أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الدين شاموق - دومير - 4/4















المزيد.....


دومير - 4/4


علاء الدين شاموق

الحوار المتمدن-العدد: 497 - 2003 / 5 / 24 - 05:35
المحور: الادب والفن
    


"عظم الله أجرك يا ابنتي" كان جمانفيل يعزي ابنته ماريا في وفاة زوجها هورين، لم ترد ماريا، كانت مذهولة عنه بفقدها وجموع المعزين التي توافدت منذ باكر الصباح لتقديم واجب العزاء في هورين، اكتشف الجميع بعد وفاة هورين أنه لم يكن بذلك السوء المشهور عنه ولكنها ظروف الحياة تجبر الشخص على سلوك ما يزدريه الآخرين. كان المزارعون من أوائل من قدم للتعزية تلاهم التجار وكبار الموظفين في القرية ثم كان جمانفيل آخر الواصلين، لم تكن ماريا في وضع يسمح لها بالحديث حين بدأ جمانفيل سرد أحداث الليلة الماضية، وحين انتهى تنهدت ماريا تنهيدة طويلة ختمتها بقولها : البقاء لله رب العالمين، فرد والدها : نعم يا ماريا ونعم بالله، ولكن الجميع يريد حلاً، صمتت ماريا للحظات ثم قالت لجمانفيل : حسناً بعد انتهاء العزاء، ألا ترى أن الوقت غير مناسب الآن، رد جمانفيل بخبث ظاهر لم تره ماريا : طبعاً .. طبعاً ليس الآن أنا لم أقصد سوى أن تتذكري هذا الموضوع بعد انتهاء العزاء.

 

وصل سوماتو إلى منزل سوت، لم يجد أحداً سوى الأم العجوز فسألها والحيرة بادية عليه مستفسراً عن سوت والبقية، فأخبرته بوفاة هورين وأن الجميع في منزله للعزاء، ابتسم سوت موقناً في نفسه أن هورين لم يمت إلا لتكتمل حلقات المؤامرة ضده، فهذا الوقت لم يكن مناسباً أبداً لموت هورين. حين عاد سوت من العزاء سرد لسوماتو كل ما فاته من مناظر في الاجتماع وفي العزاء فضحك هورين ضحكة غير مفهومة وقال لسوت : الآن فهمت لماذا مات هورين، نظر سوت إلى عيني سوماتو فلم يستطع أن يستشف منهما أي معنى، في تلك اللحظة نادت جولي الجميع لتناول الإفطار. تحلقت الأسرة حول المائدة وحين اكتمل الحاضرين تساءلت جولي باستغراب : أين موزيك يا سوماتو ؟ لم نره منذ ذلك اليوم ؟

 

حين خرج القوم في تلك الليلة من منزل سوماتو السابق، سار موزيك ساهماً واجماً وراءهم للحظات ثم صار يمشي على غير هدى وبخطوات مترنحة سار مسافة طويلة حتى وصل إلى نهاية القرية عند طرف الوادي حيث منزل نيبال، من داخل السور كان هناك من يناديه : موزيك .. موزيك حينها أفاق موزيك من ذهوله، والتفت ليجد صديقته رينيد تلك البطة الثرثارة، نظرت رينيد إلى صديقها موزيك نظرة طويلة شرعت بعدها في الأسئلة، كان موزيك متعباً حتى أنه سقط مغشياً عليه قبل أن تتم رينيد سؤالها الثالث.

 

أما جوتان فقد كانت في مرقدها لم تفق من نومها العميق إلا حينما اقترب منها أحد الكلاب في اليوم التالي يريد حلبها ففزعت أيما فزع وركضت محاولة الهروب من الحظيرة، ولكنها كانت لم تستطع فما كان أمامها سوى الاستسلام، قام الكلب بحلبها وهي فزعة لا تقوى على النظر إليه، سألها الكلب : ما اسمك ؟ فردت بخوف شديد : اسمي جوتان، فقال لها الكلب : اسم جميل، يبدو عليك أنك طيبة يا جوتان لذا سوى أستأذن سيدي بيسان ليسمح لك بالبقاء بيننا وإطعامك حينما تجوعين، سألت جوتان بعد صمت دام لحظات : ومن بيسان ؟ فقال لها الكلب أنه سيد الأرض الجديد، حينها صمتت جوتان وفي رأسها تدور آلاف الأسئلة التي لا تجد لها إجابة ولكنها لم تهتم فطالما أن السيد الجديد سوف يوفر لها العشب والماء فهي بخير.

 

"هل تعلم يا كيلا لقد أخبرني والدي بالأمس أن كل ما ندرسه في المدرسة هو محض خرافات وأكاذيب" كان هذا مورين يحادث صديقه كيلا، فرد كيلا عليه : كيف يجرؤ والدك على مثل هذا القول ؟ صمت مورين، فيما واصل كيلا : هل تعلم أن هذه المدرسة قد أنفق عليها جمانفيل مبالغ طائلة لتصبح أفضل مدرسة طلعت عليها الشمس في الوجود ؟ رد مورين ببرود : نعم أعلم يا كيلا، أعلم تمام العلم. واصل الاثنان طريقهما نحو المدرسة في صمت لم تتخلله سوى بعض التعليقات من كيلا على ما يمرون به من أحداث في طريق المدرسة.

 

كانت بيزي تلهو كعادتها في أنحاء القرية حينما التقت برينيد، "صباح الخير يا حلوة" التفتت بيزي نحو رينيد وفي شوق شديد التفتت عليها صائحة : عمتي رينيد .. عمتي رينيد، "يا لك من قطة قليلة الوفاء لماذا لا تزورين أصدقاء والديك يا بيزي ؟" قالت رينيد ذلك بحزن والدموع تتقاطر من عينيها، ردت عليها بيزي وهي آسفة : لا أقصد يا عمتي رينيد، لكنني مشغولة أيما انشغال بالعمل في منزل سيدي سوت، لم يعفها ذلك من اللوم حيث نظرت إليها رينيد معاتبة : حتى انك لم تأتي لزيارة عمك موزيك وهو مريض طريح الفراش منذ عدة أيام، شهقت بيزي شهقة عالية وقالت في ذهول : ومنذ متى وهو على هذه الحال ؟ لقد كنت معه قبل بضعة أيام ولم يكن يشكو شيئاً على الإطلاق، أخذتها رينيد إلى حيث يرقد موزيك في قفصها، قالت لها وهما تنظران نحوه : لقد جاءني على هذه الحال منذ عدة أيام ولم يفق بتاتاً، لم أعلم منه أي شيء، ولكن الجميع أخبرني أنه بفعل الكلاب التي استولت على منزل سيده سوماتو وان هذا من أثر الصدمة التي لحقت به من جراء ذاك الاحتلال، "نعم سمعت بذلك، حتى أن سوماتو يسكن معنا في المنزل بعد أن أرغمته تلك الكلاب على ترك منزله وهو منذ عدة أيام يبحث عن موزيك ولا يجد له أثراً" قالت بيزي واتبعت "مسكين عم موزيك من كان يظن أن هذا سيحدث لك في يوم من الأيام"، عقبت رينيد بقولها : نعم ما كنا نظن أن شيئاً من هذا سيحدث في ذات يوم.

 

انتهى جانينر من عمله في حقل الذرة الذي يعمل فيه، وحمل سلة فارغة متجهاً بها صوب السوق ليشتري بعض الخضروات من عم "تيتاو" العجوز، كان العم تيتاو رجلاً كبيراً في السن، يعمل في محل الخضروات هذا ويجاهد من أجل البقاء على قيد الحياة بعد أن تخلى عنه أبناؤه الخمسة وسافر كل واحد منهم إلى بلد بعيد. "صباح الخير يا عم تيتاو" قال جانينر وهو يقف مقابل محل تيتاو، رد عليه تيتاو تحيته بتحية مثلها وهو منشرح الأسارير لرؤية جانينر، بدأ جانينر في سرد طلباته بينما العم تيتاو يجوب المحل وهو يحمل في كل مرة قبضة من خضرواته ليضعها في الميزان ثم السلة، وبعد انتهاء الطلبات حاسب جانينر عم تيتاو وجلسا يتبادلان أطراف الحديث الذي كان في اغلبه عن مأساة صديقهم سوماتو المسكين الذي جار عليه الدهر.

 

سار جانينر بعد أن خرج من محل تيتاو بمحاذاة النهر ليمر بغير قصد عبر أرض دومير، وجد بداخل الأرض سيدة تشبه مدام دوماري، ولكنه لم يكن متأكداً من ذلك إلى أن اقتربت منه فتأكد من حقيقتها، دعته السيدة دوماري لزيارة أرض دومير فتردد قليلاً إلا أنه سرعان ما وضع السلة جانباً ودخل معها الأرض، كان جانينر يعرف مدام دوماري معرفة سطحية وهي كذلك وإن كان بينهما احترام متبادل لا يدريان سره، بدأت مدام دوماري تشرح له كيف أن السيد جمانفيل قرر إقامة مدرسة لتعليم لغة الكلاب لجميع العمال القادمين من القرى المجاورة كما قرر بدء الأبحاث لإنشاء حروف مكتوبة لهذه اللغة لأول مرة في التاريخ، كانت مدام دوماري تشرح وهي متفاعلة مع الموضوع بكل جوانحها بينما جانينر يبحلق في بلاهة في العمال الجدد الذين أحضرهم بيسان من القرى المجاورة لنيبا حتى يقوموا بزراعة الأرض.

 

سوماتو العجوز كان يفكر طيلة ما مر من أيام في كيفية استعادة أرضه، كان يخطط هو وسوت سراً لاستعادة الأرض المغتصبة عنوة لأنهم كانوا يعلمون أن مجلس القرية لا يحل شيئاً ولا يربط، لذا قررا العمل في الخفاء وتجميع الأنصار دون أن يدري أحد بتحركاتهم سوى من يثقون به أشد الثقة، كان سوت متحمساً تماماً للفكرة، إلا أن سوت كان يود من سوماتو أن ينتظر حتى يجتمع مجلس القرية مرة أخرى حتى يبت في موضوع الأرض، لكن سوماتو كان له رأي مخالف، حيث كان يرى أنه يجب استعادة الأرض ثم إن كان هناك اجتماع بعد ذلك فسيجتمع و إلا فلا.

 

قرر جمانفيل أن يجتمع مجلس القرية في مساء اليوم التالي بمقر المجلس ليتشاور الجميع في موضوع أرض دومير وسوماتو، وفعلاً في ذاك المساء اجتمع الجميع حتى سوماتو، الذي كان يعلم تماماً أن النتيجة ستكون مثل سابقتها، سمح له بالحضور واجلس في مقعد المرحوم هورين إلى حين إيجاد مقعد له، حضر جمانفيل وجلس في مقعده مفتتحاً الجلسة بخطبته الشهيرة التي يعرفها الجميع إلى درجة أن بعض الحضور كان يردد معه بعض المقاطع المألوفة مثل ذلك المقطع الذي يقول : "نحن من ينشد العدالة والحرية لكل فرد في قريتنا العظيمة نيبا" وغيرها من المقاطع المحفوظة سلفاً.

 

بعد نهاية الخطبة ذكر جمانفيل أن مجلس الخواص قرر نظراً لوفاة هورين أن تقتسم الأرض بالتساوي بين بيسان وسوماتو، ورغم أن الجميع لا يذكر أن هناك خواصاً في قرية نيبا حتى يكون لهم مجلس، إلا أن أحداً لم يجرؤ على السؤال. أما جمانفيل فعند نهاية حديثه التفت إلى بيسان الذي كان يومئ برأسه علامة على الموافقة بينما التفت إلى مقعد هورين حيث يجلس سوماتو ليجده قد خرج من المجلس دون أن يراه أحد.

 

قرر جمانفيل أن خروج سوماتو كان من تأثير الفرحة والصدمة التي انتابته نتيجة للعدالة المطلقة لمجلس الخواص، لذا تم توقيع الاتفاق بين بيسان من طرف وجمانفيل نيابة عن سوماتو من طرف آخر،  ولكن جمانفيل أصدر قراراً بإيقاف نفاذ قرار التقسيم حتى يحضر سوماتو ويوقع على القرار بنفسه، صفق الجميع حتى نيبال صديق سوماتو الذي قال بينه وبين نفسه وهو يصفق : يا لعدالة جمانفيل.

 

أفاق موزيك من غشيته بعد غياب دام أياماً عن الوعي، نظر حوله فإذا المكان غريب، حينها حاول جهده أن يتذكر الأحداث التي تعصف بذهنه دون أن يستطيع تذكرها، وبدأ رويداً رويداً يتذكر حوادث الأيام السابقة حتى تذكر أن آخر ما رآه كان وجه رينيد، حاول جهده أن يسترجع التفاصيل الكاملة لأحداث تلك الفترة ولكنه عجز عن ذلك، فكان كل ما تذكره المهم من الأحداث أما التفاصيل فلم يستطع أن يتذكر أي جزء منها ولو كان صغيراً. اقتربت رينيد وهي غير مصدقة أن موزيك قد أفاق من غيبوبته حيته وهي جد سعيدة وأخذت تتجاذب معه أطراف الحديث وتملأ له بما سمعته من شائعات الثغرات الفارغة من ذكرياته التي محيت مع مرور الأيام.

 

في تلك الليلة، وبينما الجميع يغطون في نوم عميق، كان هناك اثني عشر رجلاً يعدون العدة للهجوم على أرض دومير، كان على رأس الفرقة العجوز سوماتو وإلى جواره سوت، كان الكل مستعداً للهجوم في ساعة الصفر التي ستحدد لا حقاً، كان من بين الحضور جانينر ونيبال الذين كان يثق بهما سوماتو أشد الثقة، مقر الاجتماع كان منزل سوت ومنه كان الهجوم مقرراً على أرض دومير، وبينما الجميع يرسمون الخطط ويدرسون احتمالات النجاح والفشل، اعتذر جانينر بأن الوقت تأخر وأنه ينبغي عليه العودة إلى منزله حتى لا يحس أهل المنزل بغيابه الطويل، قال له سوماتو : "لا تنسى ساعة الصفر يا جانينر، غداً في مثل هذا الوقت"، أومأ بالإيجاب جانينر وخرج من منزل سوت، ولكن الغريب في الأمر أنه اتجه إلى منزله عبر أرض دومير ولم يسلك طريقه المعتاد.

 

كان سوت يعلم حقيقة جانينر فقد رآه يتردد كثيراً على أرض دومير ويلتقي بتلك المدعوة دوماري ليتعلم منها لغة الكلاب في مدرستها المقامة في وسط أرض دومير، ولكنه لم يفصح عن شيء لبقية رفاقه، لذا حين طلب جانينر الخروج من المنزل تسلل سوت خلفه خفية وصار يراقبه من على بعد وهو لا يشعر به، حتى دخل أرض دومير فدخل خلفه إليها، واختبأ خلف صخرة كبيرة قريبة من الكوخ الذي تقطنه الكلاب.

 

استدار سوت خلف منزل سوماتو السابق حيث كان يحفظ خريطته عن ظهر قلب ومن نفس النافذة التي رآهم منها سوماتو وهم يلعبون الدومينو نظر سوت عبر النافذة فوجد الكلب الكبير بيسان يعوي ترحيباً بجانينر وجانينر يعوي مثل بيسان ليرد التحية له، لم يصدق سوت ما تراه عيناه، حاول التركيز مجدداً فلم يستطع، لذا قرر الرجوع إلى منزله قبل افتضاح أمره، لأن ما يريد معرفته قد تحصل عليه فلا معنى لبقائه والمخاطرة لرؤية المزيد.

 

كانت الحرب ضروساً تلك الليلة، شن الجميع هجوماً مبكراً دون استعداد بعد أن وصلت إليهم أخبار خيانة جانينر، ورغم ذلك وجدوا العدو مستعداً بعض الشيء وعنصر المباغتة قد تلاشى، هاجم الجميع بضراوة حتى بدأت أرض سوماتو القديمة في العودة لحوزتهم، ولكن جمانفيل تدخل كعادته منهياً الصراع بهدنة قام فيها بتزويد سكان أرض دومير بالبنادق ليواجهوا بها سوماتو ورفاقه الأبطال. بعد نهاية الهدنة اندلعت شرارة الحرب من جديد وكان التفوق فيها لصالح السلاح الناري، فاستسلم الجميع عدا سوماتو الذي فضل الموت على الاستسلام فكان أن مات سوماتو على أرض المعركة وهو يقاوم بعصاه جحافل عمال روميا والقرى المجاورة.

 

عقد الصلح بين الطرفين على أن يعود بيسان وعصابته إلى حدود أرضهم القديمة، ولكن سوت رفض العرض جملة وتفصيلاً، فكان أن احتفظ بيسان بأرض سوت الغربية وجعل عودتها مرهونة بتوقيعه على اتفاق الرق الذي وقعه مع بقية المحاربين.

 

أما نيبال فقد عادت إليه أرضه كاملة بعد توقيعه على الصلح مع بيسان وتعهده بعدم المشاركة في أي هجوم أو عدوان مستقبلي على أرض دومير، فكان له ما أراد، وانتهت المعركة بانتصار دومير وانهزام المزارعين، بسبب خيانة جانينر الذي فقد هو الآخر جزء من أرضه لصالح دومير، ولكن بيسان أقنعه أن الأرض ستعود إليه سريعاً وكل ما يحدث ما هو إلا ضريبة يدفعها حتى لا تحوم حوله الشبهات ويكشف سر تعاونه مع شعب دومير.

 

موزيك العجوز شارك في الحرب بكل ثقله، ولكن عند نهاية المعركة ووفاة صديقه سوماتو آثر العزلة وخرج من قرية نيبا إلى قمم الجبال المحيطة بنيبا إحاطة السوار بالمعصم هو ورينيد وبيزي وبعض الحيوانات الأخرى التي أصرت على استحالة التعايش مع الوضع الجديد، وفي قمم الجبال العالية التي تطل على السهل كان موزيك يدرب الصغار على حمل السلاح وقتال العدو، كان كثيراً ما يراه سكان نيبا يمر على عجل شاقاً أرض نيبا متجهاً إلى وجهة مجهولة لا يعلمها أحد ليعود بعدها إلى موطنه الجديد.

 

أما لوماه فقد تحول إلى قط خرف يهذي كثيراً حتى انه صار يمر بمنتصف القرية ويموء بصوت عال ليجذب أنظار الجميع إليه، ثم يمضي في طريقه يغني لأمجاد الماضي البعيد، كان منظره رثاً يوحي بسوء الحال، حتى أن الجميع لم يكن يقترب لعلمه باللوثة التي حلت به بعد تغير الأوضاع في قرية نيبا.

 

مدام دوماري مديرة المدرسة صارت هي الأخرى خرِفة بعض الشيء، كانت مديرة لمدرستين في آن واحد، كانت تدير مدرسة "الحقيقة الجديدة" التي تعلم أبناء الفلاحين القدامى وفي نفس الوقت كانت مديرة للمدرسة "الدوميرية" التي تعنى بتعليم أبناء الفلاحين الجدد في أرض دومير.

 

دومير ذلك الكلب الهرم، لم يره أحد منذ قيام بيسان باحتلال أرض سوماتو وقيل أن سيده جمانفيل قام بخنقه وإلقاءه في بئر القصر لأنه كان الوحيد الذي يستطيع أن يثبت أو ينفي حقيقة ملكيته لأرض دومير، لذا قرر جمانفيل التخلص منه، ولكن هذه مجرد إشاعة كانت تترد على أفواه مزارعي نيبا البسطاء.

 

السيد لايرو لازال كما هو منهمكاً في تأليف الكتب وتعليم الطلاب الصغار مبادئ الجغرافيا والحساب في مدرسة "الحقيقة الجديدة"، كان متفانياً في عمله إلى درجة بعيدة، حتى أن جمانفيل قام بتكريمه شخصياً في حفل خاص تقديراً لجهوده في بناء الجيل الجديد من أبناء قرية نيبا.

 

أما جانينر فقد قيل أن داءً عضالاً  ألم وأجلسه طريح الفراش، حتى أن الجميع لم يره منذ فترة طويلة، وإن كان ابنه "روتار" الذي تزوج جولي أخت سوت، كثيراً ما يرى هو وزوجته يتمشيان في أرض دومير، تحيط بهما فرقة من الكلاب المسلحة، أما عن عمله فقد قيل أنه لا يعمل كثيراً وأن أرض جانينر قد أصبحت بوراً بعدما صار والده ملازماً للفراش، الجميع يؤكد أن روتار يتمتع هو وزوجته بحياة وادعة بعيداً عن صخب القرية وضجتها.

 

الأبناء الثلاثة لهورين قرروا أن علاقتهم بأرض دومير هي مجرد علاقة اسمية لم تجر عليهم سوى المشاكل والويلات، لذا قرر الأبناء الثلاثة مع والدتهم ماريا ألا علاقة لهم بهذه الأرض من بعيد أو قريب، وأن أرضهم هي تلك الأرض التي يحتويها سور منزلهم، أما ما عدا ذلك فهو ملك لمزارعيه، كان هذا القرار بإيعاز من جمانفيل، الذي صرح جوري ذات يوم بأنه وعدهم بالذهاب معه للسكن في قصره البعيد إن هم فعلوا ما يمليه عليهم، ولكن جمانفيل لم يف أبداً بوعده.

 

قال المعلم لا يرو لكيلا : افتح كتابك يا كيلا وأقرأ لنا من الصفحة السابعة والستين، فتح كيلا الكتاب وشرع في القراءة ..

 

"قام الأوباش بالتحرش بسكان أرض دومير، ونتيجة لذلك التحرش اضطرت قوى العدالة في أرض دومير أن ترد على الهجوم بهجوم مضاد، كانت الحرب شرسة ودامت أياماً عدة والنصر فيها حليف لسكان أرض دومير، لولا التحيز السافر لجمانفيل الذي تدخل في الموضوع لصالح جانينر، بعد أن وصلت طلائع القوى الخيّرة إلى منتصف أرض سوت من جهة الشرق ودكت السواقي من جهة الغرب، فكان أن انسحب شعب دومير بناءً على تعليمات جمانفيل من النهر إلى حدوده القديمة وعقد شعب دومير الصلح مع الأعداء الغاشمين" انتهى.

 

 



#علاء_الدين_شاموق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دومير - 3/4
- دومير - 2/4
- دومير
- مدائن الشعر
- نافذة القلب المكسورة
- عبادة الفرد ... متى تنتهي ؟
- مريم
- غرانيكا .. اسقاطات مجتمع يمارس عادة الهذيان
- أيصبح شعري صريع الهوى
- وهَكَذَا ... مَاتَ الخَرْيِفُ فِيْ حَدَقَاتِ الوْطَنْ
- يا بغدادُ (بون جورٌ) أقول لكِ
- الغربة وصك العبودية
- شوق الشوق للأشواق


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الدين شاموق - دومير - 4/4