أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فرانك غارسيا - اليسار النقدي في كوبا















المزيد.....



اليسار النقدي في كوبا


فرانك غارسيا

الحوار المتمدن-العدد: 7233 - 2022 / 4 / 29 - 10:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مقابلة مع فرانك غارسيا هيرنانديز أجراها بابلو أوبريناري وميلتون دوليون

نشرت المقابلة باللغة الانكليزية في موقع صوت اليسار بتاريخ 27 شباط/فبراير 2022، نقلها عن الاسبانية سكوت كوبر مع بعض الاختصارات.



في آخر شهر كانون الأول/ديسمبر، أجرى عضوان من الفصيل التروتسكي، بابلو أوبريناري وميلتون دوليون، مقابلة مع فرانك غارسيا هيرنانديز، عالم الاجتماع الكوبي، والمؤرخ الماركسي، والاختصاصي بالتروتسكية الكوبية، والمناضل في صفوف اليسار النقدي، وعضو هيئة التحرير في الموقع الالكتروني كومونيستاس. اعتقل في هافانا خلال مظاهرات 11 تموز/يوليو واتهم بـ”الإخلال بالنظام العام” على الرغم من عدم وجود دليل يدينه. أطلق سراحه لاحقاً لكنه اتهم باتخاذ “مواقف سياسية معادية للثورة”، وهناك جهود لطرده من الحزب الشيوعي الكوبي.

في هذه المقابلة يناقش غارسيا النقاشات والجدالات التي يجري تطويرها داخل اليسار النقدي الكوبي، إضافة إلى ما حصل في الجزيرة وطرق الخروج من الأزمة الكوبية. في وقت لا يشاركه من أجرى المقابلة معه كل آرائه، لكن التعريف بها هو أمر بالغ الأهمية.



بداية، ما معنى مظاهرات 11 تموز/يوليو في كوبا؟ يشير موقع كومونيستاس وكتاباتك إلى أن المظاهرات في ذلك اليوم تظهر مدى استياء قطاعات واسعة من العمال والشباب بشأن الاجراءات التي اتخذتها حكومة الرئيس ميغيل دياز-كانيل، والمستندة بشكل أساسي على توحيد العملة في الجزيرة. لقد وصفت هذه السياسة بالصدمة زادت وضع الجماهير سوءاً الذين هم أساساً في وضع صعب ويواجهون في وقت واحد الحصار الإجرامي الذي تفرضه الامبريالية وسياسات البيروقراطية. إلى أي مدى تعتبر أن 11 تموز/يوليو قد غيّر من الوضع السياسي والاجتماعي في كوبا، من وجهة نظر كومونيستاس، ماذا يعني ذلك بالنسبة للمستقبل؟

بشكل أساسي، ترك 11 تموز/يوليو خلفه تحديات جديدة لليسار النقدي الكوبي، اليسار البديل، اليسار الجديد، أطلق عليه التسمية التي شئت. أختار تعبير اليسار النقدي- وهو قطاع سياسي سأحاول تحديده لاحقاً. لقد تغلبنا على هذا الوضع، وحتى، إلى حد ما، أطلق سراحنا.

أعتقد كذلك، كان هذا هو الحال في الواقع، أنه على اليسار النقدي اعتبار احتجاجات 11 تموز/يوليو ذات طابع شعبي، إلا أنها ليست مناهضة للرأسمالية على نحو خاص، لأن من خرج إلى الشارع لم يكن يحمل مثل هذا البرنامج. كل التظاهرات كانت بالكامل عفوية؛ لا تستطيع أي مجموعة معارضة الادعاء أنها حركت الآلاف من الناس الذين تظاهروا. في هافانا، شارك ما بين 3000- 5000 في مسيرة سلمية في البداية امتدت لنحو 4 أو 5 كيلومترات. كانت أعمال العنف الوحيدة المرتكبة هي الاعتقالات والعنف الشديد الممارس خلال قمع المظاهرة حين اقتربت من ساحة الثورة.

هذه هي إحدى الموروثات الأساسية التي تركتها تظاهرات 11 تموز/يوليو: ما يجب على اليسار النقدي فعله في مواجهة مظاهرة أخرى محتملة وما إذا كان يجب أن يدافع عن تظاهرات 11 تموز/يوليو وجعلها تظاهراته. أعتقد ذلك، على الأقل لإعطائها تحليل ماركسي يقوم على فهم أن تلك التظاهرات هي ذات طابع شعبي. وإلا ستسقط بيد المعارضة اليمينية والثورة المضادة في ميامي- الثورة المضادة التي تستضيفها الولايات المتحدة والامبريالية نفسها، والتي حاولت الادعاء بأنها تتزعم مظاهرات 11 تموز/يوليو، هذا الادعاء غير صحيح بالكامل. الحقيقة الأقوى التي تكشف أن مظاهرات 11 تموز/يوليو لم تديرها ولم تسيطر عليها الثورة المضادة، ولم تدعُ إليها أي منظمة، وما الدليل على ذلك هو فشل مسيرة 15 تشرين الثاني/نوفمبر.

صحيح أن الحكومة الكوبية قمعت بشدة تظاهرة 15 تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أن هذا الأمر يعني كذلك أن اليمين لم يفهم على الإطلاق دوافع الجماهير التي خرجت يوم 11 تموز/يوليو. لا يمكنهم فهمها خاصة بسبب سياساتهم اليمينية والمعادية للثورة والقيود السياسية. في النهاية، هم معادون للثورة وسيعارضون الجماهير ومطالبها. وهذا هو الخطأ الكبير. ذلك هو الطابع السياسي الطاغي على من دعا لتظاهرة 15 تشرين الثاني/نوفمبر.

بأي معنى ترى أن الدعوة للتحرك يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر تختلف عن تظاهرات 11 تموز/يوليو؟

كما كنت أقول عن دعوة 15 تشرين الثاني/نوفمبر وفشلها، في الواقع لم يكن خطأ، إنما أظهر الطابع السياسي الحقيقي لمن دعا لتلك المسيرة. الطابع الأساسي لمنظمي المسيرة هو أنهم لم يفهموا أن تحرك 11 تموز/يوليو كان له طابع شعبي، ووضعَ على الأجندة الاحتياجاتِ الأساسية للطبقة العاملة. الشعار الأساسي لتموز/يوليو يمكن تلخيصه بأن الشعب، الجماهير، تريد المزيد من الطعام والدواء. كان بإمكاننا التعمق في أسباب ما الذي أدى إلى تجذر التظاهرات، ولكن لم تكن الحقوق المدنية هي التي حركت الناس، والتي أدت إلى الانفجار الشعبي في 11 تموز/يوليو- هذا ما حاول المعادون للثورة والمعارضة اليمينية تفسيره.

أما بالنسبة إلى مجموعة أرخبيلاجو Archipiélago، التي نظمت 15 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي ادعت في البداية بأنها نوع من الجبهة العريضة، فقد أظهرت أن هذه القطاعات الاشتراكية الديمقراطية، عندما تتجه إلى الوسط، ينتهي بها الأمر بالانجراف تماماً نحو اليمين.

كان المتحدث الرسمي لمجموعة أرخبيلاجو، جونيور غارسيا قد ادعى فعلاً في خطابه أنه ليس يمينياً أو يسارياً. دون التمييز بين نفسه وبينها، وافق على الدعم الصريح للمجموعات الداعية إلى عودة الرأسمالية والمدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة. إنني أتحدث عن المجلس من أجل الانتقال الديمقراطي في كوبا، والمكون من منظمات يمينية بشكل صريح، كالاتحاد الوطني الكوبي. يمكنك الاطلاع فقط على برنامج المجلس الاقتصادي للمرحلة الانتقالية؛ إنه نيوليبرالي بالكامل. شخصياً، أنا ممتن لأنهم كانوا واضحين في فضح برنامجهم السياسي، بدلاً من محاولة التستر عليه.

حتى عندما وافق جونيور غارسيا على دعم المجلس من أجل الانتقال الديمقراطي في كوبا، فإنه لم ينأَ بنفسه عن سياساته، الأمر الذي أفقده كل مقاربته، إن كان لديه واحدة، بما خص مصالح ودوافع وأسباب الـ 11 تموز/يوليو. الرجل الثاني في أرخبيلاجو هو ليوناردو أوتانيو، الذي أعلن مؤخراً الشعار التالي: “تسقط الشيوعية! عاش المسيح الملك!”، سافر جونيور غارسيا إلى الخارج، والتقى بالجناح اليميني في اسبانيا، وباليميني الفنزويلي ليوبولدو لوبيز، ولم يكن قلقاً بالحفاظ على صلاته بخوان غوايدو.

أما بالنسبة إلى التواصل مع اليسار، فإن أفضل ما فعله كان التواصل مع ماس باييس، تجمع وسطي، وحتى نتحدث بشكل مهذب هو النسخة الكوبية من بوديموس في اسبانيا، والذي لا يمكن ألا يكون إلا وسطياً. كل هذه التنظيمات لها نفس المحدودية الطبقية، وتحليلها الطبقي الخاص، وخلفيتها الطبقية الخاصة، وكل ذلك يجب أخذه بعين الاعتبار. وهناك أجزاء من البرجوازية تدعم بشكل واضح أرخبيلاجو. كل ذلك منع نجاح تظاهرة 15 تشرين الثاني/نوفمبر، إضافة إلى القمع والضغط الشديدين الذي شنتهما الحكومة الكوبية. لو كانت تظاهرة 15 تشرين الثاني/نوفمبر عفوية، ولو كانت الدعوة إليها ثورية، لكانت التظاهرة ضخمة. هذه المحدودية السياسية هي التي جعلت من 15 تشرين الثاني/نوفمبر بعيدة كل البعد عما جرى يوم 11 تموز/يوليو.

لقد كنت واضحاً للغاية بشأن ما أدى إلى 11 تموز/يوليو في كوبا: الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للناس، والتي تظهر انعدام المساواة الاجتماعية. في هذا الإطار، كيف تربط بين زيادة انعدام المساواة الاجتماعية في كوبا والتدابير التي جرى اتخاذها لدفع الرأسمالية قدماً؟ كيف ترى دور البيروقراطية في هذا الإصلاح؟

أريد بداية التوضيح، انه لا يوجد بيروقراطية متجانسة، إنما ثمة خطين سياسيين. من جهة، هناك البيروقراطية الفيديلية والتي تصر على السياسات الاجتماعية، ومن ناحية ثانية هناك البيروقراطية الدينغشياوبينغية [نسبةً إلى دينغ تشياو بينغ]، الموالية للبيروقراطية الصينية والدوي موية على نسق الإصلاحيين الفيتناميين، وهي أقرب إلى الواقع الكوبي مما فعلته الصين، حتى مع بعض التداخلات. لا يزال هناك نقاش واسع داخل الحكومة الكوبية، وهو صراع واسع لمعرفة أي خط سياسي سيسيطر، يبدو أن الخط الفيديلي قد أخّر تقدم خط الدينغشياوبينغية.

عندما أعلن في شهر كانون الثاني/يناير أنه سيتم توسيع القطاع الخاص من خلال تراخيص جديدة في مناطق جديدة- تجدر الإشارة إلى أن القطاع الخاص هو بأغلبه خدماتي، وخاصة المطاعم والفنادق- وعندما أعلن أن القانون سيسمح بذلك، أي السماح بالمؤسسات الصغيرة والوسطى، فذلك عنى أن القطاع الخاص سيزداد حجمه بشكل ملحوظ، الأمر الذي من شأنه تقوية البرجوازية، فتوقعنا بداية نموذج صيني، بدءا من الموارد الأساسية، المعادن وسوى ذلك، حتى كسر احتكار التجارة الخارجية. توقعنا قيام مصانع أكبر، تحت سيطرة القطاع الخاص البرجوازي، ولكن عندما منحت التراخيص، اتضح أن الخطوة الكبيرة نحو اقتصاد القطاع الخاص لم تتحقق. لقد كان ذلك نكسة كبيرة لخط الدينغشياوبينغية.

في خطابه الافتتاحي أمام المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الكوبي، الذي انعقد في نيسان/أبريل الماضي، أكد راوول كاسترو وحذر من عودة محتملة للرأسمالية وحذر، من دون ذكر أسماء، أن بعض القادة وبعض البيروقراطيين، يريدون المضي قدماً عبر خصخصة وسائل الانتاج. حقيقة أن راوول، الشخصية التي روجت للإصلاحات الموالية للصين اتخذ هذه الخطوة في المؤتمر الثامن، يظهر أنه داخل أعلى قيادة في البلد، حتى لا نقول مواجهة صريحة، تقام قطاعات ومعارضات وتتوضح السياسات. قد يؤخر هذا الموقف عودة الرأسمالية التي حصلت بوحشية في الصين خلال الـ 1990ات، مباشرة بعد هبة تيانانمين ونهايتها المفاجئة.

خلال هذه المرحلة، هناك مسألة مهمة، على كل ماركسي وشيوعي أن يأخذها في عين الاعتبار، هو الدور الأساسي للثورة الأممية عندما يعزل البلد الاشتراكي. الواقع يظهر اليوم أننا نختبر ما لا يمكن نفيه أن كل محاولة لبناء الاشتراكية من دون ثورة أممية، ستنتهي بالتراجع التدريجي وأحياناً بسرعة كبيرة. لطالما أتذكر ما قاله غيفارا في خطابه بالجزائر في الجزائر عام 1965. وأنا أعيد الصياغة. قال إن الاشتراكية تتحقق بشكل أساسي فقط عندما يجرى القضاء على كل أنواع استغلال البشر على يد بشر آخرين، وأن الاشتراكية تبنى عندما يتحقق التقدم في القضاء على مثل هذا النوع من الاستغلال، ولا يمكن للمرء حتى التحدث عن الاشتراكية عندما تكون الإجراءات المتخذة هي في خدمة استغلال البشر من قبل بشر آخرين.

لذلك، لا نستطيع القول إن القرارات المتعلقة بتثبيت العملات عام 2021 أنها إجراءات اشتراكية. لم تكن اشتراكية لناحية دعمها توسيع القطاع الخاص. لم تكن اشتراكية؛ لأنها رفعت أسعار الخدمات العامة، في بعض الحالات بشكل حاد للغاية- مثل النقل العام، والذي زادت أسعاره 500 بالمئة في هافانا. وعلى الرغم من احتساب زيادة الأجور على أنها تساوي الزيادة في الأسعار والتضخم المحتمل الذي قد تتسبب به مثل هذه الإجراءات، الأخطاء ذاتها التي تتضمنها هذه الأخيرة سببت تضخماً عند مستويات لم نشهدها منذ فترة أزمة “الفترة الخاصة” في الـ 1990ات.

هل يمكن أن تقول المزيد عن حالة الاقتصاد الكوبي؟

أود إجراء مقارنة ضرورية مع أزمة الـ 1990ات في كوبا، والتي جاءت إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وما يسمى بالمعسكر الشرقي في أوروبا الشرقية، عندما خسرت كوبا 85 بالمئة من شركائها التجاريين. في ذلك الوقت، كانت العلاقات الاقتصادية لكوبا مع دول أميركا اللاتينية والكاريبية سيئة جداً.

بطريقة ما، كان من الأسهل على الحكومة تنفيذ “الفترة الخاصة” لأنها لم تكن أكثر من إعادة توجيه السوق والبحث عن شركاء جدد. ولكن الأزمة الاقتصادية اليوم هي أصعب بكثير لأن كوبا انتهى بها الأمر لأن تكون دولة تعتمد تقريباً بشكل وحيد، وعلى الأقل بشدة، على السياحة، والتي انهارت على المستوى الدولي منذ عام 2020، مع انتشار جائحة الكوفيد-19. شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، أعلن وزير الاقتصاد أليخاندرو جيل أنه حتى ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 بالمئة، يجب أن تستقبل السياحة 4،5 مليون سائح عام 2020 وأن تبقى الأسعار العالمية مستقرة. وبحسب البنك الدولي، أزمة عام 2020 كانت أسوأ من أزمة 1929، حيث جاء إلى كوبا فقط 1،3 مليون سائح. كانت أرقام العام 2021 أسوأ. عند نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، كان قد وصل إلى كوبا ما مجموعه 200 ألف سائح فقط. فإذا كان الاقتصاد بحاجة إلى 4،5 مليون سائح حتى ينمو الناتج المحلي الإجمالي 1 بالمئة فيحصل في الواقع على 200 ألف، فما هو الاقتصاد الذي نتحدث عنه؟ نحن نتحدث عن اقتصاد شبه منهار.

عندما نتحدث عن العقوبات الأميركية، يجب التحدث عن العقوبات الجديدة التي فرضها ترامب، والتي زادت من حدة الحصار. دعوني أذكر جانباً لمدى حدتها. تتعامل شركتا شحن فقط مع كوبا. مؤخراً، علقت أطنان من الحليب المجفف والدجاج في دول أخرى لأنه لا يوجد شركات شحن على استعداد للمخاطرة بنقل هذه المواد الغذائية الأساسية للشعب الكوبي. الناتج المحلي الإجمالي لشهر تشرين الأول/أكتوبر، بحسب أليخاندرو جيل في الجلسة العامة الثانية للحزب الشيوعي، انخفض بنسبة 13 بالمئة، وهو الرقم الأسوأ في تاريخ الثورة الكوبية. من العام 1959 حتى اليوم، سجل أسوأ رقم عام 1992، بنسبة تزيد قليلاً عن 11 بالمئة.

في نهاية العام الماضي، قال وزير السياحة إنه منذ رفع القيود المفروضة على السياحة الخارجية في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، استقبل البلد 50 ألف سائح حتى 15 كانون الأول/ديسمبر. وقد جرى تقديم هذا الرقم باعتباره رقماً متفائلاً، لذلك لا يمكننا إلا أن نتخيل ما يجب أن تكون عليه الأرقام قبله.

يمر الاقتصاد الكوبي بأزمة، وهي أزمة متأثرة بالرأسمالية الدولية، ما لم تنتعش السياحة على الصعيد الدولي، لا يمكننا الكلام عن انتعاش الاقتصاد الكوبي. هنا أيضاً، وهذا ما تحدثت عنه سابقاً: من دون انتصار الثورة عالمياً، حتى مع وجود ثورة على الصعيد المحلي، فإن أي محاولة لبناء الاشتراكية تنتهي بخنقها.

في هذا الإطار، كيف أثرت هذه الأزمة على الناس؟ هل أدت سياسات البيروقراطية، مع قرارات توحيد العملات، إلى زيادة انعدام المساواة الاجتماعية والاقتصادية؟

نعم، لقد زادت بوضوح مستويات انعدام المساواة- لأن قرارات توحيد العملات- من خلال تحفيز القطاع الخاص، أي تشجيع البرجوازية- ساعدت على تركيز الثروة في يد قطاع صغير من المجتمع. إنها مسألة خطيرة: فالبرجوازية الكوبية كجزء من الاقتصاد الخاص- من جديد، المرتكز على القطاع الخدماتي، بشكل أساسي المطاعم والفنادق- لا ينتج شيئاً ويستهلك الطعام ومواد التنظيف. بكلمات أخرى، له تأثير سلبي- من الناحية الاقتصادية- على الطبقة العاملة الكوبية، وعلى الأكثر هشاشة.

أدى الحصار نفسه إلى زيادة تعقيد الاقتصاد الكوبي لأن الولايات المتحدة تضيق على الشركات والدول التي تسعى إلى التعامل مع كوبا. لا تريد الشركات قبول الدولار الأميركي. وبسبب ذلك، وجدت الحكومة الكوبية نفسها، فجأة، مع فائض من الدولارات في آذار/مارس الماضي. وهذا يبدو غير منطقي تقريباً، إلا أنه صحيح. أنظر فقط إلى مدى تشويه الحصار الأميركي للاقتصاد الكوبي. لأن شركاء كوبا التجاريين لا يريدون قبول الدولار لأن نادي باريس- أحد ممولينا الرئيسيين- لا يريد قبول دولاراتنا، ولأن روسيا والصين قد تخليا عن استعمال الدولار بالكامل، ماذا يمكن للحكومة الكوبية فعله؟ فقررت عدم السماح لأي شخص بإيداع الدولار في البنوك. أثار هذا القرار نوعاً من ولادة عملة رقمية جديدة لا يسيطر عليها سوى السوق السوداء.

بحسب الاقتصاد السياسي الماركسي، فُصلت القيمة الاستعمالية عن القيمة التبادلية. ومنذ أن الدولارات الورقية لم تعد مفيدة لشراء الطعام، انخفض سعر الدولار، وولد الدولار الرقمي بسعر مختلف. تحتاج الطبقة العاملة إلى الدولارات للشراء من تلك المتاجر، وبيع الدولارات الرقمية، والتي تسمى عملة قابلة للتحويل بحرية وهذه نفسها صفقة أخرى. نحن نواجه فشلاً في القرارات المتعلقة بتحديد العملات لأن الحكومة لم تكن قادرة على توحيد سعر الصرف. في السابق انتشرت في السوق عملتان متدولتان، البيزو القابل للتحويل والبيزو الوطني، كانت لدينا على الأقل عملات تسيطر عليها الحكومة. لكن الحكومة تواجه اليوم أزمة وجود عملة لا تسيطر عليها- الطريقة الوحيدة التي يمكن السيطرة عليها هي إذا اختفت متاجر العملات القابلة للتحويل. ولكن الحكومة بحاجة إلى هذه المتاجر كوسيلة للحصول على الدخل من العملات الأجنبية التي تحتاجها، والتي لا تأتي من السياحة. كل هذه العوامل تساهم في الأزمة الاقتصادية الكوبية.

ليس بين يدي مؤشر جيني، والذي يتتبع معدلات الفروقات الاجتماعية، لذلك لا يمكننا التحدث إلا بشكل تجريبي عن تأثير التضخم على نقص الغذاء عند عائلات الطبقة العاملة الكوبية.

أريد التوضيح أنه عندما أتكلم عن البرجوازية، فأنا أتحدث عن تلك التي نشأت عندما استئنف نشاط اقتصاد القطاع الخاص عام 1993. من ثم، كانت طبقة في حد ذاتها لم تطور ثقافتها الخاصة، وسياساتها الخاصة. بكلمات أخرى، لم تكن قد أصبحت بعد طبقة لذاتها. لقد كان إجراءً تكتيكياً أعلنه فيديل كاسترو نفسه، الذي قال إنه لا يوجد أي خيار سوى إجراء هذا التغيير وأنه سيغيّره قريباً. وكما حدث مع ثورة شافيز البوليفارية، عندما انتصرت في فنزويلا وبعد ذلك تولى عدد من الحكومات القومية اليسارية زمام المبادرة في بعض الدول اللاتينية، حصل مسار لبعض الاقتصاديات الإيجابية في كوبا- وعلاقة أفضل بين السلطة والاقتصاد. من ثم، مع بداية عام 2002، أوقف فيديل توسع القطاع الاقتصادي الخاص وعكس مساره. لكن الحكومة الحالية لا تفعل ذلك. هي لا تفكر بالعودة إلى الوراء فقط، إنما هي أعطت القوة القانونية والدستورية للقطاع الاقتصادي الخاص. أعني البرجوازية. انطلاقاً من تحليل أكثر شمولية، يمكننا فهم أن هذه البرجوازية هي نتاج الإجراءات التي أخذتها البيروقراطية.

لقد تحدثت عن الافتقار إلى التجانس وسط البيروقراطية الكوبية، وأنه يوجد جناج فيديلي وجناح دينغشياوبينغي. هل يمكنك التوسع قليلاً، والإشارة إلى بعض الشخصيات الحكومية المهمة الموجودة في كل جناح؟

أفضل طريقة لرؤية هذا الواقع هو عبر النظر إلى مكونات المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكوبي. هناك يمكنك أن ترى أنه لا يوجد هيمنة لأي طرف على آخر. ما يمكنك ملاحظته هو هيمنة الجنرالات على القسم المدني للحزب. هناك مجموعة من الجنرالات تدعم الخط الصيني، بقيادة الجنرال لويس ألبرتو رودريغيز لوبيز كاليخاس، والذي لم يكن معروفاً دائماً. كان يقود التكتل الذي ينسق القوات المسلحة الثورية، ولكن لم يشغل منصباً سياسياً حتى المؤتمر الثامن في نيسان/أبريل الماضي. اليوم بات نائباً في الجمعية الوطنية، ويُعتَقد أنه سيكون الرئيس المقبل في المستقبل.

يتألف الجناح المؤيد للصين، المقرب من دوي موي، من لوبيز-كاليخاس، والجنرالات ووزير الاقتصاد المُقال، مارينو موريللو، الذي طبق قرارات توحيد العملات وكان مسؤولاً عن اللجنة التنفيذية في الحزب الشيوعي الكوبي، إضافة إلى رئيس الحكومة المقرب من لوبيز كاليخاس. نحن نتفهم وجود جناح فيديلي ضمن قسم الأيديولوجيا في اللجنة المركزية. وهذه مجرد أفكار قليلة وسريعة، تتطلب المزيد من التحليل. ولكن القضية هي أنه لا يوجد شخصية مثل فيديل أو حتى، بشكل ما، راوول كاسترو.

بالطبع راوول ليس فيديل، لكن راوول تمتع بسلطة سياسية لا يتمتع بها الرئيس دياز-كانيل حالياً، سواء دستورياً أو بحكم شرعيته السياسية. عندما تولى راوول الحكم، أولاً بطريقة انتقالية ثم بطريقة قضائية تولى كل المناصب- بقي فيديل قائد القوات المسلحة الثورية، وهو منصب لن يخسره أبداً، ولكن كان راوول هو المسؤول الفعلي عن الجيش. أصبح راوول أول أمين عام للحزب الشيوعي ورئيس مجلس الدولة ومجلس الوزراء- وهو موقع أنشئ عام 1976 عندما استوحى الدستور الكوبي من ذلك السوفياتي فكرة دمج رئيس الوزراء برئاسة الحكومة، ودمج رئاسة الجمهورية برئاسة مجلس الدولة. احتفظ فيديل بمنصبه من عام 1976 حتى 2008. اليوم، اختفى هذا المنصب السياسي بموجب دستور 2019 الجديد وعاد منصبا رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في نوع من نظام شبه برلماني. وهذا يعطينا فكرة عن تقسيم السلطات. مع رئيس وزراء، ورئيس، وأمين عام للحزب، جرى تقسيم الترويكا، ولكنها اليوم هي موحدة مع دياز-كانيل الذي هو على رأس الحكومة، ورأس مجلس الدولة كرئيس للجمهورية، وأمين عام الحزب.

في هذا الوقت، لا يزال أليخاندرو ماريرو رئيساً للوزراء، الوزير الوحيد الذي ما زال من أيام فيديل في مناصبه. تمكن من النجاة خلال ولاية راوول، والفترة الأولى من ولاية دياز-كانيل وفق الدستور القديم، ويستمر اليوم في ظل الدستور الجديد. ماريرو هو الرجل الذي تمتع بثقة راوول المطلقة، والذي يعمل اليوم كنوع من الحَكَم بين الجناح الفيديلي والجناح الدينغشياوبينغي. يبدو أن دياز-كانيل يشغل موقعاً شبيهاً بذلك الذي منحه لينين لبوخارين خلال الجدال مع تروتسكي حول النقابات العمالية- بحيث يشكل “عازلاً” بما خص الاجراءات التي تتخذ، ولخلق نوع من التوازن بين القوى.

هناك كذلك جيراردو هيرنانديز نورديلو، وهو شخصية مثيرة للاهتمام ظهرت بشكل علني. هو أحد الأبطال الخمسة في لا ريد أفيسبا- La Red Avispa (شبكة Wasp، عملت في الولايات المتحدة ضد الثورة المضادة اعتقل هيرنانديز عام 1998 وأطلق سراحه بعد حملة تضامنية دولية) إنه يتمتع بشعبية كبيرة، وبكاريزما جذابة، فقد اكتسب قوة سياسية، وبعض التحليلات تعتقد بأنه يمكن أن يكون الرجل الذي سيحل مكان دياز كانيل، ومن المتوقع أنه لن يشغل فترة أخرى حتى لو مات راوول قبل انتهاء فترة ولايته الحالية. هذا ليس سوى تحليل أولي وعام للغاية.

أنت تصف دياز-كانيل بأنه شخصية “عازلة” ولكن هل يمكنك تحديد الطرف الذي يميل نحوه؟

هذا لا يزال غير واضح بالنسبة لي. بحسب ما يقوله فقط، يبدو أنه يميل إلى الجناح الفيديلي، لكن تصريحاته تتسم بأنه يميل إلى تأييد الصين بأمور معينة في الوقت عينه. في الأشهر الأولى، حصل حجر صحي كامل. وذلك وضع صحة الطبقة العاملة الكوبية فوق كل اعتبار، ولكن بعدها، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تغيرت الأمور. حصل قدر كبير من المرونة والذي يشير إلى أن الجناح المؤيد للصين يمضي قدماً. حيث يمكننا بذلك رؤية ميول دياز-كانيل بشكل أفضل من خلال: أعلن مرة جديدة أن سيتخذ إجراءات صارمة، وبعد أيام قليلة من الإغلاق الصارم، تراجع وقال لا، سيستمر الوضع المرن كما كان. تظهر هذه الخطوة وجود صراع، أو على الأقل عدم وجود هيمنة لخط على آخر، أو أن هيمنة الجناح الموالي للصين على الجناح المؤيد لفيديل ما زالت تبنى ببطء. وأعتقد أن موت راوول ستسرع من تقدم الخط الصيني، والذي قدمه في الأساس، ولكنه أوقفه عند المؤتمر الثامن. موت راوول، وماتشادو فنتورا وراميرو فالديس- آخر ثلاثة من كبار المدافعين عن الحرس الثوري القديم- سيحفز تقدم الجناح الصيني.

إذاً هذا الخلاف بين الجناحين، الدينامية التي تلاحظها هي أن التيار الموالي للصين يحقق تقدماً أكبر؟

من الواضح أن الجناح المؤيد للصين يتقدم، مع القانون الذي يسمح بالشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن الجناح الفيديلي يبقيه تحت الرقابة، كما فعل مع منع أكثر من 200 نشاط لا تسمح به الحكومة. إنها قائمة عامة توضح سلسلة من الأنشطة غير المسموح بها. بشكل أساسي يمنع انتقال وسائل الانتاج والبنوك إلى القطاع الخاص، ويمنع كسر احتكار التجارة الخارجية. هذه الإنجازات هي ما يعتقده الكثير منا أن الجناح المؤيد للصين سيحققها، تماماً كما فعل دينغ تشياو بينغ نفسه عندما ترك الأمانة العامة للحزب الشيوعي الصيني، ولكن جرى منحه السلطة لتعزيز الإصلاحات والمضي بها قدماً، وهذا ما رأيناه في بداية 1986 مع دوي موي في فيتنام، والتي كانت أولى خطواته الخصخصة.

كنا نتوقع السماح للشركات الخاصة، بناء على القوة التي يمتلكها اقتصاد رأسمالية الدولة في الصين، حيث أصبحت الصين واحدة من الدول التي تضم أكبر عدد من المليارديرية. نشرت مجلة جاكوبين مؤخراً بعض المعلومات التي لم أتمكن من تأكيدها- أن محللاً اشتراكياً صينياً يؤكد أن الصين هي الدولة تضم ثاني أكبر عدد من المليارديرية. للوصول إلى هذا المستوى من تراكم الثروة فإن ذلك يتطلب خصخصة وسائل الانتاج. هذا لا نشهده في كوبا؛ هنا نختبر تطبيق قانون يسمح بإنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي توسيع القطاع الاقتصادي الخاص، ولكن ليس بسرعة الصين وفيتنام. هذا ما يجعلنا نفهم أن الجناح الفيديلي يؤخر، ويعيق توسع القطاع الخاص، ربما نعتقد أنه من الممكن التوفيق بين نظام يوجد فيه اقتصاد خاص ولكن ليس بقوة الصين أو فيتنام.

من المثير للاهتمام أن نقرأ في غرانما، الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي الكوبي، محاولة العديد من المسؤولين- وليسوا قلة- إبعاد أنفسهم باحترام عن الصين وفيتنام عندما تجرى المقارنات. يحاولون فصل النموذج الكوبي علناً عن النموذجين الصيني والفيتنامي. ولكن في كل مرة يعقد فيها مؤتمر حزبي في كوبا، تتميز الأشهر السابقة على انعقاده باجتماعات على مستوى رفيع مع الحزب الشيوعي الفيتنامي.

هذا التفسير لوضع البيروقراطية الكوبية مثير للاهتمام وواضح. بالفعل، هناك عناصر من التحليل المحبب وغير المعروف خارج الجزيرة. موضوع آخر، مرتبط بما كنا نتحدث عنه بما يتعلق بزيادة انعدام المساواة الاجتماعية وقرارات توحيد العملات، هو القمع والاستبداد الذي لاحظناه في الفترة التالية لـ 11 تموز/يوليو. فقد نشر موقع كومونيستاس بعض التصريحات والدعوات التضامنية مع مختلف الناشطين الملاحقين متسائلين عن الوضع الذي يواجهه المضطهدين وأولئك المسجونين. كذلك، ما هي العلاقة التي تراها بين الإجراءات الرأسمالية والسياسات القمعية؟

هذه قضية معقدة بالنسبة لنا. وهي إحدى النقاط الخلافية داخل اليسار النقدي والمتعلقة فيما إذا كان القمع أيديولوجياً أو لا. يبدو أن من يقول إن القمع ليس أيديولوجياً ينقصه التحليل الماركسي وقراءة النصوص الماركسية. أفكر بشكل أساسي في كتاب لينين “الدولة والثورة”، وهو إحدى كتبه الأكثر ثورية.

في كومونيستاس، لا نرفع شعار “الحرية للسجناء السياسيين” بشكل عام، لأننا نعلم أنه من بين المعتقلين من هو معادٍ للثورة وقريب من الجناح اليميني للمعارضة والداعم للفنزويلي خوان غوايدو ويحصل على تمويل من الولايات المتحدة. هذا هو الحال مع أكبر ممثلي والشخصية الأكثر مرئية في حركة سان ايسيدرو اليمينية، لويس مانويل أوتيرو ألكانتارا. لذا كان شعارنا هو “أوقفوا القمع”، نحن لا نتحدث عن الحرية للسجناء السياسيين بشكل مجرد، لأن ذلك سيكون خطأً سياسياً كبيراً. إن قول لا للقمع ليس شبيهاً بشعار المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بشكل عام، لأن بعضهم من قطاعات معادية للثورة تمولهم الولايات المتحدة. وأعتقد أن هذا واضح للغاية.

من المهم أن نضع في عين الاعتبار أن اليسار النقدي يضم مجموعة من أولئك الذين لديهم ميول اشتراكية ديمقراطية؛ بالنسبة لنا كماركسيين ثوريين، ذات ميول مختلفة بدءاً من التروتسكية مروراً بالماوية ومؤخراً بالكليفية [طوني كليف]، على الرغم من أن معظم الكومونيستاس لا يوافقون على الطروحات المرتبطة برأسمالية الدولة.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذا اليسار النقدي قد تقدم وتوسع منذ 11 تموز/يوليو، وسط هذه الأزمة العامة والاقتصادية والاجتماعية. وهو أمر مفاجئ ومتوقع في الوقت عينه. من الواضح أن المواقف قد تجذرت خلال أزمة اقتصادية وسياسية مثل الأزمة الحالية. تؤمّن الماركسية جواباً لاحتياجات الطبقة العاملة، وربما يكون أفضل مثال على ذلك هو أن أعظم تزايد بين صفوف اليسار النقدي كان من نصيب الكومونيستاس المنتمين إلى الخط الماركسي- في حين أن من يميلون إلى الاشتراكية الديمقراطية يتأرجحون أكثر فأكثر نحو الوسط. هذه المواقف ستزاد حدة مع تقدم عملية التجذر.

مع ذلك، لا يزال القمع الذي تمارسه الحكومة يحدث فرقاً معيناً. فهي لم تترد في قمع مظاهرات 11 تموز/يوليو ثم عاقبت ممثلي اليسار النقدي. وهذا أمر متناقض مع حكومة تدعي أنها يسارية. وهذا ناتج عن تناقض الصراع الطبقي المتنامي. وطالما أنها تدعم القطاع الاقتصادي الخاص، ستدعم الحكومة العدو الطبقي. أؤكد دائماً أن النظام الأساسي للحزب الشيوعي الكوبي يحذر من أن الانحراف إلى اليسار هو أخطر من الانحراف نحو اليمين. في حين هذا ليس موقف الحزب الشيوعي الكوبي، علينا الانتباه إلى ما قد يحصل.

لم يواجه اليسار النقدي أي قمع يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر، هذا لأننا لم ننضم إلى التظاهرات. كان لدينا موقف واضح ضد الانضمام إلى كتلة متحدة مع يمين الوسط. ولكن إذا دعا اليسار النقدي إلى مسيرة بشعارات اشتراكية فهل سيجرى قمعها؟ سيكون ذلك نقطة تحول للحزب الشيوعي الكوبي، نظراً إلى احتياجات الطبقة العاملة.

في سياق هذا النقاش حول القمع والاضطهاد السياسي في كوبا، ما رأيك في النضال من أجل تشريع الأحزاب التي تدافع عن الثورة وإنجازاتها؟

هذا سؤال مثير للاهتمام. أولاً، أقول دائماً إن ضمان الديمقراطية العمالية ليس مجرد مسألة ما إذا كان هناك حزب واحد أو عدة أحزاب. ننسى دائماً أنه في الصين، وحتى في كوريا الشمالية، وفي معظم حكومات الدول الاشتراكية الأوروبية السابقة، لم يكن هناك حزب واحد إنما عدة أحزاب. كما كانت كذلك في ألمانيا الشرقية، ونعلم أنها كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون ديمقراطية عمالية.

لذا بدلاً من الدستور الذي يسمح بحزب أو عدة أحزاب. يجب أن تكون الدعوة إلى تحقيق الديمقراطية العمالية. بحسب فهمي، وكذلك جزء من هيئة تحرير موقع كومونيستاس، إن إنشاء أحزاب أخرى يمكن أن يعزز الدولة بذاتها. لكن ما هو ضروري هو تعزيز مجتمع مدني من اليساريين الاشتراكيين وتقوية سلطة العمال وسيطرة العمال على وسائل الانتاج.

إن تقوية وتحفيز والسماح ببناء مجموعات اجتماعية مختلفة التي لا تتشارك منطق الحزب يمكن أن تساعد في التخفيف من البيروقراطية. في برنامجنا، نحن نفهم الأمور على الشكل التالي: يمكن حتى أن يساعد ذلك على اضمحلال الحزب الواحد في نهاية الأمر، ما سيسمح بديمقراطية عمالية أوسع، كتلك التي كانت موجودة زمن تأسيس السوفيتات في بداية [الثورة الروسية].

للوصول إلى ذلك، يتعين علينا العودة إلى دينامية الثورة الأممية. ماذا نفعل إذا سقطت الحكومة البيروقراطية، من خلال ثورة؟ بداية، أريد إيضاح أنه إذا سقطت الحكومة والدولة، لأنه لا يمكن إطاحة الحكومة الحالية واستبدالها بممثلين آخرين من البيروقراطية بطرق أخرى، يمكن أن يحصل ذلك- لا يملك اليسار النقدي في الوقت الحالي القوى اللازمة لتحويل ذلك إلى عملية ثورية.

من دون شك أن الجناح اليميني هو الأكثر تنظيماً. لديه الكثير من الدعم العضوي على المستوى الدولي، إذا حصلت ثورة مضادة، ستنزل الولايات المتحدة في كوبا بأسرع ما يمكنها. لا أعتقد أنها ستجتاح البلد عسكرياً، على الرغم من أنني لا أستبعد ذلك. سننتقل ربما من اليسار النقدي إلى مقاومة أكثر حدة وعمقاً، وربما أكثر تعرضاً للاضطهاد. لذلك في الوقت الحالي، لن يكون الشعار “تسقط البيروقراطية” إنما “كل السلطة للعمال”. قد يبدو الشعاران متشابهين لكن ليس الأمر كذلك: شعار “كل السلطة للعمال” يعني أن يستولي العمال على السلطة، والتي من الصعب وصفها اليوم بأنها دولة العمال، إنما من السهل رؤيتها كدولة برجوازية صلبة تقوم بقمع مباشر للطبقة العاملة- وهنا أعود إلى واقع أن القمع هو أيديولوجي.

ليس من المنطقي القضاء على دولة مشوهة بيروقراطياً، أصفها دولة مشوهة بيروقراطية ذات اقتصاد غير رأسمالي، واستبدالها بديكتاتورية السوق، في أفضل الأحوال سيحاولون فرض ديمقراطية برجوازية لا تترك أي فرصة للطبقة العاملة بالعودة إلى السلطة.

تتحدث الجماعات اليمينية المعادية للثورة عن السلطة للجميع، ولكن بمجرد وصولها إلى السلطة، هل ستسمح هذه الجماعات بعودة [وصول] الطبقة العاملة إلى السلطة، حتى لو كان ذلك وفق برنامج ديمقراطي عمالي مختلف تماماً عن ذاك الموجود حالياً؟ هل ستسمح هذه المجموعات المعادية للثورة بحصول ذلك، حتى من خلال الديمقراطية البرجوازية؟ الجواب لا، لن يفعلوا ذلك.

نحن في اليسار النقدي، في اليسار الاشتراكي، ليس لدينا نموذج الآن، نحن في خضم سيرورة. حتى الآن، لم نشهد أزمة سياسية كالحاصلة في الوقت الحالي.

ربما لا شيء يعبر عما يحصل في كوبا اليوم أكثر مما جرى في بداية احتجاجات 11 تموز/يوليو في سان أنطونيو دو لوس بانوس، عندما حاول دياز-كانيل التحدث أمام المتظاهرين حيث ردوا عليه بصيحات الاستهجان وألقوا عليه عبوات بلاستيكية. حصل أمر مشابه مع راميرو فالديز، الذي كان أحد قادة الثورة، عندما ذهب إلى شرقي مدينة بالما سوريانو، والتي عمت فيها الاحتجاجات كذلك. عندما نزل من سيارته للتحدث مع المتظاهرين، أجبروه عملياً على العودة إلى سيارته والمغادرة.

لم يحصل شيء مثل هذا من قبل. قارن ذلك مع 5 آب/أغسطس 1995، عندما نزل ما يقارب الألف شخص إلى الشوارع للاحتجاج، وخرج فيديل إلى الساحة. بمجرد نزوله انتهت المظاهرة. العديد من المتظاهرين الذين كانوا يهتفون “يسقط فيديل”، بدأوا بالهتاف “هذا الشارع لفيديل”. ما يحصل اليوم هو تماماً العكس. هي أزمة سياسية لا سابق لها في محاولة بناء الاشتراكية في كوبا، ما يجعل هذا اليسار النقدي يساراً غير مسبوق في تاريخ محاولة بناء الاشتراكية في كوبا.

السيناريو اليوم مختلف تماماً. وما يجعله أكثر صعوبة هو واقع أن هذا اليسار النقدي، كما أسلفت، يتألف من الاشتراكيين الديمقراطيين الوسطيين وصولا إلى الكومونيستاس. وهو وضع فريد من نوعه في التاريخ. علينا معرفة ما يتوجب فعله في مثل هذا الوضع. أدعو دوماً إلى التضامن الأممي، سواء مع كوبا ومع اليسار الماركسي الكوبي بشكل عام.

أخيراً ما هي الظروف التي يتعين عليك فيها القيام بهذا النشاط السياسي، وسط هذه الظروف الملحة في كوبا؟

لقد استعملتَ كلمة “إلحاح” وجاء إلى فكري كتاب لينين “ما العمل؟- المسائل الملحة لحركتنا”. كما قلت مسبقاً اليسار النقدي واسع للغاية. علينا التفكير بما يوحد اليسار بأكمله. بالنسبة لنا، يوجد عاملان أساسيان: الحفاظ على انتصارات الاشتراكية وبناء الاشتراكية والنضال من أجل الديمقراطية العمالية- خاصة “كل السلطة للعمال”، الشعار الذي اعتمدناه مؤخراً. ما يجعل هذا الأمر معقداً للغاية هو كيف- ليس فقط ما يتعين فعله، والذي هو أسهل من كيفية القيام به.

إن المواقف والصعوبات التي نواجهها خلال القيام بهذا العمل معقدة جداً. لا يمكننا الذهاب إلى المصانع لتوزيع المنشورات. لا يمكن وضع طاولة في الجامعة لتوزيع البيانات وبيع المنشورات. لدينا موقع الكتروني يزوره الكثيرون، ووسائل التواصل الاجتماعي كذلك الأمر، ولكن حتى ذلك له تأثير محدود. لا يمكننا التواجد في أي مكان لعدة أسباب، ليس فقط لأسباب مالية، إنما كذلك لأن تواجدنا في مكان معين سيستدعي قمعاً مباشراً. لقد فكرنا بإقامة مكتبة ماركسية. وفكرنا ربما بتسميتها مكتبة روزا لوكسمبورغ أو مكتبة ماري لو، الأخيرة على اسم المقاتلة التروتسكية والأممية الانكلو-استرالية التي ذهبت إلى برشلونة للقتال خلال الحرب الأهلية الاسبانية مع خوان رامون بريا، مؤسس التروتسكية الكوبية.

كما ترى، الظروف الملموسة لنضالنا اليومي صعبة جداً. لذلك من المستحيل بالنسبة لي إيضاح كيفية الوصول إلى تحقيق الهدف المتمثل ببناء اشتراكية ديمقراطية.



#فرانك_غارسيا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار النقدي في كوبا


المزيد.....




- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فرانك غارسيا - اليسار النقدي في كوبا