دوام الحال من المحال

رباح مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 1682 - 2006 / 9 / 23 - 04:49
المحور: القضية الفلسطينية
    

من السهل لمراقب الحالة الفلسطينية ان يدرك صعوبة أوضاع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وفي غمرة هذه الاوضاع استحضر مثلاً شعبيا كانت تردده أمي كلما ازداد الوضع سوءاً، حيث كانت تردد المثل الشعبي (دوام الحال من المحال) انني ساحاول في هذه السطور قراءة الواقع الفلسطيني والتجربة الفلسطينية والاجابة على السؤال هل يمكن ان تتغير الاوضاع الفلسطينية الحالية إلى ما هو أحسن؟

ان القضية الفلسطينية والثوابت والحقوق الوطنية تتعرض لمحاولة طمس واجهاض لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، ان محاولة الطمس التي تقودها الولايات المتحدة واسرائيل وفي ذات الوقت يمكن ادراك تراجع أو ضعف معظم عوامل التصدي لهذه المحاولات، فالعالم تقوده امريكا بكل الظلم والبطش والعدوان والحالة العربية على المستويين الشعبي والرسمي هي في أضعف حالاتها اما الوضع الفلسطيني فهو في أسوء حالاته.

مرة أخرى هل يمكن ان يدوم هذا الحال؟ ام هل من الممكن ان يتغير هذا الحال كما كانت تردد أمي..ان مراجعة التجربة الفلسطينية تؤشر إلى ان الحالة الفلسطينية مرت باوضاع صعبة وبدت الامور كما لو انه لا يمكن الخروج من المأزق ولكي اعطي هذا الكلام طابعاً ملموساً فانني أسوق الامثلة التالية:

· على اثر النكبة التي ألمت بالشعب الفلسطيني عام 48 طردنا من اراضينا وتشتتنا في أرجاء المعمورة ودمرت البنية الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا وعاني هذا الشعب من اوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة وبدا الامر وكأن هذا الشعب لن يستطيع لملمة اوضاعه والنهوض ثانية لكن ما حصل هو عكس ذلك حيث بدأت مقدمات النهوض الفلسطيني في الخمسينات والستينات وتشكلت الفصائل والاحزاب الفلسطينية وبرزت افكار التمسك بالثوابت والمقاومة لاستعادة الحقوق حتى كانت هزيمة الجيوش العربية عام 67 بشكل عام، والتجربة الناصرية بشكل خاص، واذا بالحالة الفلسطينية تنهض من وسط هذا الركام وتنطلق المقاومة وتتشكل منظمة التحرير الفلسطينية وتتحول القضية الفلسطينية من قضية انسانية تعالج اوضاع اللاجئين إلى قضية وطنية وتكون م ت ف هي الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني تمثله في الوطن والمنافي وتقود نضاله على كافة الأصعدة وتحقق انجازات هامة للشعب والقضية.

· منذ بداية الاحتلال حتى عام 75 اشتدت المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة لكن بعد عام 75 كان من الواضح ان عدونا الاسرائيلي استطاع إضعاف المقاومة بالداخل إلى حد كبير واستمر هذا الحال لمدة عشرة سنوات لكن عوامل النهوض بدأت تتبلور خلال هذه السنوات العشر حتى برزت المقاومة بكل اشكالها منذ العام 85 وكانت ذورتها انطلاق الانتفاضة الاولى في نهاية عام 87.

· اجتاحت اسرائيل لبنان في العام 82 ووجهت إلى الثورة الفلسطينية والمنظمة ضربة قاسية كان على اثرها تشتت المنظمة وفصائلها والحصار الخانق السياسي والاقتصادي على المنظمة وهنا برز نفس السؤال هل يمكن استمرار هذا الحال وكان الجواب قطعاً لا حيث انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الاولى وبهذا عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاحداث.

· جاءت اوسلو بكل افرازاتها لتضع الشعب الفلسطيني وقضيته في فخ اعتقد الكثيرون ان الفكاك منه مستحيل، لكن جاءت صحة المثل (دوام الحال من المحال) وانطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000.

ان هذه الامثلة وغيرها تؤكد انه رغم شدة المخاطر التي تواجه القضية الوطنية الفلسطينية وقساوة الاوضاع الفلسطينية الداخلية الا اننا لابد لنا من الخروج من هذا الوضع إلى وضع أفضل لكن ذلك يجب ان يكون الهدف الوطني الفلسطيني التمسك بالثوابت وعدم التنازل عنها.

· من الواضح ان المقاومة الفلسطينية بكل اشكالها والمقاومة المسلحة بشكل خاص هي المستهدف الرئيس من قبل اعدائنا فهم يستهدفون المقاومة فكرة وبنية وفعلاً. ولمواجهة هذا الخطر علينا التمسك بثقافة المقاومة وبناء المجتمع على أساس هذه الفكرة واعادة صياغة تشكيلات المقاومة وبنيتها بما يحصنها من التدمير وابتكار تكتيكات مقاومة تلحق اكبر اذى بالعدو وتجنب شعبنا الاذى إلى اقصى درجة ممكنة.

· ان الاوضاع الفلسطينية بشكل عام والاوضاع في الداخل بشكل خاص تؤشر إلى ان علاج هذه الاوضاع يجب ان تكون المهمة المباشرة والملحة للقيادة الفلسطينية وذلك بهدف فك الحصار وتأمين احتياجات الناس الاساسية وانهاء الفلتان الامني كل ذلك لتعزيز صمود ابناء الشعب حتى يواصل معركة الحرية والاستقلال.

· من اهم مشكلات الشعب الفلسطيني هي عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة تقود النضال على كل الصعد وتستثمر امكانيات هذا الشعب على طريق الصمود والتمسك بالثوابت وهذا يستوجب الاسراع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة كل القوى الوطنية والمجتمعية الفلسطينية.

· من المشاكل التي نلمسها في الواقع الفلسطيني هي هذه الحالة من الاستقطاب الحاد بين حركتي فتح وحماس ومواجهة ذلك تكون مهمة القوى الوطنية والديموقراطية التي يجب عليها الشروع بشق مجرى التيار الوطني الديموقراطي والقيام بحملة تنوير وتوعية في المجتمع الفلسطيني نوجه هذه الحملة إلى كل قطاعات شعبنا وبشكل خاص للشباب والمرأة لان حالة التخلف هي التربة الأخصب لبروز كل التكتلات القبلية والعشائرية والبحث عن المصلحة الخاصة على حساب كل ما هو عام وتغذي حالة الاستقطاب الحادة والضارة.

في النهاية انا واثق كل الثقة من صدق ما كانت تردده والدتي دوماًَ من ان دوام الحال من المحال.

#رباح_مهنا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات