|
الأنسنة في شعر فاضل العتابي
فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 21:08
المحور:
الادب والفن
اقتصر تعريف الجرجاني للإنسان على تعريف الفلاسفة له بأنه "الحيوان الناطق1*" وفي لسان العرب نجد ّعدة مفاهيم له " فالإنسان أصله إنسِيان لأن العرب قاطبة قالوا في تصغيره أُنسيَان.. وذُكر للإنسان معنىً آخر وهو النسيان، هو ما كان على لسان ابن منظور عن ابن عباس قوله: "إنما سُمِّي الإنسان إنساناً لأنه عهد إليه فنسي؛ بدليل قوله تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم يجد له عزمًا) [طه: 115]، وبهذا المعنى قال الكوفيّون إنه مشتقٌ من النسيان. وفي قاموس المعاني : الإنسان: - اسم جنس لكائن حيّ مفكِّر قادر على الكلام المفصَّل والاستنباط والاستدلال العقليّ، يقع على الذَّكر والأنثى من بني آدم، ويطلق على المفرد والجمع.
وعليه فقد غدى مصطلح الأنسنة أحد المصطلحات الأدبية والنقدية التي نقرأها - مؤخراً – فحواه؛ بإيجاز هو كل مَن يخلع عليه صفة بشرية، أو يمثله في صورة بشرية، أي أنسنته؛ حيث يتم إنزال غير العاقل من الحيوان أو النبات أو الجماد أو المعاني المجردة منزلة العاقل من حيث النطق والحركة . أشكال الأنسنة جاءت كما يأتي : - أنسنة الحيوان : وللعرب انتاج غزير في الأنسنة على لسان الحيوان من خلال كتاباتهم الأدبية وخاصة حضارة وادي الرافدين حيث" أنهم يملكون أضخم إنتاج أدبي يتعلق بقصص الحيوان، ويستوي في هذا الأدب الذي نقله المؤلفون من الجاهلية في كتب الأمثال أو الذي وضعه أدباء الحضارة في بغداد والأمصار، أو ما ورد في الأدب التعليمي والذي ترجمه العرب إلى لغتهم، فاستوعبته اللغة العربية وأصبح جزءا منها "*2 . - وأيضًا لا ننسى كتاب "كليلة ودمنة"لصاحبة "ابن المقفع" فقد جاءت قصصه على ألسنة الطير والبهائم صيانة لغرضه فيه من العوام، فجمع حكمة ولهوًا حتى اختاره الحكماء لحكمته والسفهاء للِهوه.*3
ومن الأمثلة على أنسنة الحيوان هو ما جاء على لسان الشاعر كميت يصف ذئبًا لقيه: "تضوع يشكو ما به من خصاصة وكاد من الإفصاح بالشكو يُعرب قلنا له هل ذاك فاستغن بالقرى ومن ذي الأداوي لك مشرب"*4
وأنسنه الحصان جاء على لسان العتابي قائلًا:
"امتطي حصاني الأخضر برشاقة لص يقطف الأوراق ويودعها قد يفور"5*
- أنسنة النبات: النباتات من أكثر الأشياء قربًا إلى نفس الشاعر وأشدها تأثيرًا عليه، والطبيعة بمظاهرها المختلفة، من نبات ونخيل وشجر مختلف ثمارها، وتمثل الشجرة في الكثير من مجالات الحياة الإنسانية رمزًا مهما، فهي من أغنى الموضوعات الرمزية وأكثرها شيوعًا. وهذا ما جاء في نص الشاعر فاضل العتابي حين أنسنة الشجر ، وقرأ توجعاتها ولمس دمعها ونهاية مطافها. حيث قال: للأشجار عيون تبكي تبكين على من؟ ستبكين بلا انتهاء...*6
- أنسنة الجماد : إنه مصطلح قديم من حيث إنطاق الجماد ، حين أشار إليه ابن رشد حين استعمل عبارة " إقامة الجماد مقام الناطقين"*7 كما جاء في قول الشاعر العتابي: "سدرة الموت حلمت بها تحملني تبكي بصوت مسموع تودعني تلك الأرض".8*
وأيضًا. "مددت عنقي الطويل أطول من مسبحة أمام المسجد سمعت طقطقات عنقي مثل طقطقت مسبحة الأمام وهي تتلو الكفر بين أصابعه"9*
وخاتمة قولي : أن الأنسنة هي بحث عن صفات الإنسان في الكائن المغاير له فزيولوجيا، سواء أكان ملموسًا أم غيبيًا،وهي مشتقة كما رأينا من كلمة الإنسان على لفظها، يعني على ما عليها من زيادات، أمّا في البلاغة العربية القديمة نجد مصطلحًا آخر يؤدي الغرض ذاته في جعل الشيء إنسانًا أو على صورة إنسان وهو مصطلح (التشخيص). _________________ - 1*: عبد القاهر الجرجاني، التعريفات، الدار التونسية للنشر، دط، 1971 ،ص: 21._ - 2*: داود سلوم، قصص الحيوان في الأدب العربي القديم، ، دار الرشيد، العراق، دط، 1979 ،ص: 09 . - *3 : - ينظر: عبد االله بن المقفع، آثار ابن المقفع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ط1 ،1989 ،ص: 03 . - *4: - شاكر هادي شكر، الحيوان في الأدب العربي، ج2 ،ص: 132 . - 5* فاضل العتابي، من سيرة الجنون. - 6* من نفس المصدر - 7*: - أيت أوشان علي، التخييل الشعري في الفلسفة الإسلامية، اتحاد كتاب المغرب، دط ، 2004 ،ص:462 - 8* من نفس المصدر - 9* من نفس المصدر
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سطوة شغف
-
ريح الهزيمة
-
طوق عناق
-
القصيدة المُختالة
-
ضرير القلب
-
ظل حلم
-
ذاكرات الوجد
-
نقض ميثاق الهوى
-
دبيب التفاصيل
-
أينما حلت المرأة يكون العالم بخير.
-
غير ذي حصاد
-
قرابين الهجر
-
قرابين الهوى
-
قصيدة المشتهى
-
قضمة لقاء
-
صوتك الأزرق
-
بصرية اللؤلؤ الأسود
-
حنايا الترقب
-
عناقيد الصفو
-
كلمة عشق كافرة
المزيد.....
-
الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار
...
-
سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو
...
-
المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ
...
-
ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض
...
-
بغداد السينمائي يحتفي برائدات الفن السابع وتونس ضيف الشرف
-
أبرز محطات حياة الفنان الأمريكي الراحل روبرت ريدفورد
-
حوار
-
ماري عجمي.. الأديبة السورية التي وصفت بأنها -مي وزيادة-
-
مشاهدة الأفلام الأجنبية تُعاقب بالموت.. تقرير أممي يوثق إعدا
...
-
وفاة الممثل والناشط البيئي روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عام
...
المزيد.....
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|