أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسامة خليفة - قراءة في كتاب بين الضم والتطبيع















المزيد.....


قراءة في كتاب بين الضم والتطبيع


أسامة خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 7413 - 2022 / 10 / 26 - 15:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في كتاب «بين الضم والتطبيع» وهو الكتاب (رقم40) من سلسلة «الطريق إلى الاستقلال» التي يصدرها «المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات» "ملف". فصوله تتناول العناوين التالية: في مواجهة مشروع الضم- اجتماع الأمناء العامين- ما بعد اجتماع الأمناء العامين- في المدار- مفهوم السلام في عقيدة نتنياهو.
الضم والتطبيع ركنا صفقة القرن لحل تصفوي للقضية الفلسطينية، ولشطب الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، تم الدفع بتطبيق الصفقة على مستوى الإقليم في علاقة اسرائيل مع الدول والأنظمة العربية، وعلى المستوى الفلسطيني، في إطار الضم الزاحف للأرض بإجراءاته اليومية في شتى أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس.
إن الاستيطان هو عنوان آخر للضم، وأن كل استيطان هو في واقع الأمر خطوة في إنجاز الضم، عملية الضم لا تتم دفعة واحدة، فهي جارية لا تتوقف وتطبق بالخطوات الميدانية قطعة قطعة إلى أن يتم تجميع كل القطع لتبدو اللوحة واضحة أمام الجميع، إلى أن ينجز الضم، فيتم الإعلان عنه. سارت صفقة القرن في التنفيذ العملي على مسارين:
- المسار الاستيطاني، تحقيقاً لمشروع «اسرائيل الكبرى»، بفرض وقائع استعمارية استيطانية على الأرض كحقائق مسلم بها تمهيداً للضم والإعلان عنه في الوقت المناسب.
- المسار التطبيعي، على طريق دمج اسرائيل في الإقليم، وإقامة تحالف أميركي –عربي- إسرائيلي.
تسير خطة ترامب على مسارين إقليمي وفلسطيني لترتيب أوضاع وإعادة تنظيم المنطقة للعقود القادمة، تحكمها فلسفة سياسية، ورؤية استراتيجية، ومصالح عليا أمنية واقتصادية، إذ يمكن القول أن صفقة القرن افتتحت مرحلة جديدة من المواجهة في فلسطين وعلى مدى الإقليم، بين مشروعين لكل منهما استراتيجيته، مشروع تجديد الهيمنة الأمريكية بالاعتماد على اسرائيل ومن يصطف معهما من جهة، مقابل مشروع التحرر الوطني، وإعادة بناء الدولة الوطنية من جهة أخرى، يترتب على ذلك استعادة الاجماع الوطني على تعريف طبيعة المرحلة وسمتها الأساسية، كمدخل هام لأي مشروع للمجابهة وإفشال صفقة القرن، ومقاومة مشروع الضم، ومواصلة المسيرة النضالية، اقتناعاً أن الضغوط الدولية لن تثني اسرائيل عن قرارها في المضي بالإجراءات القانونية والعملية التي تستوجبها مرحلة الضم، لقد أصبح الضم جزءاً أساسياً في الحياة السياسية داخل اسرائيل، واستقرت في قلب التوازنات الداخلية في المجتمع اليهودي، وهي العنوان الأول على جدول أعمال مجالس المستوطنات وأحزاب اليمين، والأرض هي العنصر الجوهري في المشروع الصهيوني كمشروع استعماري استيطاني، ابتدأته الحركة الصهيونية بإقامة صندوق قومي يمول شراء الأرض (حيث أمكن) ويمول المستوطنات التي أقامتها الهجرة الأولى، والآن ما عادوا يهتمون كثيراً بتبرير الاستيلاء على الأرض والبناء الاستيطاني في كل مكان من فلسطين استناداً لأساطير توراتية أن فلسطين هي أرض الميعاد، بل يُفرض الاستيطان بقوة الأمر الواقع والضرورة الأمنية، دأبت اسرائيل على تأكيد رفض الانسحاب من الحدود الأردنية بذريعة حقها في الدفاع عن نفسها ضد الخطر العراقي، واستبدلته بالخطر الإيراني بعد افتقار العراق لجيش قوي، وأياً تكن التسويات مع الجانب الفلسطيني تؤكد اسرائيل حقها المزعوم في التمسك ببقاء جيشها على الحدود الأردنية، أمر يخفي وراءه أطماعاً أخرى تتعلق باحتفاظ اسرائيل بمنطقة الغور وشمال البحر الميت، ويصبح من الضروري أن يمتلك الجيش الإسرائيلي أراض جديدة تؤمن له حرية الحركة في خطوط مواصلات خاصة به وآمنة، لسهولة الإمداد والوصول إلى هناك في وقت السلم أو الحرب، وفي السياق الأمني نفسه لا تخفي اسرائيل أطماعها في الإمساك بالهضاب والمرتفعات والجبال الاستراتيجية في الضفة الغربية.
ذرائع أخرى وفرتها اتفاقات السلام مع الفلسطينيين من خلال اشتراط تبادل الأرض في مفاوضات الحل الدائم، مما يعني نيل اعتراف المفاوض الفلسطيني بشرعية الاستيلاء على أرض المستوطنات، بالرغم من أن المواقف الدولية أجمعت على رفض سياسة الضم الإسرائيلية لأراضي الضفة الفلسطينية المحتلة، ولامتصاص ردود الفعل الدولية على الضم تسعى اسرائيل لضم المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية بأسلوب تدريجي، قد يبدأ بالكتل الاستيطانية الرئيسية، كون هذه الكتل تنتمي إلى فئة الأراضي التي ستؤول إلى اسرائيل في إطار تبادل الأراضي –المسلم بها من الجانب الفلسطيني المفاوض- كأحد مرتكزات الحل التفاوضي.
قامت الاستراتيجية الأمريكية وفق رؤية ترامب في مسارها الفلسطيني على قاعدة نسف قرارت الشرعية الدولية التي نزعت الشرعية عن الاستيطان، أخرها قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67- 2012، وعكس التيار الدولي الذي يدين الاستيطان، رفعت الإدارة الأمريكية في 28/10/2020 حظراً كان مفروضاً منذ عشرات السنين بمنع استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في تمويل الأبحاث العلمية الإسرائيلية في المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967، حيث شهدت مستعمرة ارييل -التي تضم جامعة- تدشين مسار جديد في التعاون العلمي ينزع عن المستوطنات صفتها غير القانونية، ويعيد لها «الاعتبار الإسرائيلي» جزءاً من اسرائيل.
انطلق المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية بعد احتلالها عام1967 هدفه الاستراتيجي استيعاب مليون مهاجر مستوطن يهودي في القدس وأنحاء الضفة، في27 حزيران/ يونيو/67 وافق الكنيست على مشروع قرار ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل، وبدأت عملية تهويد واسعة، طالت محيط المسجد الأقصى وحائط البراق وتدمير حي المغاربة، وتدعي الخرافات اليهودية أن إزالة الأقصى من شأنه أن يقود إلى هيكل سليمان المدمر، ولأن شروط الهدم لم تتوفر حتى الآن أفسحت سلطات الاحتلال لحل مؤقت يقوم على التقاسم الوظيفي، كما حصل في المسجد الابراهيمي في الخليل، والحسابات الإسرائيلية الآن تعتبر الأماكن المقدسة ولاسيما المسجد الأقصى وما حوله جزءاً لا يتجزأ من القدس «عاصمة اسرائيل الموحدة» تخضع كلها للسيادة الإسرائيلية كأي شبر من أرض القدس.
وكما يوضح خبراء الاستيطان في مراكز الابحاث الفلسطينية من خلال إعادة رسم خارطة الاستيطان، يتبين أن المدن الفلسطينية باتت كلها مطوقة بحزام من المستوطنات يحاصرها من كافة الجهات، ويجعل منها غيتو فلسطيني في بحر من المستوطنين، لا يستطيع سكان هذا الغيتو التحرك خارجه إلا عبر مناطق الاستيطان حيث تقوم الحواجز العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
تقوم الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال بمسح أراضي الضفة الفلسطينية وتصنيفها بقرار تعسفي بين «أراضي دولة» و«أراضي خاصة» أراضي الدولة تعود ملكيتها إلى دولة الاحتلال باعتبارها هي «الدولة الوحيدة» في المنطقة، هذا سيسمح لإسرائيل الاستيلاء على 40% من مساحة الضفة الغربية باعتبارها أراضي دولة.
لم تتوقف الإدارة الأمريكية عن مباركتها للضم الذي وسعت دائرته، باعتراف أميركي بضم إسرائيل لهضبة الجولان العربية المحتلة منذ عام 1967، بل انتقلت إلى كونها شريكاً في رسم الخرائط من خلال اللجنة المشتركة الأمريكية- الإسرائيلية التي عهد إليها بدءاً من 15/2/2020 رسم خطوط الضم في أنحاء الضفة والفواصل بين مناطق اسرائيل الكبرى، وبين الكيان الفلسطيني المحتجز خلف قضبانها.
لقد تبنى ترامب العقيدة الصهيونية في الاعتراف بحق دولة الاحتلال في ضم ثلث أراضي الضفة الغربية، تشمل مناطق الغور وشمال البحر الميت والمستوطنات، لإقامة «اسرائيل الكبرى»، كما تحدى وزير الخارجية الأمريكي المجتمع الدولي بالادعاء أن من حق اسرائيل أن تقرر فرض سيادتها على المستوطنات، ووفق عقيدة بومبيو أنه لا يرى في المستوطنات الإسرائيلية موضوعاً لا ينسجم مع القانون الدولي، وبهذا الادعاء تكون قضيتنا الوطنية قد دخلت مرحلة الضم ليس في حدود الإعلانات السياسية لأركان الإدارة الأمريكية ولنتنياهو فحسب، بل أصبح مشروع الضم هو خطة عمل الحكومة الإسرائيلية، نال ثقة الكنيست، وأعلن نتنياهو شهر تموز/ يوليو 2020 موعداً للبدء بتنفيذ المشروع، دون أن يعني ذلك أن سلسلة إجراءات إدارية وميدانية لم تسبق هذا الموعد، وبدأت تمهد له، ومنها على سبيل المثال، ربط المستوطنات في الضفة الفلسطينية ببعض وزارات حكومة الاحتلال مباشرة، كشكل من أشكال بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، هذا الضم يغير الواقع القانوني والسياسي والعملي للمستوطنين ولمناطق الضم، التي كانت تحت الحكم العسكري، وليس للتشريع الإسرائيلي مفعول مباشر فيها، فيصبح القانون الإسرائيلي يسري عليها كما يسري في «دولة اسرائيل»، الأمر الذي يسهل إجراءات مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع الاستيطان.
بالمقابل فإن الضم يغير في الواقع الفلسطيني لجهة تقليص مساحة ولاية السلطة وصلاحياتها الإدارية، وتحت قوة الأمر الواقع، يتجاوز المواطنون الفلسطينيون، مؤسسات السلطة ووزاراتها، إلى التعامل مباشرة مع الإدارات الاسرائيلية في ظل وضعهم القانوني الملتبس، كمقيمين على «أرض» إسرائيلية، وهذا يعني المزيد من التقليص لصلاحيات السلطة ودورها ووثوق علاقاتها بمواطنيها، والقضايا الاقتصادية التي تسهم في تعميق دمج الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي تؤدي بنتائجها إلى فرض الضم كأمر واقع.
صفقة القرن لم تأتٍ من فراغ، إنما من مشاريع تسوية أمريكية إن لم تكن وهمية عبر أربع رؤساء توالوا على البيت الأبيض منذ مباحثات مدريد إلى عهد ترامب، فهي غير جادة بوضع الحكومات الإسرائيلية أمام متطلبات السلام التي بدأت في مدريد وفق مبدأ الأرض مقابل السلام، فكيف انتهت مع ترامب بصفقته وفق السلام الاقتصادي ؟. المقدمات الضرورية لهذه الصفقة واضحة في انحياز الموقف الأمريكي إلى الجانب الإسرائيلي، وافتقاده الدائم إلى النزاهة والشفافية والحياد معاً، تلك السياسة المخادعة التي عملت على كسب الوقت لصالح اسرائيل لتفرض وقائع جديدة على الأرض، والجانب الرسمي الفلسطيني قبل الدور الأمريكي، وربما ما يزال على وهم أن يؤدي هذا الدور إلى حل عادل برحيل ترامب، تذكرنا السياسة الأمريكية من عهد بوش الأب إلى عهد بايدن، وبالتأكيد لما بعده، بالسياسة الاستعمارية البريطانية المخادعة عبر كتاب أبيض وكتاب أسود، الكتاب الأبيض الأمريكي: اعتماد حدود 4 حزيران كأساس لرسم الحدود، واعتبار القرار242 أساس ومرجعية العملية السياسية، القول إن الاستيطان في الضفة الفلسطينية عقبة أمام الوصول إلى حل، وأقدمت الإدارات الأمريكية المتوالية على إبداء عدم الرضا عنه أو الاحتجاج العابر عليه، الكتاب الأبيض الأبرز في عهد أوباما هو تمرير مشروع القرار 2334 الذي يدين الاستيطان، دون إشهار الفيتو كعادة الولايات المتحدة في تغطية السياسات والممارسات الإسرائيلية المناقضة للشرعية الدولية.
لقد قدمت الولايات المتحدة عدد من المبادرات قبل صفقة القرن، أوهمت العالم أن هناك عملية سلام جارية في المنطقة من الممكن أن تقود إلى حل للصراع، منها:
- معايير كلينتون كانون الأول/ ديسمبر2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثلاثية.
- خطة خارطة الطريق لسلام الشرق الأوسط أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية في 30 نيسان/ابريل2003 طرحت في خطاب الرئيس بوش الابن.
- عملية أنابوليس 27/11/2007 في الولاية الثانية لجورج بوش الابن.
- مبادرة جون كيري 2013-2014 أثناء توليه وزارة الخارجية في ولاية أوباما الثانية.
حققت اسرائيل والولايات المتحدة مكاسب من المفاوضات سواء توقفت أو استؤنفت، فقد تغطى بها الجانب الإسرائيلي، ووفرت له الفرصة تلو الأخرى لبناء وقائع ميدانية زادت من زرع المزيد من الألغام في حقل العملية السياسية مما أسهم بمفاقمة تعقيداتها، ولم يبال الوسيط الأمريكي بتعثر عملية السلام، ولم يكن راغباً بممارسة أي ضغط على الجانب الإسرائيلي لاستئنافها.
على الجانب الفلسطيني، المتراجع تأثيراً في معادلة الصراع، بقيت العملية السياسية عموماً تراوح مكانها، في حين تكسب حركة الاستيطان المزيد من الوقت وصولاً إلى الزمن المناسب لعملية الضم، التي جاءت مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير2001، واعترافه بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
في 17/5/2020 أقرت الحكومة الاسرائيلية مشروع ضم أراضٍ في الضفة الغربية، تصل نسبتها إلى 30 في المئة من مساحتها الكلية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية ومناطق من غور الأردن، الضم إن كان قانونياً أو بفرض الأمر الواقع، يدخل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في مرحلة نوعية جديدة مجال حسمها الأهم هو الميدان، فمخطط الضم يؤذن ببدء مرحلة جديدة، مرحلة عليا من مراحل الاستعمار الاستيطاني سواء أعلنت خرائطه أم بقيت في الأدراج، سواء نتجت عن مفاوضات، أو حسمت بإسقاطات، وبغض النظر عن تأجيل، أو مرحلة، أو تقليص مساحة التطبيق، لم يعد الضم محطة في السياق الاستيطاني، التهويدي المعهود، بل افتتاح لمرحلة أكثر توحشاً للاستعمار الاستيطاني، كل ما اتخذ من خطوات وطبقت وتصب في عملية الضم باتت في عهدة يوميات ما يسمى «الضم الزاحف».
جاء الرد الفلسطيني في 19/5 بإصدار بيان أهم ما فيه: إن م.ت.ف. ودولة فلسطين قد أصبحت اليوم في حل من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات بما فيها الأمنية، وقبل عام تقريباً من صدور هذا القرار، صدر قرار مماثل من القيادة الرسمية الفلسطينية في 25/5/2019، رداً على الإعلان الرسمي عن الفصل الأول من صفقة القرن، بعد أن كانت الصفقة قد قطعت شوطاً مهماً في استكمال عناصرها، ومهدت خلاله المسرح السياسي الاسرائيلي والأمريكي للصعود إلى ذروة الصفقة في اعتماد خطط وآليات الضم، وتحديد ساعة الصفر للشروع في التطبيق.
لقد أهدرت السلطة الفلسطينية في سلوكها سياسة المراوحة في المكان والرهانات الفاشلة، والسياسات الانتظارية، العديد من الفرص، للرد على صفقة القرن وخطواتها التطبيقية، كذلك اهدرت السلطة حالة النهوض المجتمعي في الضفة الغربية، وفي القلب منها القدس، وأعمال المقاومة التي جرى التعبير عنها بأساليب وأشكال نضالية مختلفة، وحالة الصمود لقطاع غزة وتضحياته، ولم تبن على ذلك ما يجب أن تبنيه.
تقف حماس صفاً واحداً مع سائر القوى الفلسطينية في مناهضة مشروع الضم، وتعهدت باستئناف عمليات المقاومة، الأمر الذي يأخذه العدو على محمل الجد، ويتحسب له، غير أن هذا ليس كافياً، لأن موقع حماس المتقدم في التشكيلة الوطنية، يتطلب أن تكون صاحبة مبادرة سياسية، سيما في المحطات الوطنية الفاصلة.
بعد أن نال قرار الخروج من أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي موافقة جميع القوى، واعتبرته صالحاً لتوحيد الجهد الوطني في مواجهة مخطط الضم، يتقدم إلى الواجهة السؤال حول مدى قدرة الحالة الفلسطينية في واقعها الراهن على تحمل ما يترتب على هذا القرار من أعباء، نعم قادرون، بشرط تخليص واقعنا الفلسطيني من جوانب خلل بنيوية، وجوانب ضعف رئيسية، وهذا على صعوبته يتحقق إذا اندرجت المهام المشتقة من قرار 19/5 في سياق استراتيجية وطنية لا تقتصر على إجراءات وردود فعل ترتكز على نشاطات مبعثرة ومتقطعة، تواكبها تصريحات تنتقص من مصداقية بعض القرارات المتخذة، وعلى الأخص ما يتعلق بوقف التنسيق الأمني، ففي كل مرة يطرح السؤال: هل سينفذ، وكيف؟.
في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن الضم ما يزال زاحفاً، ويأخذ أشكالاً مختلفة، في مواصلة الاستيطان، ادعى بعض العرب أن التطبيع أدى إلى إلغاء مخطط الضم أو تعليقه، فأقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة على خطوة خطيرة في 13/8/2020 تمثلت بالإعلان في بيان ثلاثي أمريكي-إسرائيلي-إماراتي عن معاهدة سلام بين أبو ظبي وتل أبيب، وفق المعيار الإسرائيلي، القائم على «السلام مقابل السلام»، في خطوة وصفت بأنها طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وفي انتهاك فظ لمبادرة السلام العربية 2002 ، وقرارات القمم العربية والإسلامية التي رهنت تطبيع العلاقة مع اسرائيل بانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 والتوافق على حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
تلا ذلك تطورات لا تقل خطورة تمثلت في سماح السعودية والبحرين للطيران الإسرائيلي بالعبور في أجوائها بشكل دائم، ما يعتبر أحد أشكال التطبيع ومقدمة لخطوات لاحقة، تماثل خطوة دولة الإمارات، كما تلا ذلك الحديث الواضح عن استعداد دول عربية أو مسلمة أخرى للالتحاق بما أقدمت عليه أبو ظبي.
بعد أقل من شهر على معاهدة السلام بين أبو ظبي وتل أبيب، وتحديداً في 3/9/2020 انعقد اجتماع الأمناء العامين برئاسة الرئيس محمود عباس في حلقتين رام الله وبيروت، في وقت بدأت فيه قيادة السلطة الفلسطينية تتحسس بشكل واضح وملموس خطورة التحول الرسمي العربي، فعدا عن خطوة الإمارات، وخطوة البحرين، التي تقف وراءها السعودية، والوعود العربية بالإقدام على خطوات مماثلة نحو الانفتاح والتحالف مع اسرائيل، طغت على الحالة العربية الرسمية مواقف الترحيب بالخطوة الإماراتية وتأييدها، وكان خافتاً الموقف العربي الرسمي الرافض، ولم يحمّل نفسه عناء الدخول في اشتباك مع السياسة الأمريكية، ومع حكومة الإمارات، وكان بارزاً ومقلقاً تجاهل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الدعوة الفلسطينية لاجتماع عاجل لمجلس الجامعة، وهذا يحصل للمرة الأولى، ما يحمل في طياته إشارات شديدة الخطورة على المنحى السياسي الذي باتت فيه الجامعة العربية تنزلق نحو السياسات المكشوفة، والمغطاة في الوقت نفسه من قبل العواصم العربية الأكثر نفوذاً في المنطقة، والأكثر اقتراباً من سياسة الولايات المتحدة.
أكد البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين على الثوابت الوطنية الفلسطينية، والتمسك بالقدس عاصمة لدولة فلسطين، وعلى حق شعبنا في ممارسة الأساليب النضالية المشروعة، وتطوير وتفعيل المقاومة الشعبية نحو انتفاضة شاملة على طريق التحول إلى عصيان وطني شامل لدحر الاحتلال، ورفض البيان الختامي صفقة ترامب-نتنياهو، وخطة الضم، ورفض كل المشاريع الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأدان كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال.
لقد أحدث التطبيع خلخلة واضحة في النظام العربي يتمثل في التالي:
- أطاح التطبيع بمبادرة السلام العربية وأبرز هشاشتها وأفرغها من محتواها وحولها إلى مجرد عنوان بلا مضمون، حتى أن الخطاب الرسمي الفلسطيني وهو يدعو للمفاوضات بدا يتجاهل المبادرة العربية كإحدى مرجعيات العملية السياسية.
- تجاهل، وصمت عربي رسمي إزاء خطوات وقرارات وإجراءات أمريكية-إسرائيلية تنتقص من الحقوق العربية والفلسطينية كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، والاعتراف بشرعية الاستيطان...
- أدخلت الجامعة العربية في أزمة مستعصية، حين انحازت لصالح تيار التطبيع، وكأنها قد أسبغت شرعيتها عليه، بتجاهلها للتطبيع، خرج من دائرة التحريم ليدخل في دائرة العمل المشروع، وقد تمثلت الأزمة بتخلي فلسطين عن حقها في الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة، ورفض دول أخرى الأخذ بآلية التسلسل لتحمل المسؤولية لإدراكها حجم التعقيدات التي سترافقه.
- تراجع في مجالات التعاون الثنائي لصالح المزيد من اتفاقات التعاون مع اسرائيل في المجالات الاقتصادية والمالية والأمنية والثقافية والنقل وغيره، وسيحد التطبيع من حجم المبادلات التجارية العربية- العربية خاصة بين الدول المطبعة والدول المتمسكة بشروط مقاطعة التطبيع.
على الصعيد الفلسطيني، تداعيات كبرى نجمت عن خطوات التطبيع والإعلان الكاذب عن تعليق خطط الضم، تتمثل في التالي:
- وجدت السلطة الفلسطينية نفسها مقيدة بعدد من العوامل والعناصر المعقدة بما فيها مراعاة مصالح الجاليات الفلسطينية في دول التطبيع، البعض وجد في هذا الموقف السليم، إلى حد ما، مبرراً للحفاظ على علاقة السلطة الفلسطينية مع دول التطبيع.
- أضعف مسار أوسلو معارضة السلطة الفلسطينية للتطبيع مع اسرائيل، ودفاعها عن المبادرة العربية 2002.
- تطورات التطبيع ترافقت مع الحديث عن مبادرة أمريكية مرتقبة لإحياء المسار التفاوضي، واستعداداً له ولتوفير غطاء عربي، جعلت من الرباعية العربية مرجعية للقرار الفلسطيني، بديلاً للمرجعية الفلسطينية ممثلة باللجنة التنفيذية.
في 15/9/2020 تم التوقيع على اتفاقات لتطبيع العلاقات بين كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وإسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي في حفل صمم له أن يكون مشهدية معولمة توظف لحساب ترامب في معركة الانتخابات الرئاسية، ولحساب نتنياهو لتحصين موقعه السياسي، كل هذا على حساب مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، ما سبق يطرح سؤالاً حول الخطوات المطلوبة لمواجهة ما حدث في البيت الأبيض، وهل باستطاعة الفلسطينيين أن يواجهوا انعكاسات وتداعيات ذلك في ضوء تجربتهم الأخيرة مع اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، التي رفضت الطلب الفلسطيني في إدانة عملية التطبيع.
يستطيع الفلسطينيون أن يستنهضوا طاقاتهم بتوحيد الجهود والعمل دون تردد على طي صفحة الانقسام، واستعادة وحدة النظام السياسي، وصولاً إلى استيعاب جميع القوى في إطار م.ت.ف. بتفاهمات وطنية تغلب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الحزبية الضيقة، بالإضافة إلى تصحيح العلاقة بين م.ت.ف. وبين قوى حركة التحرر العربية وجميع الأحزاب والقوى السياسية والمؤسسات المجتمعية العربية، والقيام بمراجعة نقدية لهذه العلاقة التي تضررت بفعل اتفاقات أوسلو.



#أسامة_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور بريطانيا في صناعة اسرائيل قراءة في كتاب من الانتداب إلى ...
- من وعد بلفور إلى صفقة ترامب
- قضيتنا الفلسطينية ومحيطها المضطرب
- بين مشهدنا ومشهدهم ما صنعه الحداد سيف القدس
- الحرب الباردة والحروب الساخنة
- قراءة في كراس «مفترق التحولات الكبرى»


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسامة خليفة - قراءة في كتاب بين الضم والتطبيع