أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان دويري - عامل الخوف والشعور بالذنب في العقل والسياسة الإسرائيليان















المزيد.....



عامل الخوف والشعور بالذنب في العقل والسياسة الإسرائيليان


مروان دويري

الحوار المتمدن-العدد: 7406 - 2022 / 10 / 19 - 18:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل من يتابع الصراع الصهيوني الفلسطيني يدرك أن إسرائيل نجحت بفرض مشروعها الكولونيالي: احتلال معظم الأراضي الفلسطينية سنة 1948 وتشريد معظم الشعب الفلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، وجلب ملايين المهاجرين اليهود، وإقامة المستوطنات والمدن اليهودية على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية. وفي سنة 1967 قامت باحتلال الجزء الباقي من فلسطين ومن الأراضي المصرية والسورية وواصلت بناء المستوطنات في الضفة الغربية وهضبة الجولان والسيطرة على الشعب الفلسطيني من خلال نظام أبارتهايد سافر دون أي رادع. ومع هذا فاليهود في إسرائيل، الذين هاجروا بحجة العيش بأمن وسلام، لا يشعرون بالأمن بل ومنسوب الخوف لديهم وشعورهم بالملاحقة ما زال عاليا، بالرغم من كون الدولة قوة عسكرية ونووية عظمى وتحظى بالدعم الأمريكي والغربي بشكل شبه مطلق.
في تقرير معمق قامت به جامعة تل أبيب والذي اعتمد على 53 بحث جرى لسكان الجنوب بين سنة 2010 و 2015 يبين الدرجات العالية لمنسوب القلق والاضطرابات النفسية وكرب ما بعد الصدمة لدى اليهود القاطنين في جنوب إسرائيل (1). وفي بحث آخر قامت به جامعة تل أبيب وكلية تل حاي تبين أنه في سنة 2018 عانى نحو 40% من اليهود في إسرائيل من درجة قلق شديدة إلى متوسطة وأن هذه النسبة ترتفع كثيرا في فترات المحن والمواجهات العسكرية ووصلت مؤخرا أثناء جائحة الكورونا إلى 65% (2).
في مقارنة بين سلوك اليهود وسلوك الفلسطينيين أثناء المواجهات العسكرية، نلاحظ أن الأطفال اليهود يهرعون إلى الملاجئ برغم وجود الجيش والقبة الحديدية التي تحميهم، بينما يخرج الأطفال الفلسطينيون لمواجهة الجنود في الضفة وأحيانا يصعدون للسطوح لمشاهدة المروحيات الإسرائيلية والغارات في غزة. يبدو أن المزاج السائد لدى الإسرائيليين في فترات المواجهة يميل إلى الخوف أكثر من الغضب، بينما يكون المزاج السائد لدى الفلسطينيين المعرضين فعلا للخطر هو الغضب أكثر من الخوف.
لقد مضى على الصراع بين اليهود والفلسطينيين أكثر من مئة سنة وكانت نتيجته تصاعد قوة الطرف الإسرائيلي والسيطرة شبه الكاملة على الأرض والشعب الفلسطيني. كيف يستوي هذا الواقع التاريخي مع ادعاء إسرائيل بأنها الضحية المهددة بالتصفية؟ وكيف يمكن التعامل مع عدو شرس وخائف في نفس الوقت؟
ما الذي يجعل اليهود في إسرائيل يعيشون هذه الدرجات العالية من الخوف والشعور بالملاحقة بينما تملك إسرائيل القوة العسكرية والنووية التي لا تملكها أي دولة مجاورة؟
كيف يمكن للعقل الإسرائيلي أن يعتقد أن كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل وما زالت ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني والعدوان على دول المنطقة هي عمليات دفاع عن النفس والبقاء، ولا يدرك هذا العقل أن إسرائيل دولة عنصرية وعدوانية واستيطانية؟
هناك خمسة عوامل تفسر مجتمعة هذا الخوف اليهودي غير المبرر، وفق موازين القوى في المنطقة، وتفسر تصوير العدوان الإسرائيلي على أنه دفاع عن النفس:
1. تراث يهودي بالملاحقة
2. تصريحات "عنترية" تهدد بقاء إسرائيل
3. إثارة وتنمية هذا الخوف من قبل القيادات الصهيونية لتبرير الاحتلال والعدوان
4. مأسسة مفهوميّ اللاسامية والإرهاب وتعميمهما على كل من يعارض سياسة إسرائيل
5. الشعور غير الواعي بالذنب لدى اليهود على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل
(أنظر الرسم 1)




1- تراث الملاحقة:
التراث اليهودي الذي يتربى عليه الأطفال اليهود في العالم وفي إسرائيل هو مسلسل من الملاحقة والاضطهاد الذي أودى بهم إلى المهجر والوقوع ضحية اللاسامية في الغرب. من حلقات هذا المسلسل ملاحقة فرعون لليهود في مصر وهروبهم منها بحسب الرواية التوراتية التي لا يوجد اتفاق على تاريخ وقوعها، ولا توجد أدلة تاريخية جازمة على وقوعها أصلا (3). يتابع التراث اليهودي في سرد مسلسل الملاحقات بخروج اليهود من بابل وخراب الهيكل الأول وثم الهيكل الثاني. هذه الروايات كلها مندرجة في صلوات اليهود المتدينين كل يوم، وفي صلوات أعيادهم التي ترسخ في الذاكرة الجماعية فكرة الملاحقة.
كذلك رواية مسادا التي تصف ملاحقة اليهود من قبل الجنود الرومان في القرن الأول الميلادي وتمجد صمودهم على جبل مسادا رافضين الخضوع (4). هذه الرواية تعتبر فصلا إجباريا في منهاج التعليم في إسرائيل ومسادا تعتبر مزارا لوفود الشباب اليهود من جميع أنحاء العالم، التي تأتي بهم الوكالة اليهودية إلى إسرائيل بهدف إقناعهم بالهجرة إليها.
يتعلم الأطفال اليهود عن طرد اليهود من إسبانيا والبرتغال في القرن الخامس عشر وإرغام بعضهم باعتناق المسيحية أو ترك بيوتهم والخروج من البلاد بهدف جعل الدولة مسيحية (5). ويستمر منهاج التاريخ الذي يدرسه الأطفال اليهود بوصف مسلسل الملاحقة واللاسامية المتواصل في أوروبا إلى أن يصل ذروته في المحرقة (6) حيث تم قتل نحو 6 ملايين يهودي بطرق بشعة. دولة إسرائيل ومؤسساتها تحيي كل سنة ذكرى المحرقة في يوم خصصته لذكرى "الكارثة والبطولة" وأقامت متحفا يوثق أحداث المحرقة بالتفصل يعتبر محطة إلزامية لكل رئيس أو دبلوماسي يزور البلاد كي لا تنسى الأجيال الجديدة والعالم هذه الكارثة الإنسانية.
هناك أبحاث كثيرة تشير إلى أن الخوف اليهودي مرتبط بالتراث اليهودي وأن هذا الخوف الجماعي مرتبط بالذاكرة الجمعية لليهود التي تترسخ يوميا من خلال مناهج التعليم في المدارس ومن خلال وسائل الإعلام (7). يشار في بعض الأدبيات إلى هذا الخوف بجنون الارتياب والاضطهاد اليهودي Jewish Paranoia أو عقدة مسادا. إنه جنون نظرا لعدم اعتماده على الواقع الراهن بل على ذكريات وروايات ترسخت في بديهيات العقل اليهودي مما يجعلهم يشعرون بالملاحقة ويبالغون في الخوف ويواصلونه إلى ما بعد انتهاء الأحداث التاريخية المهدِّدة لعدة قرون وبعد غياب المبررات الموضوعية للخوف.
لا يشمل هذا التراث فقط ملاحقة العالم لليهود بل أيضا شعورهم بالعظمة والتميز عن بقية شعوب العالم وهكذا تكتمل ملامح البرانويا. فهم يؤمنون بأنهم شعب الله المختار وبأنهم شقوا البحر الأحمر بعصا موسى وتحدّوا الرومان في مسادا ونجو من المحرقة وأقاموا دولة عظمى. عنصرا الملاحقة من جهة والشعور بالعظمة من جهة أخرى يشكلان ملامح العقل الجماعي لليهود. بالاعتماد على هذا العقل البرانويدي تحاول إسرائيل إقناع شعبها بأنه ملاحق ومهدد من جهة، بينما هي تتصرف بحسب جنون العظمة كدولة عظمى عنجهية وبلطجية وتمارس التفوق العرقي على بقية الشعوب.
تراث الملاحقة المتجذر في عقول اليهود وغياب مثل هذا التراث لدى الشعب الفلسطيني بل ووجود تراث عربي وإسلامي من الفتوحات والانتصارات والاستشهاد والنضال ضد الاستعمار، ربما يفسر ولو جزئيا لماذا لا يعيش الفلسطيني القابع تحت التهديد الفعلي نفس درجة الخوف الذي يعيشها اليهودي الذي يعيش في ظل أقوى دولة في المنطقة.


2- تصريحات "عنترية" تهدد إسرائيل:
منذ قيام الحركة الصهيونية وبدء الاستيطان اليهودي في فلسطين حتى الآن لم تتوقف الأصوات التي تهدد هذه الحركة ومشروعها دون أن يكون وراء هذه الأصوات أي تهديد فعلي على إسرائيل أو اليهود. من بين هذه التهديدات رمي اليهود في البحر (8) وتصريحات فلسطينية وعربية وإيرانية للقضاء على إسرائيل (9). رافق هذه التصريحات عادة عمليات عسكرية أو فدائية أو إرهابية غالبا لم تتكلل بالنجاح، إذ أن جميع المواجهات العسكرية بين الفلسطينيين والدول العربية من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى مُني فيها الجانب العربي بهزائم وخسائر أضعاف تلك التي مُني بها الجانب اليهودي. إلا أن صدى تصريحات التهديد والوعيد بدون تغطية بقي يدوي. لقد كان لهذه التصريحات وفشل العمليات العسكرية أثر كبير في زيادة إحباط وخيبة أمل الجانب العربي خاصة بعد حرب 1967 من جهة، وفي المقابل أحسنت إسرائيل تسخير هذه التصريحات والعمليات العسكرية خاصة ضد المدنيين لتأكيد بديهيات العقل اليهودي بأن العرب يريدون إلقاء اليهود في البحر، ولتجنيد الرأي العام العالمي للتعاطف مع إسرائيل ودعمها، وبالتالي تبرير استمرار القمع والسيطرة والاحتلال، وتبرير حاجتها للتوسع لإبعاد التهديد عنها.
الإعلام الإسرائيلي يتعامى عن ديالكتيك الاحتلال والمقاومة، فهو يعزو استمرار الاحتلال والعدوان إلى التصريحات العنترية وإلى عمليات المقاومة التي تخدشه، بدل أن يدرك ويعترف بأن المقاومة والتصريحات العنترية تجيء على خلفية استمرار الاحتلال والعدوان الذي تمارسه.

3. إثارة وتنمية هذا الخوف من قبل القيادات الصهيونية
لا تفوت القيادات الصهيونية فرصة كي تذكر اليهود بأنهم ملاحقين وفي خطر وذلك من خلال تصريحات قادتها مستخدمة بذلك منظومة الإعلام الإسرائيلية. ولإثارة هذا الخوف لا تنتظر هذه القيادات تصريحات عنترية أو عمليات إرهاب بل تحول كل تصريح أو فعالية تعارض السياسة الصهيونية إلى نوع من التهديد على بقاء اليهود وأمن الدولة. قادة إسرائيل وصفوا مجرد بقاء جزء من الفلسطينيين في إسرائيل بالخطر الديمغرافي ويصفون أي تنظيم سياسي مقاوِم بالخطر الأمني ويصفون نشطاء المقاومة "بالقنابل الموقوتة" التي يجب القضاء عليها قبل انفجارها. في انتخابات الكنيست سنة 2015 ظهر بنيامين نتنياهو في يوم الانتخابات محذرا اليهود من "تدفق العرب إلى صناديق الاقتراع" (10). هذه العملية الديمقراطية، المشاركة في الانتخابات، حولها نتنياهو إلى تهديد على أمن الدولة وسلامة اليهود مما دفع الكثيرين من اليهود للتصويت لحزبه خوفا من الصوت العربي. القيادة ووسائل الإعلام الإسرائيلية تصف كل نضال ديمقراطي للمواطنين العرب على أنه أعمال شغب وعنف يهدد أمن الدولة، وتصف أعضاء الكنيست العرب، ممثلي المواطنين العرب المنتخبين، بأنهم داعمين للإرهاب ومهددين لأمن الدولة.
لعل مثال عيني يوضح ديناميكية استخدام الخوف اليهودي كتبرير للعدوان الإسرائيلي. في شهر آب 2022 قامت إسرائيل باقتحام بيوت بعض المناضلين الفلسطينيين ليلا واعتقالهم بحجة أنهم "قنبلة موقوتة" يهددون أمن إسرائيل وكان من بينهم أحد قادة الجهاد الإسلامي. ردا على هذا الاعتقال قام الجهاد الإسلامي بإطلاق صاروخ واحد يتيم على شارع محاذي للحدود في غزة لم يتضرر منه أي إسرائيلي. لم تردّ إسرائيل بإطلاق صاروخ على مطلقي الصاروخ الفلسطيني بل قامت بإثارة الرعب لدى كل سكان الجنوب وأدخلتهم حالة منع تجول والتزام الملاجئ لعدة أيام، مما جعلهم يطالبون الجيش بحمايتهم من هذا "الخطر الجلل" والقيام بعملة عسكرية واسعة على غزة. هكذا هيأت إسرائيل شعبها لتبرير الحملة العسكرية الواسعة التي أسمتها بهتانا "بزوغ الفجر" والتي قامت فيها بقصف مكثف طال المدنيين ومرافق حيوية كثيرة. أمام هذا القصف المكثف والتهديد الفعلي واستشهاد العشرات من الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، لم يقم الطرف الفلسطيني بتخويف الفلسطينيين كما فعل الإسرائيليون في أعقاب صاروخ يتيم أطلق نحوهم، بل قام بإطلاق تهديدات فلسطينية عنترية وإطلاق مئات الصواريخ العشوائية نحو إسرائيل دون إصابات بالأرواح، بل أدت إلى عشرات الحالات التي تسميها إسرائيل "إصابات هلع" وهكذا واصلت إسرائيل حربها على غزة بذريعة التهديد والملاحقة وهلع المواطنين.

من خلال هذا التحريض على العرب والفلسطينيين تقوم القيادة الصهيونية بمأسسة البارانويا اليهودية وضمان استدامة الخوف، وبالتالي تبرير الاستيطان والاحتلال والقمع ضد المواطنين العرب في إسرائيل وضد الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة معتبرة إياه دفاعا عن النفس.

4. مأسسة مفهوم اللاسامية والإرهاب وتعميمهما على كل من يعارض سياسة إسرائيل
قادة الحركة الصهيونية في العالم ووزارة الخارجية الإسرائيلية يعملون جاهدين على مأسسة مفهوم اللاسامية في عقول الرأي العام العالمي، لتبقي صورة اليهود الضحية وإسرائيل المهددة. طبعا لا يمكن تجاهل وجود نشاط لا سامي عنصري في العالم، ولكن الحركة الصهيونية ووسائل الإعلام الإسرائيلية تصف تعسفا أي نشاط مناهض للاحتلال والتمييز العنصري في إسرائيل باللاسامية. هكذا تم وصف هتافات “Free Palestine” من قبل الطلاب في الجامعات في أوروبا والولايات المتحدة أثناء محاضرات وزراء ورؤساء مخابرات إسرائيليين (11). ووصفت نشاط حركة BDS الداعية لمقاطعة إسرائيل، وأيضا مقاطعة بعض الشركات للتجارة مع المستوطنات الإسرائيلية باللاسامية. كما تعمل إسرائيل جادة في الأمم المتحدة لصياغة تعريف للاسامية ليكون موازيا للإرهاب الذي يتطلب العقوبة من دول العالم.

كثير من الشعوب التي تعرضت في فترات تاريخية لعمليات إبادة وأحداث هددت بقاءها أمثال السكان الأصليون في أمريكا وفي أستراليا، إختطاف الأفارقة واستعبادهم في الولايات المتحدة، اليابانيون في هيروشيما وناغاساكي وغيرهم، إلا أن الصهيونية عملت على جعل دور الضحية المهدَّدة قسرا لليهود فحسب، رافضة أي مقارنة مع أي جريمة حرب أخرى جرت ضد الشعوب الأخرى.
الصهيونية وإسرائيل تخلطا عمدا بين معارضة سياستهما الإستيطانية والقمعية من جهة وبين اللاسامية وتبرير الكارثة من جهة أخرى. في مؤتمر دربان (الذي عقد في أواخر آب 2001 في جنوب أفريقيا) حين تجلى رفض شعوب العالم للصهيونية والاحتلال الاسرائيلي استلت إسرائيل قضية الكارثة واللاسامية دفاعا عن نفسها. مما جعل سكرتير الأمم المتحدة كوفي عنان يدعو الإسرائيليين إلى الكف عن "استعمال الكارثة كمبرر لاستمرار سياسة الاحتلال وقتل الفلسطينيين". عندما نوى نفس المؤتمر الإعلان عن رفض شعوب العالم لجميع الكوارث ضد الإنسانية احتجت إسرائيل وبقية المجموعات الصهيونية على ذكر كارثة اليهود (the holocaust) في جملة الكوارث (holocausts) الأخرى التي ارتكبت ضد شعوب العالم وطالبت أن تتميز كارثتهم عن كوارث بقية الشعوب (12).
إسرائيل نجحت بجعل دول وشعوب أوروبا يقعون في دائرة الدفاع عن النفس والتعاطف مع إسرائيل والشعب اليهودي والحذر من وصمهم باللاسامية أولا نظرا لالتقاء مصالح هذه الدول مع إسرائيل وثانيا بسبب شعور هذه الشعوب بالذنب والمسؤولية على ما تم اقترافه في المحرقة.


5. الشعور غير الواعي بالذنب لدى اليهود على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل
يعتبر الشعور بالذنب أرضية خصبة لتطور الخوف والقلق. فمن يشعر بأنه أرتكب ذنبا يخاف أن يكشف أمره وأن يعاقب، مما يجعله يشعر بالملاحقة ويجعله يشك ويخاف ممن لا داعي لأن يخشاهم. فمثلا إذا دهس سائق شخصا ما ثم هرب، في اليوم التالي ينتاب هذا السائق الخوف من صوت رنين الهاتف أو من نظرة جاره أو قرع جرس الباب، خشية ملاحقته ومعاقبته على الفعلة التي يعرف أنه ارتكبها. مهما حاول اليهودي إنكار جرائم الصهيونية منذ النكبة وجرائم الاحتلال والقمع إلا أن في أعماق نفسه ولا وعيِهِ تكمن المعرفة بأنه ساهم شخصيا بهذه الجرائم من خلال وجوده في الجيش الإسرائيلي الذي قام بجرائم النكبة وجرائم الاحتلال، وأن كثيرون منهم يسكنون في بيوت اللاجئين الفلسطينيين وجميعهم يعيشون على أرض شعب آخر يعيش قسم كبير منه في مخيمات اللاجئين (13). في لا وعيه تهمس المعرفة بأن أهل الشهداء الفلسطينيين لن يغفروا وبأن اللاجئ الفلسطيني لن يهدأ وينوي العودة وربما ينوي الانتقام. يحاول اليهودي الإسرائيلي إنكار هذه المعرفة ومنع سيطرتها على وعيه تحاشيا للخوف وللشعور بالذنب الذي تثيره هذه الحقيقة. فيجند لهذا الغرض العديد من الدفاعيات النفسية التي تكوِّن وتكرس حالة البارانويا. فعند كشف جرائم النكبة أو احتلال 1967 أمام اليهودي يقفز عقله فورا آلية التبرير: إلى أن العرب أرادوا القضاء على إسرائيل وبأنهم لو انسحبوا من الأراضي المحتلة 1967 ستصبح تل أبيب هي المهددة. يصرون على فكرة الملاحقة متجاهلين قرارات فلسطينية وعربية تضمن أمن إسرائيل وعلى رأسها برنامج السلام العربي الذي صدر عن القمة العربية في بيروت سنة 2002. كل هذا الإنكار لجرائمهم من جهة ولبرنامج السلام من جهة أخرى هدفه مأسسة دور الضحية الملاحقة وتغطية الشعور بالذنب.

البارانويا اليهودية وآليات الدفاع النفسية
لقد شكلت كل هذه العوامل مجتمعة حالة نفسية سائدة لدى اليهود يصح وصفها بالبارانويا Paranoia أي جنون العظمة أو جنون الارتياب. إلا أن هناك ميزتان لهذه البارانويا التي تجعلها مختلفة عن مرض البارانويا:
1- أن الجانب الإسرائيلي ليس ضحية عاجزة بل كيانا استيطانيا شرسا يعمل بوعي على استدامة هذه الحالة بين شعبه خدمة لمصالحة التوسعية
2- هذه البارانويا وظيفية بمعنى أنها تخدم مصالح قسم من الشعب اليهودي وتساعد في نمائه بعكس اضطراب البارانويا الذي لا يخدم صاحبه ويحول دون تحقيق ذاته. وبالتالي فهذه البارانويا لا تتطلب علاجا نفسيا بالمعنى السريري، بل تتطلب مواجهة سياسية تفككها أو تحد من استفحالها من باب "اعرف عدوك" وأحسن مواجهته.
إن ما يؤكد أن هذه البارانويا وظيفية هي استغلالها لمأساة المحرقة الحقيقية من أجل مصالح الحركة الصهيونية الكولونيالية التي تأسست وبدأت نشاطها وتحالفها مع الغرب قبل المحرقة بعقود كثيره. لقد استغلت الحركة الصهيونية هذه المأساة لتكثيف هجرة اليهود إلى فلسطين بشكل انتقائي ووفق ما تتطلبه المصلحة وليس لإنقاذ جميع اليهود من المحرقة وليس لإقامة وطن لجميع اليهود بما فيهم اليهود الشرقيين. هنالك أدبيات عديدة توجه الاتهام للحركة الصهيونية التي أدارت ظهرها لمعاناة اليهود في ألمانيا وأوروبا ووجهت جل طاقاتها وأموالها لإنجاز مشروع الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
لقد نشرت صحيفة دافار في 22 أبريل 1964 تصريحا جريئا لناحوم غولدمان رئيس الكونغريس اليهودي العالمي يقول فيه: "لا شك بأن التاريخ سيحكم على جيل الكارثة الذي عاش في بلاد حرة بأنه مذنب.... سيتهمه بأنه لم يتصدَّ لمحاولات الإبادة.... لا شك لدي بأنه كان بإمكاننا إنقاذ عشرات الألوف.... لكننا لم نفعل ذلك" (14). في كتاب "ضحايا الكارثة يَتّهمون" (The Holocaust victims accuse) يقتبس المؤلف الرابي موشي شونفيلد Rabbi Moshe Shonfeld (15) أقوال أحد القادة الصهيونيين يتسحاق غرينباوم Yitzhak Greenbaum الذي قال في أحد إجتماعات الحركة الصهيونية في تل أبيب في شباط 1943 ما يلي: "عندما جاؤوا إلينا بخطتين: إنقاذ الجماهير اليهودية في أوروبا أو تحرير الأرض، أعطيت صوتي، بدون ثانية تفكير، لأجل إنقاذ الأرض. كلما زاد الحديث عن ذبح شعبنا، كلما تقلص جهدنا لتهويد الأرض. لو كان بالإمكان اليوم شراء رزم طعام بأموال كيرن هييسود لإرسالها إلى لشبونة، هل سنفعل ذلك؟ لا، ومرة أخرى لا" (ص 26).
في مقالة للكاتبة ليز ليفيدو التي نشرت في الانترنت (Levidow, June 1998)( 16) تصف كيف تعاونت الصهيونية مع اللاساميين في أوروبا الغربية لدفع الهجرة لإسرائيل، وكيف تماهت هذه الحركة مع "الأوروبي الغربي" ومع نمط الدولة الغربية وقمعت الهويات الثقافية ليهود أوروبا الشرقية ولليهود العرب (يهود الدول العربية) بهدف خلق هوية "اليهودي الجديد". وتقتبس تصريحات عديدة لبن غوريون وحاييم فايتسمان وغيرهم الذين أبدوا تحفظهم من اليهود الشرقيين وعبروا عن تحقيرهما لثقافتهم وعقليتهم. وتشير إلى أن رفض الحركة الصهيونية لليهود الشرقيين وصلت لدرجة توجيه هجرة يهود أوروبا الشرقية لأماكن أخرى. وتؤكد الكاتبة بأن الحركة الصهيونية وإسرائيل بدأت بتشجيع هجرة يهود الدول العربية فقط بعد جفاف هجرة يهود أوروبا الغربية في بداية 1950 وعندها القوا بهم في مستوطنات خطرة على الحدود وشغلوهم بأعمال رخيصة.
تدحض هذه الاقتباسات الأهداف المعلنة للحركة الصهيونية التي تدعي أنها قامت لحماية اليهود من اللاسامية والنازية وتبين أنها استخدمت المحرقة وعملت على تطوير البارانويا لتشجيع هجرة يهود أوروبا بالذات لدعم المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين.
التمسك بدور الضحية وشَيْطنة الفلسطيني
البارانويا تتميز بنَسْب نوايا عدوانية للآخر تجعل صاحبها يحذر ويخاف الآخرين، معتقدا بأنهم يتآمرون عليه ويلاحقونه لأنه الأفضل أو "شعب الله المختار" مثلا. تعتمد البارانويا عادة على أحداث حقيقية حصلت في الماضي أو في الحاضر، إلا أن صاحبها يحملها معاني أكثر مما تتحمل، وينسج رواية مؤامرة وملاحقة مستخدما فيها أحداثا من الحاضر يعتبرها دليلا على صحة أوهامه دون أن يكون أي علاقة سببية منطقية بين هذه الأحداث وبين أوهامه: فانقطاع التيار الكهربائي مثلا أو رنين هاتف أو نظَرات الجار يمكن أن تكون أدلة كافية لوجود مؤامرة ضده تهدف إلى إفشاله أو القضاء عليه.
البارانويا تحصل عادة بشكل غير واع إلا أن نفس الآلية يمكن أن تحصل بشكل واع كجزء من مخطط سياسي أو عسكري. النازيون مثلا فبركوا هجوما بولنديا على ألمانيا لتبرير اجتياح ألمانيا لبولندا. الصهيونية استفادت بوعي كامل من الكارثة النازية ضد اليهود لتبرير الهجرة لفلسطين وتهجير سكانها وإقامة إسرائيل. اليمين الإسرائيلي يستعمل أي تصريح أو عمل يهدد اليهود لتبرير سياسته التوسعية، فيستعمل ويضخم التصريحات البائسة الداعية إلى رمي اليهود في البحر والتصريحات التي تطالب بتحرير كل الأراضي الفلسطينية ويستفيد من الأحداث الدموية التي يكون ضحيتها اليهود لتبرير مواقفه القمعية والتوسعية.

التمسك ،الواعي وغير الواعي، بدور الضحية هي مصلحة صهيونية وإسرائيلية تستقطب من خلاله تضامن الرأي العام لدعم المشروع الصهيوني ولتبريره. من خلال التمسك بدور الضحية "تُشَيطِن" Demonizes إسرائيل الآخر الفلسطيني والعربي لتبرر سياستها التوسعية والقمعية ضده. وراء حاجة إسرائيل للتمسك بدور الضحية يقف إلحاح الصحافة الإسرائيلية الاستحواذي على أن يعلن كل عربي استنكاره لأي عمل يكون اليهود ضحيته. من خلال هذا الاستحواذ يُمَوقِع اليهودي نفسه في دور الضحية ويعتبر العربي شيطانا يفتقر للصفات الإنسانية إلا إذا أثبت غير ذلك.
بنفس روح الشيطنة رأينا كيف تركز وسائل الإعلام الإسرائيلية على مظاهر الفرح الذي أبداها بعض الفلسطينيين والعرب في أعقاب الهجوم على عمارتي التوأم الأمريكية والبنتاغون، وكيف تتجاهل أو تقزم الاستنكار الفلسطيني والعربي العارم لهذا الهجوم بل واعتبرته تكتيكا لحماية النفس. لشيطنة الفلسطيني يسخرون اللغة فيصفون قتل الجنود الإسرائيليين "لينش" أو "إرهاب" ويصفون المقاتلين الفلسطينيين "مخربين".


الدفاعيات النفسية المرافقة للبارانويا:
البارانويا والتمسك بدور الضحية وشَيْطَنة الآخر تمر عبر استعمال آليات دفاعية نفسية غير واعية (Defense Mechanisms) تشوه الواقع من جهة وتحافظ على الراحة النفسية والثقة بالنفس (17). فيما يلي بعض الدفاعيات النفسية التي تعمل عادة في رُزَم يكمل كل منها مهمة الآخر.

1- الإنكار Denial
تجعل هذه الدفاعية صاحبها يرفض إدراك حقيقة مُرّة من شأنها أن تقوض بديهيات فهمه لنفسه وللعالم وبالتالي تسبب له القلق وتهز تماسكه النفسي. تعطي الطبيبة النفسية سارا طومبسون (18) مثلا على دفاعية الإنكار: امرأة بدأت تلاحظ بأن زوجها بدأ يتأخر عن دون عادته، وتفوح منه رائحة عطر جديد، وحسابه يشير إلى أنه يشتري الكثير من الزهور والجواهر والهدايا. في الفترة الأولى يصعب عليها إدراك حقيقة هذه التغيرات لأنها تقوض بديهيات فهمها لعلاقتها الزوجية التي اعتقدت أنه يسودها الحب والإخلاص لذلك، تميل هذه الزوجة إلى إنكارها بل وتغضب على صديقتها التي تحاول كشف المعنى الحقيقي لهذه التغيرات. الحقيقة واضحة لكن الزوجة تنكرها لأنها لا تستطيع تحمل ما يترتب على هذه الحقيقة.
هنالك حقائق عديدة لو دخلت وعي اليهود والإسرائيليين لقضَّت مضاجعهم ونسفت النظام الذهني والنفسي الذي يعتمد الحكاية الصهيونية التي يتربى عليها كل طفل يهودي. من بين هذه الحقائق: تواطؤ الصهيونية مع جهات لا سامية وعدم استنفاد كل الوسائل الممكنة لإنقاذ اليهود من النازية، النكبة واقتلاع الشعب الفلسطيني وتشريده، انتهاج سياسة تمييز واضطهاد عنصري ضد العرب في إسرائيل، احتلال شعب آخر والقيام بجرائم بشعة ضده. تقوم آلية الإنكار غير الواعية بتحرير أصحابها من عبء هذه الحقائق على العقل والضمير.
الإنكار، مثله مثل بقية الدفاعيات النفسية، يشوه الواقع الموضوعي ويبعد الشخص عن إدراكه وبالتالي يمس في صميم التفكير المنطقي بغض النظر عن مستوى ذكاء صاحبه. هذا الإنكار يفسر لنا كيف لا يرى الإسرائيلي التناقض البديهي بين السلام والاحتلال. فهو يطالب الفلسطينيين بالسلام ولا يدرك في تلك اللحظة بأن هنالك احتلال أصلا وبأنه لا يمكن تحقيق سلام بوجود الاحتلال. كذلك، لا يرى التناقض البديهي بين التعايش والتمييز القومي، فهو يطالب المواطنين العرب في إسرائيل بالتعايش ولا يدرك بأنه لا يمكن تحقيق التعايش طالما التمييز قائم. حين يطرح العربي قضيتا الاحتلال والتمييز في جداله مع الإسرائيليين كشرطين للسلام وللتعايش يلقى استغرابا ويُتّهم بأنه يقحم السياسة بغير مكانها. هذا هو الإنكار بعينه الذي يحافظ بواسطته الإسرائيلي على توازنه النفسي بواسطة إنكار هذا الواقع غير المنطقي.
يشبه الإنكار دفاعية أخرى وهي الكبت التي ينكر بواسطتها الشخص ليس الحقيقة الخارجية المرة بل حقيقة داخلية (دافع أو شعور) لا تنسجم مع صورة الشخص عن نفسه. الأطفال الذين يعانون قمع والديهم يكبتون غضبهم على الوالدين. الأطفال يكبتون غيرتهم من اخوتهم وكراهيتهم لهم تحاشيا للشعور بالذنب. بنفس الروح يكبت الصهيونيون وإسرائيل نواياهم الأنانية والعدوانية ويبعدوها عن وعيهم وهم مقتنعون بأنهم ديمقراطيون وإنسانيون.

2- الإسقاط Projection
الدفاعيات النفسية تستخدم بشكل غير واع من خلال منظومة تسهم فيها رزمة من الدفاعيات. فبالإضافة إلى الإنكار يقوم المرء بإسقاط المضامين السلبية، التي ينكرها ويكبتها، على الآخر لتكتمل الصورة. الإسقاط يُبعد التهمة عن الذات وفي نفس الوقت يبرر النوايا العدوانية والعنصرية ضد ذلك الآخر ويبرر ممارستها بحجة أن الآخر هو الطرف الشرير. شيطنة الفلسطيني والعربي هي تطبيق حرفي لدفاعية الإسقاط: إسقاط عدوانية الصهيونية وإسرائيل على الفلسطيني لتثبيت إنكار العدوانية ونفيها عن إسرائيل من جهة ولتبرير العدوانية ضد الفلسطينيين من جهة أخرى.
لتثبيت الإنكار والإسقاط تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية عمدا بتسخير اللغة لهذا الغرض. فتسمية المكافح الفلسطيني "مخربا" والنضال الفلسطيني "إرهابا" إنما يسقط الشر على الفلسطيني من جهة ويحول دون إيقاظ ضمير الإسرائيليين ضد الممارسات العدوانية الإسرائيلية من جهة أخرى.

3- التكوين العكسي Reaction formation
أحيانا لا يكفي إنكار الحقيقة المرة وتكون حاجة لإظهار عكس هذه الحقيقة لإخفائها ليس عن الآخر فحسب بل عن وعي صاحبها. الأم التي ترفض ابنها المعوق تظهر أحيانا سلوكا معاكسا فتفرط بالحديث عن حبها لهذا الابن بالذات لكي تبعد، عن وعيها في الأساس، الشعور السلبي الذي يقوض فكرتها الإيجابية عن أمومتها.
الصهيونيون وإسرائيل يبالغون في تأنسنهم تجاه بعض المآسي فيرسلون دعما إنسانيا لشعب منكوب هنا ويرسلون فرقة إنقاذ لبلاد انتكبت في زلزال هناك. يبالغون في إبراز كل صغيرة يقدمونها للمواطنين العرب ليس لإقناع الآخر فحسب بل في الأساس لينفوا أمام أنفسهم مواقفهم العنصرية وممارساتهم الاضطهادية.
التكوين العكسي يقف وراء دعم الغرب غير المتحفظ لإسرائيل واصطفافه فورا ضد كل ما تطلق عليه إسرائيل والصهيونية صفة اللاسامية. يقوم الغرب بالتضامن مع اليهود وإسرائيل ويتحاشى مواجهتها ليس خوفا من أن يتهم باللاسامية فحسب، بل ليؤكد لنفسه وينفي هذه الصفة أمام نفسه لينقي ضميره بعدما اقترفه من جرائم لاسامية ضد اليهود وضد شعوب لاسامية أخرى.

4- التماهي مع القاهر Identification with the oppressor
لقد أحسن فريري (19، 20) شرح نفسية الشعوب المقهورة وأوضح كيف يتماهى الطرف المقهور مع القاهر بحيث يتبنى وجهة نظره وثقافتة وأنماطه السلوكية. هذه آلية اجتماعية غير واعية شائعة تساعد الطرف المقهور من التخلص من شعور القهر والضعف والنقص بفضل تماهي وهمي مع القاهر والمعتدي. على صعيد فردي تجعل هذه الآلية الأطفال الذين يتعرضوا لاعتداءات وتنكيل أن يتحولوا بأنفسهم إلى معتدين فيما بعد. وعلى صعيد الشعوب يتحول الشعب المقهور إلى قاهر ومعتدي فيما بعد (للمزيد عن التماهي مع القاهر يمكن العودة لكتابي: الشخصية، الثقافة، والمجتمع العربي (21).
يتساءل الكثيرين كيف يمكن لليهود الذين عانوا الكارثة أن يقوموا فيما بعد بإحلال الكارثة على شعب آخر بدل أن يصبحوا حساسين لمعاناة الشعوب؟ آلية التماهي مع القاهر التي تنقل الضحية بشكل وهمي من موقع الضعيف إلى موقع القوي تفسر إلى حد كبير عدوانية إسرائيل ضد الفلسطينيين. الشعب اليهودي الذي نُكِب بكارثة يتوق للتخلص من الشعور بالعجز والانتقال لموقع القوي القاهر وهكذا تماهت الحركة الصهيونية مع جهات لاسامية في أوروبا الغربية ومع النظام السياسي والاجتماعي الغربي محاولة تأسيس دولة غربية تكون امتدادا لأوروبا في الشرق تتبنى موقفا استعلائيا وعدائيا للشرق.
كيف تستوي آلية التمسك بدور الضحية المذكور أعلاه مع آلية التماهي مع القاهر القوي؟ الحقيقية أن الشعب اليهودي يستبدل حالة "الضحية الحقيقية" التي كانت في الماضي بحالة "لعب دور الضحية" في الوقت الحاضر الذي لم يعد فيه هو الضحية. هذا التمسك، أو مواصلة التذكر والتذكير بأنه كان مرة ضحية، ضروري لتبرير عدوانيته وقهره الحالي بحجة منع تكرار الكارثة.
5- التنافر المعرفي Dissonance
ساهم المواطنون اليهود في إسرائيل في جميع المعارك الإسرائيلية. فالكبار منهم ساهموا في جرائم النكبة وحرب 1967 وفي اجتياح لبنان وعلى أيديهم تم استشهاد آلاف الفلسطينيين والعرب. والشباب منهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويقومون يوميا بحصار غزة وقصفها بين الحين والآخر، وحماية المستوطنين وإدارة الحواجز في الضفة الغربية وإذلال الفلسطينيين على مدار الساعة. لذلك فالخدمة العسكرية تشكل بوتقة هامة لصناعة العنصرية بحسب نظرية التنافر المعرفي Cognitive Dissonance (22)، إذ لا يمكن لمن شارك بمثل هذه الجرائم أن يمتلك مواقفا إنسانية تجاه الفلسطينيين لأن مثل هذه المواقف تحدث تنافرا معرفيا مع قيامهم بجرائم لا إنسانية. قليلون من اليهود هم من يتمسكوا بمواقفهم الإنسانية ويرفضون الخدمة العسكرية ويتكبدون عقوبات شديدة حفاظا على توازنهم المعرفي، لكن الغالبية الساحقة تخضع للضغط الاجتماعي وقانون الخدمة العسكرية الإجبارية وترتدع من العقاب الناجم عن رفضهم الخدمة فيشاركون يوميا بإدارة الاحتلال وقمع الفلسطينيين، وبالتالي يتبنون المواقف العنصرية المنسجمة مع ممارساتهم كي يتحاشوا التنافر المعرفي بين ممارساتهم ومواقفهم.
من الجدير بالتنويه بأن كل بيت إسرائيلي فيه شباب وشابات يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فتحاشي التنافر المعرفي بواسطة تبني المواقف العنصرية التي تبرر الاحتلال والعنصرية لا يقتصر على الشباب فقط بل يشمل جميع أفراد العائلة. من هنا فالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي تشكل بوتقة لصناعة العنصرية وتفسر انجراف الرأي العام الإسرائيلي نحو العنصرية.
التعامل مع البارنويا اليهودية
البارانويا اليهودية ليست مرضا نفسيا بل سلاحا رئيسيا في الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل على وعي جمهورها اليهودي ووعي الرأي العام العالمي لتظهر بمظهر الضحية الملاحقة ولتبرر استمرار عدوانها، وأيضا على وعي الفلسطينيين لتبقيهم في خانة الدفاع الأخلاقي عن النفس وتسقط من يدهم الورقة الأخلاقية. البارانويا أداة حرب رئيسية في معركة إسرائيل النفسية لذلك فإن تغذيتها تخدم الأهداف الإسرائيلية، وشرذمتها تعتبر مصلحة فلسطينية عليا، خاصة في حال غياب قوة فلسطينية أوعربية أو عالمية تحسم الصراع وتسترد الحقوق.
إسرائيل من جهتها تواصل جر العالم وراء هذه البارانويا بل وتعمل مؤخرا في أروقة الأمم المتحدة لتوسيع مفهوم "اللاسامية" ليشمل أي نضال ضد الاحتلال وضد سياسة التوسع الإسرائيلية. تعمل إسرائيل مؤخرا بشكل دؤوب، معتمدة على نجاحها قبل عدة عقود بجعل العالم يتراجع عن وصف الصهيونية بالعنصرية، لإصدار قرار في الأمم المتحدة يعرّف أي نضال ضد إسرائيل على أنه عمل لا سامي جدير بالعقاب.
علما بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يقتصر على الحرب النفسية بل إنه نضال شامل وبكل الوسائل لذلك، فبطبيعة الحال، يهدد هذا النضال الإسرائيلي ويخيفه وبالتالي يغذي البارانويا التي تدفعهم بالتالي نحو المزيد من العدوان، وهذا يضع الفلسطينيين في مأزق صعب: فمن جهة عليهم وبحق مقاومة الاحتلال ودحره، ومن جهة أخرى فإن هذه المقاومة تعمق البارانويا اليهودية أكثر وبالتالي تجعل الرأي العام الإسرائيلي يستشرس ويدعم ويبرر استمرار العدوان والاحتلال. هذا مأزق حاد ليس له مخرج بسيط بل مركب ينبثق من فهم تعقيدات الصراع نفسه.
من البديهي القول بأنه من حق الشعب الفلسطيني وواجبه النضال مستخدما كل عوامل القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والجماهيرية المتوفرة لديه. لذلك فإثارة الخوف أمر لا بد منه ولا ينبغي الكف عن النضال لكي نتحاشى إثارة الخوف، كما ويحظر علينا لعب دور "العربي الجيد" كما تريده إسرائيل. ومع هذا هناك عدد من الأمور التي يجب الانتباه لها لترشيد المسيرة النضالية:


1- فضح البارانويا وكشف دورها في الأيديولوجية الصهيونية
إذا اعتبرنا البارانويا سلاحا يستخدم في الحرب النفسية والإعلامية فلا بد من فضحه وكشف دوره كما يتم كشف وفضح الغارات الجوية أو القصف المدفعي. هذا الكشف هام جدا لأن البارنويا تفعل فعلها في عقول اليهود والأجانب بشكل غير واع وكأنها سلاحا سريا.
حين يقوم تاجر معين بتسويق بضاعة مغشوشة دون أن يدرك المستهلكين أنها مغشوشة فيواصل الناس التعاطي معه وشراء بضاعته. وحين ينتحل شخص ما شخصية متسول مسكين ينجح بكسب تعاطف ودعم الناس طالما أنهم لا يدركون زيف شخصيته. حين يدرك الناس أن التاجر أو المتسول غشاش ونصاب وكذاب فبطبيعة الحال يكفّون عن التجاوب معهم. وعي الناس للغش والنفاق من شأنه تغيير مواقفهم وسلوكهم تجاه هذا التاجر وهذا المتسول.
طالما أن فكرة الملاحقة والبارانويا اليهودية غير مفضوحة فيستمر الرأي العام اليهودي والعالمي بتصديق وقوع إسرائيل في خطر على وجودها التعاطف معها، لذلك من الضروري فضح نظرية الملاحقة والبارانويا بكونها أداة حرب نفسية، وفضح جذورها في التراث اليهودي، الذي لا علاقة له بالحاضر، لكي يخرج الرأي العام من هذا الفخ ويحصل تغيير في مواقف الناس وسلوكهم.
إسرائيل تسخر كل عملية مقاومة ضد عدوانيتها وعنصريتها لتكون دليلا للبارانويا، وتنجح في كثير من الأحيان، بفضل قطع الصلة بين هذه المقاومة وسياق الممارسات الإسرائيلية من احتلال وحصار وعنصرية، وبفضل قلب المعادلة بين الاحتلال والمقاومة بحيث تبرر استمرار الاحتلال بسبب المقاومة بدل الاعتراف بأن الاحتلال هو سبب المقاومة. لإجهاض هذا النجاح يجب استحضار سياق الاحتلال والقمع والعنصرية الإسرائيلية في كل مرة تضع إسرائيل المقاومة الفلسطينية في خانة الملاحقة والتهديد على كيانها. في كل مرة تعرض إسرائيل نفسها كطرف معرض للملاحقة يجب التذكير بما تقترفه من جرائم حرب ورفض زج الطرف الفلسطيني في زاوية الدفاع عن النفس وتبرئة الذمة.
هذا الأمر يتطلب إطلاق مشروع إعلامي متعدد الصّعد ومتواصل ليصل إلى الجمهور اليهودي ويخترق وعيه، ويصل إلى الرأي العام الغربي ليدرك هذا الابتزاز العاطفي. لا يكفي في هذا المضمار أن ننفي عن أنفسنا صفة اللاسامية والإرهاب بل يجب تسمية الظاهرة باسمها: "بارانويا يهودية" وشرح جذورها التاريخية وفضح استخدام إسرائيل لهذه البارانويا كأداة حرب. هذا يتطلب نشر دراسات وأبحاث أكاديمية عن هذه البارانويا ويتطلب أن يكون فضحها جزء أساسي من الحملات الإعلامية العربية والفلسطينية في كل وسائل الإعلام والتواصل وبكل اللغات.
الحرب النفسية تسخر اللغة وتتطلب صك مصطلحات تصبغ الظواهر بمضامين معينة. فمصطلحات "الإرهاب" و "اللاسامية" و "المحرقة" مصطلحات تم صكها لتصبغ ظواهر معينة وتعطيها معنى معين يؤثر في مواقف الناس منها. مصطلح "الإرهاب" قلب المفاهيم وحوّل مقاومة المستعمِر إلى عملية إرهاب والمستعمِر أصبح بحسب هذا المصطلح ضحية الإرهاب. لذلك هناك ضرورة لصك مصطلح "البارانويا اليهودية" وتعميمه وشرحه ليوضح أن خوف اليهودي هو في عقله وليس في ظروف حقيقية تهدد وجوده. شرح الخلفية الثقافية لهذه البارانويا في كل وسائل الإعلام الأجنبية ابتداء من اسطورة الخروج بابل ومصر، عبر مسادا والخروج من إسبانيا وحتى المحرقة، وكشف استغلالها من قبل إسرائيل كأداة في الحرب النفسية، من شأنه الحد من الانجراف التلقائي للرأي العام العالمي نحو التعاطف غير المشروط مع إسرائيل، ومن شأنه التوضيح بأن صاروخا طائشا أو تصريحا عنتريا، لا يشكل تهديدا فعليا على أمن دولة تمتلك قبة حديدية وأحدث الطائرات وأحدث الصواريخ النووية بل وتقوم بانتهاك حدود جميع الدول بشكل بلطجي بما يشمل انتهاك حرمة السلطة الفلسطينية وسوريا ولبنان والعراق وإيران وغيرها من دول المنطقة.

2- تحاشي التهديد بدون تغطية
في ساحة الصراع لا بد من القيام بما يمكن أن يهدد الخصم ويثير خوفه، لكن إذا كان لا بد من التهديد فعلى التهديد أن يكون واقعيا وقابلا للتنفيذ: "إذا فعلتم كذا سنفعل كذا" أو "إذا لم يتوقف الاستيطان سنفعل كذا". إلا أننا نلاحظ أثناء السجال الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يطلق الطرف الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي أحيانا تصريحات "عنترية" بدون تغطية مثل القضاء على إسرائيل أو تهديد المدنيين في إسرائيل وغيرها أو تهديدات أخرى لا يتم تنفيذها. ربما يعتقد مطلقو هذه التصريحات بأنها تقوي المعنويات الفلسطينية أو تردع الطرف الإسرائيلي، ولكنها في الحقيقة تحبط الطرف الفلسطيني وسرعان ما تعيده إلى خانة العجز وعدم الثقة بالقيادة، وسرعان ما تتلقفها الجهات الإسرائيلية لتثوير البارانويا اليهودية لرص صفوف شعبها واستعطاف الرأي العام العالمي دفاعا عن "إسرائيل الضحية"، بل وأحيانا تقوم بعمليات عسكرية عدوانية وتوسعية تحت غطاء استباق الخطر المحدق والدفاع عن النفس.
هناك من يعتقد أن إسرائيل لن تتراجع إلا إذا خافت على بقائها. وأنه في حال لم يستطع الفلسطينيين الوصول إلى توازن في ميزان القوى مع إسرائيل فباستطاعتهم الوصول إلى توازن في ميزان الرعب والتخويف. الحقيقة أن إسرائيل تتراجع إذا أجبرت فعليا على التراجع أما رفع منسوب الخوف لا يضمن تراجعها بل يزيد اصطفاف شعبها وراء العدوان. صحيح أنه تم انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان ومن قطاع غزة لكن هذه الانسحابات لم تتم بفعل التخويف والتهديد بل بفعل عوامل كثيرة أخرى. أما رفع منسوب الخوف لوحده فيعمل عادة على استشراس إسرائيل مختبئة وراء نظرية الملاحقة. من الجدير بالتذكير هنا بأنه في حرب أكتوبر 1973 حين وقعت إسرائيل بين خطر الجيش السوري في الشمال والجيش المصري في الجنوب بحثت الحكومة الإسرائيلية احتمام استعمال السلاح النووي دفاعا عن بقائها (23) إلا أنها لم تفعل بفضل الجسر الجوي العسكري الذي أمدتها به الولايات المتحدة.


3- المحافظة على الوجه الأخلاقي للنضال الفلسطيني
الورقة الأخلاقية هي من أهم الأوراق التي بيد الطرف الفلسطيني، ولا يكفي أن نكون مقتنعين بأن نضالنا هو نضال إنساني وأخلاقي ونفترض أن حقائق النكبة والاحتلال كافية لجعل الرأي العام يتضامن مع هذا الحق. علينا إسماع صوتنا الأخلاقي في مجمل القضايا الإنسانية وقضايا حقوق الإنسان ليس بشكل شوفيني بل إنساني. فلا يجوز مثلا أن نشجب بأعلى صوتنا قتل الإسرائيليين للمدنيين والأطفال الفلسطينيين في غزة، ونقبل قتل فلسطينيين لمدنيين وأطفال يهود في تل أبيب. إن تأييدنا لمثل هذه الأفعال الإرهابية أو حتى صمتنا أمامها فيستخدم فورا ذخيرة لتفعيل سلاح البارانويا ووصم كل النضال الفلسطيني بالإرهاب. هناك ضرورة لإسماع صوت فلسطيني واضح ضد أي عملية تستهدف المدنيين ورفض إدراجها ضمن النضال الفلسطيني المشروع.
الموقف الأخلاقي يلزم الفلسطينيين باتخاذ موقف من الممارسات الفلسطينية أيضا، فلا يصح أن نشجب قمع الإسرائيليين للفلسطينيين في الضفة وغزة، وتمارس السلطة الفلسطينية أو فصائل المقاومة نفس هذا القمع ضد الفلسطينيين. هناك ضرورة لضبط الممارسات الفلسطينية لتكون خالية من الفساد ومن الفئوية وتكون خاضعة لمؤسسات دولة عصرية تحترم حقوق الإنسان والمواطن.

4- طرح تسوية واضحة والالتزام بها
في مقاومة الاحتلال هناك نموذجان يمكن التعلم منهما: نموذج طرد الجزائريين للفرنسيين ونموذج تعايش السود مع البيض في جنوب أفريقيا. من الواضح أن الشعب الفلسطيني والعالم العربي ذهب نحو نموذج جنوب أفريقيا حين طرح في مؤتمر القمة في بيروت 2002 برنامج السلام الذي يبين شروط التعايش السلمي مع إسرائيل من خلال إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. من شأن هذا البرنامج أن يكون مطمئنا لليهود على بقائهم وعلى أمن دولة إسرائيل وبقائها/ وبالتالي من شأنه أن يضعف البارانويا. إلا أن إسرائيل تتجاهله وتشكك في صدقه لتبقي البارانويا سائدة وتواصل سياستها العدوانية، ومن جهة أخرى هناك قوى فلسطينية لا تلتزم بهذا المشروع بل وتضربه بعرض الحائط.
إدارة الصراع مع إسرائيل بحاجة أن يعتمد على منطق الجدوى دون التفريط بمنطق الحق. أما اعتماد منطق الحق بدون حساب للجدوى فيمكن أن يقلب الحق إلى باطل. طبعا من حق الفلسطيني اللاجئ أو القابع تحت الاحتلال في الضفة وتحت الحصار في غزة أن يغضب وينتقم ويستعمل كل الوسائل المتاحة للتحرر والعودة. لكن مع الإصرار على هذا الحق لا بد من التفكير دائما بجدوى أي خطوة أو إجراء كي يكون مردود هذا الإجراء في صالح الفلسطيني ولا يكون مجرد تفشيش أو خاضع لمنطق "عليّ وعلى أعدائي". منطق الحق دون الجدوى أخذ معظم الفلسطينيين إلى رفض قرار التقسيم سنة 1948. منطق الجدوى يجب أن يحدد الموقف الفلسطيني من إطلاق الصواريخ العشوائية، ومن العمليات الانتحارية، ومن المفاوضات ومن الانقسام الفلسطيني ومن أي موقف أو ممارسة فلسطينية.
بناء على فهم دور البارانويا اليهودية في الصراع يبدو أن تحاشي تخويف الإسرائيليين لأجل التخويف ليس مصلحة إسرائيلية بل مصلحة فلسطينية أيضا. المقاومة التي تخيف فحسب تزيد من استشراس الإسرائيليين، أما المقاومة التي تقاوم وتهدد استمرار الأمر الواقع وفي نفس الوقت تطرح بديلا واضحا يضمن الأمن للإسرائيليين باستطاعتها تيسير تراجع إسرائيل كما حصل في الانتفاضة الأولى مثلا.
لست هنا في معرض طرح برنامج قومي بل ألفت النظر لدور الخوف في السياسة الإسرائيلية وإلى ضرورة العمل على شرذمة البارانويا الاسرائيلية من خلال طرح بديل واضح وآمن لكلا الطرفين. أما إبقاء البديل مغمغما فهذا يبقي لليمين الإسرائيلي مساحة شاسعة لزرع البارانويا وبالتالي دفع الرأي العام يمينا. صحيح أنه ليس من الحكمة إعلان التنازلات الفلسطينية التي تطمئن الرأي العام الإسرائيلي أثناء المفاوضات وقبل الوصول للمرحلة النهائية، لكننا يجب أن نعي كيف يؤثر هذا الغموض على الرأي العام وكيف يستغله اليمين وينسب للفلسطينيين نوايا خبيثة تعمق البارانويا اليهودية. لذلك، من غير الضروري إعلان التنازلات بشكل غير مشروط وإنما إعلانها بهذه اللهجة: "في حالة قبول إسرائيل بكذا وكذا سنكون على استعداد لقبول كذا وكذا الذي يوفر الأمن للإسرائيليين". حين يسمع هذا الصوت بوضوح ومثابرة ومن قبل جميع المؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني يتحجم حيز الغموض الذي يلعب به اليمين الإسرائيلي لتعميق البارانويا وتصعيد الاستشراس.

الخاتمة
حسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيتم حين تنقلب موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني وإرغام إسرائيل على التراجع عن نهجها العدواني والعنصري، ولا يتم بمجرد فضح دور البارانويا اليهودية وشرذمتها، إلا أن فضحها وشرذمتها تشكل عاملا هاما في ترشيد وتنجيع النضال الفلسطيني والتأثير على الرأي العام العالمي والإسرائيلي وبالتالي على سيرورة قلب موازين القوى.

مراجع


1- سولومون زهافا، يتسحاقي ليأت، ولفين يفبت. حياة في ظل الصواريخ: تقييم الحاجات ونجاعة التدخل. جامعة تل أبيب ومركز التميّز لدراسة الصدمات الجماهيرية. تقرير بحث مقدم للتأمين الوطني في إسرائيل. شوهد في ‏17‏/07‏/2022 (بالعبرية)
https://www.btl.gov.il/Mediniyut/BakashatNetunim/dohot/Documents/Solomon.pdf

2- بحث: مستوى القلق والاكتئاب لدى الإسرائيليين في فترة الكورونا. نشر في Ynet وشوهد في ‏17/07/2022 (بالعبرية)
https://www.ynet.co.il/health/article/ryqnUlacD

3- The Exodus, in Wikipedia, seen in 7/17/2022, https://en.wikipedia.org/wiki/The_Exodus

4- Masada, in Wikipedia, seen in 7/17/2022, https://en.wikipedia.org/wiki/Masada

5- Expulsion of Jews from Spain, In Wikipedia, seen in 7/17/2022, https://en.wikipedia.org/wiki/Expulsion_of_Jews_from_Spain

6- The Holocaust, in Wikipedia, seen in 7/17/2022, https://en.wikipedia.org/wiki/The_Holocaust

7- Eran Halperin, Daniel Bar-Tal, Rafi Nets-Zehngut, & Erga Drori, "Emotions in conflict: Correlates of fear and hope in the Israeli-Jewish society". Peace and Conflict: Journal of Peace Psychology, 14(3) (2008), 233–258. https://doi.org/10.1080/10781910802229157

8- القشطيني، خالد. رمي اليهود في البحر: الشرق الأوسط العدد 9331، 2004 شوهد في ‏18‏/07‏/2022 https://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=9331&article=239403#.YtUIO3ZBw2w


9- ليفي، جدعون. القضاء على دولة إسرائيل. الغد 16-02-2014 شوهد في ‏19‏/07‏/2022 (بالعبرية)https://alghad.com/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84/

10- نتنياهو، بنيامين. العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع في 17 أيار 2015
(بالعبرية) https://www.youtube.com/watch?v=Q2cUoglR1yk

11- اللاسامية في الجامعات. التلفزيزن الإسرائيلي، شوهد ‏19‏/07‏/2022 (بالعبرية) https://www.youtube.com/watch?v=JKLjYR7H1ZY

12- Mark Klusener, “U.N. Chief tells Israel to stop using Holocaust to justify its policies”. CNSNews.com, Cybercast News Service (August 31, 2001).

13- دويري، مروان. دور الخوف والشعور بالذنب في السياسة الإسرائيلية، قضايا إسرائيلية، العدد 4، 2000 صفحة 32-40.
14- غولدمن، ناحوم. المكتبة الوطنية الإسرائيلية شوهد في ‏24‏/07‏/2022 https://www.nli.org.il/he/newspapers/hrt/1964/04/23/01/article/21/?e=-------he-20--1--img-txIN%7ctxTI--------------1

15- Moshe Shonfeld. The Holocaust victims accuse. Brooklyn, NY: Neturei Karta of USA. (1977) (P. 26)

16- Liz Levidow, Zionist anti-semitism. (June, 1998). Seen in 8/7/2022 https://www.ariga.com
.
17- دويري. مروان. "سايكولوجية القامع والمقموع". في الوقت الحقيقي: انتفاضة الأقصى واليسار الإسرائيلي. إصدار كيتِر للنشر م.ض. (2001) ص: 275-287 (باللغة العبرية)

18- Sara Thompson. Raging against self defense. Jews for the Preservation of Firearms Ownership, https://www.jpfo.org (23 October, 2000)


19- Paulo Freire, Pedagogy of the oppressed. New York: Continuum. (1970/1995).

20- Paulo Freire, Pedagogy of hope. Reliving pedagogy of the oppressed. New York: Continuum. (1992/1994).


21- دويري، مروان. الشخصية، الثقافة، والمجتمع العربي. القدس: النور 1998


22- Cognitive dissonance in Wikipedia, seen in 8/7/2022 https://en.wikipedia.org/wiki/Cognitive_dissonance


23- السرّ النووي لحرب يوم الغفران، نشر في 24-9-2004 وشوهد في ‏03‏/08‏/2022 (بالعبرية) https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-2980839,00.html



#مروان_دويري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فخ المصطلحات: عن يهودية الدولة، الديمقراطية، والدولة الفلسطي ...
- أستنكر العدوان الإسرائيلي على غزة ولا أعفي حماس من المسؤولية
- حق تمثيل فلسطينيي الداخل في المجلس الوطني الفلسطيني والمنظمة
- انهيار الأنظمة السياسية يحتم مراجعة الأنظمة الفكرية
- مقالات في الذات والآخر: الخيال الذي نعتقده واقعا
- عن الحب والأنانية: حب الآخرين يبدأ بحب الذات (3)
- حقا تحركت الخارطة السياسية يمينا؟ وما هو دورنا؟
- الاستقلال القومي والعدالة الاجتماعية في عصر العولمة: إسقاطات ...


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان دويري - عامل الخوف والشعور بالذنب في العقل والسياسة الإسرائيليان