أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - روهيني هينسمان - الأبعاد السياسية للأزمة في سريلانكا















المزيد.....


الأبعاد السياسية للأزمة في سريلانكا


روهيني هينسمان

الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 00:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


روهيني هينسمان

نشر المقال في موقع New Politics بتاريخ 7 حزيران/يونيو 2022



اسمحوا لي البدء بذكريات الطفولة. كان والدي من التاميل، وأمي كانت من البورغر- هكذا يسمون الأشخاص من أصل أوروبي في سريلانكا- كنا نعيش في حي تسكنه أغلبية سنهالية خارج كولومبو. في أحد الأيام من العام 1958، جاء جارنا السينهالي، مينكي، الذي كان كواحد من أفراد أسرتنا، غاضباً بشدة، مصراً على أن نغادر منزلنا في الحال والذهاب إلى مكان آمن آخر لأن مجموعة متعطشة لسفك الدماء في طريقها إلينا. في الوقت عينه تقريباً، وصلت ياسمين، إحدى طالبات والدتي السابقات، والتي كانت قد باتت صديقة للعائلة، وكذلك كانت سينهالية، جاءت بالسيارة، عارضة علينا اللجوء إلى بيت أهلها. والدتي كانت تتنزه فعلم أهلي أن التاميل كانوا يتعرضون للاعتداءات، ولكنهم رفضوا المغادرة في ذلك الوقت. فجمعوني مع شقيقي وجدتي التاميلية إلى جانب جار سنيهالي في التاكسي وأرسلونا لعند جدتي البورغرية، وبدؤوا بصنع زجاجات المولوتوف للدفاع عن أنفسهم ومنزلهم. في هذا الحين فقد مينيكي أعصابه وهددهم بالانتحار ما لم يغادروا منزلهم. أخيراً وافقوا على ذلك، وصعدوا في سيارة جار سنيهالي آخر الذي أقلّهم إلى منزل أهل ياسمين.


بعد ثلاثين عاماً، كنت أجري بحثاً عن اللاجئين السريلانكيين المهجرين داخلياً، صادفت العديد من القصص المشابهة حيث جرى إنقاذ التاميل على يد أصدقائهم السنيهاليين، أو جيرانهم أو زملائهم، أو حتى الغرباء منهم. بالنسبة لي هذه القصص تختصر الروح المقسمة لسريلانكا: العنف والكراهية من جهة، والحب والتعاطف من جهة أخرى، العنصرية من جهة، ومناهضة العنصرية من جهة ثانية، السلطوية الوحشية من جهة، والسعي الدائم لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى.

كانت الانقسامات موجودة فعلياً منذ الاستقلال عام 1948، عندما وافق زعيم الحزب الوطني المتحد، ج.ر. جاياوارديني، وس.و.ر.د. باندارانايكي، الذي أصبح لاحقاً زعيم حزب الحرية السريلانكي، على أمر واحد: حرمان ما يساوي مليون تاميلي من أصول هندية حديثة، أغلبهم كانوا من العمال الزراعيين في هيل كونتري، من كل امتيازاتهم وجنسيتهم. اتخذ القرار بطريقة تمييزية واضحة من خلال الطلب من هؤلاء العمال الفقراء للغاية والمتعرضين للاستغلال الشديد إثباتاً على أصلهم السري لانكي، وهذا الأمر لم يكن بمستطاع الغالبية العظمى من السينيهاليين تأمينه. خلال المناقشات البرلمانية حول مشاريع القوانين هذه، حاججت الأحزاب اليسارية- حزب لانكا ساما ساماجا الحزب التروتسكي الأكبر والحزب الشيوعي في سيلان الأصغر (اليوم اسمه الحزب الشيوعي السريلانكي)- بشدة ضدها، وأداناها واعتبراها قوانين عنصرية، ومعادية للديمقراطية، وهجوماً على حقوق العمال. قوة اليسار والحركة العمالية في هذه الفترة المبكرة يمكن قياسها بنجاح “الهارتال” أو الإضراب العام الوطني الذي جرى عام 1953، عندما حاولت حكومة الحزب الوطني المتحد إلغاء حصص الأرز المدعومة بناءً على مشورة البنك الدولي.

عام 1956، وصل باندارانايكي وحزب الحرية السريلانكي إلى السلطة مع وعد جعل السينهالية اللغة الرسمية في البلاد. ميّز قانون اللغة الرسمية أو قانون السنهالية فقط، كما بات يسمى، ضد الأشخاص المتحدثين بالتاميلية في الوظائف الرسمية، بحيث نظمت المسيرات السلمية ضده. في هذه المناسبة كذلك، عارضت أحزاب اليسار الأساسية مشروع القانون، على الرغم من دعمه من قسم منشق من الحزب التروتسكي لانكا ساما ساماجا. عام 1957، ورداً على التظاهرات، وقع باندارانايكي ميثاق باندارانايكي-شيلفاناياكام، الذي يعترف بالتامليلية كلغة لأقلية وطنية وبحقها بإدارة شمال وشرق البلاد. ولكن بعد سنة، ورداً على تحريض الجناح اليميني من الرهبان البوذيين، تراجع عن الميثاق، الأمر الذي أدى إلى إطلاق حملة نظمها التاميل لشطب الحرف السينهالي سري، والذي استبدلوه بالأحرف الانكليزية على لوحاتهم. وكان ذلك الشرارة التي أطلقت الاعتداءات المناهضة للتاميل عام 1958 في كولومبو وسواها. وفي وقت بدأ فيه العنف بالخروج عن السيطرة، سلم باندارانايكي السلطة للحاكم العام، الذي أعلن حالة الطوارئ، وضيّق على التظاهرات. غاضبة من باندارانايكي لأنه لم يذهب إلى أبعد مدى، فاغتالته منظمة يمينية للرهبان البوذيين، اسمها إيكساث بيخو بيرامونا، عام 1959. باتت أرملته، سيريمافو باندارانايكي، زعيمة حزب الحرية السريلانكي، والتي جرى انتخابها لتولي السلطة عام 1960، وعام 1964، تفاوضت على اتفاق مع رئيس الوزراء الهندي شاستري لترحيل أكثر من نصف مليون عامل زراعي تاميلي إلى الهند.


عام 1964 دخل حزب لانكا ساما ساماجا (التروتسكي) والحزب الشيوعي في تحالف مع حزب الحرية السريلانكي، وعام 1968 شكلوا معاً جبهة متحدة وصلت إلى السلطة عام 1970. أعتقد أنها كانت كارثة لا يمكن التخفيف منها. تحلل اليسار مع انفصال أعضاء الأحزاب الأساسيين وانشقاقهم من جديد، كما طرد الحزب التروتسكي من الأممية الرابعة. لم تحصل مذابح كبيرة بحق التاميل خلال عهد السيدة باندارانايكي، ولكن التمييز استمر. عام 1970، عدلت حكومة الجبهة المتحدة نظام التعليم الجامعي وجعلته تمييزياً ضد التاميل، مسببة بنشوء جيل من الشباب التاميلي المحبط والغاضب. من المفارقات أنه في عام 1971 حصلت انتفاضة مناهضة للحكومة بقيادة حزب جاناثا فيموختي بيرامونا، الذي يجمع بين نسخة سلطوية من الاشتراكية والقومية السينيهالية وجذب إلى صفوفه وحصل على دعم أولئك المستفيدين من [قانون] السينهالية فقط. سحقت الانتفاضة وقتل 5000 شخص. كان المفترض أن تكون جذرية الانتفاضة قد نبهت الحكومة إلى واقع أن التمييز ضد التاميل لا يساهم بحل مشاكل البطالة أو الفقر بين السينهاليين، ولكن استمرت السياسات المناهضة للتاميل. وتحت شعار تأميم المزارع، وزعت الحكومة الأراضي الزراعية على مؤيديها بموجب قانون الإصلاح الزراعي عامي 1972 و1975. جرى طرد العمال الزراعيين من التاميل وعائلاتهم وتعرضوا للاعتداءات، وسرقت منازلهم وحرقت؛ قتل البعض، وترك آخرون للموت من الجوع.

عام 1972، صدر دستور جمهوري جديد. واللافت أن كولفين ر. دو سيلفا من حزب لانكا ساما ساماجا (التروتسكي)، الذي حذر عام 1958 من أن قانون جعل السينهالية اللغة الرسمية الوحيدة سيؤدي إلى “قيام دولتين صغيرتين ممزقتين”، قد أشرف على وضع الدستور الذي رسخ ما كان رفضه في السابق، بحيث أعطى كذلك البوذية وضعية خاصة، غافلاً حماية حقوق الأقليات. كما أغفل دستور عام 1972 الغرفة الثانية في البرلمان، لجنة الخدمة العامة المستقلة لضمان الحياد في التعيينات بالوظائف العامة ومفوضية الخدمة القضائية. وبالتالي، إضافة إلى حرمان الأقليات من حقوقها، ركز دستور عام 1972 السلطة بطريقة يمكن استعمالها ضد الأغلبية السينيهالية.

بعد فوز الحزب الوطني المتحد بقيادة ج.ر. جاياوارديني بانتخابات عام 1977، أقر دستوراً جديداً عام 1977، بحيث زاد من مركزية السلطة بيد الرئيس التنفيذي- أي هو نفسه. قمعت حرية التعبير وسواها من الحقوق الديمقراطية. أسس جاثيكا سيفاكا سانغامايا، التي من المفترض أنها كانت نقابة لكنها كانت فعلياً أشبه بميليشيا تسيطر عليها الحكومة. جرى استعمال الميليشيا لترهيب المعارضة والقضاة الذين أصدروا أحكاماً ضد مجرمي الحزب الوطني المتحد. كما استعملت مراراً ضد العمال والنقابات لكسر إضراباتهم والاعتداء عليهم وقتل النقابيين. وطرد أعضاء النقابات. كان واضحاً أن الميليشيا مدعومة من السلطة لأن الشرطة لم تتدخل ضدها على الإطلاق، في حين خسر حوالي 80 ألف موظف حكومي وظائفهم لأنهم عارضوها أو لأنهم أضربوا عن العمل.

بعد شهر فقط من تولي الحزب الوطني المتحد السلطة، جرى استعمال الميليشيا للاعتداء على التاميل وقتلهم، وسرقة محالهم وبيوتهم وطردهم من الأماكن التي يعيشون فيها. عام 1979، استعمل قانون مكافحة الإرهاب وقانون الأمن العام كغطاء لتعذيب وإخفاء وقتل الآلاف من التاميل من قبل الدولة. من ثم في أيار/مايو 1981، اندلع العنف في جفنا، وشملت أعمال العنف هجوماً على مكتبة جفنا العامة، التي كانت تحتوي على 95 ألف كتاب والمخطوطات القيمة. تبع ذلك هجمات على التاميل في كل أنحاء الجزيرة، وخاصة المجازر الأكثر بشاعة التي حصلت عام 1983، والتي خلفت الآلالف من القتلى من التاميل وحولت الصراع الشرس إلى حرب أهلية بين الدولة السينهالية وميليشيات التاميل القومية التي تحارب من أجل تحقيق دولة التاميل المنفصلة. أكثر هؤلاء قوة ووحشية كانوا نمور تحرير تاميل إيلام، وباتوا مهيمنين بسبب ذبحهم لمنافسيهم. كان الاشتراكيون من التاميل محبطين. وانضم البعض منهم إلى الأحزاب القومية والمجموعات المسلحة، في حين قتل البعض الآخر أو أجبروا على الرحيل من البلاد على يد حركة تحرير تاميل إيلام.


توقفت المعارك مؤقتاً في الشمال والشرق بعد أن وقع جاياوارديني اتفاقاً مع رئيس الحكومة الهندية راجيف غاندي في تموز/يوليو عام 1987 الذي منح التاميل لغة رسمية ونقل محدود للسلطة في المقاطعات. وانتقلت المعارك إلى بقية أنحاء البلاد حيث أطلق جاناثا فيموختي بيرامونا تمرده الثاني. وقد غادر العديد من أعضائه السابقين الذين اختلفوا مع شوفينيته واستبداديته، ومن بقي فيه كانوا من المتطرفين وكانت ردة فعلهم تجاه من يعارضهم من الداخل أو من خارج المنظمة عنيفةً للغاية. ردت الدولة، التي يسيطر عليها الحزب الوطني المتحد، بالذبح العشوائي للشبيبة السينهالية. وهذا ما أدى إلى المجازر البشعة وعدد القتلى الكبير (المقدر بـ 40 ألف-60 ألف) خلال تمرد جاناثا فيموختي بيرامونا الثاني، والذي انتهى في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1989. بحجة محاربة جاناثا فيموختي بيرامونا، قتلت فرق الموت الحكومية المنتقدين العزّل، وأخصامها السياسيين، وحتى المنشقين من الحزب الوطني المتحد، واستمر القمع بعد هزيمة جاناثا فيموختي بيرامونا. عام 1990، اندلع القتال بين الدولة وجبهة تحرير نمور التاميل من جديد. كان رانيل ويكريماسينغ، الزعيم الحالي للحزب الوطني المتحد، عضواً بارزاً في الحكومة طوال تلك الفترة، وبالتالي هو يتشارك في المسؤولية عن المجازر الجماعية لكل من السينهاليين والتاميل، بأغلبهم من المدنيين العزل.

ما نراه هنا هو المسار الذي أفضى إلى الأزمة السياسية عام 2022. من ناحية، انقسم العمال وأضعفوا مراراً وتكراراً، ومن جهة ثانية جرى مركزة السلطة أكثر فأكثر، ما سمح للرئيس التنفيذي تعيين المقربين في المناصب الأساسية وتدمير الاقتصاد. يعتبر الصراع على الدستور أمراً حاسماً في هذا الإطار، وكان له مسار سريع، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن المحاكم رأت أن تغيير العناصر الأساسية مثل إلغاء الرئاسة التنفيذية نفسها يحتاج إلى أغلبية الثلثين في البرلمان وأغلبية بسيطة بموجب استفتاء. عندما انتخبت شاندريكا كوماراتونغا رئيسة عام 1994 على أمل إنهاء الحرب وإلغاء الرئاسة التنفيذية، استعيدت الحقوق الديمقراطية بشكل عام في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. لكن جبهة نمور تاميل إيلام خربت جهود إنهاء الحرب عبر اغتيالها اثنين من السياسيين التاميل المشاركين في صياغة الدستور، ومن شأن ذلك كان نقل سلطة كبيرة إلى الشمال والشرق كما حاولوا قتلها هي أيضاً. كما أنها لم تنجح في إلغاء الرئاسة التنفيذية. لكن التعديل الـ 17 للدستور جرى إقراره، حيث أزالت الرئيسة سلطة تعيين الأفراد من جانب واحد في المؤسسات المستقلة، كلجنة الانتخابات والمحكمة العليا.

عام 2005، خلف ماهيندا راجاباكسا الرئيسة كوماراتونغا، والذي كان في حزب الحرية. وشهدت انتهاكات لحقوق الإنسان ضد التاميل تراجعاً كبيراً في عهد كوماراتونغا. في الجنوب، تعرضت حرية التعبير لهجوم كبير، وعادت فرق الموت تستهدف منتقدي الحكومة. سقط الكثير من الضحايا، ربما أشهرهم لاسانتا ويكريماتونغ وبراغيت إيكنيليغودا. لم يسيطر غوتابايا راجاباكسا، الذي كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت، على القوات المسلحة ووكالات الاستخبارات المتعددة فقط، إنما سيطر كذلك على التعليم العالي والتنمية المُدنية. مع اقتراب الحرب من نهايتها الرهيبة عام 2009، قدرت الأمم المتحدة سقوط 40 ألف قتيل، ويعود ذلك جزئياً لأن حركة نمور التاميل استعملتهم كدروع بشرية، ولكن كذلك لأن وزير الدفاع أمر القوات الحكومية بقصف أهداف مدنية، من بينها المستشفيات والمناطق الآمنة.

تميزت الانتخابات الرئاسية في كانون الثاني/يناير عام 2010، والتي أعادت ماهيندا راجاباكسا إلى السلطة بمخالفات كبيرة. فقد استعمل موارد الدولة لدعم حملته الانتخابية وتشويه سمعة خصمه، وهاجم وقتل الصحافيين الذين رفضوا الاصطفاف إلى جانبه، وهاجم مظاهرات المعارضة، وزور عملية التصويت بشكل كبير لدرجة أن مفوض الانتخابات اعترف أنه غير قادر على ضمان سلامة صندوق اقتراع واحد. وفاز ائتلافه في الانتخابات النيابية اللاحقة، وكانت واحدة من أولوياته تمرير التعديل الـ 18 الذي عكس الإصلاحات التي أدخلها التعديل السابق، الأمر الذي سمح بتعيين أفراد أسرته وأصدقائه في الوزارات الأساسية وكل المؤسسات المستقلة. كما ألغى حصر حق الترشح إلى الانتخابات الرئاسية بولايتين. مع هزيمة نمور التاميل، عثر على عدو جديد لتعبئة الجماهير السينهالية خلف عائلة راجاباكسا: المسلمون. فتأسست مجموعات من الرهبان البوذيين اليمينية المتطرفة والمدعومة من الدولة لمهاجمة المسلمين وطردهم من منازلهم وأعمالهم بالحرق والقتل.

عندما أعلن عن الانتخابات الرئاسية عام 2015، مع ترشح ماهيندا راجاباكسا من جديد، يجب أن يكون واضحاً لماذا سيعارضه الناخبون من الأقليات الإثنية وينتخبون ضده لصالح الجبهة الوطنية المتحدة للحكم الرشيد أو تحالف ياهابالانايا بين ثوار حزب الحرية، مايتريبالا سيريسينا ورانيل ويكريميسيغ من الحزب الوطني المتحد. ولكن الأقليات لوحدها لا يمكنها الانتصار على راجاباكسا. كان هناك اشمئزاز كبير بين قسم كبير من الناخبين السنهاليين بسبب المحسوبية الفاقعة والفساد من قبل الراجاباكسيين. الذين قلبوا التوازن ضدهم، إلى جانب الحملات الشجاعة ومراقبة الانتخابات من قبل الناشطين الديمقراطيين. استمر قادة حزب لانكا ساما ساماجا والحزب الشيوعي السريلانكي والجبهة اليسارية الديمقراطية في دعم عائلة راجاباكسا، وطردوا الأعضاء الذين لم يوافقوا على هذه السياسة. وما زالوا على موقفهم هذا حتى يومنا، وبالتالي يتشاركون في المسؤولية عن مآل الأمور.

لماذا خان القادة اليساريون المبادئ الاشتراكية بهذا الشكل؟ على ما يبدو هناك 3 أسباب. الأول هو اعتقادهم أن التأميم هو إجراء اشتراكي، بغض النظر عن طابع الدولة التي تنفذه. على سبيل المثال تأميم المزارع بواسطة الدولة التفوقية السينهالية كان له نتيجة كارثية على مزارعي التاميل، ولكنهم لم يكترثوا، على الرغم من أنهم ناضلوا من أجل حقوق عمال المزارع في حقبات سابقة. الثاني هو كرههم للديمقراطية، التي يرونها مرتبطة بالرأسمالية والبرجوازية، بينما أعتبر أنها نتيجة نضالات العمال وشرط أساسي مسبق للحركة الاشتراكية. الثالث، دعمهم لأي حزب صديق للصين ورفض كل ما يعتبر على أنه “غربي”، من بينها الدعوات لإجراء تحقيقات حول جرائم الحرب من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ليسوا وحدهم في هذه المواقف: فجزء من اليسار العالمي اتخذ مواقف شبيهة دعماً للأنظمة الاستبدادية وحتى الامبريالية طالما أنها معتبرة مناهضة للغرب.

جرى انتخاب سيريسينا رئيساً في كانون الثاني/يناير. وعين ويكريماسينغ رئيساً للحكومة، بعد الانتخابات النيابية في آب/أغسطس بات رئيساً للحكومة الجديدة. حصلت بعض التحسينات. لم تلغَ الرئاسة التنفيذية، إنما التعديل الـ 19 خفف جداً من صلاحيات الرئيس. سمح بإحياء حرية التعبير عن الفظاعات التي حصلت وجرى قمعها من قبل دون خوف من الانتقام، والحق بالحصول على المعلومات والشفافية بالحكم. أعيدت بعض الأراضي المحتلة من الجيش إلى مالكيها من التاميل، وحصلت محاولة لحماية المسلمين من الاعتداءات عليهم. كما بدأت التحقيقات في الجرائم المرتكبة من النظام السابق. ولكن المشاكل سرعان ما ظهرت. كانت سياسات ويكريماسينغ النيوليبرالية غير شعبية، كما أدت عملية احتيال السندات التي تورط فيها من يحميهم إلى تلطيخ صورة الحكومة. كما اتهم بعرقلة محاكمة غوتابايا راجاباكسا وابنه على الرغم من وجود الأدلة الكافية لذلك- وهي اتهامات اكتسبت مصداقية جديدة مؤخراً عندما اختاره غوتابايا كرئيس جديد للحكومة على الرغم من أن ويكريماسينغ قد فقد مقعده في الانتخابات العامة، وحصل الحزب الوطني المتحد بالكاد على 249,435 صوتاً من أصل 16 مليون صوت مجمل عدد الناخبين. من جهة ثانية، بدأ سيريسينا بالعودة إلى معسكر راجاباكسا، الذي بات يترأسه الآن الحزب الجديد، حزب سريلانكا بودوجانا بيرامونا، وعمل كوكيل له. وكانت الضربة القاضية لحكومة ياهابالانايا عندما انفجرت قنابل يوم عيد الفصح عام 2019 مسببة بمقتل أكثر من 250 شخص وسمحت لغوتابايا بتنظيم حملته إلى الانتخابات الرئاسية تحت شعار “الأمن الوطني”. ولكن، ظهر بعد وقت قليل أن العقل المدبر للهجمات الإرهابية كان محمد زهران ورفاقه الذين قدموا الدعم لداعش، وكانوا محميين وممولين من قبل عائلة راجاباكسا نفسها من خلال اتصالاتهم بالدولة العميقة، في حين كانت أنظار سيريسينا وويكريماسينغ في مكان آخر!


ونظراً إلى هذه الورطة الشديدة، فإن أزمة 2022 هي سياسية بقدر ما هي اقتصادية. بالنسبة لي، إن أكثر ما يجعلني متفائلة هو المشاركة الكثيفة في النضال السياسي للآلاف من النساء والشباب كما الوحدة الناشئة بين الناس من كل المجتمعات. إن مشهد السينهاليين والتاميل يحتفلون بالعام الجديد ويشاركون المسلمين إفطاراتهم هي مشاهد تثلج القلوب، ولكن هذه الصداقة الجديدة يمكن أن تتلاشى بسرعة. يحتاج الناشطون إلى نشر رسالة أن التسامح مع اضطهاد بعض أفراد المجتمع يؤدي إلى انقسامات تجعل من السهل مهاجمة حقوق الكل. لن يكون الأمر سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. كما ذكرت سابقاً، صادفت الكثير من القصص عن التضامن المنقذ للحياة خلال الحرب. كما صادفت تحيزاً، خاصة بين النازحين السينهاليين، ولكن من المهم وضع ذلك في سياق الجهل العميق للانقسام اللغوي الذي أوجدته اللغة السينهالية، وإسكات المعارضة، والتضليل الدائم عبر وسائل الإعلام السينهالية.

عندما كنت أدير ورشة عمل للعاملات في قطاع الملابس، وكلهن من الشابات السينهاليات، كانت ورشة عمل الشابات التاميليات المهجرات من الشمال تجرى في مقر المؤتمرات نفسه، وخلال الاستراحات ذهبت السينيهاليات للحديث مع التاميليات، حيث بحثن عن مترجمين/ات لمساعدتهم على التواصل. كان هناك حشرية وتعاطف مع النساء اللواتي يعانين شكلاً مختلفاً الاضطهاد من الذي يعانين منه. عندما أجريت المقابلات مع السينهاليات اللواتي قتل أفراد من أسرتهم من قبل حركة جاناثا فيموختي بيرامونا المعادية للتمرد- وهي حلقة لا تحظى بالكثير من الاهتمام في كل من سريلانكا وعلى الصعيد الدولي- كانت واحدة من المشاعر المعبر عنها: “إذا كان بإمكان الجيش فعل هذا لنا، ماذا قد فعلوا للتاميل؟” يمكن أن تكون التروما المشتركة بين المجتمعات الثلاث النازحة أو المختفية أو ضحية المجازر الجماعية مصدراً للتضامن، بشرط أن يكون التواصل بشكل فعال.

لكن على الجانب الآخر من المعادلة، إن معالجة التركيز الهائل للسلطة في أيدي ديكتاتور وحشي دون السماح للوضع بالانحدار نحو العنف والفوضى يمثل أكبر تحدٍ. اقترحت نقابة المحامين في سريلانكا خارطة طريق تشمل، من بين أمور أخرى، إقامة حكومة مؤقتة تقدم التعديل الـ 21 الذي يلغي التعديل الـ 20 ويسد ثغرات التعديل الـ 19؛ إلغاء الرئاسة التنفيذية خلال 15 شهراً؛ حل البرلمان خلال 18 شهراً؛ تصرّف الحكومة الأعمال طوال 6 أسابيع من أجل إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

إن الخطوة الأولى- تعيين حكومة مؤقتة تنفذ هذه الأجندة- هي في بعض النواحي النقطة الأكثر أهمية. لأنها تتطلب ضغطاً دائماً من الحركة الديمقراطية وإضراب مفتوح بغية تحقيقها. لكنها تتطلب كذلك نواباً يتولون هذا المجهود في البرلمان. من يمكن أن يكون هؤلاء؟ يعتبر ساماجي جانا بالافيغايا، بزعامة ساجيث بريماداسا، أكبر حزب معارض، ويبدو أنه وافق على مقترحات نقابة المحامين. يعتبر التحالف التاميلي الوطني المجموعة المعارضة الثانية، وقد لعب دوراً تقدمياً في البرلمان. يجب أن يكون جزءاً من الحكومة المؤقتة إلى جانب الأحزاب من الأقليات الأخرى التي عارضت راجاباكسا، ولكن سيتعين عليهم مواجهة الخداع أو إجبارهم على الانضمام إلى حكومة يعينها غوتابايا. جاناثا فيموختي بيرامونا هو ثالث أكبر حزب ولعب دوراً تقدمياً في النضال من أجل الديمقراطية ولكن زعيمه، أنورا كومارا ديساناياكي، سيكون عليه تشكيل تحالف مع ساماغي جانا بالافيغايا للمضي قدماً. تحتاج أحزاب المعارضة إلى الدخول في مفاوضات عاجلة حول كيفية المضي قدماً، مع الأخذ بعين الاعتبار دعاة العدالة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك نشطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان.


أما بالنسبة لحزب سريلانكا بودوجانا بيرامونا والأحزاب المتحالفة معه، من بينها حزب الحرية السريلانكي والأحزاب التاميلية والأحزاب الإسلامية والأحزاب اليسارية، فهي مسؤولة عن الكارثة الحالية. على المدى الطويل، رانيل ويكريماسينغ والحزب الوطني المتحد، كلهم ينتمون إلى مزبلة التاريخ.

للمزيد حول الكاتبة: روهيني هينسمان: تشريح سردية مناهضة الامبريالية أو عندما تلاقى الستالينيون والفاشيون الجدد

Sponsored Content



#روهيني_هينسمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبعاد السياسية للأزمة في سريلانكا


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - روهيني هينسمان - الأبعاد السياسية للأزمة في سريلانكا