأُخرى. فلا بُدَّ، إذنْ، من أن يُؤْخَذَ بالحُسْبَانِ ذلكَ الفارقُ الجوهريُّ بينَ فاعليةِ الميدانِ «التاريخيِّ الفيزيائيِّ» وبينَ منفعليَّةِ الميدانِ «اللاتاريخيِّ الميتافيزيائيِّ»، لِكَيْمَا تُضْفَى اِستقلالِيَّةٌ ذَاتِيَّةٌ على «التاريخِ الإنسانيِّ» ذاتِهِ: ليسَ لهذا التاريخِ إلاَّ أنْ يُقَيِّضَ لنفسِهِ قضَاءَ نفسِهِ على ذاتِ الغرارِ الغائيِّ، وليسَ لَهُ من ثَمَّةَ إلاَّ أنْ يُقَوِّضَ قَوْضًا آخَرِيًّا كُلَّ مَا يعتريهِ من تدخُّلٍ خارجيٍّ، سياسيًّا كانَ أمْ دينيًّا أمْ غيرَهُمَا. وهكذا، فإنَّ أولى إرهاصَاتِ هكذا تدخُّلٍ قد انبثقتْ انبثاقًا «لاتاريخيًّا ميتافيزيائيًّا» من فُوَّهَاتِ «المثاليَّةِ الألمانيَّةِ» German Idealism: من فيخْته وتطويرِ إسهامِهِ في مَاهِيَّتَيِ الوعيِ والإدراكِ الذاتيَّيْنِ، وكذاك في كُنْهِ «الفلسفةِ السِّيَاسِيَّةِ» أو «النظريةِ السِّيَاسِيَّةِ»؛ إلى شيلنغ وتبسيطِ نظامِهِ الفلسفيِّ كصِلَةٍ وَاصِلَةٍ بينَ النظامِ الفلسفيِّ الفيخْتويِّ والنظامِ الفلسفيِّ الهيغليِّ؛ إلى هيغل وتوسيع منظورِهِ عن «الغَائِيَّةِ الحَالَّةِ (أو البَاطِنَةِ)» كحَلٍّ تَصَالُحِيٍّ بينَ «المنهجِ التاريخانيِّ» و«التقدُّمِ الموضوعيِّ» – ذلكَ لأنَّ للواقعِ بنيةً مفهوميَّةً كَنِينَةً ليسَتْ تمثيلاً ذاتيًّا للانطباعِ «الحِسِّيِّ»، بلْ إنَّ أيَّ شيءٍ فيهِ لَمُتَوَاجدٌ «لَحْقِيًّا» A Posteriori لِكَيْمَا يُحَقِّقَ مفهومَهُ المَحْضَ المُتَوَاجِدَ «سَبْقِيًّا» A Priori، وعليهِ فإنَّ «مفهومَ المفهومِ» هٰهُنَا لَيَتَجَلَّى بصفتِهِ عَيْنَ «الفكرةِ» أو «الصُّورةِ» مُتَّخَذَةً، أنَّى تواجدتْ، كَمَثَلٍ أعلى. هكذا كانَ شيءٌ من مَخَاطِرِ التدخُّلِ الخارجيِّ في شؤونِ «المنهجِ التاريخانيِّ» من لَدُنْ فلاسفةٍ «مثاليِّينَ» قدْ أَتَوْا بمنظوماتٍ مشبَعَةٍ «ميتافيزيائيًّا»، وهكذا كانَ هؤلاءِ الفلاسفةُ يُطلقونَ بالتهديدِ والوعيدِ من جرَّاءِ تَصْيِيرِ التاريخِ الإنسانيِّ خادمًا مُسْتَرَقًّا للنظامِ الفلسفيِّ بِكُلِّيَّتِهِ. وحتى حينَ طَفِقَتْ نُجُومُ «الفلسفةِ المثاليَّةِ» تأْفُلُ في أواسطِ القرنِ التاسعَ عشرَ، صارتْ مَخَاطِرُ التدخُّلِ الخارجيِّ تأتي من منظومةٍ جدِّ قاسيةٍ بأسلوبِهَا التجريبويِّ، كـ«الفلسفةِ الوَضْعِيَّةِ» Positivism، برائدِهَا الفيلسُوفِ الفرنسيِّ كونتْ. وتبعًا لذلك، فإنَّ المعرفةَ الحقيقيَّةَ كلَّهَا هي إمَّا معرفةٌ صَحِيحَةٌ بالتحديدِ وإمَّا معرفةٌ وضعيَّةٌ (لا مِرَاءَ فيهَاَ) في حدِّ ذاتِهَا، أي معرفةٌ ذاتُ وُجُودٍ «لَحْقِيٍّ» مُسْتَمَدَّةٌ بطرَائقِ الاِستدلالِ العقليِّ والمنطقِ الصُّوريِّ من التجريبِ «الحِسِّيِّ»: تلك المعرفةُ التي تُسْتَمَدُّ استمدادًا تائهًا من أسَاليبَ لاتجريبيَّةٍ، كالأسلوبِ الميتافيزيائيِّ والأسلوبِ اللاهوتيِّ والأسلوبِ الحَدْسِيِّ والأسلوبِ الاِستبطانيِّ، إنَّمَا هي «معرفةٌ» مرفوضةٌ لِعُرْيِهَا التامِّ عنِ الصَّحَاحِ، أو حتى لِخُلُوِّهَا الكُلِّيِّ من المعنى. من هنا، يَتَبَيَّنُ أنَّ مَا رَامَتْهُ الفلسفةُ الوَضْعِيَّةُ بإزاءِ مَا رَامَهُ المنهجُ التاريخانيُّ هو أن تصيِّرَ تلك الغاياتِ الاِستقصَائيَّةَ والاِستكشافيَّةَ كلَّهَا مرهونةً حتميًّا بكلِّ مَا تَتَّسِمُ بِهِ «الحياةُ الفكريَّةُ» (أو «الحياةُ الذهنيَّةُ»، بالتعبيرِ النفسانيِّ الفرويديِّ). ومن هنا، يَتَبَيَّنُ أكثرَ أنَّهُ ليسَ لِهٰذَا المنهجِ التاريخانيِّ، في معمعَانِ هكذا تهديدٍ ووعيدٍ مقيتَيْنِ، إلاَّ أن يخوضَ بالإكراهِ غِمَارَ حَرْبَيْنِ سياسيَّتَيْنِ متناقضتَيْنِ شكلاً ومضمونًا سَوَاءً بِسَوَاءٍ: أولاهًمَا حربٌ ضدَّ الفلسفةِ المثاليَّةِ بالسِّلاحِ «الميتافيزيائيِّ» في النصفِ الأوَّلِ من القرنِ التاسعَ عشرَ، وأُخراهُمَا حربٌ ضدَّ الفلسفةِ الوَضْعِيَّةِ بالسِّلاحِ «التجريبَوِيِّ» في النصفِ الثاني من القرنِ ذاتِهِ. بيدَ أنَّ ثَمَّةَ أعلامًا أفذاذًا آخرينَ، ولا ريبَ في هذا بَتًّا، أعلامًا آحَادًا كانوا قدْ جمعوا بالإيهابِ الفريدِ بينَ عَوَالِمِ التفكيرِ الفلسفيِّ (العقليِّ) الأصيلِ، من جانبٍ أوَّلَ، وبينَ عَوَالِمِ التخييلِ الأدبيِّ (القلبيِّ) الأثيلِ، من جانبٍ آخَرَ. وفي هذا الجمعِ بالإيهابِ الفريدِ أشدَّ حتى، يبرزُ الفيلسُوفُ والشاعرُ الألمانيُّ الموهوبُ فطرانيًّا وخبرانيًّا، يوهان غوتفريد هيرْدَر (1744-1803)، يبرزُ مرتبطًا بالاِسمِ والمُسَمَّى بذاتِ «المنهجِ التاريخانيِّ» ارتباطًا وثيقًا، إلى جانبِ بضعةٍ من أسماءٍ ومُسَمَّيَاتٍ فكريةٍ وَ/أوْ أدبيَّةٍ أُخرى كانتْ قدِ ازدهرتْ كذاك إبَّانَئِذٍ. حتى أن هذا الارتباطَ الوثيقَ كانَ قدْ تغلغلَ ميداءً ومدًى في أراضٍ بعيدةٍ كلَّ البُعادِ عن أراضي الوطنِ، مِمَّا أثارَ أيَّمَا إثارةٍ حُبَّ الاِستطلاعِ لدَى أعلامٍ أفذاذٍ آخرينَ، ولا ريبَ في هذا أيضًا، كمثلِ الشاعرِ والصِّحَافيِّ اليونانيِّ الفَطِنِ الفطينِ، قسطنطين بيترو كافافي (1863-1933)، هذا الشاعرِ الكونيِّ والنَّاظِرِ «التاريخانيِّ»، لا «المُؤَرِّخِ» الخَانِيِّ، الذي كانَ قدْ جمعَ بالإيهابِ حتى الأشدِّ فرادَةً، بدورِهِ هو الآخَرُ، بينَ دُنى الإبداعِ الشعريِّ-العلمانيِّ (النفسيِّ) المَاثلِ، من طرفٍ أوَّلَ، وبينَ دُنى الإقناعِ التاريخانيِّ-السياسيِّ (الحِسِّيِّ) الأمثلِ، من طرفٍ آخَرَ – وبالأخصِّ، هٰهُنَا، حينمَا يشرعُ هذا الشاعرُ والصِّحَافيِّ الفَطِنُ الفطينُ شُرُوعًا في سُبْأَتِهِ المديدةِ، سُبْأَةِ العُمْرِ بالأَنَاةِ والآنَاءِ، مُرْتَحِلاً طائفًا طائرًا، سَماءً وأرضًا ومَا بَيْنَ بَيْنَ على حدٍّ سَوَاءٍ، مُرْتَحِلاً طائفًا طائرًا بَيْنَ ٱمْتِشَاقِ ٱلْمَدينَةِ تارةً، وبَيْنَ ٱعْتِشَاقِ ٱلْخَدِينَةِ تارةً أُخرى!

فعلى المستوَى الأوَّلِ في هكذا قرينةٍ، ذاكَ، إذنْ، كانَ شيءٌ مَرُومٌ على مستوًى مباشرٍ، عندَ هذا الحدِّ، رَوْمًا اِسترسَالِيًّا لَأشبهُ في المثالِ احتذاءً بقَبَسٍ تعريفيٍّ مُزْدَوَجٍ، أو حتى «اِزدواجيٍّ»، بهكذا شاعرٍ وصِحَافيٍّ فَطِنٍ فطينٍ في سُبْأَتِهِ المديدةِ، سُبْأَةِ العُمْرِ بالأَنَاةِ والآناءِ تلك، شاعرٍ وصِحَافيٍّ مُشَخَّصٍ نبراسًا نَيِّرًا بشخصِ كافافي بالذاتِ، ومُخَصَّصٍ أساسًا واستئناسًا مُسَيِّرًا بشخصِ هكذا شاعرٍ وفيلسُوفٍ أَرِبٍ أَريبٍ كمثلِ هيرْدَر بالعَيْنِ، وعلى الأخصِّ هٰهُنَا من عَيْنِ المنظورِ «الاِزدواجيِّ» عَيْنِهِ مأخوذًا إذَّاك بكلٍّ من ذينك الطَّرَفَيْنِ المذكورَيْنِ توًّا، طَرَفِ الإبداعِ الشعريِّ-العلمانيِّ (النفسيِّ) المَاثلِ وطَرَفِ الإقناعِ التاريخانيِّ-السياسيِّ (الحِسِّيِّ) الأمثلِ. وعلى المستوَى الثاني في هكذا قرينةٍ علاوةً عليهِ، ذاكَ، إذنْ، كانَ أيضًا فَحْوَى التعبيرِ في العنوانِ مُبْتَغًى على مستوًى لامباشرٍ، بادئَ ذي بدءٍ، اِبْتِغَاءً بنحوٍ أو بآخَرَ على غرارِ «دليلٍ مجازيٍّ» مُعَبَّقٍ بنسبيَّةٍ جليلةٍ بمَا يشابهُ، في مقتضَى الحَالِ، تمثيلاً «إردافِيًّا خُلْفِيًّا» (أو مَا يُدْعَى بـ«الضَّديدِ» Oxymoron، حريًّا)، أو هكذا يتبدَّى، ومُعَشَّقٍ بذاك بنسبيَّةٍ أجلَّ على كلٍّ من ذينك الجَانِبَيْنِ المذكورَيْنِ للتَّوِّ كذلك، جَانِبِ الإتْبَاعِ بـ«الطَّوَفَانِ السَّمائيِّ» وجَانِبِ الإلحَاقِ بـ«الطَّيَرَانِ الأرضيِّ» للوهلةِ الأولى، فضلاً، عندَ حدٍّ ثالثٍ كَنينٍ مرفوعٍ، عن جَانِبِ الاِبْتِرَاءِ بـ«الطَّوَرَانِ»، أو حتى بعَكْسِهِ الترتيبيِّ الحرفيِّ بـ«الطَّيَفَانِ»، ماثلاً مُثُولاً مُتَمَثِّلاً في مَوْئِلٍ مَرْئِيٍّ-لامَرْئِيٍّ مَا بينَ الموئلَيْنِ للوهلةِ أو حتى للوهلاتِ مَا بعدَ الأولى [وهذا المُثُولُ المُتَمَثِّلُ في مَوْئِلٍ مَرْئِيٍّ-لامَرْئِيٍّ كمُثُولٍ اِلْتِذَاذِيٍّ في جوهرِ الأمرِ، والحَالُ هذِهِ استطرادًا وتوسُّعًا، إنْ هو إلاَّ نوعٌ من أنواعِ النُّزُوعِ المِلْحَاحِ أَمْرًا مَقْضِيًّا إلى اجتراحِ ذلك «التَّلاعُبِ-اللَّعِبِ» المعنيِّ بالتباسيَّةِ دَالٍّ جدِّ متميِّزٍ جدِّ متفرِّدٍ يُسَمَّى في لسَانِ التحليلِ النفسيِّ بـ«الدالِّ اللاواعي» Unconscious Signifier، نوعٌ من نُزُوعٍ مِلْحَاحٍ من العسيرِ جدًّا فَصْلُهُ فَصْلاً كُلِّيًّا عنْ جِنْسَانِيَّةِ كلٍّ من المُلْتَذِّ المُتَلاعِبِ-اللاعِبِ اِلْتِذَاذًا فاعليًّا والمُلْتَذِّ المُتَلاعَبِ-المَلْعُوبِ اِلْتِذَاذً منفعليًّا على حَدٍّ سَوَاءٍ، نوعٌ من نُزُوعٍ مِلْحَاحٍ جدليٍّ باطنيٍّ سمَّاهُ المُحَلِّلُ النفسانيُّ الفرنسيُّ، جاك لاكانُ (1901-1981)، تسميةً رَائِزَةً بالنَّحْتِ المعجميِّ المُركَّبِ Jouissance، في اللغةِ الفرنسيَّةِ، وسمَّيتُهُ بدَوْرِي، في المقابلِ، تسميةً مَائِزَةً بالنَّحْتِ المعجميِّ المُرَكَّبِ «الرَّعِبُ»، في اللغةِ العربيَّةِ، لكيْمَا يُوِحيَ، من جملةِ مَا يُوحِي بِهِ، إيْحَاءً إنْسَانِيًّا جِنْسَانِيًّا بكُلٍّ منْ دلالةِ «الرَّعْشَةِ» ودلالةِ «اللَّعِبِ» في آنٍ صَوْتِيٍّ واحدٍ – وعلى فكرةٍ، هٰهُنَا، فإنَّ اختيارَ هذا النَّحْتِ المعجميِّ المُرَكَّبِ «الرَّعِبُ» احتمالاً، لا ذلك النَّظِيرِ الآخَرِ «اللَّعْشَةُ» احتمالاً آخَرَ، إنَّمَا يحكمُهُ كلٌّ من الجَرْسِ الملائمِ والوَقْعِ الموائمِ، ليسَ إلاَّ]. وعلى المستوَى الثالثِ في هكذا قرينةٍ علاوةً عليهِ كذلكَ، ذاكَ، إذنْ، كانَ أيضًا فَحْوَاءُ العبارةِ في التصديرِ مُسْتَقًى على مستوًى لامباشرٍ آخَرَ، بعدَئِذٍ، اِسْتِقَاءً مَنْحُوًّا من ذلك القولِ الحَاذقِ والألمعيِّ الذي قالَ بِهِ بالعُنُوِّ بِمَا معناهُ لِسَانُ العالِمِ الفيزيائيِّ الألمانيِّ الفَذِّ، آلبرت آينشتاين (1879-1955)، قالَ بِهِ في قرينةٍ شبيهةٍ بأنَّهُ «مَنْ لا يَقُولُ ٱلْحَقَّ جَادًّا حَتَّى فِي ٱلْصَّغَائِرِ، لَنْ يَسْتَحِقَّ ٱلْوُثُوقَ رَادًّا بِمَا يَقُولُ فِي ٱلْكَبَائِرِ!» – إذْ يُوصِي هذا القولُ الحاذقُ والألمعيُّ عينُهُ بكلِّ جَلاءٍ توصيَةً بإيلاءِ شديدِ العنايةِ والاِعتناءِ بالكلِّ الكلِّيِّ من صَغَائِرِ الأُمُورِ، أيَّةً كانتْ، وحتى قبلَ إيلاءِ سَدِيدِ العنايةِ والاِعتناءِ بأيٍّ مِنَ الجزءِ الجزئيِّ مِنْ كَبَائِرِ الأمُورِ، في المقابلِ، وبعيدًا كلَّ البُعْدِ، والمَآلُ هُنَا، عن أيِّمَا تضمينٍ دينيٍّ أو مذهبيٍّ جَلِيٍّ مُعْلَنٍ من قريبٍ أو حتى خفيٍّ مُسْتَتِرٍ من بعيدٍ لكلٍّ من مفردتَيِ «الصَّغَائِرِ» و«الكَبَائِرِ»، على وجهِ التحديدِ. وهلْ ثَمَّةَ مثالٌ أو أمثلةٌ أدلُّ على توصياتِ هكذا قولٍ حاذقٍ وألمعيٍّ من مثالِ شاعرٍ وفيلسُوفٍ أَرِبٍ أَريبٍ كمثلِ هيرْدَر بالذاتِ، أو حتى من مثالِ شاعرٍ وصِحَافيٍّ فَطِنٍ فطينٍ كمثلِ كافافي بالعَيْنِ، وعلى الأخصِّ أنَّ كلاًّ من هٰذَيْنِ العلمَيْنِ الفَذَّيْنِ كانَ يتَّخِذُ من ذلك «المنهجِ التاريخانيِّ» في حدِّ ذاتِهِ حُجَّةً ونُهْيَةً هَادِيَتَيْنِ في كلٍّ من مَسَارِ التفكيرِ فكرةً فكرةً ومَدَارِ الوُجُودِ بقعةً بقعةً بذلك، وفي كلِّ مَا يترتَّبُ على كلٍّ منهمَا مِنْ تجسيداتٍ حَرْفِيَّةٍ وَ/أَوْ تجريداتٍ مَجَازِيَّةٍ كذلك؟ وهلْ، إضَافَةً إلى ذاكَ، ثَمَّةَ مثالٌ أو أمثلةٌ أدلُّ على تزكياتِ هكذا ثنائيَّةٍ فريدةٍ متفرِّدَةٍ أُخرى، أي ثنائيَّةُ «التفكيرِ-الوُجُودِ» Thinking-Existing في حدِّ ذاتِهَا، من مثالِ مَا تقتضيهِ اقتضَاءً مؤاتيًا ثنائيةُ «اللغةِ-الكلامِ» Langue-Parole، حَسْبَمَا يَرَاهَا ذلك العالِمُ اللسَانيُّ السويسريُّ فرديناند دو سوسور (1857-1913)، أو حتى من مثالِ مَا تبتنيهِ ابتنَاءً ثنائيةُ «اللسَانِ-الكلامِ» Langage-Parole، حَسْبَمَا يَخَالُهَا ذلك المُحَلِّلُ النفسانيُّ الفرنسيُّ الآنِفُ الذِّكْرِ جاك لاكان (1901-1981)، خاصَّةً وأن الهَدَفَ البحثيَّ الأمْثَلَ الذي يُسْعَى إلى تحقيقِهِ في إطارِ علمِ اللسَانِ هٰهُنَا هو اسْتِكْشَافُ «لاوعيِ اللغةِ»، وأن الغايةَ البحثيةَ المُثْلَى التي يُسْعَى كذاك إلى تحقيقِهَا في إطارِ علمِ النفسِ في المقابلِ هي استقصَاءُ «لغةِ اللاوعيِ»؟ كلُّ هذا كانَ قائمًا أيَّمَا قِيَامٍ مَا دَامَ هناك مَا يقبعُ في أغوارِ الذِّهْنِ الإنسَانيِّ (أو في «الحياةِ الذهنيَّةِ»، مثلمَا ذُكِرَ) مِنْ أشياءٍ وأفكارٍ يتعذَّرُ التَّكَلُّمُ بِهَا، أو يستحيلُ التعبيرُ عنهَا، بأيَّتِمَا هيئةٍ كلاميَّةٍ أو كَلِمِيَّةٍ كانتْ، مِمَّا حَثَّ لاكانَ من طَرَفِهِ على نَحْتِ الاصطلاحِ الجديدِ Lalangue في اللغةِ الفرنسيةِ، ومِمَّا حَثَّنِي من طَرَفِي على نَحْتِ الاصطلاحِ المقابلِ حَدًّا بكلِّ بسَاطةٍ «اللالُغَةُ» في اللغةِ العربيةِ. وهكذا، فإنَّ المَرَامَ من تأسيسِ هذِهِ الثنائيةِ الأخيرةِ «اللسَانِ-الكلامِ» إنَّمَا هو الإدلاءُ بحقيقةٍ مُفَادُهَا بأنَّ مكنونَ «اللسَانِ»، لا مكنونَ «اللغةِ» في تلك الثنائيةِ الأولى «اللغةِ-الكلامِ»، لهو المكنونُ الذي يمثِّلُ الأسلوبَ اللاواعيَ للوجودِ اللغويِّ – على النقيضِ الكاملِ من مبثوثِ «الكلامِ»، في كلٍّ من تَيْنِكَ الثنائِيَّتَيْنِ المعنِيَّتَيْنِ والحَالُ هُنَا، فهو المبثوثُ الذي يمثِّلُ الأسلوبَ الواعيَ لهذا الوجودِ (سأعودُ إلى هذهِ النقطةِ الهَامَّةِ جدًّا فيمَا بعدُ).

فَلَدَى الاِبتداءِ هُنا من ذلك المستوى الثالثِ والأخيرِ، مستوى إبداءِ الاِهتمامِ بمسألةِ «الصَّغَائِرِ» قبلَ مسألةِ «الكَبَائِرِ» تلك بالذاتِ، يتبدَّى تبدِّيًا مفاجئًا، على سبيلِ المثالِ لا الحَصْرِ، أن كاتبًا صِحَافيًّا (سياسيَّا ثقافيًّا) مُتَمَرِّسًا كمثلِ صبحي حديدي يُشِيرُ في تقريرٍ صُحُفِيٍّ، في معرضِ الكلامِ «الإدْرَائِيِّ» المحدودِ جدًّا على النتاجِ الشِّعْرِيِّ لذاك العَلَمِ الأخيرِ كافافي من حيثُ كَمُّهُ المنشورُ تحديدًا، يُشِيرُ أكثرَ من مرَّةٍ إشارةً جَادَّةً وجِدِّيَّةً إلى الاصطلاحِ الطباعيِّ الإيهاميِّ «القصائدُ الكاملةُ» تارةً، أو حتى إلى الاصطلاحِ الطباعيِّ الأشدِّ إيهامًا «الأعمالُ الكاملةُ» تارةً أُخرى، في حينِ أنَّ كافافي (الشَّاعِرَ) نفسَهُ لمْ يحدثْ لَهُ طَوَالَ حَيَاتِهِ كُلِّهَا أنْ قَدَّمَ للنَّشْرِ الاِسْمِيِّ، ومِنْ ثَمَّ للاِتِّجَارِ الرَّسْمِيِّ، تقديمًا مقصُودًا أو لامقصُودًا أيَّةَ مجموعةٍ مُتَّسِمَةٍ بالكَمَالِ أو الاِكْتِمَالِ مِنْ نتاجِهِ الشِّعْرِيِّ ذاك، لا بِحَرْفِيِّ المعنى من التعبيرِ الطباعيِّ الوَارِدِ «القصائدُ المقتطَفةُ» أو «المقتطَفَاتُ الشعريةُ» Collected Poems، أو ما يشابِهُ ذلك، ولا حتى بِحَرْفِيِّ المعنى من التعبيرِ الطباعيِّ الجَارِدِ «القصائدُ المنتَقَاةُ» أو «المنتقَيَاتُ الشعريةُ» Selected Poems، أو ما يُقاربُ أيضًا – حتى تلك التَّرْجَمَاتُ إلى اللغةِ الإنكليزيةِ (أو غيرُهَا من التَّرْجَمَاتِ إلى اللغاتِ الأوروبيةِ الأُخرى) التي اتَّفَقَ لَهَا أنْ سُمِّيَتْ حرفيًّا بالاِسْمِ (الإيهاميِّ) الآنِفِ الذِّكْرِ توًّا «القصائدُ الكاملةُ» Complete Poems، كمثلِ ترجمةِ راي دالفن (طباعة دار هاركوت وبريس 1961)، أو ترجمةِ دانييل ميندلسون (طباعة دار هاربر 2013)، حتى هذِهِ التَّرْجَمَاتُ في حَدِّ ذاتِهَا لا يُقْصَدُ منها ذلك المعنى الحَرْفِيُّ مِنَ «الكَمَالِ» أو «الاِكْتِمَالِ» بأيِّ نحوٍ مِنَ الأنحاءِ خَلا، والحالُ هذِهِ، بضعةٍ مِنَ «القصائدِ» التي صَادفَ لَهَاَ أنْ وَصَلَتْ إلى شيءٍ مِنْ شكلِهَا «النِّهَائِيِّ»، أو حتى إلى شيءٍ مِنْ شكلِهَا «الأَخِيرِ» بنحوٍ أو بآخَرَ (اُنظرا، أيضًا، التقريرَ الصُّحُفِيَّ المعنيَّ للاِستئناسِ: «كافافي [س] والمدن / المجازات»، القدس العربي، 22 أيار 2022). ومِنْ نَافِلِ البَيَانِ هٰهُنَا، إذنْ، أنَّ هذا الكَمَّ اللافتَ لِلْعِيَانِ مِنْ هكذا فَيْضٍ مِنْ تَرْجَمَاتٍ إنكليزيةٍ لِشِعْرِ كافافي، وبأيٍّ منِ تجلِّيَاتِهَا الطِّبَاعِيَّةِ الثلاثةِ هذِهِ المُشَارِ إليهَا لِلْتَّوِّ على أقلِّ تقديرٍ، لا يستثي بأيَّتِمَا مثابةٍ كانتْ حتى ترجمةَ الكاتبِ الروائيِّ والجامعيِّ الأمريكيِّ الراحلِ مؤخَّرًا إدموند كيلي (1928-2022)، إذْ صَدَرَتْ مِنْ قَبْلُ هكذا تَرْجَمَةٌ كَفْءٌ تحتَ العنوانِ المدينيِّ عمدًا، «إسكندريةُ كافافي» Cavafy’s Alexandria، سواءً كانتْ صَادرةً بطبعتِهَا الأصليَّةِ اللامُوَسَّعَةِ (طباعة جامعة هارفارد 1976) أمْ كانتْ صَادرةً بطبعتِهَا الفرعيَّةِ المُوَسَّعَةِ (طباعة جامعة برينستون 1995). غَيْرَ أنَّ مَا يتبدَّى في المِثَالِ أقربَ فأقربَ إلى الكلامِ «الإدْرَائِيِّ» اليقينيِّ بالمطلقِ، أو بالكَادِ، مِنْ لَدُنْ جَمْهَرةٍ مِنْ أولئك الكُتَّابِ السِّيَرِيِّينَ (أوِ السِّيْرِيِّينَ) الذينَ كانوا قدْ كتبُوا كتابةً نقديَّةً أو لانقديَّةً قديرةً جَدِيرَةً بالدَّرْسِ عن سِيرةِ كافافي بالتحديدِ، أنَّ هذا الشَّاعِرَ المَعْرُوفَ باللااِسْتِقْرَارِ الوَكِيدِ على أيَّةِ حَالٍ كِتَابِيَّةٍ ذاتِيَّةٍ، أو حتى مَوْضُوعِيَّةٍ، كانَ يكتُبُ دُونَمَا اِتِّبَاعِ أو تَبَنِّي أيِّمَا انتظامٍ مَلْحُوظٍ أو مُلاحَظٍ في الحَوْلِ الأوْحَدِ مَا يَنْزُرُ عن، أو مَا يَرْبُو على، الستينَ قصيدةً بالعَدِّ والعِدَادِ يؤولُ مآلُ جُلِّهَا إلى التمزيقِ والإتلافِ المَحْمُومَيْنِ، أو حتى العُصَابِيَّيْنِ، خَلا، بالطَّبْعِ الطَّابِعِ، حُزْمَةٍ مِنْ قَصَائِدَ مَعْدُودَاتٍ على الأصَابِعِ مِنْ يَدٍ وحيدةٍ بالمعنى الحرفيِّ، ليسَ إلاَّ. ومَا كانَ لهذا الشَّاعِرِ الغريبِ الأطوَارِ (لٰكِنِ اللامِعُ الألْمَعِيُّ الفَذُّ) مِنْ تلك القَصَائِدِ المَعْدُودَاتِ بالذواتِ، وَقْتَئِذٍ، إلاَّ أنْ يُبْقِيَهَا على مَضَضٍ لِكَيْمَا يَضُمَّهَا على مَضَضٍ أشَدَّ إلى مَا أبْقَاهُ بالغِرَارِ المُمَاثِلِ مِنْ حَوْلٍ سَابِقٍ، أو مِنْ حَوْلَيْنِ سَابِقَيْنِ أو أكثرَ حتى، ولِكَيْمَا يعملَ «جَاهِدًا» في الأخيرِ على شَخْصِيِّ طباعتِهَا كـ«مجموعةٍ شعريَّةٍ» في طبعةٍ، أو في طبعاتٍ، جِدِّ خَاصَّةٍ، وذاك بُغْيَةَ إهدائِهَا «الوَسَائِلِيِّ»، فيمَا يَتَجَلَّى، إلى حَشْدٍ مِنَ الأصدقاءِ والمعارفِ والأقرباءِ انتقاءً مُتَعَمَّدًا دونَ سِوَاهُمْ – ولمْ يتجاوزِ النِّتَاجُ الشِّعْرِيُّ كـ«مجموعاتٍ» كَافَافَوِيَّةٍ جِدِّ خَاصَّةٍ مطبوعةٍ على هكذا شاكلةٍ «وَسَائِلِيَّةٍ» بالتَّالِي عدَدَ الأصَابِعِ المُنَوَّهَ عَنْهُ ذاتَهُ، كَمَا يُمْكِنُ اسْتشْفَافُ هذِهِ الحُمَّى «الفَطِينَةِ»، أو هذا العُصَابِ «الفَطِينِ»، بشيءٍ من التوصيفِ الأدبيِّ وَ/أَوِ السَّرْدِيِّ مِنْ كتابِ روبرت ليديل «كافافي: سيرةٌ نقديةٌ» Cavafy: A Critical Biography (طباعة دار دوكوورث 1974)، أو من كتابِ ميماس كولايْتِيس «كافافي كَمَا عَرَفْتُهُ» Cavafy As I Knew Him (طباعة دار سانتا باربرا 1980)، أو مَا شابَهَ ذلك من كتابةٍ سِيَرِيَّةٍ (أو سِيْرِيَّةٍ) بِأيَّتِمَا لغةٍ أوروبيَّةٍ، أو حتى بِأيَّتِمَا لغةٍ لاأوروبيَّةٍ أُخرى. وحتى حينَ يأتِي ذلك الكلامُ الفَخَاريُّ الحَمَاسِيُّ، أو شِبْهُهُ، عن مَدَى «إشْهَارِ» المُنْجَزِ الشِّعْرِيِّ الكَافَافَوِيِّ في المشهدِ الأدبيِّ العربيِّ، دونَ غيرِهِ مِنَ المشاهِدِ الأدبيَّةِ اللاعربيَّةِ في أصْقَاعِ هذا العَالَمِ، فإنَّ الشَّرَارَةَ الإشْهَارِيَّةَ الأولى وكذلك المُثْلَى، ولا رَيْبَ فيهَا، لَكَانَتْ قَدِ انطلقتْ مِنْ لَدُنِ الغنيِّ عن التعريفِ إدوارد سعيد بالذاتِ، وبالأخصِّ حينمَا تكلَّمَ بإعجابٍ لافتٍ عن كافافي في مقالِهِ «الإشْهَارِيِّ» المغمورِ نسبيًّا «القاهرة والإسكندرية» في أواخرِ الستينيَّاتِ من القرنِ الفارطِ (أو يزيدُ قليلاً). وقدْ ضُمَّ هذا المقالُ بعنوانِهِ المدينيِّ الثنائيِّ، بدورِهِ هو الآخَرُ، فيمَا بعدُ إلى تلك المقالاتِ اللَّوْذَعِيَّةِ التي كتبَهَا سعيد ذاتُهُ على مدَى أربعينَ عامًا لزامًا مجموعةً في كتابٍ يحملُ باستحقاقٍ مُؤَاتٍ عنوانَ المقالِ الأكثرِ لَوْذَعِيَّةً، «تأمُّلاتٌ في المنفَى» Reflections On Exile، هذا المقالِ الذي أُعِيدَ نَشْرُهُ في مواضعَ شَتَّى مِرَارًا وتكرَارًا منذُ ذلك الحينِ [وعلى فكرةٍ، هٰهُنَا استطرَادًا، هناكَ قطيعٌ من نُقَطَاءَ عَتُوفِينَ أَدْعِيَاءَ جَاهِلِينَ كانوا قَدْ قَدِمُوا مِنْ قُمَامَاتِ ذلك المَاخُورِ المَنْخُورِ الذي يُسَمَّى بـ«اتحاد الكتاب العرب»، وكانوا قَدِ انتهزوا اللجُوءَ انتهازًا دَنِيئًا دَنِيًّا بدافعٍ ذُكُورِيٍّ بَخْسٍ مَحْضٍ إلى دولةٍ أوروبيةٍ كمثلِ ألمانيا، صَارُوا الآنَ يتشدَّقونَ كَذِبًا، لا بلْ يتفذلكونَ إفْكًا، على صفحاتِ مَا أُسَمِّيهِ فُكَاهَةً وتَهَكُّمًا «كتابَ المُحَيَّا» Facebook، بعناوينَ تقليديَّةٍ ترقيعيَّةٍ كمثلِ «تأمُّلاتٌ في الحُبِّ» زاخرةٍ بكلِّ أشكالِ الخَطَلِ والهُذَاءِ والهُرَاءِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ]. مَا عَلَيْنَا من كُلِّ هذا، ففي ذاتِ السِّيَاقِ الآنِفِ الإِيرَادِ ذلك، لَوْ لَمْ يَتِمَّ «اكتشَافُ» كافافي من لَدُنْ سعيد في ذاك المقالِ ذي العنوانِ المدينيِّ الثنائيِّ، وفيمَا تلاهُ من مقالاتٍ أُخرى كذلك، لَمَا كانَ كافافي معروفًا في عَالَمِ الأدبِ العربيِّ الحديثِ أو «الأحدثِ» أصْلاً، ولَمَا ترجمَ سعدي يوسف نفسُهُ مجموعةَ «وداعًا للإسكندريةِ التي تفقدُهَا»، ولَمَا قالَ حتى محمود درويش في قصيدتِهِ الشهيرةِ «بيروت» مَا يَلِي:
/…
وَسَأَلْتُ كَافَافِي: لِمَاذَا؟
قَالَ لِي: لا تَتْرُكِ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ بَاحِثًا عَنْ غَيْرِهَا!
/…
وَوَجَدْتُ كَافْكَا تَحْتَ جِلْدِي نَائِمًا
وَمُلائِمًا لِعَبَاءَةِ الكَابُوسِ – وَالبُولِيسُ فِينَا!

***

[انتهى القسم الثالث من هذا المقال ويليه القسم الرابع]

*** *** ***

دبلن (جمهورية إيرلندا)، 29 أيار 2022
بلفاست (إيرلندا الشمالية)، 19 تشرين الأول 2022



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ...
- ٱِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: ب ...
- اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ...
- اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ...
- اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ...
- وَمَا زِلْتُمْ أَحْيَاءً فِي ٱلْمَدَىْ: رَسِيلٌ شِعْرِ ...
- وَمَا زِلْتُمْ أَحْيَاءً فِي ٱلْبَصِيرَةِ: ثَلاثُ رَسَ ...
- وَمَا زِلْتُمْ أَحْيَاءً فِي البَصِيرَةِ: ثَلاثُ رَسَائلَ شِ ...
- تِلْكَ ٱلْكَاْتِبَةُ ٱلْرِّوَاْئِيَّةُ: خَرَفُ  ...
- تِلْكَ ٱلْكَاْتِبَةُ ٱلْرِّوَاْئِيَّةُ: خَرَفُ & ...
- تِلْكَ ٱلْكَاْتِبَةُ ٱلْرِّوَاْئِيَّةُ: خَرَفُ & ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هٰهُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ ه¤ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هٰهُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ ه¤ ...
- خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ &# ...
- خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ &# ...
- خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ &# ...
- خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ  ...
- ٱلْأَنَٰا: ظَاهِرِيَّاتُ ٱلْتَّدْلِيْلِ وَ ...
- ٱلْأَنَا: ظَاهِرِيَّاتُ ٱلْتَّدْلِيلِ وَبَاطِنِي ...
- ٱلْأَنَــــا: ظَاهِرِيَّاتُ ٱلْتَّدْلِيْلِ وَبَاطِ ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ٱمْتِشَاقِ ٱلْمَدِيْنَةِ، بَيْنَ ٱعْتِشَاقِ ٱلْخَدِيْنَةِ (3)