أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - الفضل شلق - قارب الموت والحياة: عهر الوجود















المزيد.....

قارب الموت والحياة: عهر الوجود


الفضل شلق

الحوار المتمدن-العدد: 7385 - 2022 / 9 / 28 - 10:42
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    



قفز قارب من قارب. واحدهما يغرق، فهو للموت، وثانيهما وطن للحياة، لكنه يغرق أيضاً. لا نعرف أيهما للموت وأيهما للحياة. لا نريد أن نعرف بسبب الكبر (من كبرياء). نحن نتغافل عن الحقيقة التي بشرنا بها أحد المسؤولين الكبار منذ شهور، بأننا في جهنم أو نحن واصلين إليها.

أثناء فتوحات بلاد الشام، زارها الخليفة عمر بن الخطاب. أخبروه عن الطاعون في بادية الشام. فهمّ بالرجوع. بادره أبو عبيدة بن الجراح٫ “أعن قدر الله تفر يا عمر”؟ فأجابه٫” من قدر الله الى قدر الله”. فكانت نتيجة ذلك وفاة أبو عبيدة بن الجراح بالطاعون، ونجاة عمر.

لا نجاة لنا. في حديث السفينة، أن النبي (ص) قال “ إن مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح (عليه السلام)، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق”. مشكلتنا أننا تحكمنا مافيات. ترفّع بعضها عن لقب الميليشيات، فإذا البلد كله متخلف. صرنا بلا اسم ولا هوية. إخراج القيد نذرت أوراقه من سجلات النفوس. جوازات السفر شبه مقطوعة. كما غنّى مرسيل خليفة “وقفوني عالحدود، قال بدهم هويتي، قلتلهم والله بيافا مخبايتها ستي”. رئيس دولة فلسطين المزعومة في الأمم المتحدة يستجدي دولة من نفايات إسرائيل. يلوّح خليفة عرفات اللبناني بشارة النصر الذي لا يحتاج سوى الى أصبعين. في فلسطين دولة ولا دولة. واحدة أو اثنتان. في لبنان دولة ولا دولة؟ دوار الرؤوس يحول دون الجواب. الجواب يحتاج الى تفكير.

معظمنا يائس. مصاب بداء الإحباط، ووباء العدم، واللاجدوى. على هذه الأرض نبحث عن الموت فلا نجده. كما قال الشاعر الوزير المهلبي:

ألا موت يباع فاشتريه

فهذا العيش ما لا خير فيه

خرجت قوارب الموت تبحث عن موت أقل ذلاً مما نحن فيه في لبنان. والغريب أنها جميعاً تخرج من أقاصي شمال لبنان، وأن الراحلين فيها هم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، وأعمارهم تتراوح بين الطفل الرضيع والشيخ العجوز، من الإناث والذكور. لكن نقطة الانطلاق هي دائماً من لبنان، مركز الاستماتة في المنطقة. لم نعد نصلح للموت شهداء، بالإذن من أصحاب تبجيل الشهادة. أنهكتنا الحياة:

تغيرت البلاد وما عليها

فوجه الأرض مغبرٌّ قبيح

نُسِبَ هذا البيت الى سيدنا آدم الذي قاله بعد الهبوط، وقبل أن توجد اللغة العربية.

تحدثنا محطات البث عن قوارب الموت باستغراب. ألا يُسٌْتغرب هذا الاستغراب، وفي كل نشرة بلاغات عن أزمات قاتلة لا تعد ولا تحصى؟ وكلها تكفي لفكفكة أواصر أي بلد أو مجتمع. جاء التعبير عن ذلك من طرابلس وعكار. الأسباب لا تحتاج الى شرح. فالأسباب تحت جلودنا أو هي في النخاع. صار لبنان الذي عرفناه وتعودنا عليه، وصار تاريخه الفعلي بالنسبة لنا، نحن الذين قاربنا ثمانيناً من الأعوام، وكأنه أسطورة. اختفى لبنان الحبيب الى قلوبنا، والذي كان مؤسطرا على شكل آخر في الايديولوجيا اللبنانية. صار رماداً يصعد منه طائر فينيق “المياس” الذي يشتمه البعض من أصحاب الدين السلفي الذي مضى أجله.

لبنان الصورة الجميلة التي كانت في أذهاننا لم يكن في أي مرحلة مطابقاً للواقع. لم يكن في أي مرحلة يعاني أزمة الموت كما اليوم. لكن الموجات من الهجرة منذ أواخر القرن التاسع عشر الى اميركا، ثم أفريقيا، والأكثر الى أستراليا، ثم أوروبا، كانت في بدايتها بدافع الفقر النسبي، ثم بغرض الحياة في الغرب أو كثرة الربح في أفريقيا. كان المرء يستطيع أن يهاجر سعياً وراء حياة أفضل، أو لا يهاجر قناعةً بما يوجد في لبنان، الذي لم يكن كافياً في أي وقت من الأوقات. لكن فروقات المداخيل لم تكن بمثل هذا الاتساع. بذاءة الثروات الكبيرة لم تكن بمستوى على هذا العهر إذا قابلناها بمستوى الفقر. انتقلنا من فقر مدقع الى فقر مطلق في العقد ونصف من السنوات الماضية. في كل عهد سابق كان البعض يصعد سريعاً على سلّم الثروة. الآن أصبح الصعود سوبرسونيك، أي أعلى من سرعة الصوت، ومعظمه اعتمد على سرقة ونهب أموال الداخل. كان المغترب يهاجر ليعود كي يحاول عيش الصورة الجميلة. لم يعد الأمر كذلك.

لم يعد الفقر هو الدافع الوحيد للهجرة. الأسباب صارت أعمق وأكثر تجذراً بانحدار الحياة الإنسانية. أنت في بلد لا يريد الطبابة لك، ولا الخبز، ولا التعليم لأولادك، ولا كرامة العيش لك، ناهيك عن حال الطرقات، والكهرباء، والمياه، والمشاريع التي تلزّم ولم توضع موضع الخدمة، أو هي مبنية كي لا تكون صالحة للخدمة، وبعضها معطّل كي لا يصير صالحاً للخدمة (خاصة الكهرباء). إضافة الى عقود تعقد عقب بحث الدائن في قابلية البلد للاستدانة، الى مرحلة التسوّل، لتكون المساعدات، حتى النفط، مساعدات إحسان لبلد يستحق الشفقة. لم يكن الديْن للاعمار بل للإنفاق على الاستهلاك، بما فيه التوظيف العشوائي الذي لا يلزم، الى مرحلة البلد فيها لا يستحق الديْن بل الإحسان ومكرمة اخوان في الدين والعروبة. كان الدين معاملة تجارية بين أنداد، صار نوعاً من الشفقة أو التصدّق على أخ صغير. كان الفساد متفشياً.وكان جزءاً، كما هي العادة، في أي بلد آخر، من عيش الطبقة السياسية وزبانيتها. صار الفساد هو نمط العيش في لبنان مع سرقة الودائع، أو ما يسمى مصادرتها.

الأمر لا يتعلّق بجزئيات الحياة، وحتى لو تعلّق بضروريات الحياة، صار الأمر يتعلّق بمجمل الحياة. حياة لا تطاق. الذين ركبوا زوارق الموت لم يكونوا معدمين مادياً. كل منهم دفع بضعة آلاف من الدولارات، بل معدومي الكرامة. يناطحون الجدران التي تعترض طرقاً مسدودة. في الوقت الذي نحتفل بفرقة المياس، وغيرها من المبدعين في مجالات أخرى، تلفظ الحياة اللبنانية أو نمط الحياة اللبنانية، وأنماط الذل، ليس فقط طوابير الذل من أجل ضروريات الحياة لانتشال ربطة خبز من فم التنين، بل ذل الحياة ذاتها وتفاهة العيش في نظام دعارة سياسية (ومالية) ليس فيه شيء يربط بين الطبقة الحاكمة اللبنانية. صار معظم الشعب اللبناني منبوذاً لا بسبب الفقر المدقع وحده، ولا بسبب هبوط المنزلة الاجتماعية من طبقة وسطى الى بروليتاريا رثة، الى جحافل من معدمي العيش والكرامة، الذين لا مكان لهم في لبنان. حتى النظام الطائفي الداعر نبذهم. صنّف الدعارة كما شِئت. لكن سوق الدعارة واسع جداً في الفضاء اللبناني. هي ليست الدعارة الجنسية وحدها، بل دعارة العيش في أعماق النبذ، والتفاهة، والكذب، والسمسرة الرخيصة، وأنياب قروش البر (لا البحر). سوف تكثر قوارب الموت من كل الشواطئ اللبنانية. ليس طمعاً بحياة أفضل في الجنات الموهومة، بل هرباً أو خلاصاً من حياة تخنق الأنفاس. ليس فيها الاستغلال الرأسمالي وحسب، بل الاستهانة بالوجود البشري. في عقول الناس وأرواحهم “كلن يعني كلن”. شعار يبني كل الحياة في لبنان الذي ينبذ النظام فيه أبناءه الى حيث تستوي الحياة بالموت. قال جرير:

قد خفت يا ابن التي ماتت منافقة

من خبث برزة أن لا ينزل المطر

برزة هي أم المهجو التي بلغ خبثها الكوني ما يمنع المطر والخير.

طيباً لأيام كنا نرى أرتال الدراجات تقل العمال الى منطقة صناعية في جنوبي المدينة، قبل أن تباع المعامل وتتحوّل أهم المناطق الصناعية في لبنان الى “مدن تنك”. طرابلس الآن مجموعة أبنية مترهلة فاقدة العيش الكريم. شغلها الأساسي تصدير قوارب الموت؛ من موت الى موت. ليس الزومبي كائناً وهمياً؛ هو كذلك الا في لبنان، خاصة في شماله.

قوارب الموت تقل من “يشترون الموت”. وقد قالها لإحدى محطات البث أحد الذين هاجروا ونجا. لا يشتري الموت من يسعى الى حياة أفضل، بل فاقد معنى الحياة في بلده. فيهيم في المجهول. مجهول قال فيه الشاعر خليل مطران :

إذا رأيت الموج يقفل بعضه

ألفيت تاليه طغى وتعالى

الذين ركبوا قوارب الموت يعرفون البحر، لكنهم طفشوا من جحيم الى جحيم.

ملاحظة: تفاصيل تحضيرات قوارب الموت معروفة وليست سرية. والسر متى تجاوز الإثنين شاع. هو السيستم ينبذ أبناءه.



#الفضل_شلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المياسون روح جديدة في الثقافة العربية
- ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
- المصارف اللبنانية وخيانتها لنفسها ولمجتمعها
- افتراق السلطة والشعب: ثقافتان وخطابان
- بيان المؤتمر القومي الإسلامي – تعبير بائس
- للأنظمة العربية الديكتاتورية بنية فكرية
- ضرورة الحرب من أجل السلام
- الإرهاب الامبراطوري غذائي وأمني وثقافي
- الاقتصاد السياسي للبترول
- الاقتصاد السياسي للمال في لبنان
- مشكلة حزب الله في المواجهة مع الولايات المتحدة
- التحليل الطبقي وتحليل التشكيلات الاجتماعية
- الانتخابات في شرح قصيدة دريد بن الصمة
- دعوية الحزب الديني تميزه عن الحزب الطائفي
- الحزب الشيوعي اللبناني: أوهام جديدة بخطاب قديم
- الإرادة فعل ومعرفة
- المؤتمر الخامس للمنظمة الشيوعية سابقاً اليسارية حالياً نقد و ...
- كسب الحرب وخسارة النتائج السياسية
- هستيريا الحرب بعد الكورونا
- انتصار ثقافة العمامة على ثقافة الحداثة عندنا


المزيد.....




- الصين تستعرض -عضلاتها العسكرية- مع تعهد بوتين بـ-نظام عالمي ...
- من وزير الخارجية إلى المدعي العام.. إليكم آخر اختيارات ترامب ...
- تفجير انتحاري أمام المحكمة العليا في البرازيل بعد فشل محاولة ...
- مظاهرة في بروكسل: مزارعون يعارضون اتفاقية التجارة بين الاتحا ...
- الجيش الإسرائيلي: ضربنا أكثر من 100 هدف في قطاع غزة ولبنان ( ...
- التقت بالرئيس السوري سرا فماذا قالت عنه؟.. ترامب يرشح تولسي ...
- ماذا تتوقع موسكو من ترامب؟.. لافروف يذكر بتصريحات بوتين
- أمير قطر يصدر قرارا أميريا بتعيين رئيس أركان القوات المسلحة ...
- لافروف: روسيا لم ترفض قط التفاوض مع أوكرانيا
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيرو ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - الفضل شلق - قارب الموت والحياة: عهر الوجود