أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أنور النعيمي - قرّر أنت، ماذا تكون غدًا














المزيد.....

قرّر أنت، ماذا تكون غدًا


أنور النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7266 - 2022 / 6 / 1 - 05:33
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


دخل الأستاذ إلى غرفة الصف بابتسامة خفيفة وقلب محزون على هذه الأجيال التي لم تعد تهمّ بمستوى ثقافتها ولا محاولة الفصل في ذاتها بين أن يكون طالبًا متعلمًا داخل المدرسة وبين الولد الذي لم يطوي ركبه على مقاعد التعليم، واستقى من معلمه الأدب النفيس، والمعرفة القيّمة والسلوك العالي...
أشار الأستاذ إلى أحد التلاميذ الذي اختطَّ شاربه، وطال عوده، وكبر سنّهُ، وكان اسمه زيد: عزيزي الطالب منذ متى وأنت جالس على هذا المقعد؟
منذ ثلاث سنوات يا أستاذ.
يسأله الأستاذ بقلب مكلوم: ألم تملَّ منه يا حبيبي؟
يجيبه زيد بوجه يعصره الألم وصوت ينحدر منه الأسى: نعم يا أستاذ مللت وفوق ذلك الزملاء  الذين يجتهدون وينجحون يصعدون من الصفوف الأولية إلى مرحلتي يجلسون معي كلهم صغارًا بالنسبة لعمري وحجمي وعقلي، لكنني باقٍ في هذا المقعد أفكِّر في الأصدقاء الذين نجحوا وعبروا مراحل وأنا لا زلت هنا..
لا أعرف ماذا أصنع،
أحسُّ بأنهم ينظرون إلي بازدراء كبير، وتجاهل، كأنَّني شخص لا قيمة له..
يقاطعه الأستاذ: لكنك لستَ قليل قيمة يا زيد ولست فاشلًا أنت إنسان محترم ومرتب وشاب راكز داخل الصف، أنا لاحظت هذا الشيء منذ بداية العام الدراسيّ، لكنّك يا زيد فقط لم تجرِّب أن تتخذ قرارًا حاسمًا إلى الآن، أنت فقط لا زلت تفكر أنَّ والدك سيأتي إلى إدارة المدرسة ويكلِّم الأساتيذ والمدير؛ لكي يساعدوك، وتنجح، أنت فقط لم تزل ترى نفسك بذات المرآة التي كنت تتململ أمامها وأنت طفل صغير، وأمُّك تعبِّئ جيب بنطالك وحقيبتك المدرسية بما تشتهي نفسك، ثم تقبِّل عينيك، وتخرج إلى الباص الخاص بك..

الآن تغيرتْ الدنيا، الوضع الاقتصاديّ تغيَّر في البلد جميعها وليس في عائلتك فقط، لم يعد بالإمكان أن يوفرَ لك والداك ما يريحك من وسيلة نقل، ولا ملبس فاخر مثلما تريد، وغيرها من المتع الصغيرة التي كنت تستمتع بها في طفولتك.
الآن أنت رجل اختطّتْ شارباك، واخشوشن صوتك، وتكاملتْ شخصيَّتك، وتنامتْ أحاسيسك، ومشاعر المسؤولية الرجولية لديك، فعليك أن تكون على قدرها لا تصحو متأخرًا، ولا تتأخر في اتخاذ القرار الذي يعبِّد لك الطريق، ويضيء لك سلَّم المستقبل المتميِّز.
وزيد ينظر لأستاذه بعينين يملؤها الحزن الكثيف والشغف الكبير..
يكمل الأستاذ: نصيحتي لك أن تكون على قدر المسؤولية التي زرعها الله بك، فأعطاك الإيمان الواثق به، وأعطاك الملامح الإنسانية البديعة، وبثَّ فيك عطر المحبة للوجود والحياة؛ فاستثمر وجودك بالذي يرفع شأنك، ويهندم تشتتك وفوضاك، واستثمر طاقاتك الكبيرة في دراستك أولًا وفي حياتك الاجتماعية والعملية أيضًا؛ لأنَّك لن تكون شيئًا مذكورا ما لم تتعب وتبذل جهدًا لنفسك الآن، الآن..
فأنت الذي يشار له بالبنان؛ لأنَّك عمود الأمةِ الفقريِّ، وذراعها المفتول، فأنت بعمر ذلك الصحابي الذي أوعز له النبي محمد _صلى الله عليه وآله وسلم_ قيادة جيش المسلمين في إحدى الحروب.
وأنت ذلك الشاب الصغير الذي كان يلبس قميصًا مهترئًا بعض الشيء يسكن غرفة صغيرة في إحدى الدول الغربية، لا يعرفه أحد سوى صديقه الذي يؤمن به ويدعمه حتى في إنجازاته الصغيرة، فقرر هذا الشاب أن يفكر بصوت عالٍ، وأن يترجم أفكاره لإنجازات واقعية كبيرة، فضمَّ العالم كله في كتابه الأزرق فأصبح مليونيرًا، وأصبح أكثر شخصية مشهورة على مستوى العالم..
والقصص الواقعية كثيرة جدًّا التي تصور لك النجاحات الباهرة التي اقتلعها أصحابها من بين أنياب السباع، ومن عمق الفشل المريع، ومن بين فكَّي الفقر، والتخلف، والجهل، والتردِّي، لكنَّهم قالوا كلمتهم حين نظروا إلى أعماقهم، وآمنوا بما يحملون من شغف وأهداف وغايات، فوجدوا الأرض تنزوي لهم وأصبحت السماوات تخفض جناحيها فوق رؤوسهم...

إياك أن تقول: " أنا لا أستطيع فعل ذلك"
بل قل: " أنا أستطيع، وسأفعلها، وسأنجح متفوقًا على كل الظروف، ومقطِّعًا كل السلاسل التي قيدتْ همتي وعزيمتي..."
يستدرك الأستاذ ملاطفًا تلميذه: هل تعبتَ من الوقوف يا زيد؟
ينطق زيد بصوت خفيض لكنَّه صوت شغوف وممتلئ بما سمع: لا يا أستاذ أنا أشكرك من عمق قلبي لأنّك الوحيد من كلمني ونصحني بما أحتاج إليه من نصح، كل الذين يفرغون ما في جعبتهم في أذني من كلمات وألفاظ معتادة ويابسة وليست حقيقية لكنَّك يا أستاذ أشعر بحرقة قلبك وأنت تكلمني، شكرًا يا أستاذ.
اجلس يا زيد بارك الله فيك وفي وعيك وإدراكك إلى الدنيا التي تنتظرك غدًا، فكن مستعدًّا لها.



#أنور_النعيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أنور النعيمي - قرّر أنت، ماذا تكون غدًا