قُبيل زيارة بايدن..-الرياض- توجه رسائل سياسية في خطبة يوم عرفة..و-الإخوان-يكبرون من -آيا صوفيا- ونصائح خامنئي التي لم يلقِ لها أحد بالا

مصطفى الخليل

الحوار المتمدن-العدد: 7305 - 2022 / 7 / 10 - 18:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تجلت في خطبة يوم عرفة لموسم الحج هذه السنة انعطافة واضحة في السياق المتعارف عليه للخطاب الديني في المملكة العربية السعودية، وتكمن أهمية خطبة يوم عرفة، كونها تُلقى في مكانٍ له قدسية، و يحمل أبعاداً روحية وثقافية وتاريخية وعقائدية حساسة لدى المجتمع الإسلامي في كل أصقاع الأرض، إضافة لإجماع المسلمين على التعلق به عاطفياً و تنزيهه ورفعته.

من جانب آخر، عبرت خطبة عرفة هذا الموسم، عن مدى ارتباط المؤسسة الدينية السعودية بالدولة العميقة، التي ترسم سياسات المملكة، وتضع خططها الاستراتيجية، بما يتعلق بالأوضاع الداخلية والعلاقات الإقليمية والخارجية ومدى تفاعلها مع الملفات الهامة للسعودية بشكل محدد، والخليج العربي والمنطقة بشكل عام.

ويوحي تحليل الخطاب بأبعاده السياسية والإنسانية والتي ركز عليها(الخطيب) الشيخ محمد العيسى انطلاقاً من توظيف النص والفقه بشكل متوازن ودقيق خدمة للرؤية السعودية بشكل يفهم منه استحالة فصل الدين عن الدولة، خاصة في مجتمع كالمجتمع السعودي، بالأمس القريب كانت كل ممارسة فيه لمواطنيه وشخصياته العامة وساسته، تقاس على حامل الشرع والدين الإسلامي، المستمد من المدرسة الوهابية، فقط.

من جانب آخر، يستشعر المستمع للخطاب، مدى مرونة المؤسسة الدينية السعودية وتعاطيها "براغماتياً" مع القرار السياسي السعودي، ومن جانب آخر، يُظهر المقدرات التي يمتاز بها النص الديني فقهاً و توظيفاً في التفاعل مع القضايا المصيرية التي تمس العالم الإسلامي؛ فالمنبر الذي ألقى منه"العيسى" خطبته داعياً إلى الاعتدال والوسطية، هو ذاته المنبر الذي اعتلاه فيما مضى رجال دين روجوا للوهابية والفكر المتشدد، والجهاد العابر للحدود.

ويحظى الخطاب الديني(عامة) والإسلامي(خاصة) بهالة لها بالغ التأثير في نفوس متلقيه، فما بالك إذا كان في يوم الوقوف بعرفة، والذي يعد من أهم شعائر فريضة الحج.

فمن حيث الشكل، خطيب يوم عرفة لهذا الموسم هو الشيخ الدكتور محمد العيسى، عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي. وهو أحد الشخصيات المثيرة للجدل من خلال مواقفه وتصريحاته وطريقة تفاسيره للنصوص الإسلامية؛ إذ تتباين الآراء حول شخصيته، فمنهم من يراه أنه "مميع" للدين ومروج للدين الإبراهيمي الذي تتبناه إسرائيل في المنطقة بعد تطبيعها مع بعض الدول العربية.

ومنذ أن أعلنت رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، الأسبوع الماضي عن تعيين الشيخ محمد العيسى خطيباً ليوم عرفة بمسجد نمرة، أثار الخبر ردود فعل على وسائل التواصل الاجتماعي، وارتفعت وتيرة ردات الفعل بعد أن ألقى خطبته، خاصة من قبل جمهور التيار السلفي المتشدد والإخوان المسلمين.

و يُنظر للعيسى من قبل بعض رجال الدين في العالم العربي والإسلامي من المنفتحين على الديانات الأخرى على أنه شخصية إسلامية معتدلة، وأنه يحمل فكراً نظيفاً خالياً من التطرف والتعصب، وأن المسلمين في ظل الظروف المحيطة بهم خاصة بعد تفشي ظاهرة "الإسلاموفوبيا"في المجتمعات الغربية بحاجة لهكذا شخصية تحمل فكراً تنويرياً منفتحاً ومعتدلاً.

أما مضموناً، فقد استغرقت خطبة الشيخ محمد العيسى قرابة النصف ساعة، والقيت على مسامع نحو مليون حاج، ونقلتها بشكل مباشر عشرات القنوات الفضائية العالمية.
وركز العيسى في خطبته إلى جانب الحديث عن شعائر الحج وسننه، عن موقف الإسلام من القيم الإنسانية المشتركة بين جميع الناس.

وقال العيسى"إن الإسلام يحمل الخير لـ"الإنسانية جمعاء"، وأن أهل العلم لهم دورهم في "التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة" عن هذا الدين".

وأكد على "إن من قيم الإسلام البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم".

وحذر العيسى من الالتفات إلى الجهلة والمغرضين-وفق تعبيره- مشيراً أن الرد على هؤلاء يسهم في إعلاء شأنهم ونجاح مشروعهم، وهذا ما يسعون إليه، طبقاً لكلامه.

مضامين خطبة العيسى، كانت جمعية، ولا تشمل المسلمين فقط، بل جاءت عامة و تدعو إلى السلام والتهدئة، وإن خصص جزءاً من حديثه عن شعيرة الحج، لكنها تحمل دلالات لرسائل سياسية في خضم مرحلة عصيبة تمر بها المنطقة، يتخللها حروب وتوترات عسكرية وسياسية، إضافة لأوضاع اقتصادية مضطربة.

ولايفوتُ العيسى فرصة في أي خطبة يلقيها، أو حوار تلفزيوني يجري معه، أو محاضرة يلقيها، إلا ووجه عبرها رسائل دينية، تتطابق مع التوجهات السياسية الجديدة للمملكة، وخاصة الخط الذي يسير عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ففي عام 2020، شارك العيسى بالصلاة على ضحايا المحرقة اليهودية في "معسكر أوشفتز" في بولندا، واصفاً ذلك بـ"واجب مقدس وشرف عظيم".
ومنذ عامين ذكر العيسى على قناة mbc السعودية في برنامج حواري أنه"لايوجد خلاف حقيقي مابين السنة والشيعة ولكن الخلاف في التطرف و الطائفية سواء كانت سنية أم شيعية".

ومن المتوقع، أن يزور الرئيس الأميركي جون بايدن منطقة الشرق الأوسط منتصف الشهر القادم للقاء زعماء العديد من دول المنطقة كاسرائيل والسعودية.

وتأتي الزيارة في توقيت حرج يجري فيه الحديث عن تشكيل "ناتو عربي" يضم إسرائيل ودول خليجية والأردن ومصر، للوقوف بوجه المطامع الإيرانية خاصة بعد تغولها في المنطقة واستحواذها علانية على قرار ثلاث عواصم عربية.
فيما يرى متابعون أن هذه الزيارة هدفها الأعلى إيجاد صيغة مابين واشنطن والرياض تهدف لزيادة إنتاج النفط السعودي.

من هو الشيخ محمد العيسى؟

محمد بن عبد الكريم العيسى، أكاديمي وداعية إسلامي سعودي، من مواليد 1966 ويحمل درجة الدكتوراه في الدراسات القضائية المقارنة من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى، و حاصل على بكالوريوس في الفقه الإسلامي المقارن، و ماجستير في الدراسات القضائية المقارنة.

شغل منصب وزير العدل في السعودية سابقاً، ومستشاراً بالديوان الملكي السعودي بمرتبة وزير، ويشغل حالياً منصب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي خلفاً للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي.
وشهد عهده في وزارة العدل إصدار أول رخصة محاماة للمرأة السعودية.
و وصفه الباحث في جامعة هارفارد مجيد رفيع زاده بأنه «نجم صاعد ذو شخصية ملهمة» حيث كتب في مقال نشره موقع هافنغتون بوست"إن أمين عام رابطة العالم الإسلامي الجديد «يبذل جهوداً جبارة في تأكيد القيم الحقيقية للإسلام» لافتاً إلى تحذيره من «فرض الآراء على الناس قسراً» معتبراً أن ذلك يأتي في سياق جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب.بحسب موقع ويكبيديا.

وسلطت صحيفة «لو بوان» الفرنسية على التقاء د.العيسى بممثلي مختلف الأديان والطوائف في لبنان، معتبرةً ذلك جزءًا من سياسةِ تحوّلٍ تنفّذها المملكة العربية السعودية لتفعيل قيم التعايش والسلام بين الشعوب وتعزيز توجهات الوسطية والاعتدال.
و في عام 2017 منحته الحكومة الماليزية في أعلى أوسمتها وأعلى ألقابها وهو وسام فارس الدولة بلقب داتو سري لجهوده في نشر الوسطية حول العالم.

ومن أبرز مؤلفاته:"التأخير وأحكامه في الفقه الإسلامي" و "أحكام غير المسلمين في مجلس القضاء الشرعي". و"تأسيس الحكم القضائي: محكم".

الذباب الإلكتروني الإخواني..وتوكل كرمان تكبر لعيد الأضحى في طريقها لآيا صوفيا

وشنت جماعة الإخوان المسلمين هجوماً الكترونياً شرساً طال المملكة العربية السعودية والشيخ محمد العيسى منذ اللحظة الأولى التي جاء فيها قرار تعيينه للخطبة والصلاة في يوم عرفة.

وأطلق مغردون محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين وسماً حمل عنوان #أنزلوا_العيسى_من_المنبر مطالبين بعدم الصلاة خلفه، والاكتفاء بالصلاة في الخيام، ونادى البعض منهم بعدم حضور خطبة يوم عرفة كونه ليس من شروط الحج، على حد زعمهم.
"واعتبر معلقون أن تعيين العيسى "ضربة قاصمة" للإخوان، وبداية تغيير الخطاب الديني الذي لطالما سيطرت عليه روايات الإخوان ومن خرج من عباءاتهم واقتاتوا منه"، وفق موقع 24Media الإماراتي.
فيما اعتبر ذات الموقع، أن السر وراء حملة الإخوان المسعورة التي طالت العيسى كانت بسبب فضحه مخططات الإخوان وأكاذيبهم، وخاصة "نظرية التمكين" التي تعمل عليها جميت الجماعات الإسلامية الراديكالية، ومنها الإخوان المسلمين، وداعش.
وسعت الناشطةُ الحقوقية اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام "توكل كرمان" المنتمية لتنظيم الإخوان المسلمين لفت انتباه المتابعين إلى أهمية "آيا صوفيا" الذي استحوذت عليه تركيا منذ عامين بعد أن حولته من كنيسة إلى مسجد ..في يوم الوقوف في عرفة من خلال نشرها على صفحتها الشخصية فيديو وهي تُطلق تكبيرات بصوتها أثناء توجهها إلى المسجد في سيارة برفقة بعض الأشخاص.

ولاقى الفيديو استهجاناً وسخرية من قبل المتابعين، معتبرين هذا التصرف ينم عن رغبة كرمان في الحج إلى تركيا بدلاً من بلاد الحجاز...!!


نصائح خامنئي..التي لم يلقِ لها أحد بالا

ينتهز المرشد الإيراني خامنئي-عادة- فرصة موسم الحج كل عام، ليتوجه بكلمة من "طهران" تحت مسمى"النداء السنوي إلى حجّاج بيت الله الحرام من أنحاء العالم الإسلاميّ"
وحملت كلمة خامنئي هذا الموسم، رسالة للحجاج يدعو فيها إلى عدم التفرقة والخلاف مابين الأمة الإسلامية، وفق تعبيره.

وبطبيعة الحال، وجد خامنئي الفرصة مواتية لامتداح نهج إيران والمقاومة، معتبراً أن هذا النهج أقلق امريكيا، وأن هذا (القلق الأميركي) أمراً طبيعي، على حد وصفه.
ولابد لخامنئي أن يتبجح بقوة إيران، مدعياً أنها هي الانموذج الناجح لقوة الإسلام وسيادته، مؤكداً أن ثباتها واستقلالها يجعل أي مسلمٍ يشعر بالعظمة، حسب تعبيره.

ولا ينفك خامنئي في كل موسم للحج عن توجيه رسائل سياسة بشكل صريح، وخاصة للسعودية، ففي موسم حج عام 2020 حملَ خطاب خامنئي تحذيراً إلى من يسمحوا للعدو بإذلالهم، في إشارة إلى العلاقات والتقارب مابين السعودية والغرب.

أما في موسم حج عام 2019 فقد وجه خامنئي رسالة لحجاج إيران تهدف لإفشال"صفقة القرن" حينها، في تحريض واضح للحجاج الشيعة على إثارة أعمال الشغب داخل الحجاز والسعودية.

ولم تلقَ كلمة خامنئي صدىً في العالم الإسلامي، اللهم إلا ضمن الأوساط الإعلامية الشيعية.
وتسعى إيران من خلال هذه الخطابات التي تأتي في توقيت مدروس بالتزامن مع موسم الحج وخطبة يوم عرفة بشكل محدد إلى محاولة سحب البساط من السعودية، متوجهة إلى عموم العالم الإسلامي، وليس الشيعة فقط، ولكنها دوماً تخفق في تحقيق مآربها؛ إذ إن طغيان لغة التحريض الطائفي، وبث الفتنة التي يمتاز بها الخطاب الديني الإيراني يقف سداً منيعاً أمام اتساع جمهور المتلقين والمرحبين لهذه الخطابات والتي تأتي في وقت يشهد العالم الإسلامي فيه انقسامات خطيرة، وأزمات داخلية وخارجية.

وتُعد ظاهرة استخدام المنابر في العالم الإسلامي لتمرير رسائل سياسية ضد الخصوم، أو لتهيئة الذهنية المجتمعية لتقبل قرارات جديدة ظاهرة قديمة، ولا تقتصر على فئة أو تيار دون آخر، وكتب التاريخ الإسلامي مليئة بالعديد من الشواهد الدالة على ذلك.

#مصطفى_الخليل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات