أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي















المزيد.....



البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 499 - 2003 / 5 / 26 - 03:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


 

سنحاول من خلال هذه الورقة تقديم لمحة إجمالية وسريعة عن الإطار العام الذي أبرمت فيه اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية (القسم الأول) ثم نتناول بعد ذلك خصائص العلاقات المالية المغربية الأوروبية قبل وبعد إبرام اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 26 فبراير 1996 (القسم الثاني)، ثم نحاول تقديم بعض الملاحظات العامة حول انعكاس تفعيل اتفاقية الشراكة على الاقتصاد المغربي (القسم الثالث).

القسم الأول: الاطار العام لإتفاقية الشراكة الأورو متوسطية
يشكل انعقاد المؤتمر الوزاري الأورو متوسطي في أواسط شهر نونبر 2000 بمارسيليا المؤتمر الثالث من نوعه. فبعد المؤتمر المؤسس للفضاء الاقتصادي والأمني الأورو متوسطي الذي انعقد في برشلونة -والذي كان منطلق تسمية برشلونة الأول والثاني والثالث بالنسبة للمؤتمرات التالية له- أيام 27 28 نونبر 1995، انعقد المؤتمر الثاني في مالطا أيام 15 و16 أبريل 1997، ثم انعقد المؤتمر الثالث بشتوتغارت أيام 15 و16 أبريل 1999. ومن المتوقع انعقاد المؤتمر الرابع في نونبر 2000.
وتهدف لقاءات برشلونة، كما تمت الاشارة الى ذلك في تصريح القاء الأول، تأسيس فضاء اقتصادي سياسي ثقافي يكون في مستوى الأهمية الاستراتيجية لحوض البحر الأبيض المتوسط ويجمع الدول الخمسة عشرة المكونة للاتحاد الأوروبي والدول الإثنى عشرة المتواجدة جنوب وشرق  المتوسط. وتجدر الإشارة الى أن مجال الشراكة يعتبر أورو متوسطيا وليس متوسطيا فحسب. وتتكون هذه الشراكة من معاهدة  متعددة الأطراف ومن اتفاقيات شراكة موقعة بين كل دولة من دول الضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط وكثلة الاتحاد الأوروبي.
وتتمحور الشراكة الأورو متوسطية حول ثلاث محاور كما يلي:
1 -  المحور السياسي والأمني: و يستهدف "تحديد فضاء موحد للسلام والاستقرار" وذلك عبر التقليص من النزاعات داخل  أو بين دول البحر الأبيض المتوسط (الشرق الأوسط، قبرص، الخ)، من خلال التنسيق في مجال مكافحة الحركات السياسية المتطرفة، والمقصود هنا في المقام الأول، الحركات الأصولية الاسلامية. فالأطراف الموقعة "توافقت على تدعيم التعاون عبر العديد من الاجراءات التي تستهدف توقع ومكافحة جماعية وفعالة للإرهاب". كما اقترحت الارتقاء بحقوق الإنسان والديموقراطية واقامة دولة القانون".
2 -  المحور الاجتماعي والثقافي والانساني: يلتزم الشركاء الأورومتوسطيين "بتنمية الموارد البشرية، وتفضيل التفاهم ما بين الثقافات وزيادة التبادل التجاري ما بين المجتمعات المدنية". لأجل ذلك، يؤكدون عزمهم على فرض احترام حرية انتقال الأشخاص، فإحدى الانشغالات الأساسية لعملية برشلونة هو احتواء اليد العاملة المهاجرة القادمة من دول جنوب وشرق المتوسط نحو الاتحاد الأوروبي.
وعليه فإن الموقعين على تصريح برشلونة "يتوافقون على زيادة تعاونهم للتقليص  من ضغوط هجرة اليد العاملة، من خلال برنامج للتكوين المهني والمساعدة على خلق مناصب الشغل. كما يلتزم الموقعون بضمان حماية جميع الحقوق المعترف بها في مجال التشريعات الخاصة بالهجرة القانونية التي تتم على اراضيهم وفي مجال الهجرة السرية كما يقررون اقامة تعاون وثيق في هذا المجال".
3 - المحور الاقتصادي والمالي: تضع الشراكة الأورو متوسطية كهدف لها اقامة "منطقة للرفاهة المشتركة" من خلال "التنمية الاقتصادية والاجتماعية الدائمة والمتوازنة ومكافحة الفقر"، ولتحقيق هذا المشروع، ستستبدل الاتفاقيات الثنائية غير المتماثلة والتفضيلية التي كانت جارية في السابق، بمشروع واسع للتبادل الحر في اطار من احترام قواعد المنظمة الدولية للتجارة. وفي الواقع يتعلق الأمر باستكمال التدابير الاستراتيجية، المحددة في المحور السياسي والأمني والهادف الى احتواء التأثير الأمريكي عبر اجراء اقتصادي يستهدف انشاء كثلة موازنة للمجموعات الاقتصادية الآسيوية والأمريكية (ASEAN, ALENA).
ويمكن تسجيل منطقة التبادل الحر، السائرة في طريق التكوين، على العموم، في اطار عملية تحرير تبادل السلع ورؤوس الأموال على المستوى العالمي. فهي ترمي الى تنظيم نمو اقتصاد السوق في اطار متابعة وتعميق برامج التقويم الهيكلي المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالدول المدينة. ويشير تصريح برشلونة الى أن الأمر يتعلق ب "تقويم وتحديث البنيات الاقتصادية والاجتماعية، وبمنح الأولوية لإنعاش وتنمية القطاع الخاص، وتأهيل القطاع الانتاجي وتأسيس اطار مؤسساتي وقانوني مستحدث من اجل اقتصاد السوق ». وفيما يتعلق بالمديونية، "يعترف الشركاء بالصعوبات التي يمكن لقضية المديونية أن تضعها أمام التنمية الاقتصادية لدول البحر الأبيض المتوسط. كما يتوافقون، اعتبارا لأهمية علاقاتهم، على متابعة التفاوض بهدف التوصل الى تقدم ملموس لدى الدوائر المختصة". بمعنى أن يتم ذلك خارج اطار اتفاقية الشراكة.
تتوقع منطقة التبادل الحر بطبيعة الحال الغاء الحواجز الجمركية وكل عرقلة لتبادل السلع بين دول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب وشرق المتوسط. لكن تم الاحتفاظ  بالفلاحة والخدمات بشكل مؤقت بعيدا عن العملية. فمن المفترض الغاء جميع العراقيل أمام حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمار الخارجي -بما في ذلك تأمين  "المناخ" السياسي والاجتماعي- في أفق 2010.
ويجتهد الشركاء "للتخفيف" مع ذلك، من "العواقب السلبية التي يمكن لهذا التقويم احداثها على المستوى الاجتماعي من خلال  وضع برامج لفائدة السكان الأكثر تضررا". كما يلتزمون ب "تخفيف العواقب السلبية التي يمكن للتنمية  احداثها على مستوى البيئة ».
انطلاقا من هذا التصريح المؤسس، تم توقيع اتفاقيات للشراكة عبر مفاوضات ثنائية (مثل حالات تونس واسرائيل والمغرب، والسلطات الفلسطينية والأردنية، وتلك التي لازالت في اطار التفاوض كما هو الشأن بالنسبة لمصر ولبنان والجزائر وسوريا) بين كثلة الدول الغنية والمصنعة للاتحاد الأوروبي وكل دولة من الدول المعنية بهذه العملية.
برنامج ميدا
ويعتبر برنامج ميدا الأداة المالية الرئيسية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي لتفعيل الشراكة الأورو متوسطية. ويبلغ الغلاف المالي المخصص من ميزانية الاتحاد  لهذا البرنامج ، بالنسبة للفترة 1995-1999، 3424,5 مليون أورو من مجموع 4685 مليون أورو المخصصة للتعاون المالي ما بين الاتحاد الأوروبي وشركائه المتوسطيين. ويتكون هذا الغلاف من هبات فقط، ويهم اثنى عشرة دولة من دول جنوب المتوسط، دون أن يعني ذلك  توزيع محدد بحسب الدول أو بحسب السنوات.
هناك حوالي 90 % من هذه الموارد تم تخصيصها بشكل ثنائي للشركاء. بينما تم تخصيص ال 10 % الباقية للأنشطة الجهوية.
وتتمثل الأولويات بالنسبة لموارد ميدا على المستوى الثنائي في:
1 -  دعم جهود تحقيق التبادل الحر؛
2 -  دعم جهود تخفيف تكاليف "الانتقال الاقتصادي عبر اجراءات ملائمة في مجال السياسة الاجتماعية".
ويمول برنامج ميدا برامج التقويم الهيكلي بكل من المغرب، وتونس والأردن ومشاريع التنمية القروية بالمغرب وانشاء صندوق لخلق مناصب الشغل بمصر. وقد تضمن البرنامج بالنسبة لتونس، مشاريع محددة صادق عليها  الاتحاد الأوروبي وتتضمن  اقتراحات السلطات التونسية. ويبلغ مجموع المبالغ المخصصة 377 مليون أورو (476 مليون من حقوق السحب).

ويستهدف البرنامج المالي  أربع أنواع كبرى من المشاريع تتمحور حول ما يلي:
- تسهيلات التقويم الهيكلي: تمويل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية (محورين) أي 180 مليون أورو.
- دعم الانتقال الاقتصادي والاجتماعي بدعم القطاع الخاص (20 مليون أورو)، اصلاح وتأهيل التكوين المهني (45 مليون أورو) اضافة الى التنمية الاجتماعية والانسانية (الصحة والمنظمات غير الحكومية)؛
- رأسمال المخاطر (30 مليون أورو)؛
- تمويل التنمية القروية المندمجة (50 مليون أورو).


القسم الثاني: موقع للمغرب في اطارالمحور المالي الأورومتوسطي:
نتناول من خلال ما يلي الوضع المالي للمغرب في اطار البروتوكولات المالية مع الاتحاد الأوروبي (أولا)، ثم الوضع الجديد للمغرب في اطار برنامج ميدا.

أولا: في اطار بروتوكولات التعاون المالي
انطلقت بداية التعاون المالي المغربي الأوروبي في سنة 1976 عقب توقيع اتفاقية التعاون بين المملكةِ المغربية  والجماعة الأوروبية. ومنذ ذلك الحين أخذ التّعاون المالي والتقني مع هذه المجموعة يتم عبر  بروتوكولات يمتد كل واحد منها لمدى خمس سنوات. وقد تم في هذا الاطار ابرام أربع بروتوكولات.
     
فوعيا منها بمصالحها ذات الأبعاد  السياسية والإقتصادية والإستراتيجية اتجاه  دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، عملت المجموعة الأوروبية منذ الستينات والسبعينات من القرن العشرين على ربط علاقات متميزة مع هذه الأخيرة. وقد تناولت اتفاقيات التعاون التي أبرمتها المجموعة الأوربية مع الدول المتوسطية ثلاث محاور: محور أول  تجاري وتعريفي  يستهدف تقليص الرسوم الجمركية وفتح المجال أكثر أمام  دخول السلع والخدمات ؛ محورثان يستهدف التعاون في المجالات الصناعية والفلاحية ...؛ محور  ثالث مالي يتمثل في عقد  بروتوكولات مالية خماسية.
 
وقد بلغ الغلاف المالي الاجمالي  للبروتوكولات المالية الأربع المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي والتي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة  1976  ما قدره 1.091 مليون أورو مصدرها مداخيل ميزانية المجموعة الأوروبيةِ (بما فيها  المنح والقروض وأموال المخاطر ) وكذا  قروض بنك الاستثمار الأوروبي.
 

 

وفيما يلي جدول يبين تفاصيل الالتزامات حسب كل بروتوكول وكذا معدل الالتزام و الأداءات

البروتوكول الرابع

1992-1996

البروتوكول الثالث

1987-1991

البروتوكول الثاني

1982-1986

البرتوكول الأول

1977-1981

البنود

193

162

67

10

المنح

-

-

42

53

قروض خاصة

25

11

-

5

رؤوس أموال المخاطر

220

151

90

56

قروض بنك الاستثمار الأوروبي

438

324

199

130

المجموع

100 %

100 %

100 %

100 %

معدل الالتزام

25,42 %

100 %

100 %

100 %

معدل الأداءات

 

 

وبالاضافة الى  المنح والقروض الخاصة ورؤوس أموال المخاطر، بلغ الغلاف المالي الذي خصصه  بنك الاستثمار الأوروبي برسم بروتوكولات التعاون المالي والتقني  الأربع  ما قدره 517 مليون أورو منحت في شكل قروض.

وقد بلغ عدد المشاريع والعمليات الممولة بواسطة  بروتوكولات التعاون المالي والتقني بين المغرب والاتحاد الأوروبي الأربع، أكثر من 70 مشروع برنامج أو عملية. تناولت  قطاعات البنى التحتية والفلاحة والتنمية القروية والتكوين المهني والسكن والتعليم والتطهير.
كما عرفت المبالغ المخصصة للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي تزايدا محسوسا بحيث انتقلت من 130 مليون أورو في اطار البروتوكول الأول الى 438 مليون أورو في اطار البروتوكول الرابع، أي أنها تجاوزت نسبة  300 % .
من جهة أخرى انصبت  قروض بنك الاستثمار الأوروبي على عدد من القطاعات مثل الكهربة القروية والفلاحة وخطوط القرض والتطهير والماء الشروب ... وقد تراوح  معدل الفائدة الذي يطبقها البنك الأوروبي للاستثمار ما بين 7,45 % و 9 % في السنة.  بينما تتراوح مدة السداد ما بين 18 و  20 سنة بما فيها خمس سنوات كفترة سماح.

إن نَتائج سياسة الاتحاد الأوروبي اتجاه بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسطِ ظلت غير كافية على الرغم من تطور بنية صادرات هذه الأخيرة. فرغم أن ثلثي الصادرات تتكون من منتجات مصنعة، فإن الموازين التجارية لهذه الدول مع الاتحاد الأوروبي ظلت تعاني من العجز.
 
ومع تسارع وتيرة العولمة وتداخل المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بادر الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1990 الى ادخال تعديلات عميقة على سياسته المتوسطية والتي اصبحت نعرف بالسياسة المتوسطية الجديدة (PMR). فعلاوة على تجديد مختلف البروتوكولات المالية، أدت السياسة المتوسطية الجديدة الى طرح شكل جديد من التعاون اصطلح عليه بالتعاون المالي الأفقي.
 
وفي هذا المجال وبالإضافة الى التمويل المتوفرِ   في اطار البروتوكولات الماليةِ، فإن المغرب، شأنه شأن بقية بلدان البحر الأبيض المتوسطِ، ظل مرشحا للاستفادة من موارد المجموعة الأوروبية في اطار السياسة المتوسطية الجديدة.
وقد رصد  لهذه البلدان برسم السياسة المتوسطية الجديدة غلاف مالي بلغ قدره 2030 مليون أورو يغطي الفترة المتراوحة ما بين  1992و1996  منها 230 مليون أورو  على شكل منح مخصصة لتمويل مشاريع تتعلق بحماية البيئة ومشاريع أخرى  ذات طابع جهوي.

وقد بلغ رصيد القروض  الخاصة الممولة في اطار البروتوكول المالي الثاني ما قدره  7.647.268,00 أورو خصصت لمشروع القضاء على مدن الصفيح والذي تمثل في تمويل مشروع "أرض بنعاشر"، بمدينة سلا.

وفيما يتعلق بالمنح، فإن رصيدا بمبلغ 14.876.660,63 أورو  ظل حرا قابلا للالتزام برسم البروتوكولات المالية الأربع بين المغرب والاتحاد الأوروبي. حيث تم تخصيص 10 مليون أورو من هذا المبلغ لتمويل مشروع الكهربة القروية. واحتفظ برصيد بمبلغ 4.876.660,63  حرا قابلا للالتزام.
 
والجدير بالذكر أن هذا الرصيد ينبثق من جهة عن مبالغ متوقعة في اطار كل بروتوكول على حدة  لم يتم الالتزام بها ومن جهة أخرىيمثل  الفرق ما بين المبالغ الملتزم بها وتلك التي تم سحبها.
 
ثانيا: في اطار برنامج ميدا:
 
سعيا من الاتحاد الأوروبي الى  تحقيق نوع من التوازن مع دول أوروبا الوسطى والشرقية السائرة في طريق الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، فتح باب التفاوض انطلاقا من مؤتمر برشلونة مع الدول المتوسطية الاثنى عشرة (PTM) حول  اشكال اقامة نوع من الشراكة معها.

يتناول الهدف المعلن لهذه الشراكة جعل البحر الأبيض المتوسط منطقة للاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي وتأسيس منطقة أورومتوسطية للتبادل الحر في أفق 2010 ما بين الاتحاد الأوروبي وباقي دول المنطقة.
 
ويتطابق برنامج ميدا، الذي اعتمده المجلس الأوروبي بكان في يونيوِ 1995 مع  الميزانيةِ التي خصصها الاتحاد الأوروبي من  موارده الخاصة لفائدة  التعاون المالي مع الدول المتوسطية التي تبرم معه أو التي في طريقها لأن تبرم معه اتفاقيات للشراكة. وتعتبر جميع دول حوض البحر الابيض المتوسط بما فيها قبرص ومالطا وتركيا باستثناء ليبيا مرشحة للاستفادة من هذا  البرنامج.

و قد غطى  برنامج ميدا الأول فترة 1996-1999 رصد له الاتحاد الأوروبي غلافا ماليا قدره  4.685 مليون ايكو حيث يعتبر مبلغ 3.500 مليون ايكو من الموارد الجديدة بينما يعتبر مبلغ 1.200 مليون ايكو كالتزامات سابقة.

وعلى عكس الممارسات السابقة المتمثلة في ابرام بروتوكولات مالية خماسية، فإن المبلغ الاجمالي للتمويلات التي يمكن أن يستفيد منها البلد المرشح، لا يكون محددا بشكل مسبق كما لا وجود لاشارة له  في اتفاقيات الشراكة. كما أن أموال برنامج ميدا التي لا يتم الالتزام بها، فإنها تحدف نهائيا على عكس ما كان ساريا في ظل البروتوكولات التي لا يتم الالتزام بها، حيث تخصص بعد ذلك لتمويل مشاريع أو عمليات جديدة.

ومع ذلك، فإن اللجنة الأوروبية تحدد أغلفة مالية توجيهية حسب كل دولة وبناء على المعايير الناتج الوطني الاجمالي لكل فرد وعدد السكان والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى؛ وكذا تقدير الحاجيات خلال مرحلة الانتقال نحو منطقة التبادل الحر؛ ثم مضمون البرامج المتفق عليها مع كل دولة كل دولة مستفيدة على حدة؛ وأخيرا تقدير قدرة امتصاص التمويلات الموضوعة رهن اشارة كل دولة من طرف اللجنة الأوروبية.

واعتبارا لهذه المعايير، فإن الاتحاد الأوروبي يضع تحت تصرف كل دولة غلافا مخصصا لتمويل عمليات أو تدابير بالنسبة للمرحلة المحددة. ويمكن لهذا الغلاف أن يتزايد بوتيرة تتراوح سرعتها في الالتزام بالتمويلات المبرمجة وتوفر الموارد التي يمكن توفيرها من طرف اللجنة الأوروبية بسبب بطء أو التأخر المسجل من طرف بعض الدول في الالتزام بالأموال الموضوعة رهن اشارتها.
ويتم تحديد حجم الغلاف المالي لبرنامج ميدا حسب كل دولة: برامج  تمويلية وطنية من ثلاث سنوات، وبرنامج توجيهية جهوية تغطي أنشطة متعددة الأطراف. ويعاد النظر في هذه البرامج سنويا.

وتتمثل أولويات برنامج ميدا في دعم التحول الاقتصادي وتحقيق منطقة أورو متوسطية للتبادل الحر، والهدف هنا هو تحضير دول المنطقة للعمل بالتبادل الحر من خلال الرفع من قدرتها التنافسية، لبلوغ نمو اقتصادي دائم، خصوصا عبر تنمية القطاع الخاص. تم في تقديم الدعم لتحقيق توازن اقتصادي واجتماعي أمثل يتلخص  في تخفيض تكاليف الانتاج في المدى القصير عبر الانتقال الاقتصادي واتخاذ اجراءات ملائمة في مجال السياسة الاجتماعية. أخير انعاش التعاون الجهوي، عبر استكمال الانشطة الثنائية من خلال اتخاذ اجراءات تستهدف زيادة المبادلات على المستوى الجهوي.


ويعتبر برنامج ميدا احدى ادوات انجاح اتفاقية الشراكة المغربية والأوروبية والتي تستهدف اتاحة اطارللحوار  ملائم لدعم العلاقات القائمة بين الطرفين في جميع المجالات  التي يعتبرونها ملائمة. وكذا تحديد شروط التحرير التدريجي لمبادلات السلع والخدمات ورؤوس الأموال. ثم تنمية المبادلات وضمان الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة فيما بين الأطراف ومن خلال الحوار والتعاون. وكذا تشجيع الاندماج المغاربي. بالاضافة الى انعاش التعاون في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية.

وقد تناول نص اتفاقية الشراكة التي صدرت خلال شهر مارس 2000 في الجريدة الرسمية الأوروبية معلنة عن دخولها حيز التنفيذ ثمانية أبواب يتناول أحدها التعاون المالي. وفي هذا الاطار فإن المادة 75 من هذا الاتفاق تنص على أنه "بهدف المساهمة الواسعة في تحقيق أهداف الاتفاق، فإن تعاونا ماليا سيتم تنفيذه لصالح المغرب حسب الاجراءات وبواسطة الوسائل المالية الملائمة.
ستحدد هذه الاجراءات باتفاق مشترك ما بين الطرفين من خلال الأدوات الأكثر ملائمة انطلاقا من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ".
وقد بوشرت مفاوضات بين الطرفين  حول هذه الاجراءات والادوات لمدى ثمانية عشرة شهرا   أدت في تاريخ  28 غشت 1997 الى التوقيع على اتفاقية اطار لتنفيذ التعاون المالي والتقني برسم برنامج ميدا.
ويتضمن نص اتفاقية الاطار ثلاثة عشر مادة تتناول أشكال الاستشارة بين الطرفين وشروط التطبيق العامة وكيفية ارساء الصفقات وصلاحية الحصول على مساعدة الاتحاد الاوروبي والاجراءات الجبائية والجمركية والاستثناءات والمنازعات.
وألحق باتفاقية الاطار اتفاقية التمويل الخاصة والتي هي وثيقة تعاقدية لتمويل مشروع أو عملية والقواعد العامة ودفاتر التحملات العامة للصفقات العمومية للأشغال والأدوات والخدمات التي تحدد الاجراءات التي يجب اتباعها لارساء الصفقات.

وأخذا بعين الاعتبار المعايير المشار اليها أعلاه، حدد الاتحاد الأوروبي بمعية المغرب برنامج ميدا الأول والذي يغطي الفترة المتراوحة ما بين 1996 – 1999. وفي هذا الاطار تم تخيصص غلاف مالي  بقيمة 593,13 مليون أورو. إضافة الى مبلغ اضافي يبلغ 40,60 مليون أورو تم الالتزام به سنة 1999. ويشكل هذا المبلغ الأخير رصيد ميدا الأول غير الملتزم به من طرف دول أخرى.
وقد بلغ مجموع الغلاف المالي المخصص للمغرب بالنسبة لهذه الفترة ما قدره 630,53 مليون أورو مقابل 580 مليون أورو المتوقعة أصلا ، منها 46 % لدعم التحول الاقتصادي و 55% لدعم تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وقد وجه الغلاف المالي لميدا الأول نحو تمويل 29 مشروع أو برنامج أو عملية تغطي مختلف القطاعات، الاجتماعية والبنى التحتية والفلاحية وتنمية القطاع الخاص والصيد وتسهيلات التقويم الهيكلي FAS . وفي هذا الاطار بلغت نسبة حصة تمويلات ميدا لعمالات وأقاليم الشمال 38 % .

وبالنسبة الى مدى تقدم انجاز برنامج ميدا الأول تجب الاشارة الى أنه قد تمت الموافقة على 610,18 مليون أورو من طرف لجنة ميدا الأوروبية  أي بنسبة 96 % من المبلغ المخصص للمغرب. كما تمثلت عملية تعبئة التمويلات برسم المشاريع  أو العمليات المعتمدة في ما يلي:
- تم توقيع اربعة عشرة اتفاقية بمبلغ 428,28 مليون أورو، بما فيها مبلغ 9,78 مليون أورو الملتزم بها سابقا برسم  امتيازات فوائد قروض بنك الاستثمار الأوروبي، أي 68 % من الغلاف المخصص.
- تسع مشاريع تمت الموافقة عليها من طرف اللجنة الأوروبية بمبلغ 181,90 مليون أورو،    أي 29 % من المبلغ المخصص.
- المشاريع الأخرى تمت الموافقة عليها من طرف اللجنة الأوروبية خلال شهر دجنبر 1999 بمبلغ 20,35 مليون أورو أي 3 % من المبلغ المخصص.
- بلغت قيمة السحوبات الى نهاية سنة 1999ما قدره 89,78 مليون أورو، أي 14 % من مجموع مبلغ التمويلات المخصصة و18 % من مجموع مبلغ التمويلات الموافق عليها.
 
 منذ بداية سنة 2000 تكتفت الاتصالات والمفاوضات  مع اللجنة الأوروبية لتحديد مذكرة برنامج ميدا الثاني 2000-2002 والقطاعات ذات الأولوية التي ستستفيد من تمويل هذا البرنامج.
 
 القسم الثالث: ملاحظات عامة حول اتفاقية الشراكة المغربية الأوروبية
 لا يمكن تقدير البعد المالي لاتفاقية الشراكة المغربية الأوروبية بمعزل عن المحاور الأخرى الاقتصادية والسياسية لهذه الاتفاقية ولا كذلك خارج المسار الجديد للمنظومة الرأسمالية العالمية مهندسة العولمة الليبرالية والتي تشكل الرأسمالية الأوروبية احدى اهم دوالبها.
 فإذا كانت دول جنوب البحر الأبيض المتوسط في حاجة للقروض والمنح الأوروبية وكذا لتحويل التكنولوجيا وانفتاح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام منتجاتها، فإن شروط الاتحاد الأوروبي لتلبية مطالب هذه الدول ، تعتبر قاسية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي خصوصا على مستوى :
- تكريس علاقات الدائنية والمديونية من دون البحث عن ايجاد حل لها خارج تحويل المديونية الى استثمارات اجنبية مباشرة والتنازل لها عن مؤسسات عمومية مربحة  كقطاعات توزيع الماء والكهرباء والنقل ... الخ؛
- تكريس سياسات التقويم الهيكلي التي تزيد من ضعف الدولة في مواجهة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية؛
- تأسيس علاقات تجارية واقتصادية غير كفؤة ولها آثار مباشرة على المغرب انطلاقا من تفكيك الرسوم الجمركية وتمييز المنتجات الفلاحية ووصولا الى اقامة منطقة للتبادل الحر.

ونتناول فيما يلي الجوانب السلبية التي تشكل اسقاطات حتمية لاتفاقية الشراكة المغربية الأوروبية:
1 – انعكاسات اتفاقية الشراكة على النمو الاقتصادي
سيكون من عواقب دخول اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ تعزيز سياسة التقويم الهيكلي بالمغرب. ولا تقتصر هذه السياسة على المظاهر الماكرو اقتصادية أو على القطاعات التصديرية فحسب، ولكن ستهم مجموع الانشطة الاقتصادية بما فيها تلك الموجهة نحو السوق المحلي.
فستزداد حدة المنافسة على مستوى السوق الداخلي بين السلع المحلية والسلع المستوردة  مما سيرغم المقاولات المغربية على احترام المعايير الدولية في مجال السعر والجودة. وسيتطلب هذا البحث أكثر عن سبل تقليص الكلفة خصوصا على مستوى كلفة اليد العاملة وإلا سيؤدي ذلك حتما الى الخروج من السوق. فانخفاض اسعار المنتجات المستوردة، المواكب لتفكيك الرسوم الجمركية، سيؤدي بدون شك الى تزايد الاستهلاك الخاص والى اغلاق العديد من المقاولات التي لا تقوى على منافسة هذه السلع. كما أن هذا الانفتاح سيهدد بانخفاض انتاجية قطاعات واسعة بناء على اعتبارات ترتبط بتحويل اليد العاملة وبالمنافسة النشيطة للمنتجات المنتهية المستوردة.
على مستوى الرفاهة والنمو، تشير  دراسة للبنك الدولي وضعت سنة 1993 حول المغرب الى أن  تزايد المداخيل سيبلغ 1,5 %   من الناتج الداخلي الاجمالي في حالة اقامة منطقة التبادل الحر مع أوروبا بينما سيبلغ 2,5 %   مع الانفتاح على جميع الدول، وسيكون من نتائج تحسن المداخيل نمو صادرات عدد محدود من القطاعات كالفوسفاط والحوامض والخضراوات بينما ستتضرر بقساوة أغلبية الأنشطة الأخرى نتيجة التخلي عن حمايتها ويوجد من بين هذه الأنشطة  الحبوب واللحوم والصناعة الغذائية الأساسية على الخصوص.
ومع تزايد الانفتاح يجب أن نتوقع على المدى القصير اختفاء جزء مهم من النسيج الاقتصادي المغربي خصوصا المقاولات الصناعية غير المصدرة أو التي يقل معدل تصدير منتجاتها عن 10 % ، والتي شكلت 64 %   من المقاولات المغربية سنة 1998، وتعمل على انتاج أكثر من نصف القيمة المضافة. وبطبيعة الحال سيكون لهذا الاختفاء عواقب على التشغيل، مما سيدفع بالمقابل الى البحث بالضرورة عن تليين أكبر لمدونة الشغل والتي ستكون لها انعكاسات وخيمة على سوق العمل وتساهم في تفاقم حدة البطالة. فحسب منطق اتفاقية الشراكة لن يكون لتحرير المبادلات ونمو الصادرات أي أثر ايجابي على التشغيل الا في اطار مرونة متزايدة لسوق العمل التي ستقلص من الكلفة التي تتحملها المقاولات بينما ستلقي في المقابل بأعداد كبيرة من العمال الى الشارع.

إن عملية تأهيل المقاولات لكي تصبح تنافسية لن يكون كافيا. لكن هناك مع ذلك بعض القطاعات الجديدة التي ستجد في اتفاقية الشراكة مجالا للمزيد من النمو، وأخص بالذكر هنا قطاع الآليات الكهربائية والصناعات الغذائية والخدمات. غير أن هذا القطاع الأخير الذي سيصبح بدون شك في السنوات المقبلة مصدر اعادة تنظيم جديد للتقسيم الدولي للعمل نظرا للمكانة التي تخولها اياه كبار الدول المتقدمة، والذي بلغ نصيبه في الناتج الداخلي الاجمالي المغربي حوالي 45 % سنة 1998 لا يؤكد سوى على نوع من التشوه الحاصل في الهيكل النتاجي للبلاد، حيث أن هناك اختلال واضح بين نمو قطاعات الانتاج المادي (الزراعة والصناعة) ونمو قطاع الخدمات. ويعود هذا الاختلال على الخصوص الى تراجع الانتاج الفلاحي والاعتماد الكبير على الخارج في تدبير السلع الاستهلاكية والصناعية والانتاجية. ورغم الحصة الكبيرة لقطاع الخدمات في بلادنا فإنها لا تشكل سوى نسبة ضئيلة في الصادرات المغربية مما يجعل من المغرب  مستورد صاف للخدمات، وليس من المتوقع في الأجل القصير أو المتوسط منافسة الدول الأوروبية  في هذا المجال.
تمويل تأهيل المقاولات سيتطلب مبالغ مهمة تتجاوز بشكل واسع امكانيات السوق المالي الداخلي في الوقت الذي تضل فيه المساعدات الدولية ضعيفة فالمساعدة المالية للاتحاد الأوروبي بالنسبة للمرحلة 1995-1999 ظلت في حدود 4 ايكو لكل شخص بالنسبة لدول البحر الأبيض المتوسط مقابل 12,2 ايكو بالنسبة لدول أوروبا الوسطى والشرقية. وبالمقارنة مع الناتج الداخلي الاجمالي فإن هذه المساعدة لا تتجاوز 0,4 %   بالنسبة لدول البحر الأبيض المتوسط (خارج اسرائيل) في حين  أن  البرتغال حصلت على ما يزيد عن 4 %   .

2 – انعكاسات اتفاقية الشراكة  على الميزانية العامة:
يتمثل أهم انعكاس مالي لاتفاقية الشراكة في حجم ضياع المداخيل الجبائية المتوالية، مع تفكيك الرسوم الجمركية، ويقدر هذا الضياع بالنسبة للفترة المتراوحة ما بين 2000 و 2012 ب 1,9 %   من الناتج الداخلي الاجمالي فيما يتعلق بأوروبا وتصل هذه النسبة الى 2,6 %   في حالة الانفتاح على بقية العالم.
 
فمع الشروع في التفكيك، تراوحت خسارة الدولة من الرسوم الجمركية  سنة 1997 ما بين 0,3 و0,4 %   من الناتج الداخلي الاجمالي حسب مستوى الانفتاح المتوقع (من مصدر أوروبي أو من مصادر أخرى دولية). ولو أن هذه الخسارة تعتبر في الحقيقة ضعيفة بسبب اجراءات التنفيذ المعتمدة منذ سنة 1997، وتذهب في اتجاه التشجيع الجبائي على الاستثمار.
وتجب الاشارة الى أن تعويض هذه الخسارة الجبائية عبر الضريبة على القيمة المضافة يستدعي الزيادة في معدلات الضريبة بوثيرة متزايدة بنسبة 2,9 %   سنويا الى غاية سنة 2012 إذا ما اقتصر الأمر على أوروبا فقط بينما سيستدعي الزيادة في هذا المعدل بنسبة 3,7 %   سنويا في حالة ما إذا كان التفكيك الجمركي يهم مجموع الشركاء التجاريين في العالم.
ومعلوم أن البنية الثابتة للمداخيل الجبائية خلال العقدين الأخيرين قلص هامش الحرية لدى السلطات العمومية في مجال تعويض التفكيك الجمركي. بالنظر الى صعوبة تعديل معدلات الضريبة. وهنا تطرح الامكانية الوحيدة لتعويض التفكيك الجمركي محاولة تحقيق نمو اقتصادي قوي، مرفوق بتوسيع للوعاء الجبائي، وبتحديث للادارة الضريبية وتعزيز القيود الموازنية.
إن التبادل الحر سيؤدي الى استبدال جزئي لجباية سهلة الاستقطاع والمتمثلة في الرسوم الجمركية بضرائب يعتبر اقتطاعها شديد الصعوبة مثل الضريبة العامة على الدخل بالنسبة للمكلفين غير المأجورين والضريبة على الشركات. فالضريبة على المداخيل تعتبر فضلا عن ذلك أقل سهولة في التدبير وتفترض علاقة مباشرة مابين الدولة والمكلف.

3 – انعكاسات اتفاقية الشراكة على التوازن الخارجي:
من بين العواقب السلبية لاتفاقية الشراكة هناك امكانية تعميق العجز في الحساب الجاري لميزان الأداءات على المدى القصير والمتوسط. فانفتاح السوق الداخلي على منافسة المنتجات الأوروبية سيترجم بزيادة سريعة في الواردات التي سيتم تحفيزها في نفس الوقت الذي يجري فيه التفكيك الجمركي.
ويكرس هذا التوجه استمرار القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المنتجات الفلاحية، بالاضافة الى تعميم مزايا الولوج الى سوق الاتحاد الأوروبي على باقي الدول المتوسطية وكذا المنافسة الشرسة الناتجة ما بين الفرقاء التقليديين وباقي زبائن الاتحاد الأوروبي ويعكس كل هذا نمو ضعيف للصادرات المغربية  المقارنة بالواردات.
فأثر اتفاقية الشراكة على الصادرات سيبقى ضعيفا حتى في حالة تزايد الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فأغلب هذه الاستثمارات تستهدف في المقام الأول السوق الداخلي بدلا من التصدير. كما ان هذه الاستثمارات تعمل في المدى الطويل على تحويل المزيد من النقد الاجنبي نحو الخارج على شكل أرباح وأصول رؤوس الأموال المستثمرة مما يزيد من عجز ميزان الأداءات.


3 - القيود على انتقال الأشخاص
إن اتفاقية الشراكة وإن كانت تدل على حرية الحركة لعناصر الانتاج على الصعيدين الأوروبي والمغربي، الا أن هذه الحرية تعتبر مشبوهة وناقصة. فاتفاقة الشراكة التي تدعى أيضا باتفاقية التبادل الحر، تعني فقط من الناحية الفعلية، حرية الحركة عبر الحدود لرؤوس الأموال والبضائع طبقا لما تقرره البلدان الأوروبية وشركاتها متعددة الجنسية. أما عنصر العمل فمن غير المسموح له بهذه الحركة. فإذا كان رأس المال من المسموح له أن يذهب للاستثمار في المناطق التي يوجد بها عنصر العمل الرخيص وترتفع فيها معدلات الربح، الا أنه من غير المسموح لعنصر العمل في بلادنا أن يمارس نفس المبدأ، أي أن ينتقل الى البادان الأوروبية  التي ترتفع فيها معدلات الأجور.
فالسماح بمثل هذا الانتقال سوف يؤدي الى هجرة أعداد كبيرة من المغاربة الى أوروبا، وهو أمر يخشاه الاتحاد الأوروبي لما سينطوي عليه من منافسة اليد العاملة المغربية  للعمال المحليين، وهو أمر قد يفاقم من مشكلة البطالة فيها. بل إنه نتيجة لزيادة عدد المتعطلين في كثير من البلدان الأوروبية، فإن حكومات تلك البلدان بدأت تمارس ضغطا على العمالة الأجنبية الموجودة لديها لحثها على الرحيل. بل نشأت فيها حركات سياسية عنصرية ترفع رايات العداء للأجانب وتمارس العنف والتمييز العنصري ضدهم مثل حزب لوبين الشهير في فرنسا.
 والغريب في الأمر هو أن حكومات كثير من الدول الأوروبية ترحب باستقبال عنصر العمل الأجنبي النادر، مثل العلماء وكبار الباحثين والأطباء والمهندسين والفنيين والمشتغلين بقطاع المعلومات.. وهو ما يعد استنزافا للادمغة المغربية ويمكن اعتباره شكلا من أشكال القرصنة لأهم مورد تنموي تملكه بلادنا.

على سبيل الخاتمة
إن اتفاقية الشراكة بكل ما تستند اليه من تحرير تجاري ومالي ونقدي، تصب في النهاية بالدرجة الأولى في مصلحة دول الاتحاد الأوروبي الغنية وشركاتها متعددة الجنسية، وتتجاهل تماما مصالح أفراد الشعب المغربي الفقير. لذلك من المفروض ادخال تعديل ملائم يحسن من وضع المغرب اتجاه الاقتصاد الأوروبي الذي يتسم الآن بعلاقات غير متكافئة.
فليس هناك من جدوى أو معنى للشراكة ما لم تؤد الى تسريع عجلات التنمية والقضاء على الفقر ورفع مستوى معيشة السكان عبر الغاء اسباب الفقر من مديونية خارجية متفاقمة تضغط على ميزانية الدولة وتدعو الى مزيد من برامج التقويم الهيكلي التقشفية وتعمل على الضغط  من أجل المزيد من خوصصة القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والمرافق المشابهة. كما أن تحرير التجارة فقط لا يعني شيئا إذا لم تكن  تلك التجارة عادلة لبلادنا.

 

الرباط في 29 غشت 2000



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مــــأزق البطالــــــة
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - ...
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي