أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - منى علي - نقد استحقاقية الأهل في امتلاك الأبناء داخل المجتمعات ذات البنية الأبوية















المزيد.....

نقد استحقاقية الأهل في امتلاك الأبناء داخل المجتمعات ذات البنية الأبوية


منى علي

الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 11:22
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في المنطقة العربية يصير الأبناء من أملاك الأهل حين يولدون، فالأبناء لا يعدون بمثابة بشر لهم حق في الحرية وامتلاك الاختيار وتقرير المصير بل أملاك وأشياء تابعة وخاضعة لتصرف الآباء والأمهات، يصبح الأهل أصحاب سلطة على عقول وقلوب وأجساد الأبناء. وعلى عكس المتوقع  أن يكون سائدا اليوم الخوف من الإنجاب نظراً لما يُوقع ذلك من مسئولية كبيرة على عاتق الأهل من الناحية النفسية والمادية فيَحجُب الأزواج عن إنجاب الأطفال في هذا العالم الذي أصبح قاسيا إلى حد كبير ويفتقد إلى العدالة والأمان في أحيان كثيرة.

لكن ترى القليل من الأسر أن أهم ما يجب منحه للأطفال الذين جاءوا بهم للعالم هو الحب غير المشروط، تقديم الدعم والمساندة في كل الأوقات، وخاصة أوقات الأزمات التي يمر بها الأبناء بشكل مماثل لإظهار الحب في أوقات النجاح وأكثر.  و لا تزال غالبية الأسر في مجتمعاتنا العربية يتباهون بكثرة الأبناء ولا يأبهون لما وفروا لهم من بيئة مناسبة  أو مستوى معيشي كريم وملائم ليعيش فيه هؤلاء الأبناء، ولا يسألون أنفسهم ابدا اذا ما كانوا مؤهلين نفسيا وعلى درجة كافية من النضج  وقادرين على حمل هذا العبء الصعب، وتعتمد الكثير من الأسر في المجتمعات العربية على  النظام السلطوي في التربية  بدلا عن أسلوب التربية الحر المتسامح القائم على الحب والدعم؛ تنتهج أساليب التلقين والثواب والعقاب  في تربية الأبناء بداية من سن صغير ربما لا يتعدى الشهور، ربما لأنهم يجهلون أن الأطفال بهذا السن لا يجب أن يتعرضوا للتقيم ؛ ووجود طرق بديلة للتقويم والإرشاد، ويتناسون أن الإهانة والإيذاء ليست طرق للتقويم بل هى لا تعدو كونها اساءات تترك آثاراَ على أجساد وقلوب الأبناء لا يمكن محوها، فيصبون جحيمهم الداخلي على أطفالهم كما صُب عليهم من قبل أسرهم في الماضي، كما أنهم لا يمتلكون الوقت والجهد الكافيين لبذلهم في تنشئة الأطفال تنشئة سوية، فيكون من الأولى اختيار عدم الإنجاب، ولكنهم وعلى الرغم من معرفتهم ذلك مسبقا ينجبون، ويصل الأمر عند الأهل غير الأسوياء  إلى استخدام التعذيب والإيذاء البدني؛ وممارسة العنف اللفظي والإيذاء النفسي ضد الاطفال، ويتم نبذ الأطفال في أوقات انشغال الأهل بأمور أخرى هى الأهم في نظرهم لأن الأطفال ليسوا بشرا مكتملين مازالوا صغار فاحتياجاتهم بالضرورة ليست مهمة أشياء تافه ويمكنها الانتظار، ونبذ الأبناء في أوقات عدم التوفيق وكأنهم ملائكة لا يخطئون أبدا، يطلبون  من الطفل الصغير أن يكون ما هم أنفسهم عاجزين عن أن يكونوا،  ويُصّور الأب على أنه آله على صواب دائم، لأن تلك الأسر يجهلون تمام الجهل أن من أهم أسس التربية الصحيحة أن يرى الأبناء الآباء والأمهات بشراً يخطأ ويُصيب وعند الخطأ لا يتعالون عن الإعتذار والعمل على تجنب الوقوع في الخطأ مرة أخرى. وعدم لعب دور الضحية الدائم أمام الأطفال فكيف أنهم يكدون ويكدحون في سبيل جلب الأموال والطعام لهم وكأن تلك ليست مسئوليتهم التي اختاروا أن يحملوها حين اختاروا أن ينجبوا وليس ذنب من جاءوا بهم إلى هذا العالم أنهم يلاقون المشقة كي يطعموهم أو يوفروا لهم ظروف معيشية جيدة.

المجتمعات العربية هى صورة واضحة لتركيبة المجتمعات الأبوية التي يكون انجاب الأطفال فيها وسيلة لامتلاك كائنات بشرية، وإذا اخذنا في الاعتبار أن عبء الحمل والولادة يقع بكامله على كاهل النساء يصبح لا مجال لإنكار أن انجاب الأطفال في المجتمعات الأبوية  ليس إلا عملية استغلال للنساء؛ ولكن للنساء بدورهن ملكيتهن الخاصة الأطفال الصغار الذين ينضم الذكور منهم عند البلوغ إلى الرجال في استغلال النساء، فالمجتمعات الأبوية  تضع الذكر على قمة البناء الهيراركي وتحقر من شأن الأنثى وتقمعها،  فيشتد فرض القيود على البنات يتم حجزهن داخل إطار نمطي في التربية من ربطهن بالأعمال المنزلية والتحكم في صوت ضحكاتهن على أن تكون بصوت خفيض وطريقة جلوسهن وماشيهن، ولا يسمح للبنات أن تخرجن للعب مع الأقران في الساحات أو الشوراع بعد عدد معين من السنوات والتي يحددها الأهل فقد انتهى زمن اللعب فهن ليسوا صغيرات ويفرض عليهن لبس الحجاب في حالة ما كان الأهل يدينون بالإسلام؛ وهن في سن الطفولة وفق تعريف الأمم المتحدة لسن الطفولة في اتفاقية حقوق الطفل " الطفل هو أي شخص يقل عمره عن 18 سنة".  ولكن لأنهن كبرن بحسب وجهة نظر العرف المجتمعي  الرجعي الذي يتحكم في تسير سلوكيات من يعيش فيه، فالمجتمع وأعرافه من يحدد انتهاء سنوات الطفولة وليست القوانين أو التعريفات الدولية الحديثة التي تنص على أن سن الطفولة ينتهي ببلوغ الثامنة عشر؛ بل تفرض تلك القيود في سن يسبق ذلك بكثير ربما بعشر سنوات أو أكثر، ويُمنع  الأبناء  الذكور من التعبير عن مشاعرهم أو البكاء لأن ذلك يعد عيب وليس من شيم الرجال، الأولاد عليهم أن يسيطروا على مشاعرهم فلا يظهروها وعليهم ألا يخجلوا فهم رجال، ويتم حرمانهم من حقوق انسانية أساسية لأي بشر كإظهار الضعف  أو الخوف، وبذلك يُوضع الأولاد أيضا داخل نسق نمطي في التربية، وبما أن معايير السلوك التي يسير عليها المجتمع تشكل الشخصية الاجتماعية لأعضائه. فيكون النسق الذي يربى عليه الولد هو أن يكون مهيمناً قوياً، في مقابل النمط الذي تتربى عليه البنت بأن تكون خاضعة ومستأنسة.

وفي مرحلة المراهقة، حين يكون التمرد والجموح من جانب الأبناء شئ طبيعي  لحداثة سنهم وقلة خبراتهم بالحياة وبينما يكون الاحتواء والاهتمام برغبات الأبناء وتفهم المشاعر هو التصرف الطبيعي  من الأهل الأسوياء تجاه سلوكيات التمرد أوالرفض، وجعل أوقات عدم التوفيق أوقات للتعلم لتجنب عدم التوفيق في القادم، يكون رد فعل أغلب الأسر في مجتمعاتنا العربية نبذ الأبناء وتوجيه اللوم والإساءات لهم ويصل الأمر إلى حرمانهم من حقوق أساسية كمصروفات التعليم أو الحرمان من ممارسة نشاطات  يفضلها الأبناء في نوع من العقاب لهم على عدم الامتثال للأوامر. فأغلب الأسر العربية  لازالت ترى أنها تنفق على الأبناء في مقابل الامتثال  للأوامر؛ وليس لأن تلك واجباتهم تجاه أطفالهم. فالإنفاق مقابل الطاعة هى العلاقة التي تريدها تلك الأسرغير السويه  فيما بينهم وبين أبناءهم ولا يدركون أن تلك لا تصنف علاقة انسانية بل علاقة استعباد للأبناء. فالعلاقة مابين الأهل والأبناء لايجب أن تقوم إلا على الرعاية والمحبة  والمعرفه،  وعلى تعبئة الأبناء بالنشاط  والتفكير والايمان بالحياه لا بفرض سلطة متجبرة.

وعند مرحلة البلوغ يتم تكريس شعور البنت أنها مخلوق ثقيل وهم يحمله الأهل بدورتها الشهرية؛ بينما تكون لحظة فخر وسعادة عند بلوغ الولد  وبداية ظهور الشعر بذقنه وشاربه. ويتم ترسيخ مفهوم خاطئ عن معنى الرجولة  داخل الأبناء خلال عملية التربية وهوما يمثل عبء ثقيل على الأولاد والبنات وعلى المجتمع بكل أطيافه وتنوعاته البيولوجية؛ فتربية شخص على أنه المسئول عن الآخر لأنه الذكر، وكأن الآخر الأنثى أو غيرها من الأجناس عاجزين عن حماية أنفسهم ؛ واعتبار أن السيطرة على الآخرين وحرمانهم من ممارسة حريتهم هى الرجولة. كل ذلك يرسخ ويعيد إنتاج المفاهيم الرجعية التى تحكم مجتمعات المنطقة العربية.

ولا يتوقف الآباء والأمهات الساديين عن فرض القيود على الأبناء بدخولهم مرحلة الشباب والرشد بل تمتد إرادة فرض السيطرة إلى الأسر التي يرغب الأبناء في تكوينها أوعدم تكوينها باختيار عدم الزواج فيتدخل الأهل في تحديد مسار حياة الأبناء واجبارهم على الزواج في بعض الأحيان، ومن سيختارونه  ليكون شريك الحياه حتى أن شريك الحياه هو أوهى يكون اختيار كامل للأهل في الكثير من الأوقات، ومن ثم تتكرر تلك الدائرة المفرغة فيتزوج الولد كي ينجب أطفال لتحمل اسم العائلة، وتتزوج البنت حتى يرتاح الأهل من الهم الذي يحملونه، ليحمله عنهم الزوج، وفي حالة رفضت البنت الزواج ربما يتم التشكيك بعذريتها والتي هى بالأساس وهم لا أساس علمي له، ولكن لأن الخرافة مازالت تحكم العقلية العربية فتحدد بعض القطرات من الدماء تنزفها البنت أو قد لا تنزفها في أول ليلة لممارسة الجنس كونها فتاه صالحة أم عاهرة، وإذا رفض الولد الزواج يتم التشكيك  في كونه رجلا ويتم دفعه للزواج دفعًا.  ويحدث ذلك دون أن يكون متاح لمن يتزوجون و ينجبون أن يسألوا أنفسهم هل هم قادرين على تحمل مسئولية الإنجاب أم لا، فهم سيتزوجون و سينجبون أطفال ارضاءاً  للأهل والمجتمع ، فلا يمكنهم الرفض وإلا لاحقتهم اتهامات مخالفة و عقوق الأهل. فالتفكير والخروج عن ذلك المسار الإجباري الذي يسلكه الجميع  له تكلفته بالطبع.

ولاينفي  وجود الأهل الساديين النرجسيين  المؤذيين  وجود آباء وأمهات يبذلون جهوداً مضنية  لأجل اسعاد ابناءهم الذين اختاروا أن ينجبوهم ويمنحوهم حب وعطاء ودعم غير مشروطين، لكن يكاد يكون الأهل المحبين لأبناءهم بشكل حقيقي هم الاستثناء وليس القاعدة؛ لذلك لايجب منح  صكوك الاحترام أو الحب الملزمين للأهل لمجرد أنهم من انجابوا الأبناء،  الحب والاحترام  من حق الأهل الأسوياء الذين يحبون ويحترمون  اختيارات الأبناء بالمقابل؛  ولم ينجبوا  ارضاءاً للمجتمع ولزيادة ممتلكاتهم في الحياة ولكي يكون الأبناء رصيد أمان  لتقديم الرعاية لهم عند التقدم في العمر، وبالطبع لأن العالم العربي يفتقر إلى ثقافة ووجود دور رعاية لكبار السن ولأنه في العرف المجتمعي الرجعي الذي يحكم المنطقة العربية من غير الجائز أن يذهب الآباء والأمهات المسنين لدور الرعاية  ويلزم على الأبناء رعايتهم، وإلا يعد ذلك عقوق من جانبهم حتى وإن لم يكن أولئك الأهل قد قاموا برعاية أبناءهم في مراحل الطفولة والمراهقة بشكل إنساني سوي، فبينما كان الأهل مصدر دائم للخوف فلماذا ينبغي على الأبناء أن يكونوا مصدر أمان لهم عند التقدم في العمر، لماذا تكون اهتمامات ورغبات الأبناء تافه ويتم الاستهانه بها بينما يجب أن تكون رغبات الأهل هامة، أليس مسموح أن يتحرر أولئك الأبناء من  الضغط والقهر والاهمال والتسلط والعدوانية  و من كل  الأشياء الموجعة التي كانت تمارس ضدهم وهم صغار لا يملكون من أمرهم شيئاً.  فالانجاب خوفا من خسارة الرضاء المجتمعي، وعدم الاهتمام  بمصير من تم انجابهم  لا يُوجب على الأبناء التضامن مع رغبات الأهل، وحمل عبء رعايتهم عند الكبر،  فتلك استحقاقية غير عادلة. لأنها لا تطرح بالمقابل تعريف لمعنى عقوق الآباء والأمهات للأبناء بل وعلى العكس من ذلك يرى العرف المجتمعي في المنطقة العربية أن من يقسو على أولاده يقوم بتربيتهم بينما من يقوم بالدفاع عن نفسه ضد تلك القسوة بالابتعاد أو بالتعبير عن الرفض  عندما يستطيع  ذلك  فهو عاق. فتلك حقا استحقاقية غير عادلة.



#منى_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - منى علي - نقد استحقاقية الأهل في امتلاك الأبناء داخل المجتمعات ذات البنية الأبوية