نقد النقد مصطلحا ومفهوما

صبري فوزي أبوحسين

الحوار المتمدن-العدد: 7334 - 2022 / 8 / 8 - 10:39
المحور: الادب والفن
    

نقد النقد
يعد مصطلح (نقد النقد الأدبي Criticism of literary criticism): مركب إضافي موصوف، يقصد به ذلك النظر المعرفي والبحث العقلاني، الذي موضوعه النقد الأدبي، ويحتوي في مباحثه على جملة من السياقات المتصلة بالبحث في ميدان الإبداع بصورة عامة، مثل النظرية والتنظير النقدي. و(نقد النقد الأدبي) يدور حول مراجعة "القول النقدي" ذاته وفحصه، عن طريق مراجعة مصطلحات النقد وبنيته المنطقية، ومبادئه الأساسية وفرضياته التفسيرية، وأدواته الإجرائية، وهو أداة عمل نقدية، ننطلق من عبارة أدونيس: "إن أدب الكاتب يوجب أدب القارئ( )".
وتعرفه "نجوى القسطنطيني" بأنه: "خطاب يبحث في مبادئ النقد و لغته الاصطلاحية و آلياته الإجرائية و أدواته التحليلية"؛ فهو قراءة على قراءة، فالناقد يقدم قراءة نقدية للنص الأدبي موضع التطبيق، ومن ثم ينتج خطابًا عليه، ويأتي نقد النقد مناقشًا لهذا الخطاب( ).
وهذا المصطلح –بلا ريب- له إرهاصات في التراث العالمي عربيًّا وأعجميًّا، وقد أشار الدكتور جابر عصفور إلى أن أبا حيان التوحيدي(310-414هـ) ذكر الكلام عن الكلام، قاصدًا إلى مستويين من استخدام اللغة: مستوى الإشارة إلى ما يقع خارجها من عوالم وأفكار ومواقف وشخصيات ومشاهد وأحوال، والإشارة إليها نفسها، خصوصًا عندما تكون اللغة الواصفة لغة موصوفة( ).
وهو بهذا المفهوم-وليس المصطلح- موجود في تراثنا العربي العتيق، كما في كتاب"المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" لابن الأثير(ت637هـ)، والذي تناوله بالنقد كل من الناقد عز الدين بن أبي حديد(ت656هـ) في كتابه "الفلك الدائر على المثل السائر" و الناقد صلاح الدين الصفدي(ت764هـ) في كتابه "نصرة الثائر على المثل السائر"، وللدكتور عبده عبدالعزيز قليقلة كتاب بعنوان(نقد النقد في التراث العربي، طبع سنة 1975م) الذي يعد كتابًا رئدًا في التأصيل لهذا المنهج...
و(نقد النقد) موجود -كذلك-في ممارساتنا النقدية والحديثة والمعاصرة، وأبرز أنموذج لها تلك النقود والنقوض الدائرة حول كتاب في الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين، وكتاب أصول الحكم في الإسلام للشيخ مصطفى عبدالرازق، وتلك المعارك الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين الدائرة بين كبار الدرس النقدي الأدبي أمثال الرافعي(ت1937م) وزكي مبارك(ت1952م)، وأحمد أمين(ت1954م)، والعقاد(ت1964م)، وطه حسين(ت1973م)... وغيرهم . وقد دخل هذا المصطلح الميدان الأدبي عبر الدراسات الفلسفية التي تعنى بنقد العقل العربي، حيث المنهج النقدي في البحث الفلسفي، والدليل كتاب (نقد نقد العقل العربي” للمفكر جورج طرابيشي المطبوع سنة 1998م)،... وغيره من الكتابات الفلسفية المعاصرة.
وقد مر مصطلح (نقد النقد ) في عصرنا بمرحلتين: (مرحلة الإرهاص): بدأت أواخر القرن التاسع عشر، ثم تعززت بظهور كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي"، الذي يعتبر أول مشروع عملي يؤسس لبداية "نقد النقد" دون أن يستعمل المصطلح. و(مرحلة التأسيس) هي امتداد للمرحلة السابقة من حيث عدم تحديد موضوع "نقد النقد" وغايته بدقة، لكنها أيضا متطورة عنها من حيث تفكيرها في كيان نظري ومنهجي "لنقد النقد"، واعتبار علاقته بالأدب غير مباشرة( ).
ويعد التلقي لمشروع الدكتور عبدالعزيز حمودة النقدي، لاسيما في ثلاثيته النقدية في التجربة الحداثية(المرايا المحدبة/المرايا المقعرة/الخروج من التيه)، أكبر دليل على حضور نقد النقد الأدبي حضورًا فاعلاً في آننا هذا؛ فقد جاء كبير الكمِّ، متنوع الكيف، وقد أثار ردود فعل متباينة، بين المتطرفين من أصحاب الأنا المحدبة وأصحاب الأنا المقعرة، وأصحاب الأنا الوسطية، فصدرت كتابات متنوعة بشأن هذه الثلاثية، منها ما جاء في قالب المقال، ومنها ما جاء في قالب البحث، ومنها ما جاء في قالب الكتاب، و منها ما جاء في قالب الرسالة الجامعية. فمما جاء في قالب المقال:
- الحداثة العربية: الوجه الآخر قراءة في كتاب المرايا المحدبة: د/حسين علي محمد، مجلة المنتدى الإسلامي ببريطانيا، مج14،ع 138، سنة 1999م.
- على محك النقد، جولة في المرايا المقعرة: د/غازي طليمات، مجلة البيان الإماراتية، بتاريخ18/10/2001م.
- مرايا عبدالعزيز حمودة المقعرة: حداثة الانبهار بالعقل العربي: جهاد فاضل، مجلة الأدب الإسلامي، مج8،ع 32، سنة 2002م.
- مرايا الدكتور عبدالعزيز حمودة المحدبة من البنيوية إلى التفكيك: إبراهيم عباس غانم، مجلة الأدب الإسلامي، مج11،ع42، سنة 2004م.
- سؤال البديل وأزمة النماذج في المرايا المقعرة لعبدالعزيز حمود: إبراهيم أومعاز، مجلة الأدب الإسلامي، ع56، سنة 2007م.
ومما جاء في قالب البحث العلمي المحكم:
- دراسة عن كتاب المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، والمعركة النقدية التي دارت حوله على صفحا أخبار الأدب: د/محمد عبدالحميد غنيم، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، ع23سنة 2003م.
- كتاب المرايا المقعرة: نحو نظرية نقدية عربية: د/محمد عبدالحميد غنيم، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، ع24، سنة 2004م.
- كتاب الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص، عرض وتحليل ونقد: د/محمد عبدالحميد غنيم، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، ع28، مج1، سنة 2008م.
ومما جاء في قالب الرسالة العلمية المحكمة:
- عبدالعزيز حمودة والهوية الواقعية دراسة نقدية لثلاثيته النقدية: مبروكة أفحيمة سليمان، رسالة ماجستير بجامعة التحدي بليبيا، سنة 2007م.
- نقد الحداثة وما بعد الحداثة عند عبدالعزيز حمودة: للباحثة أسمهان عربي، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورفلة، بالجزائر، سنة 2013م.
- دراسة مصطلح النص في كاب الخروج من التيه دراسة في سلطة النص: أحمد خرزابة، ماجستير،، جامعة قاصدي مرباح ورفلة، بالجزائر، سنة 2015م...إلخ. هذا، وقد جمع الدكتور جابر عصفور في كتاب (معركة الحداثة) المساجلات النقدية والحوارات التي جرت بينه وبين الدكتور عبدالعزيز حمودة في عام (1998م)؛ بسبب دراسة الدكتور عبدالعزيز حمودة النقدية بعنوان (المرايا المحدبة)، من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب. كما عقدت رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض مؤتمرًا دوليًّا بالتعاون مع جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، بعنوان: "المشروع النقدي للدكتور عبدالعزيز حمودة"، سنة 2008م.
هذا، ويحدد د. جابر عصفور مهام نقد النقد في (جانب المراجعة) الذي يتصل بفحص الخطاب النقدي، وذلك بوضعه موضع المساءلة التي تسهم في تطويره أو تكشف عن إمكاناته الموجبة أو درجات قصوره في مدى الممارسات المتباينة، و(جانب التحليل) الذي يكشف العناصر التكوينية لكل خطاب نقدي واصلاً بينها في علاقات تفسيرية كاشفة عما ينطوي عليه كل خطاب من رؤية للعالم أو موقف ثابت أو متغير إزاءه، وهو جانب تتحول به قراءة نقد النقد إلى عملية كشف عن المكونات العقلية التي تنبني بها رؤية الناقد إلى العالم( ).
هذا ويتصل بهذا المصطلح النقدي المعاصر مصطلح تال تابع إياه، ونتيجة له، وهو (نقد نقد النقد الأدبي)، وبَيِّنٌ من اسمه أنه التعليق النقدي على تعليق نقدي سابق لظاهرة أدبية أو ممارسة نقدية!

#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل