أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد السلام أديب - مقاومة العولمة الليبرالية















المزيد.....



مقاومة العولمة الليبرالية


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 345 - 2002 / 12 / 22 - 02:36
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الرباط في 20 أكتوبر 2002

اعداد عبد السلام أديب

أولا: صيرورة العولمة الليبرالية:

يسود اعتقاد خاطئ لدى العديد من الناس في أن العولمة الليبرالية السائدة حاليا أصبحت  بمثابة قضاء وقدر، أي أنها  ذات طابع حتمي وأن كل من يتصور وضع آخر للمجتمع العالمي فهو متوهم. لكن العولمة الليبرالية في الواقع كأي نظام إيديولوجي آخر عبارة مجموعة من الترتيبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تمكنت المنظومة الرأسمالية من فرضها على العالم في مرحلة معينة من تاريخها. كما تؤكد القراءات التاريخية على أن التاريخ لا يترتب نتيجة قوانين اقتصادية خالصة، وإنما نتيجة هذه القوانين من جهة وردود فعل المجتمع عليها من جهة أخرى. فإذا كانت العولمة الليبرالية تشكل التعبير الصريح للتحكم المطلق لرأس المال على الصعيد العالمي، فإن ردود فعل المجتمعات ونضالاتها السياسية والاجتماعية من شأنها تغيير موازين القوى لصالحها.

فالعولمة الليبرالية أصبحت تشكل تحديا خطيرا للبشرية، علما بأن صيرورتها جاءت نتيجة التغيرات التي طرأت على العلاقات الاجتماعية الدولية التي نشأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة الفاشية. ففي الفترة المتراوحة ما بين 1945 و1975 عاش العالم في وضع من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم يسبق له مثيل منذ ولادة النظام الرأسمالي أي منذ قرنين من الزمان.

-     ففي الغرب جاء الانتصار على الفاشية في صالح الطبقات العاملة مما أتاح تسوية تاريخية بين رأس المال والعمل، حيث ساد مشروع الدولة الاشتراكية الديموقراطية في الغرب. وهو مشروع دولة الرفاه الذي تميز بسيادة الأداء الاقتصادي الكينيزي الذي ارتكز على عدالة توزيع الدخل عبر العديد من الميكانيزمات وقيام الدولة بتوفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية.. الخ بالمجان.

-     كما أدى انتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب واندلاع الثورة الصينية الى خلق إطارا آخر ملائم للنضال السياسي شجع بدوره على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال التحدي الذي فرضه النمط الاشتراكي على رأس المال فألزمه بقبول التسوية مع الطبقة الكادحة. ورغم المؤاخذات على النظام السوفيتي الذي تم نعته برأسمالية الدولة وباستغلال البيروقراطية للمشروع الاشتراكي وغياب الديموقراطية وحرمان النظام من فرصة إعادة إنتاج نفسه مما أدى إلى انهياره، فإن كل ذلك لا يخفي المفعول المشجع للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على الصعيد العالمي والذي ترتب نتيجة المنافسة السياسية والإيديولوجية بين "الشرق" و "الغرب".

-     كما استغلت حركات التحرر الوطني في العالم الثالث ظروف الحرب ومساهمة شعوبها فيها من أجل الاستقلال، وتبني ما يسمى بإيديولوجية التنمية في بلدان الجنوب، وقد استغلت هذه الحركات المنافسة القائمة بين الشرق والغرب لتدعيم استقلالها وشروط تنميتها.

◄ إذن فالازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي الذي تلى الحرب العالمية الثانية كان يدين بقيام رأس المال بتكييف استراتيجياته مع مقتضيات العلاقات الاجتماعية التي فرضتها القوى الديموقراطية والشعبية.  وهو الوضع الذي أفرزته تنافسية المشاريع المجتمعية الثلاثة في الشرق والغرب والجنوب. لكن هذا التوازن بين رأس المال والعمل سيبدأ في التآكل تدريجيا مع بداية عقد السبعينات.

-     فمشروع دولة الرفاه سيتآكل نتيجة الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي التي انفجرت مع بداية عقد السبعينات. فقد استغلت الأحزاب اليمينية والرأسمال العالمي هذه الأزمة لتسليط هجومها على النهج الاقتصادي الكينيزي وعلى الدور التدخلي للدولة.  وقد تبنت هذه القوى اليمينية حلولا جديدة لتدبير الأزمة تقوم على إطلاق الحرية الكاملة لرأس المال على الصعيدين المحلي والعالمي، كما تخول لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واتفاقيات الكات مهمة دعم ومواكبة هذه الحلول.

-     أما المشروع الاشتراكي السوفيتي فقد بدأ هو الآخر في التآكل نتيجة غياب الديموقراطية ومركزة القرارات وعدم القدرة على اعادة انتاج النظام، فبدأ الاتجاه تدريجيا من نموذج رأسمالية الدولة الى رأسمالية الأفراد نتيجة تحكم المافيات الكومبرادورية في هرم السلطة.

-     أما مشروع تنمية بلاد العالم الثالث فقد انهار مع تفاقم مديونية هذه الدول وهيمنة المؤسسات المالية الدولية على عملية صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي عملت على تكييفها مع شروط تراكم الرأسمال العالمي. وتوجد أغلب دول العالم الثالث اليوم تحت هيمنة الكومبرادوريات التي تقوت بفعل تأثير سياسات التقويم الهيكلي على حساب شعوبها وأفضل مثال على ذلك الواقع المزري الذي تعيشه الأرجنتين.

◄ النتيجة إذن هي أن انهيار التوازنات السابقة خلق ظروفا جديدة ملائمة للعودة الى التحكم المطلق لمنطق رأس المال الأحادي الجانب في مختلف بقاع العالم. ويتخفى اليوم هجوم رأس المال وراء ستار العولمة الليبرالية. فهو يسعى إلى استغلال ظروف التوازن الاجتماعي الجديد في صالحه من أجل إلغاء المكاسب التاريخية للطبقات الكادحة والشعوب. فمع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية الهيكلية للمنظومة الرأسمالية تزايدت شراسة النظام وتصميمه على بسط نفوذه على مختلف المصادر الاقتصادية على الصعيد العالمي. وكلما وجد أمامه شكلا من أشكال المقاومة إلا وتفتقت عبقريته عن أسلوب جديد لدحر هذه المقاومة مستعملا من أجل ذلك مختلف عوامل القوة التي يتوفر عليها. ولا شك أن استهداف شعب العراق اليوم لا يتوخى سوى الهيمنة على احتياطيات النفط الذي يزخر به هذا البلد وجعل موقعه الاستراتيجي منطلقا جديدا لعدوان آخر جديد سعيا إلى التحكم المطلق في ساكنة الكوكب.

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية اليوم  الإمبراطورية القائدة للمنظومة الرأسمالية والذراع العسكري للعولمة الليبرالية، وتقوم سيطرة رأس المال على احتكار مطلق لعوامل القوة على الصعيد العالمي:

-     بدءا باحتكار مراكز إنتاج التكنولوجيات الحديثة الذي يتطلب نفقات باهضة لا تستطيع مواجهتها سوى الدول الغنية  العملاقة ؛

-     ثم احتكار المراكز العالمية المسيطرة على رؤوس الأموال حيث أن الجزء الأكبر من الإدخارات الوطنية أصبحت تدخل حاليا في سوق مالية عالمية مندمجة تسيطر عليها وتوجهها المؤسسات المالية العملاقة؛

-     ثم احتكار مراكز اتخاذ قرار استخدام الموارد الطبيعية على الصعيد العالمي حيث تتحكم هذه المراكز في انتاج وتسويق مختلف المواد الأولية؛

-     ثم احتكار مراكز الإعلام والاتصال وهي وسائل أصبحت ذات فعالية غير مسبوقة من حيث تكييفها للثقافات وللسياسات بما يتماشى مع مصالح الامبراطورية الرأسمالية العالمية؛

-     أخيرا احتكار مراكز انتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل النووية وغير النووية.

◄ تلك إذن هي العولمة الليبرالية التي يسمونها في الولايات المتحدة ب ال Globalisation أي الكوكبة وهي كلمة أشمل من العولمة التي هي الترجمة الحرفية  للكلمة الفرنسية La mondialisation وتدل كلمة الكوكبة على إرادة التحكم المطلق في الكوكب الأرضي، وقد بشر فوكو ياما موظف المخابرات الأمريكية بهذا التحكم عندما تحدث عن نهاية التاريخ. فنشوة التحكم المطلق للرأسمال العالمي جعلته يعربد في كل مكان كيفما شاء بدون مراعاة لأي اعتبار للديموقراطية وللمواثيق الدولية ولا لمبادئ العدالة والإنصاف ولا للبيئة، فنجده يعمل على تدمير دول ذات سيادة: أفغانستان، العراق. كما يتجاهل مطالب الشعوب المقهورة مثلما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني. وتجاهل المعطيات البيئية الأساسية للبشر كرفض توقيع معاهدة كيوطو حول الاحتباس الحراري...الخ.

 

ثانيا: عواقب العولمة الليبرالية

ربما يتساءل بعضنا عن علاقة المواطن العادي بكل هذا، وبأن العولمة توجد بعيدة عن محيطنا وأن تأثيرها ربما يعتبر ضعيفا على حياتنا اليومية؟

لكن بمراجعة بسيطة لعواقب العولمة سنكتشف خطأ هذا الاعتقاد، فنتائج سياسات التقويم الهيكلي التي تعاني منها بلادنا منذ 20 سنة تعتبر إفرازا مباشرا لتواطؤ الحكام مع سادة العولمة الليبرالية من مؤسسات مالية دولية وشركات متعددة الجنسيات حيث نجد عواقبها تتمثل في:

1 - ارتفاع نسبة البطالة في كل مكان عبر العالم؛

2 – وفي انخفاض مداخيل العمل وتزايد وثيرة التسريحات الجماعية؛

3 - وتفاقم التبعية الغذائية للعديد من البلدان؛

4 - وتفاقم ظروف البيئة تفاقما خطيرا على الصعيد عالمي؛

5 - وتدهور النظم الصحية والتعليمية؛

6 - وتفكك الأنظمة الإنتاجية في العديد من الدول؛

7 - ووضع عوائق متزايدة أمام تحقيق النظم الديموقراطية؛

8 - واستمرار تضخم عبء الديون الخارجية! على الرغم من تطبيق الحلول التي تقترحها برامج التقويم الهيكلي.

 

وإذا كان تدويل الاقتصاد من شأنه  أن يشكل خطوة إلى الأمام نحو تحقيق التبادل المادي والاجتماعي والثقافي بين مختلف الشعوب، فإن العولمة في شكلها الرأسمالي الليبرالي تشكل كابوسا مرعبا للمواطنين ضحايا البطالة والشباب المتسائلين عن آفاق  مستقبلهم والشعوب العديدة المقصية من النظام الإنتاجي، والأمم التي أجبرت على تبني برامج التقويم الهيكلي، وعلى  تفكيك العمل وإلغاء أنظمة الضمان الاجتماعي وشبكات حماية الفئات المستضعفة.

كما أن الفرو قات  في المداخيل بين الدول تتزايد اتساعا. فبينمــا كانـت مداخيـل  20  %  من الأشخاص الأكثر غنى في العالم تتجاوز سنة 1960  ب30 مرة مداخيل ال 20 % من الأشخاص الأكثر فقرا، فإن هذه العلاقة تجاوزت   حاليا 74 مرة.

ففي مواجهة تمركز الفقر، هناك تمركزا للثروات: ففي الفترة المتراوحة ما بين  1994 و1998، انتقلت القيمة التراكمية الصافية لممتلكات 200 شخص الأكثر غنى في العالم، من 440 مليار دولار الى أكثر من 1.000 مليار دولار. وفي سنة 1998 تجاوزت ثرواث ثلاث أشخاص الأكثر غنى في العالم مجتمعة الناتج الداخلي الاجمالي ل 48 دولة الأقل تقدما.

وإذا ما حاولنا مقارنة مظاهر الثراء بحجم التهميش الذي تعاني منه مختلف الشعوب سنجد أنه من بين  4,4 مليار شخص من سكان العالم، هناك  ثلاث أخماس منهم لا يتوفرون على البنيات الصحية، كما أن ثلثهم  محرومين من ولوج مياه الشرب، ولا يتوفرون على سكن لائق وخمس  هؤلاء لا يتوفرون  على الخدمات الصحية الحديثة. وفي مجال التغذية، لا يحصل خمس  سكان العالم  على ما يكفي من الكالوريات والبر وتينات. كما أن نقصا كبيرا في ضروريات الجسم البشري أصبح شائعا: حيث يعاني 3,6 مليار شخص من نقص في مادة الحديد، ومنهم 2 مليار شخص مصابون بفقر الدم.

 

ثالثا: مقاومة العولمة الليبرالية

في كل مكان من العالم بدأت تظهر أشكال متعددة من مقاومة العولمة الليبرالية، حيث تخاض نضالات اجتماعية وتتخذ مبادرات واقتراحات  بديلة. ففي كل مكان في العالم نسمع عن انتفاضات  نساء ورجال وأطفال وعاطلين ومقصيين ومضطهدين وعمال وفلاحين بدون أراضي وأقليات ضحية للعنصرية وفقراء المدن وطلبة ومثقفين وعمال مهاجرين وتجار صغار وطبقات مهمشة وطبقات وسطى تسير نحو الاندثار، ومواطنين بسطاء، من أجل فرض كرامتهم والمطالبة بحقهم الإنساني وباحترام محيطهم البيئي وتطبيق مبدأ  التضامن الاجتماعي. بعض هؤلاء قدموا حياتهم لأجل هذه القضايا. والبعض الآخر يحاول التكيف ومسايرة  الأوضاع السائدة، بينما جرب البعض الآخر صيغ نماذج اقتصادية جديدة، ووضع قواعد سياسات مغايرة وإبداع  ثقافة جديدة.

أما بالنسبة للمقاومة المنظمة فيمكننا التمييز بين مجموعتين مناهضتين للعولمة الليبرالية، فهناك مجموعات أولى ترفض العولمة الليبرالية من منظور طوباوي ماضوي تعبر عنه على الخصوص التيارات السياسية الماضوية الإثنية والعرقية ويمكن وصفها بكونها تيارات يمينية متطرفة. وتتلخص مشكلة هذه التيارات في كونها لا تفهم صيرورة التاريخ بشكل عقلاني فتسعى إلى الاحتماء بمفاهيم غير عقلانية ماضوية. وخطورة هذه التيارات أنها فاشستية غير ديموقراطية تنبذ التفكير الحر ولا تتوفر على أي مضمون اقتصادي، (ومن بين هذه المجموعات التيارات الإسلاموية) فإذا ما تحقق لها الاستيلاء على السلطة فإنها تضفي طابع القداسة على تصرفاتها في الوقت الذي تطبق فيه نفس النموذج الاقتصادي الرأسمالي السائد الذي يفرخ نفس عواقب العولمة الليبرالية. وقد سبق للمنظومة الرأسمالية أن استغلت بعض هذه التيارات في مواجهة التيارات الاشتراكية والشيوعية، مما زاد من قوتها واتساع نفوذها وتعاظم قدرتها الضاربة، ونشهد اليوم المواجهة المكشوفة بين هذا التيار والأداة الضاربة للمنظومة الرأسمالية.

أما المجموعات الثانية فتقودها تيارات حداثية عقلانية، متشبعة بالروح الإنسانية والرغبة في تحقيق العدالة والمساواة والديموقراطية على الصعيدين المحلي والدولي. وتشكل هذه المجموعات الفعاليات اليسارية الجذرية والفكرية والمنظمات الحقوقية والتنظيمات النسوية والنقابية والبيئية. فهذه المجموعة تتخذ موقفا نقديا صريحا من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الرأسمالية. وهو الموقف الذي استندت عليه في السابق القوى الاجتماعية الاشتراكية والشيوعية التي صنعت التاريخ خلال القرن الماضي وأثبتت فعاليتها حيث أنتجت الاشتراكية الديموقراطية في الغرب (دولة الرفاه) والاشتراكية السوفيتية والصينية في الشرق ومشروع التحرر الوطني التنموي في الجنوب، وكلها حركات غيرت بالفعل مسيرة التاريخ وصنعت العالم المعاصر. ففرضت على حكم رأس المال التكيف مع مطالب الطبقات الشعبية والشعوب المضطهدة.

وعلى المستوى التاريخي فإن حركة التدويل الأولى للمقاومة انطلقت سنة 1996 بمبادرة من حركة الزاباطيين والتي دعت إلى تجمع ما بين القارات من أجل الإنسانية وفي مواجهة الليبرالية الجديدة، وذلك قصد توحيد جميع الكفاحات على المستوى العالمي، داعية مجموع الشعوب إلى خلق شبكة رابطة فيما بينها. وقد شكل هذا المقترح في نفس الوقت مصدر ومرجع مجموع الحركات القائمة حاليا في مواجهة العولمة.

ثم جاءت بعد ذلك مبادرات التعبئة على الصعيد الدولي من خلال تنظيم حملات ذات مواضيع مختلفة: كتنظيم المسيرة العالمية للنساء ضد الفقر والعنف، ثم المبادرات المتخذة عقب تأسيس المنظمة العالمية للتجارة، وكذا تأسيس الحركة العالمية للشعوب (AMP)، وعدد آخر من المبادرات التعبوية والتي لا يمكن الإشارة كلها هنا.

كما أن نجاح مبادرات التعبئة الناجحة في سياتيل في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر سنة 1999، جاءت عقب سلسلة من الحملات الجماهيرية ذات الصدى العالمي: منها على الخصوص حملة Jubilé 2000 والحملة لمواجهة اتفاقية الاستثمار متعـددة الأطـراف (AMI) والحملـة مـن أجـل مراقـبـة وتضريـب رؤوس الأمـوال الـتي تقـف وراءها مجموعـات أطاك (Attac) والحملة ضد المنظمة الدولية للتجارة (OMC) أو ضد توسيع مجال اختصاص هذه المنظمة، والحملة ضد برامج التقويم الهيكلي وبرامج الإصلاح الاقتصادي الأخرى لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي.

إن تعدد مثل هذه المبادرات التعبوية يؤكد على أننا دخلنا في مرحلة جديدة تماما، وهي وضعية كبرت فيها مسئولية الحركات الجماهيرية وتعولمت مبادرات التعبئة عبر مختلف الدول وأصبحت تطرح انتظارات مهمة لدى الشبكات المناضلة وبشكل واسع لدى الرأي العام في مختلف الدول. وأهم الملتقيات السنوية الحالية للحركات المناهضة للعولمة الليبرالية هي الملتقى الاجتماعي لبورتو أليغري الذي أصبح يشكل بحق مناسبة لتنسيق المواقف واعلان المبادرات والبدائل الممكنة للعولمة الليبرالية القائمة.

 

رابعا: أطاك كأداة للمقاومة

إن حركة أطاك والتي تعتبر جمعية لتضريب المعاملات المالية الدولية لمساعدة المواطن تشكل مكونا رئيسيا في دينامية الحركات المناهضة للعولمة الليبرالية. وقد تأسست أول مجموعة أطاك في فرنسا في يونيو 1998 أي في خضم الأزمة المالية التي عصفت بدول جنوب شرق آسيا والتي ترتبت نتيجة تفاقم حدة المضاربات المالية الدولية. فقد لقي اقتراح تأسيس جمعيات دولية للمطالبة بفرض ضريبة توبن على هذه المضاربات والذي تقدم به اغناسيو راموني مدير جريدة لوموند ديبلوماتيك أواخر سنة 1997 تجاوبا واضحا من طرف العديد من المفكرين والتيارات اليسارية والنقابية والجمعيات الحقوقية. وفي دجنبر 1998 نظم لقاء بباريس بحضور ممثلي العديد من المنظمات غير الحكومية في عدد من الدول حيث تم الإعلان على تأسيس شبكة لمجموعات أطاك عبر العالم.

 ولا تمثل شبكة أطاك على المستوى الدولي فرعا لأطاك فرنسا، كما لم يتم تأسيسها حول جهاز دولي مركزي. فالأمر يقتصر على رابطة تعمل على بناء حركات مقاومة عالمية ذات مصادر مختلفة جدا،  ولها تجدر  وارتباط بالحقائق الوطنية. فليست هناك أية وحدة تجمع بين حركة عديمي الأراضي التي تعد العمود الفقري لأطاك بالبرازيل ونقابيي أطاك بروسيا، وبرلمانيي أطاك الأوروبيين. فالرابط الوحيد بينهم هو الرغبة في  تبادل التحليلات المختلفة حول العولمة الليبرالية والعمل الجماعي لبلورة مقاومة عالمية للعولمة الليبرالية، فليست هناك ملامح شخصية واحدة بنفس المميزات وإنما تشابك مواقف تقدمية تمكن، في كل مرحلة، من دعم وتوسيع بناء شبكة دولية للمقاومة.

كما أن نضالات أطاك لا تقتصر على مجرد السعي إلى فرض ضريبة على المضاربات المالية الدولية وهو ما يمكن أن يدفع البعض الى الاعتقاد بأن حركة أطاك هي مجرد أداة إصلاحية للمنظومة الرأسمالية. فضريبة توبن شكلت نقطة الانطلاق الأصلية لأطاك فرنسا، حيث أن لها عدة فوائد، لكونها تشكل جزءا من رغبة  بيداغوجية لتفسير الأشكال المعاصرة للرأسمالية، حيث يتغلب رأس المال المضارب على الاستثمار المنتج الشيء الذي يبلور أنماطا من النمو والتراكم تؤدي إلى تضخيم الكلفة الاجتماعية. هناك أيضا الرغبة في تقليص تحكم الأسواق، وتوسيع هامش المناورة للعمل الاجتماعي وإطلاق السياسات العمومية، ووضع حبة رمل في الميكانيزمات الليبرالية، مما يتيح مهاجمة النواة الصلبة لليبرالية المتوحشة.

كما يحقق فرض ضريبة توبن مطلب إخضاع الاقتصاد لمراقبة الطبقات الكادحة، إضافة إلى رفض احتكارات الأغنياء على حساب إعادة توزيع الدخل وتمويل الحاجيات الاجتماعية والتنموية.  ومن هنا يمكن التطلع الى مستقبل جديد أمام الإنسانية: فمن يجب أن يقرر في مجال الاختيارات الاقتصادية؟ وحول أية أهداف؟ هل هو رأس المال أم الطبقات الكادحة؟

ولا تتوقف حركة أطاك عند مجرد المطالبة بفرض ضريبة توبن بل تتعداها إلى محاربة الجنات الجبائية ومناطق التبادل الحر و ديكتاتورية الشركات متعددة الاستيطان والمؤسسات المالية الدولية وسياسات التقويم الهيكلي والمديونية الخارجية والفلاحة التسويقية، والمنظمة الدولية للتجارة الخارجية ... الخ، وكل هذه المواضيع تشكل قاسما نضاليا مشتركا مع  الحركات الاحتجاجية الأخرى، ومجالا للدفاع عن المكتسبات الاجتماعية والديموقراطية. فالهدف النهائي ليس هو إصلاح المنظومة الرأسمالية بقدر ما هو السعي إلى الانتقال التدريجي نحو اشتراكية ديموقراطية عالمية.

إن حركة أطاك تدفعها إرادة مناضليها المتعددي المشارب نحو:

1) مراكمة التحليل العلمي القادر على إجراء تفكيك نقدي "للفكر الوحيد" السائد وإجراء خبرة مضادة وفضح التحديات والعواقب الحقيقية لليبرالية الجديدة، ومن جهة أخرى وضع مقترحات بديلة تغذي التعبئة الجماعية وتطرح خيارات أخرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛

2) المساهمة في بناء حركة للتربية الشعبية والتنظيم الذاتي في القاعدة وتأسيس، مقاومة شعبية واسعة، واعية ونشيطة، في مواقع مختلفة، تشكل أداة سياسية مضادة للتحكم المطلق لرأس المال، وتتوفر على شرعية اجتماعية قادرة على تغيير، أو المساهمة في تغيير، علاقات القوة في مواجهة السياسات الليبرالية؛

3) المساهمة في عولمة المقاومة الاجتماعية والديموقراطية، وبناء مقاومات نشيطة ومتعاضدة بين الشعوب، والعمل في إطار مقاومات محلية، وطنية، جهوية، ودولية، على استعادة تملك الشعوب لمستقبلها؛

4) المساهمة في تأسيس الشبكات التعددية، والروابط التقدمية الممكنة والضرورية، لمختلف القوى الاجتماعية، والجمعوية، والنقابية، والثقافية، والتي ترفض،  بشكل أو بآخر،  النظام العالمي الحالي.

خامسا: أطاك المغرب

هناك جذور لعلاقة المغاربة بمقاومة العولمة الليبرالية في مواقف اليسار المغربي منذ الاستقلال ونجد على رأسها مساهمة الشهيد المهدي بنبركة في الدعوة لعقد مؤتمر القارات الثلاث لجمع حركات التحرر العالمية لمواجهة المخططات الإمبريالية. ومعلوم أن هذا الحلم تم اغتياله من طرف القوى الرجعية مع اغتيال بنبركة. كما نجد آثارا لهذه المقاومة في مواقف العديد من مناضلي اليسار الجذري المغربي وعلى رأسهم منظمة إلى الأمام خلال عقد السبعينات والتي دفعوا حياتهم ثمنا لها. ولعل النقاشات التي دارت  خلال السنوات الأخيرة على هامش تخليد اليوم العالمي ضد الاستعمار والإمبريالية الذي يصادف يوم 21 فبراير من كل سنة، تساهم في اغناء ثقافة المقاومة هذه.  لكن تأسيس هيئة مستقلة منظمة لمناهضة العولمة الليبرالية لم يتحقق إلا مع تأسيس جمعية أطاك المغرب في شهر يوليوز 2000.

فمنذ سنة 1998 توالت الكتابات والانتقادات والندوات التي تنتقد ظاهرة العولمة الليبرالية وتدعوا التيارات اليسارية المغربية للانخراط في مقاومة العولمة الليبرالية إلى جانب نضالها السياسي الداخلي. وقد أفرزت  هذه الإرهاصات الأولى تكوين أنوية صغيرة في كل من الرباط والدار البيضاء تفكر في تأسيس مجموعة مناهضة للعولمة الليبرالية وقد شكل مناضلوا النهج الديموقراطي النواة الصلبة لهذه الأنوية إلى جانب كل من تنظيمات اليسار الإشتراكي الموحد وحركة المناضلين التروتسكيين إضافة إلى شيوعيين لا منتمين. ومع بداية سنة 2000 زار المغرب بعض مناضلي أطاك فرنسا مثل جون لوك سيبيير واغناسيو راموني للمشاركة في ندوات تتطرق للعولمة ولحركة أطاك تم تنظيمها من طرف هذه الأنوية.

ومنذ ذلك الحين بدأت أنوية الرباط والدار البيضاء تتوسع إلى مجموعات كبيرة ثم سرعان ما سينضاف إليها مناضلوا النهج الديموقراطي من تارودانت فيشرع الجميع في التحضير لعقد جمع عام تأسيسي لأطاك المغرب الذي سيتم في 15 يوليوز 2000 رغم محاولة عرقلة هذا التأسيس من قبل الشرطة برفض الترخيص بعقد الاجتماع في قاعة المحاضرات بمدرسة المعادن بالرباط. وقد انتقل المؤسسون إلى مقر الفضاء الجمعوي للإعلان عن هذا التأسيس. وفي 15 يوليوز 2001 انعقد المؤتمر الأول لأطاك المغرب بمدينة الدار البيضاء ولم تحصل الجمعية على وصل إيداعها القانوني إلا خلال سنة 2002. وتضم أطاك المغرب اليوم عدد من التيارات السياسية اليسارية، لكن قراراتها  تبقى مع ذلك متسمة بالاستقلالية. وتتمحور  أهم مبادئها حول التقدمية والجماهيرية والديموقراطية والاستقلالية.

وقد باشرت أطاك المغرب منذ تأسيسها عددا من الأنشطة النضالية، كمساهمتها الملموسة في بعض الملتقيات الدولية المناهضة للعولمة الليبرالية، كملتقيات برشلونة حول الشراكة الأورومتوسطية وملتقى لبنان المناهض لمؤتمر منظمة التجارة الدولية بالدوحة ومؤتمر بماكو للمنظمات غير الحكومية الإفريقية والمنتدى الاجتماعي لبورتو أليغري بالبرازيل. كما قادت منذ بداية 2001 حملة ضد خوصصة المرافق العمومية لا زالت سارية لحد الآن. كما عملت الجمعية إلى جانب هيئات سياسية وجمعوية أخرى على تأسيس هيئة لحماية المال العام وهيئة للدفاع عن الحريات العامة وشبكة لدعم الحركات الاحتجاجية. كما ساهمت إلى جانب المعطلين والمنظمات النسائية والنقابية في تنظيم بعض الأنشطة والتعبير عن مطالبها الاجتماعية.

وتسعى أطاك المغرب إلى الانفتاح على فعاليات مختلف الحركات الاجتماعية والتنظيمات النقابية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات النسائية والمواطنين والمواطنات، من أجل تأسيس شبكة واسعة لمناهضة العولمة الليبرالية. وتعتبر هذه المهمة استراتيجية في إطار بناء علاقات قوة تقوم على التعبئة في مواجهة هجوم الليبرالية الجديدة وسياسات التقويم الهيكلي.

ويتمثل الرفقاء الأساسيين لحركة أطاك المغرب في:

1 - المنظمات التي تتوفر على علاقات مع القوى الاجتماعية المتجذرة ومنها على الخصوص النقابات وحركـــة المعطلـيــن؛

2 - المنظمات غير الحكومية ذات الطابع المحلي أو الوطني والتي تعمل حول مواضيع معينة تتلاقى مع انشغالات أطاك الرئيسية: كحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحماية البيئة ومحاربة الارتشاء الاقتصادي وحماية المال العام والدفاع عن الحريات العامة ودعم الحركات الاجتماعية وبعض جمعيات الأحياء ومجموعات البحث، ... الخ؛

3 - المواطنون غير المنظمون الذين يتعبأون في إطار قضايا تتعلق بظروفهم المعيشية، سواء ما تعلق منها بالسكن أو بالمطالبة بالخدمات الأساسية أو بغلاء فواتير الماء والكهرباء أو بنزع الملكية أو بالتسريحات الجماعية جراء الخوصصة أو بالأضرار المترتبة عن تلويث البيئة؛

4 - الجمعيات الثقافية الجادة.

وتسعى أطاك المغرب إلى إقامة تحالفات ذات أبعاد مختلفة، البعض منها حول قضية خاصة في فترة ما (مثل التعبئة الخاصة بمواجهة عمليات إفراغ سكان دور الصفيح أو بسبب انقطاعات الماء في بعض المدن أو بمواجهة غلاء فواتير الماء والكهرباء)، والبعض الآخر حول محاور عامة (مثل مقاومة مدونة الشغل والبطالة).

 




#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد السلام أديب - مقاومة العولمة الليبرالية