أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - ماذا أراد يحيى يخلف من -راكب الريح-















المزيد.....

ماذا أراد يحيى يخلف من -راكب الريح-


ناصر عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 7264 - 2022 / 5 / 30 - 21:56
المحور: الادب والفن
    


يوسف أسم البطل الأول في رواية "راكب الريح" للروائي الفلسطيني يحيى يخلف، وهو اسم النبي الذي ألقوه إخوته من أبيه في الجب، وهو اسم أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين موحد المغرب، وملحق الأندلس إليها تحت سلطته، ومؤسس دولة المرابطين، وهو الاسم الحقيقي لصلاح الدين الأيوبي، يوسف بن أيوب محرر القدس من الصليبيين، ومؤسس الدولة الأيوبية، واختيار الروائي يخلف للاسم مقصود بفعل حنكة الكاتب الحصيف، فمنحه صفات القوة والمتانة، والرجولة، والفحولة، مع بعض الصفات التي خالف فيها يوسف الريح لتجري في دمه، وما كان لها نصيب في تفكير السابقين من حملة نفس الاسم لقرين طغى وأبى الخروج من الحر إلا بحكمة تستردها الأحداث بعد المتاعب.
ولأن راكب الريح قويٌ متين، جعله الروائي عينًا ثالثة على وصايا المستضعفين في الأرض، وجيفاريًا بحتًا في سفرياته الهادفة، وشاعرًا رقيق الحس ومنبع عاطفةٍ إذا ما كانت يافا محراك وجوده، وفنانًا مميزًا يبهر طالبيه، وكاسرًا لكل حدود الطبقية المجتمعية، وجاريًا في قناعاته مصيون الاختراق، لا يشك أحدٌ في نزاهته، فهو الطموح، والواصل، والناصر، والمقتنع أن الحياة تستحق التضحية، فلا وجود الانكشاريين الحاكمين، والمتمردين على السلطان والعباد والبلاد، ومنها يافا، بالسوط والنار، ومذلي الوالي أقوى من حقه في الوجود، ولا هم النابليونيون الفرنسيون أشجع منه حتى ولو دمروا يافا وقتلوا والديه، وسحقوا الكائنات، سحق النار لهشيم التلال العطاش، فعكا القاهرة لهم ويوسف سببًا في هزيمتهم، وهو الفارس الذي لا يستسلم من منازلة سطى فيها أهل الباطل بقوة المادة على أهل الحق الضعفاء، والمستنزفين حد "السفر برلك"، وإن كان حزنه غليظ، و التخلي عنه أمر واقع، والعوز جاهز بكل أسلحته، إلا أنه باقٍ على نفسه بقوة خفية، انتصر فيها على القرين الذي عاش فيه على مسطرة الملذات، واللهو، والتبرح في متع الدنيا، ولأنه أخرجه بحكمة الحكيم، ومرجعه الخلوة، وضبط النفس، والصبر إلى الاصطبار، على تمارين الروح والجسد، استطاع أن يخرج من الجب إلى سيارة الضوء، بكل قوة، ودون ارتجاف، ليمد اليد البيضاء نصرة إلى مريديها، ويقف أمام الظلام وصنّاعه بفروسية ثباته، وعزيمة الأسد في عقله.
راكب الريح ليس سندباد فوميو كوروكاوا، ولا هو رامبو في الدم الأول، بل هو يوسف البسيط ابن التاجر أحمد آغا، وأمه بهنانة ربة منزل سعت لحسن تربيته، وغرست فيه أفضل الخصال، ولكنه محور الأحداث كلها في يافا والشام وأضنة وعكا وبقية الأمصار التي أرادها الروائي لتكون مسرحًا للبطل، فعين العدسة واحدة في كاميرا "راكب الريح" حيث يكون يوسف تكون، لا تشتيت ولا ملهاة، ولا فوضى في ترتيب الزمن على متسلسل سارح مع القارئ، ولا ضجر واقع في التشبيه الفني للأحداث.
ويوسف بفعل القرين الدنجوان عشق بهوى النفس النساء، فكانت العيطموس أول النساء التي أكسبت روحه لا جسده فقط ضبط إيقاع الغرام على دف العقل الراجح، وهو الصبي قبلها الذي كان يواعد الفتيات في الخلوات، وبقوة القرين يقضم شفاههن ويترك أثره بألم شديد، ويوسف الذي دخل قصر العيطموس ليرسمها بخيوطه، وألوانه، وفرشاته، وعيناه ضابط المناقب في جسدها، ليخرج أجمل ما فيها في لوحة آسرة، بارعة، كانت الفاتحة لقلبها وروحها، والمدد رغم منافيه، وقيعان القسوة التي عاشها بعيدًا عنها وعن يافا طلبًا للعلم، وهروبًا من الانكشاريين الذين هزمهم في معركة خاضوها لإذلال أهل يافا، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا بوجوده، فكانت مفاوضة بين الوالي الضعيف والسطوة المسلطة على الناس ومفادها أن يخرج يوسف من يافا، فكان خروجه لعلم وطبابة روح من قرين، وللروائي في متابعة الأحداث مصابيح ملونة، فلغته في يافا بحرية من ماء وموج، وفي الشام من ياسمين، ورمل يمده جبل قاسيون، وفي أضنة جبلة أخرى فيها الوداعة وسلامة الأنفس والطمأنينة، وكما كان لليافاوية العيطموس حكاية يفصّلها معها ويعيشها، كانت لذات السن الذهبية الشامية تفاصيل مختلفة، حوت واحتوتها الرواية بكثير من النفع، والفنتازيا، وكشفت وجه دمشق الشامية في عهد العثمانيين.
وتنشغل الرواية بالتوفيق بين الأديان من خلال المسلم، والسيخي اللذان أخذا يوسف برحلة طبابة روح إلى حكيم بعد أن اقناعاه بعمل يتوافق وفنه وهو الفنان بالرسم، والتخطيط، والزخرفة والرقش، والتزويق، في نسخ كتاب مهم للغاية بعنوان "دلائل الخير" وللحكيم فلسفة خاصة في علاج الإنسان من الجن والإنسان نفسه، ف(قل أعوذ برب الناس) عتبة واسعة، في عالمه الذي لم يتخل فيه عن خلوة بوذا، ولا صبر المسيح، وفي هذه المرميات من الحوادث، صور فنية للجغرافيا، وحركات الجسد، ولوازم المرء من الملبس والمشرب والمقعد والركوبة والبيئة، فكل مكان وله لغته عند يحيى يخلف، ولا نختلف معه بسردٍ يجري في نهر الكتاب جري النسائم على محيا عذراء يخدشها الحياء، و نوافقه على بعد نظره في الدلالات الموضوعة خاصة تلك التي جعلها ثابتًا في أعماله، وهي العودة من المنافي مهما طالت أو قصرت أزمنته، والصلابة بالمواقف رغم كل الأهوال والجلاجل، والبقاء للحق، لذا أعاد يوسف إلى يافا، وتركه رغم كل ما جرى لمدينة البحر، ورغم هجرة الحبيبة الأولى، فالأوطان لباس المرء، وحصنه، ومن يعيش دونها يبقى عريان المكانة والقرار، وضعيف المواجهة والتدبير.
في رواية" راكب الريح" كنوز من المعرفة، تدلت من مزهرية وسيعة في إيوان الروائي الكبير يحيى يخلف ابن قرية سمخ الشاربة من بحيرة طبريا، ولأننا نتحدث عن صاحب جائزة ملتقى الرواية العربية لعام 2019، فالحديث عن روائي له تجربته الثرية في الثقافة والإبداع، ولا كراهة بالقول إذا ما وصفنا يخلف بفنان العبارة الروائية، وبصير الثوابت في مسيرة ونضال شعبه.
الرواية من إصدارات دار الشروق في عمان الأردن ورام الله من عام 2016، زخرت ورقاتها 343 صفحة بمكنون الروائي العميق، وتنوره المفتوح على النور رغم شقوة الدرب، والغلاف شرفة المبتدأ الملونة ليوسف ومن خلفه العمران والزرقة على منقوشها في زاوية تطل عليه كشمس قادمة، والغلاف للمبدعة الفنانة التشكيلية ضحى الخطيب، والفصول 33 فصلاً أعطت مساحاتها لحمامٍ طائرٍ في سماءٍ تنتظر غيثًا لا مطر فيه ( لم يرد المطر في القرأن إلا وكان بعده العذاب والشدة) لتستعد يافا لبحر يحمل الغزاة إلى الهلاك في كل مرة، ويعيد سفن العشاق إلى الربوع.



#ناصر_عطاالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية - قمر بيت دراس- للروائي عبدالله تايه شهادة على نكبة أم ...
- قراءة في-قمرٌ وجسد مظلم- للكاتب علاء أبو جحجوح
- قراءة في رواية-ملائكة في غزة-
- تصويب لموضوع منشور
- رواية نضال الصالح -خبر عاجل- قدود حلبية بعد رماد ولهب
- قراءة في رواية( الحاجة كريستينا) للروائي عاطف أبوسيف
- قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش
- قراءة في ( ماقالته الرواة عن الحواري) لعبدالله تايه
- قراءة غير ناقدة في مجموعة -ناي ونرد- للشاعرة وسام عاشور البن ...
- يسرا الخطيب - الكائن بيقيني- إتباع الهايكو لوطن أجمل.. ( ناص ...
- لا تموت هناك
- الصنم


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - ماذا أراد يحيى يخلف من -راكب الريح-