أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - اسطولُ جدي!















المزيد.....

اسطولُ جدي!


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 7228 - 2022 / 4 / 24 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


كان جدي لأبي رجلاًً ضخم الجثة ولكن دون ترهل، بشرته مشربة بالحمرة مما جعل قلوب النساء تهوي إليه، ويقال بأنه جميل الوجه مثل أبي، وبالمختصر المفيد دون جوان عصره، ورغم إنه ذكي جداً، إلا إنه قام بأغبى مشروع اقتصادي في التاريخ! فكيف يكون هذا؟ نعم، أقول هذا بالفم المليان، وأزيد عليه أيضاً بأنه يستحق عن جدارة دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية.. بل وكل مدونات المخترعين الأفذاذ سواء بالسلب أو الإيجاب، لأنه بدّل الثابت بالمتغير، وقايض الدائم بالفاني، كمن يبهره السراب، فما هي تفاصيل ذاك المشروع؟ ومتى حدث وكيف؟ ما كيده؟! سأشرح لكم ملخصه لكن ليس الآن، فقط اصبروا ولا تستعجلوا.
ربما لم يسبق جدي في رؤيته وفلسفته الغريبة أحد من العائلة لا من قبله ولا من بعده، لهذا خمّنت بأنه رجل ذكي جداً، وهذه من عندياتي طبعاً، وإلا كيف ابتكر مشروعه وطبق نظرته بشكل عملي، وحقق نسبة نجاح 100% لو لم يكن ذكياً؟ نعم، بلغ هذه النتيجة المثالية وطبّق تماماً ما آمن به من قناعة خاصة به، ومجرد هذا السبق وهذه النسبة الكاملة تبدو لي انجازاً بحد ذاتها وتحسب ميزة له، وإلا فالإبداع ليس له وجه واحد دائماً، روبرت أوبنهايمر العالم الفيزيائي الأمريكيّ الذي يُعرَف بـ(أبي القنبلة النووية) عبقري أيضاً، رغم إنه دلّ على أفظع طريقة لدمار الحياة البشرية برمتها على هذي الأرض.. بمجرد كبسة زر لاغير، البيانات الإحصائية الموثوقة تثبت إن القنابل النووية بحوزة بعض الدول قادرة على فناء الحياة على هذا الكوكب لعشرات المرات، أما صمويل كولت مخترع المسدس فقد جمع الأموال الطائلة من صناعته، لكن قولته الشهيرة مازالت تدوي في آذان الوجود، وأنه حينما اخترع المسدس ساوى بين الجبان والشجاع!.
أجل، إن جدي شخصية فذة بكل المقاييس، أنا أراه هكذا، ربما لا يرى غيري ما أراه، إلا إني أقول هذا بدليل إنه عرف بالضبط ما يريد؟ وتوصل لما يحقق نظرته أو نظريته على أكمل وجه؟ ألم ينجح نجاحاً منقطع النظير في أن لا يورث من تعبه وشقى عمره فلساً واحداً لأحد من أولاده وأحفاده من بعد مماته؟ فقد كان يصرح بهذا علناً، وتلك أعدها من شجاعة الأذكياء، وبالفعل ثبت وتصرف وفق هذه المعرفة وحقق المبدأ، نفذهما بدقة متناهية أشبه بالإعجاز، مبتكراً آلياته الخاصة في السعي لهذا الفهم وتلك الفلسفة الغريبة.. بمشروعه الفريد.
بالحقيقة لا أعرف ولا أحد يعلم بدقة كُنْهِ الأسباب والخلفيات التي دعت جدي وقادته لهذا الابتكار الاقتصادي وهذا الاختراع، لأنه حينما توفي كان أبي صغيرا جدا، لكني أعرف بأن الطريقة في التنفيذ عبقرية حقاً، وهو يضرب بعرض الحائط بآراء الآخرين ووجهات نظرهم المختلفة معه، وانتقاداتهم وربما دهشتهم من تصرفه من أجل تحقيق حلم سعادته في نيل المال والجاه والسلطان.
أجل، فهل يلام الإنسان على أن يعمل جاهداً لإسعاد نفسه ليس بمنّة من أحد.. بل بماله وعرق جبينه؟ أهناك هدف أهم من تحقيق السعادة؟! وهذه من بعض جدليات ملّحة في فلسفة جدي الاقتصادية!، ومن ثم أيستحق أن يتمتع آخرون لا يعرفهم لأنهم سيولدون لاحقاً ويرثونه من بعد مماته، بما هو أحق به من متع ثروته وسعادتها؟ طبعاً لا يعرفهم شيء بسيط بإزاء من سوف يختلفون فيما بينهم على تقاسم الميراث، وربما يتقاتلون عليه، وأخيراً يلعنون الثروة وجامعها، لأنه كان سبب نزاعهم وتقاتلهم، ولا يخطر ببالهم أن يلعنون أنفسهم وطمعهم!.
لكن أكان جدي يدرك مدى نجاح خطته الفذة ساعة اتخذ قراره الرهيب؟ مازلت أشك بهذا، كونها مهمة شاقة وتحقيقها أشق حتماً، وقد لا يتوصل اليها الكثيرون في الحياة، فضلاً عن النجاح بهذه النسبة الكاملة، أجل ينجح بأن لا يترك شيئاً خلفه.. إرثاً يدل عليه وهو الثري جداً، ولو عن طريق السهو أو الخطأ أو الغفلة، والإنسان بطبيعته يسهو ويخطئ ويغفل، فحتى النظريات الكبرى تحتمل الخطأ الجزئي في بعض مفاصل تطبيقاتها العملية الدقيقة ما دامت بشرية، إلا إن نظرية جدي ومشروعه الاقتصادي كان محكم الإغلاق على أسباب نجاحه الشخصي التام.. والفشل الاقتصادي المبرم.. إذ هي لا تقبل احتمالات الخطأ بتاتاً.
إذن، حان الوقت لأكشف على عجالة عن خطوط عامة من أسرار مشروع جدي الذي وعدت أن أخبركم به، باختصار شديد كان جدي يعدّ من أغنياء زمانه (ملاج)* بساتين عديدة غناء تقدر مساحتها بعشرات من الدونمات الزراعة من أخصب الأراضي، كونها ممتدة بمحاذاة النهر- الشريان الأبهر للمدينة - من جهة باب بغداد وبداية شارع الحسينية، والتي كانت تموّل أسواق الخضار وعلوتها الرئيسية بالفاكهة والتمور، وغيرهما من المحاصيل الزراعية.
في زمن جدي كانت الحمير وسيلة النقل الوحيدة داخل المدن والقرى.. إذ لم يدخل أي نوع من أنواع عجلات النقل بعد حتى الدرّاجات، أما الجمال فقد كانت وسائط البدو في التنقل عبر الصحراء، وبعد خوض جدي لتجربة (المجاري)*، وجني الأرباح بسهولة وهو جالس دون بذل مجهود يذكر، وامتلاء كيسه بالعملات النقدية؛ في تلك اللحظة قدحت الفكرة الجهنمية في رأسه، وفوراً بدء مشروعه الاقتصادي، فباع جميع بساتينه حتى آخر شبر منها، واشترى بثمنها عشرات وربما المئات من الحمير، وجنّد للعمل عنده جيش من العمال، فاحتكر لنفسه بالكامل خط النقل ذاك الواصل ما بين (الولاية)* وجميع المناطق الزراعية المتاخمة، فنجح المشروع بشكل لافت، وراحت تنهال عليه إيرادات النقل بمبالغ يومية خيالية لم يكن يحلم بها رغم غناه، وجعلته يعيش حياته امبراطوراً.
لكن أسطول جدي للنقل ذاك، وإمبراطوريته تلك مثلما صعدت بسرعة فائقة انحدرت بسرعة أيضاً، إذ إن سلطان الزمن كان يعمل ضدها، فمن يقوى على الصمود بوجه هذا السلطان الغاشم؟ ومعدل عمر الحمير بحدود (25) سنة، ناهيك عن التطور الحضاري السريع، وبدأ الزمن يفعل فعلته الخبيثة في تناقص اعداد الحيوانات لأنها بدأت تصل تباعاً إلى سن الموت، بينما البساتين على جانبي طريق النهر مستمرة في النمو والازدهار، وتلك اشارة المقدمة.. بتبديل الثابت بالمتغير، ومقايضة الدائم بالفاني، وبدأت الثروة تتلاشى وتذوب سريعاً كقطعة جليد تحت لهيب الشمس، إلى أن وصلت الصفر بعد نفوق آخر حمار في اسطول جدي.
................
* ( الملاج): مالك البساتين والعقارات والسيارات وغيرها.
* ( المجاري): مهنة العامل على الحيوان كوسيلة نقل.
* ( الولاية): مركز المدينة القديمة.



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزني غلام امرد
- حزني غلام أمرد
- لا تبتئس ياصاحبي
- فنارات
- أمنية
- لوحة
- - لايك -
- انفجار العصر!
- حكاية ظل - ق.ق.ج
- في وداع نجيب محفوظ في ذكراه العاشرة
- زيارة استثنائية
- جنون تحت المطر
- -أنتِ والمطر-
- آناهو
- - فينوس - أنا!
- حب افتراضي
- رثاءٌ بالهجاءِ
- الرجل الذي يكلّم ال (.......!)
- وأدرك شهرزاد ال .................!
- -الحبُّ يهجوكِ-


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - اسطولُ جدي!