أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي صغير - نقد «الكوجيتو» الطائفي: المشكلة ليست في أن نكون… بل في من نكون وكيف؟















المزيد.....



نقد «الكوجيتو» الطائفي: المشكلة ليست في أن نكون… بل في من نكون وكيف؟


علي صغير

الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 23:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من بين الإشكاليات الكبرى والمزمنة التي يواجهها الكيان اللبناني، تتبوأ مسألة إصلاح نظام الحكم الطائفي وتغييره موقع الصدارة، نظراً لما لها من تأثير حاسم على وحدة اللبنانيين المجتمعية ووجودهم وتطوّرهم. ولعل ما يكمن في أساس راهنية هذا الإشكال هو الآفاق المسدودة والنهايات البائسة التي أوصلنا إليها النظام الطائفي على غير مستوى وصعيد، والتي يترجمها حماته رسوباً مدوّياً ومتكرراً في جميع الامتحانات، لا سيما الإلهية منها والأخلاقية، وحرباً باردة حينا وساخنة حينا آخر يخيّم شبحها على العلاقة بين اللبنانيين، وعجزاً مبدئياً عن التوصل الى حلول مرنة وخلاقة تؤمن للبنانيين قدراً معقولاً من التوازن بين التنوع والوحدة، بين الانتماء الطائفي والولاء الوطني، بين الطوائف والدولة، بين الموروث الثقافي والحداثة، واستلاباً اجتماعياً يعبّر عن نفسه بفقدان الأمل في التغيير، والإحساس المأساوي بالحياة بما ينطوي عليه من خوف من المستقبل وقلق حاد على المصير. وعلى الرغم من أن لا شيء ينبئ بقدرة النظام الطائفي على تجاوز أزماته المتفاقمة يوما بعد آخر، ما يجعل البحث في جدواه ومشروعيته أولى وأوجب، إلا أن الطبقة السياسية المسيطرة ما برحت تتشبث بصيغ ومفاهيم مستهلكة هي أعجز من أن تفي بقراءة التحولات الجارية والتحديات التي تعصف بنا وبالعالم، وتلجأ، كعادتها، في التعامل مع القضايا المصيرية الى المخاتلة والتأجيل كما جرى مؤخراً في رفضها القاطع تكليف نفسها مشقة التفكير في تأليف هيئة وطنية للبحث في جدوى إلغاء الطائفية السياسية. وبالفعل، فقد تواطأت هذه الطبقة على الارتداد عمّا دعت إليه وبشرت به منذ اتفاق الطائف متذرعة بحجج رائجة قديمة ـ جديدة أبرزها: أولا، إن النظام الطائفي هو الحل الأمثل لمسألة العيش المشترك الذي يحفظ للطوائف حقوقها ويراعي خصوصيتها ويمنع طغيان إحداها على الاخرى، بما يكفل تعزيز الوجود المسيحي ـ الإسلامي الرائع في لبنان والنظام المستقر في تعايش الطوائف اللبنانية على ما عبّر شيخ «الطريقة الطائفية» شارل مالك. ثانيا، إن المواطن في لبنان لا ينفصل عن صفته الدينية ولا يخرج عن صفته المذهبية الطائفية، ما يعني ضمنا وجود علاقة ضرورية بين أن يكون المرء لبنانياً وأن يكون طائفياً من جهة، وان العلمانية تمثل بالنسبة له صفة غريبة أو تجربة مستوردة نمت وترعرعت في أحضان الغرب «المادي والملحد» كعلاج موضعي لمشكلة أوروبية ولا تصلح البتة للتطبيق في ظروف الشرق «الروحاني» من جهة اخرى. ثالثا، إن إلغاء الطائفية السياسية، في حال وجوبه، لا بد من أن يتدرج بالتتابع بدءاً من النفوس مروراً بالنصوص وصولا الى الواقع الملموس. لا شك في أن حججاً كهذه إنما تنم عن ميل واضح لدى أصحابها الى تجذير الظاهرة الطائفية في البنية النفسية للذات اللبنانية والتماسها، على وجه التحديد، في ثنايا وعيها وطيّاته. وبموجب هذه النظرة تصبح المسألة الطائفية ليست أكثر من مشكلة نفسية وثقافية خالصة (معتقدات وأفكار وقيم) راسخة تنتج العلاقات والأنظمة الطائفية، وبالتالي، يتحول النظام الطائفي الى نتيجة عملية للوعي الطائفي وظل من ظلاله، ويكون، في الوقت نفسه، النظام الأكثر استجابة وتلاؤما مع الطبيعة النفسية اللبنانية. أما الصيغة الدستورية والميثاقية التي ينهض عليها نظام الحكم الطائفي فهي، بدورها، ثمرة الوعي والإرادة الحرة العامة باعتبارها تعاقداً ينجم عن اتفاق طوعي بين الطوائف، تتنازل فيه كل واحدة منها عن قسط مما تطمح إليه مقابل تخلي الذوات الطائفية الاخرى عن جزء من مطامحها من أجل إحلال الوئام والوفاق. غير أن العقد الطائفي لا يستقيم إلا باصطناع مؤسسة تسهر على حمايته وتحرص على تنفيذه. وهذه المؤسسة هي الدولة الطائفية. في الحقيقة، أياً تكن الاعتبارات والمبادئ المعيارية التي تحتكم إليها الذرائع المذكورة أعلاه لتبرير النظام الطائفي وتفسير منشئه والمفاضلة بينه وبين الأنظمة السياسية الاخرى، فإنها بالضرورة تأخذ بنا في اتجاه البحث عن أساس تسويغي مستقل عنها يتعذر إيجاده خارج الفلسفة عموماً. ولعلنا لا نغالي ان قلنا ان هذه الذرائع التي تقرأ حياة اللبنانيين وتاريخهم بعيون الوعي (النفس، الفكر) باعتباره العامل الحاسم في أفعالهم وصفاتهم، اجتماعهم ومصيرهم، أنظمتهم وقيمهم، منطلقة دوماً من الوعي الى الوجود، من النوايا الى الأعمال، من الفرد الى المجتمع لا تثير أسئلة فلسفية شتى فحسب، بل تصدر هي ذاتها عن تصور فلسفي ـ مثالي كلاسيكي لعلاقة الوعي بالوجود. فمقولة «إلغاء الطائفية السياسية من النفوس قبل النصوص» التي تعني ان تحرير اللبنانيين من أزماتهم المذهبية لا يحتاج إلا الى عمل تربوي تنويري قوامه تطهير نفوسهم من الأفكار الخاطئة والتصورات الواهمة المعششة فيها انما هي أثر أو خلاصة مكثفة لإسقاط رديء للكوجيتو الديكارتي على ميدان الظواهر التاريخية ـ الاجتماعية، وصدى لعبارة فتجنشتاين القائلة ان تبديل أي شيء لا يعني سوى تبديل اللعبة اللغوية التي يمارسها المنخرطون فيها. لا مراء في أن مثل هذه الطروحات تحيلنا الى الكلام على مزاعم الكوجيتو حول ماهية الوعي ودوره وفاعليته، وتملي علينا، في الوقت نفسه، طرح جملة من الأسئلة الفلسفية ذات صلة بموضوع بحثنا، أهمها: من يفرض حقيقته على الآخر: وعي الناس الاجتماعي أم وجودهم الاجتماعي؟ وهل نفوس الناس الطائفية هي ما يحدّد الطابع الطائفي لنظامهم السياسي أم العكس؟ وهل النزعة الطائفية هي سمة ضرورية وجوهرية للذات اللبنانية أم هي صفة تاريخية ـ اجتماعية عرضية؟ والى أي مدى تصلح مقولة «إلغاء الطائفية من النفوس أولا» لان تتخذ مدخلا مثمراً لبلورة واقع لا طائفي جديد؟ يمكن القول إن النظر في هذه الأسئلة التي لا ندعي لأنفسنا القدرة على الحسم في شأنها يحتم علينا العودة، ولو عابراً، الى التراث الفلسفي السابق، علّنا بذلك نتوصل الى فهم أفضل لإشكاليتنا الحالية وللأصل الكامن وراء وضع عربة الوعي أمام حصان الوجود، النفوس قبل الواقع والنصوص. وهنا تجدر الإشارة الى انه في التصور الفلسفي التقليدي الذي ساد منذ الإغريق استحالت النفس مفهوما مركزيا تأول من خلاله الفلاسفة مسائل الوجود والفكر والأخلاق والمجتمع بوصفها مبدأ الحياة والحركة والإحساس والمعرفة. وفي العصر الحديث أدخل ديكارت تعديلا ملحوظا على المفهوم الإغريقي للنفس وتطويراته العربية ـ الإسلامية اللاحقة، صارت النفس بموجبه سمة جوهرية للإنسان من دون النبات والحيوان، ومرادفة لكل ما هو واع وعقلي وفكري، ومبدأ مطلقا يشرط بذاته كل معرفة ووجود. ومن خلال الكوجيتو الشهير: «أنا أفكر، إذاً، أنا موجود»، يمضي ديكارت بعيدا في التأكيد على سيادة الفكر (النفس، الوعي، العقل) وأوليته الإبداعية إزاء علاقته بالعالم عموما والوجود الاجتماعي للإنسان خصوصا باعتباره أولى الحقائق وأيقنها، ومرجع ذاته، والأساس المشرّع لعلاقات البشر الاجتماعية، والقوة الحاكمة المدعوة لإرساء النظام في فوضى المصالح والأهواء الإنسانية الجامحة. وقد شكّل الكوجيتو الديكارتي إيذاناً فلسفياً جريئاً وفخوراً بالتحرر من أسر قوى الغيب والوحي، وإشعاراً بأن الشخصية الإنسانية في العصر الحديث بوصفها ذاتا فاعلة ومفكرة لم تعد ترتضي لنفسها ذلك الدور السلبي والمنفعل في العالم الذي رسمته لها الايديولوجيا اللاهوتية ـ السكولائية في العصر الوسيط. وعلى الرغم من القيمة الثورية لهذا الإنجاز الديكارتي، ومن أن علاقة البشر بوجودهم لم تنفك يوما عن وعيهم، إلا ان ذلك لا يعني البتة المصادقة على دعاوى الكوجيتو الديكارتي والما قبل ديكارتي القائلة بأولية الوعي على الوجود، وخلقه له على صورته ومثاله، واكتناه أسراره على نحو مطابق ونهائي. إذا كان طرح الوعي من الوجود وهماً وعماءً، فإن حذف الوجود من الوعي لا يقل وخامة وخواء. ولعلنا لا نحيد عن جادة الصواب إن قلنا إن الإرهاصات الاولى لتداعي الرؤية التي تعزو أنماط عيش البشر واجتماعهم الى معدن نفوسهم ومستوى وعيهم بدأت بالظهور في ميدان الفكر الاجتماعي ـ التاريخي منذ أن بيّن ابن خلدون أن الإنسان ابن مألوفه وعوائده لا ابن طبيعته ومزاجه، وان اختلاف أحوال الناس وأخلاقهم وعلومهم ومستوى ذكائهم انما مرده اختلاف نحلتهم من المعاش وتباين أشكال ملكهم وعمرانهم. وفي القرنين المنصرمين تكثفت الصفعات لغلواء الوعي وما يخالطه من زيف وأوهام، بصورة أكثر اتساقاً وعمقاً وشمولاً، على يد بعض الفلاسفة والمفكرين أمثال ماركس ونيتشه وفرويد وكثيرين غيرهم من الذين أبانوا للوعي عن مكانه وعن العوالم المختلفة التي تحده وتشرطه. فمع ماركس لم يعد الوعي جوهراً متعالياً وثابتا يحلّق فوق العالم وخارج التاريخ والمجتمع يسيّر قاطرتهم الى محطته النهائية بقدر ما هو نتاج رفيع لتطور التاريخ الطبيعي والاجتماعي. كذلك لم يعد الوعي الاجتماعي هو العامل الوحيد والحاسم والأولي الذي يحدد الوجود الاجتماعي والسياسي للناس، بل العكس هو الصحيح، ما يعني أن الأفكار والتصورات والبنى الثقافية عموما ليست مصدر ذاتها، كما يبدو للوهلة الاولى، انما جذورها ضاربة في فضاء آخر غير الوعي والنفس وما شابه. ولئن كان التاريخ هو تاريخ البشر، وكانت الأنظمة الاجتماعية ـ السياسية هي بالضرورة أنظمتهم، لكنهم لا يصنعونها تعسفياً على هواهم، بل في ظروف موضوعية تتحكم الى حد كبير بسيرورة اختيارهم للقيم والأنظمة التي تؤطر حياتهم. وعلى سبيل المثال، فالتنظيم الاجتماعي القبيلي للبدائيين الذي تطابق فيه المجال الشخصي من حيث المفهوم والما صدق مع مجال الكل الاجتماعي بفعل ما اتسم به من طقوس واعتقادات وقيم مميزة كالمساواة والتضامن المتبادل والانصهار العضوي بين الفرد وقبيلته لم يكن حصيلة عقل وإرادة ومداولة فكرية، بقدر ما كان النمط الوحيد الممكن آنذاك للإنتاج والبقاء أملاه شحّ وسائل العيش وتدني مستوى القوى المنتجة وعجز قدرة الواحد عن تلبية حاجاته بمفرده ودرء الأخطار المتكثرة. وبالمثل لم يكن نشوء نمط الإنتاج الرأسمالي نتاج الوعي الأخلاقي البروتستانتي، بل العلاقات البرجوازية الآخذة بالتطور والتنامي في البلدان الأوروبية هي من ولدت هذا الوعي بما ينسجم مع متطلبات تطورها. ومآل هذه المقاربة إعادة إدراج المثل والمعتقدات والوعي تحت العالم وفيه بدلا من وضع العالم تحتها، وفك شيفرتها في محتواها الواقعي التاريخي ـ الاجتماعي، وربطها بمصالح معينة للفئات الاجتماعية التي تحملها وتتبناها. وبالانتقال الى الحديث عن دور الوعي على المستوى النفسي للفرد، فقد أبان فرويد أن الوعي ليس بطل الحياة النفسية المطلق ولا هو نجمها الساطع الأوحد ولا هو يختزل مجمل الدافعية الكامنة وراء كل ما نقول ونفعل. فإلى جانب الوعي ثمة قوة نفسية اخرى أعظم منه شأناً وأبلغ أثراً ألا وهي اللاوعي. إذ ان الوعي ـ حسبما يؤكد فرويد ـ يشبه جبل جليد مغموراً حتى تسعة أعشاره في محيط اللاوعي، وان ما يعلمنا به عن الطبيعة الحميمة للحياة النفسية هو ناقص ومحدود وغير موثوق كنقص المعارف التي تزودنا بها حواسنا الخمس عن العالم الخارجي. وإذا كان الوعي لا يجاهر بغير فضائله وانتصاراته، فإن اللاوعي يفضح ما خفي من رذائله ومذلاته. ومع فرويد ما عاد الوعي ممكننا من دون اللاوعي، وما عاد ايضا سيّد الذات وبداهة البداهات. فهو إذ ينشط انما ينشط كخادم حائر ومغلوب على أمره، يؤرقه هم إرضاء أسياده الثلاثة الطغاة: المجتمع والأنا الأعلى والهو، والتوفيق بين مطالبهم المتعارضة فلا يستقر بذلك على حال ولا يهدأ له بال. وخلاصة القول، فمع هؤلاء انبثقت رؤية جديدة مفادها تعذر فهم وعي البشر بمعزل عن الطبيعة والمجتمع والتاريخ والجسد. فالوجود قبل الوعي، والإنسان قبل الشرائع والأديان، وواقع البشر المعيش ليس نسخة مطابقة لما يعونه ويرغبون فيه ويتطلعون إليه. ثمة ما يسبق الوعي والقصد ويتعداهما. ربّ معترض يقول إن البشر منذ أن وجدوا وهم يوظفون وعيهم بشكل أو بآخر ويديرون شؤونهم بأنفسهم وينمذجون بدئياً في أذهانهم الغايات التي يصبون إليها وكذلك الوسائل الكفيلة ببلوغها. نعم، هكذا يبدو واقع الحال على وجه الإجمال. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن مجرى رياح حياتهم يتحرك في الاتجاه الذي تشتهيه سفن وعيهم ونفوسهم. فوقائع التاريخ تشهد، إذا ما أخذنا مراحل زمنية ممتدة نسبياً، على أن النتائج المتجسدة فعليا غالبا ما تتعارض مع النوايا الأولية والغايات المرجوة. واللافت ان هذه الحقيقة لم تكن غائبة حتى عن أذهان أكثر الفلاسفة حماسة لتغيير العالم فضلا عن الاقتصار على تفسيره فقط. فالمرغوب أو القسم الأكبر من الغايات التي يضعها الناس نصب أعينهم لا يتحقق إلا في حالات نادرة، إما لتعارض بعضها مع بعض أو لطوباويتها أو لنقص الوسائل الضرورية لبلوغها على ما أكد أنجلس. وهذا الأمر ينطبق على نشاط الناس العاديين بقدر ما يطاول مشاريع المصلحين والقادة التاريخيين. فأمبراطورية الاسكندر المقدوني كادت أن تنهار في اليوم التالي على موت مؤسسها، وطموحات نابليون بونابرت في السيطرة الكوكبية ارتدت عليه وبالاً ونكالاً ونفياً الى جزيرة القديسة هيلانة في جنوب المحيط الاطلسي. والشيء نفسه ينسحب على المصائر التي آلت إليها شعارات الثورات البرجوازية وارتداداتها الاشتراكية. وإن دلت هذه الأمثلة على شيء، فإنها تدل على ان العالم يتغير ويتطور، لكن ليس طبقا لخريطة الطريق نفسها التي ترسمها مخيلة العظماء، وانه ليس بالنفوس ولا بالنوايا الحسنة وحدها يحيا البشر ويتحرك التاريخ ويغيّرون ما هم عليه.
يمعن أصحاب أطروحة «الإلغاء من النفوس» في طمسها والسكوت عنها. ونعني بها القضية المتعلقة بكيفية انبثاق الوعي الطائفي وتفسير الأصل الذي صدر عنه وآلية عمله وتبدّله. لذا تراهم يلجأون إلى افتراض الوعي الطائفي كبديهة أولية لا جدال فيها، وتحويله بقدرة قادر وسحر ساحر من ظاهرة تاريخية موضوعية إلى نزعة تكوينية قبلية متأصلة في المزايا الذاتية للبنانيين لا تخضع لتقلبات الزمان وتغيرات المكان والظروف التاريخية التي نجدهم فيها على طريقة المعزوفة السائدة «ان اللبنانيين طائفيون بطبيعتهم وغريزتهم»، و«ان إلغاء الطائفية مهمة مستحيلة». وإذ ينطلق هؤلاء من هكذا تصور مجرد لماهية الذات اللبنانية، فإنهم يقعون في العبث والمصادرة على المطلوب والخلط بين الممنوع والممتنع. بالطبع، ليس بمقدور أي منا ـ مهما كان موقفه من الطائفية، سواء أحبها أم كان أشد الناس عداوة لها ـ أن ينكر ما بلغته من سيطرة شبه مطلقة على الوعي والسلوك. لكن الاعتراف بهذه الواقعة الموضوعية شيء، والنظر إليها على أنها سمة جوهرية للشخصية اللبنانية، مستمرة عبر الأجيال، هو شيء آخر تماماً. فالقول إن العلاقة بين الوعي الطائفي وطبيعة الشخصية اللبنانية هي علاقة موضوعية جائزة، يعني أمرين: أولا، ان اعتماد اللبنانيين الطائفية كعنوان سياسي للتداول والتعامل في ما بينهم يجد أساسه في جملة الظروف الاجتماعية ـ التاريخية الداخلية والخارجية الكولونيالية التي أحاطت بنشأة الكيان اللبناني المعاصر، ثانياً، إن المزايا الذاتية للبنانيين متغيرة شأنها في ذلك شأن الظروف الاجتماعية ـ التاريخية، وإنه من الممكن لهذين الأمرين أن يكونا غير ما هما عليه الآن. أما القول ان الطائفية هي بُعد جوهري من أبعاد ماهية الشخصية اللبنانية فيعني ان العلاقة بين الطائفية والذات اللبنانية هي علاقة ضرورية ثابتة وغير منوطة بتبدل الاحوال. لكن الطائفية، في اعتقادنا، ليست صفة قبلية وجوهرية للبنانيين لا بالمعنى البيولوجي ولا بالمعنى النفسي ولا بالمعنى المنطقي ـ المفهومي. فلو كانت كذلك لوجب علينا عندئذ حل المشكلة الطائفية عن طريق إخضاع اللبنانيين للعلاج النفسي أو إخضاعهم لعمليات الهندسة الوراثية أو القيام بالأمرين معاً. لكن الدراسات العلمية المعاصرة لطبيعة الإنسان البيولوجية وخارطته الوراثية لم تنبئنا حتى الآن بالحمض النووي أو الجينات المسؤولة عن الولاء الطائفي للإنسان وانتمائه، ولم تثبت أيضاً وجود علاقة سببية ضرورية بين الجينات وتوجهات المرء الفكرية وخياراته السياسية وخصاله الأخلاقية، اللهم إلا إذا خصّ الله اللبنانيين بمزايا هي لهم وحدهم من دون سائر العالمين!!! كما أنه ليس أمراً صادقاً بالتعريف أن كل ما هو محايث للطبيعة البشرية وكل ما تستسيغه النفس الإنسانية هو أمر واجب معيارياً وحسن أخلاقياً. وبيانا ذلك، لنفترض أننا همج وبرابرة بطبيعتنا أو أن الشر عرْقٌ ضارب فينا جميعاً، على ما يقول أبو العلاء المعرّي، فهل ينبغي علينا أن نتصرف، من وجهة نظر أخلاقية، وفقا لكل ما يتلاءم مع هذه الطبيعة؟ الجواب هو بالنفي، لأن الرد على هذا السؤال بالإيجاب يؤدي إلى نتائج خارقة وخطيرة أقلها تجريد الأخلاق بالكلية من جوهرها المعياري وشحنتها النقدية، وبالتالي، اعتبار ان كل ما هو موجود ومرغوب هو أمر حسن وإلزامي أخلاقياً. فمن معرفتنا وحدها لما هي طبيعتنا الحقة لا يمكننا أن نستنتج رأساً أن ما نحن ملزمون بفعله أخلاقياً، هو ما يسهم في تحقيق هذه الطبيعة. ثم، يبدو أنه من غير المعقول وغير المتماسك منطقيا الجمع بين افتراض دعاة تأبيد النظام الطائفي القائل بأن لا مكان ولا إمكان للعلمانية في لبنان بحكم هيمنة نزعة التطيف المتأصلة في طبيعة أبنائه النفسية، وافتراضهم القاضي بإلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص. ووجه الإشكال أو التناقض هنا يكمن في ادعاء الافتراض الأول أن العلاقة بين التطيف والطبيعة النفسية للبنانيين ليست مجرد علاقة تاريخية ـ موضوعية، بل إنها، قبل كل شيء، علاقة ضرورية بالمعنى المنطقي للضرورة مشابهة، مثلا، للعلاقة القائمة بين كون شيء ما جسماً فيزيائياً وكونه يتصف بالامتداد أو للعلاقة بين كون شكل هندسي ما مثلثاً وكونه شكلا ذا 3 أضلاع. لكن النتيجة المترتبة على هكذا ادعاء لا تقتصر على تأكيد حتمية غلبة الميل الطائفي عند اللبنانيين على أي نزعة لا طائفية قد تكون لديهم فحسب، وإنما تصل إلى حد نفي إمكان تصور أي شروط يمكن أن يؤدي توافرها إلى إلغاء الطائفية مثلما يستحيل مفهومياً تصور مثلث ليس ذا 3 أضلاع. وإذا كان إلغاء الطائفية على هذا القدر من الاستحالة العملية والنظرية، فإنه لا يعود ثمة معنى أصلاً للافتراض الثاني، ويلقي ظلالاً من الشك على جدوى ومصداقية الدعوة إلى إلغاء الطائفية من النفوس والنصوص على حد سواء. ذلك لأن الكلام على إلغاء الطائفية يفترض مسبقاً الاعتراف بقابليتها للتغير، ويستوجب أيضا الاستطاعة الفعلية على القيام بهذا التغيير. ومن هنا فإن من يحاول الجمع بين هذين الافتراضين المتعارضين هو كمن ينادي بفعل ما لا يمكن فعله من حيث المبدأ. لكن من الواضح أن قولا كهذا ليس إلا لغوا فارغا. فالإلغاء الذي يعدم شروط إمكانه ويتناساها ليس إلغاء على الإطلاق. وأياً تكن النتائج التي تسفر عنها الدراسات الخاصة بعلوم الإنسان، فإنه ليس بمقدورها أن تحجب أو أن تفنّد تلك الواقعة الأكيدة القائلة بأن النظام الطائفي يولّد فرداً طائفياً. وكما أفلح النظام الطائفي عبر وحوشه الضارية ذات المخالب الجارحة والقرون الناطحة والنواجذ القاطعة في التهام الدولة والاستيلاء على مقدراتها، كذلك تفوّق في تطبيع الأفراد وإخضاعهم لسلطان الطوائف التي احتكرت امتياز رعايتهم الأبوية الدنيوية والاخروية من المهد إلى اللحد، مقيّمة آراءهم وأفعالهم، محددة الاتجاه اللازم لتفكيرهم ومشاعرهم وتصرفاتهم، متصرفة عند المقتضى في أرزاقهم وأعناقهم، مقسّمة حظوظهم ومراتبهم وفقا لمعايير صارمة تقصي كل من استعصى أمره وأبى تجديد البيعة لأولي الأمر والنهي إلى عالم الارتداد والكفر والجنون. فمن النهاية البائسة للدولة إلى الوجود التعس للفرد المسافة قصيرة جداً. فالفرد لا قيمة له يستمدها من نفسه مهما علا شأن مؤهلاته، ولا حتى له حق يناله بذاته. ومن شأن ذلك جعل الأفراد موضوعاً للاغتصاب الحقوقي والاسترقاق الروحي المنظم مؤسسياً وإفقادهم السيطرة على وجودهم المباشر. إذ بقدر ما يرسّخ النظام الطائفي صلاحيات الطوائف ويكرّس لها حصصاً ودوائر مخلتفة من الحقوق والامتيازات ويمنحها كافة حقوق الوكيل الحصري المعتمد بين الإنسان ووجوده، بينه وبين ربّه، تصبح الطوائف كيانات أنانية ذات توجه فئوي ضيق يكتسب في ظلها الفرد هويته الاجتماعية ـ التاريخية بوصفه شخصية منحازة طائفياً. وإزاء هذا الحصار الطائفي المفروض على الأفراد يغدو التطيف شكلا بديهيا لتأكيد ذواتهم، فيقع الواحد منهم موضوعياً أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يأخذ على محمل الجد مزاعم اللغة الأخلاقية التي يتحدث بها النظام الرسمي عن نفسه، فيحيا عندئذ حياة مترعة بالخيبة والفشل، ويصير، بالتالي، أضحوكة في أعين الآخرين (دون كيشوت) أو، على العكس، أن يتحول إلى شخصية مخاتلة انتهازية لحفظ بقائه وتحصيل لقمة عيشه في هذا المجتمع القاسي (غوبسك أو غراندي عند بلزاك). وفي الأغلب، يختار الفرد البديل الثاني، لكن مع فارق بسيط مؤداه تمويه المضمون الطائفي الأناني لممارساته بأقنعة كثيفة من النيات الحسنة والقيم السامية مقتفياً أثر النظام الطائفي الذي يطبق نصيحة ميكافيللي للأمير بحذافيرها: «ليس يلزم أن تكون فاضلا بالفعل، إنما يجب ان تتظاهر بالفضيلة». ومن هنا، فإن الشعارات الدينية والأخلاقية والسياسية السائدة عندنا حول التسامح والوفاق والعيش المشترك والمساواة والاحترام المتبادل ما هي إلا تعمية أيديولوجية على ما تنتجه قوى السلطة من علاقات هيمنة وآليات تفاوت واستراتيجيات قاتلة تزّج بالناس في فتن دائمة ودوران في حلقة مفرغة. كما يستولد النظام السياسي المنافق فرداً منافقاً، كذلك تخلق ازدواجية المجتمع القيمية دافعية متضاربة في الفرد الذي يعيد في ذاته إنتاج التناقض الملازم للمجتمع بين الواقع المعاش والمثل أو القيم الرسمية. وإذا كان صحيحاً أن الفرد في ظل السيطرة شبه المطلقة للعصبيات الطائفية قلما يفلح في الإفلات من براثنها والتكلم بغير لغتها، فإنه من الصحيح أيضا القول إنه يأبى الاعتراف لنفسه بذلك. واللافت حقاً أن الفرد، أياً تكن درجة انحداره الأخلاقي لا يكفّ أبداً عن تأكيد التزامه بأصول اللعبة الأخلاقية المعتمدة رسمياً، ويفتش في جعبته الرثة عن سفسطة هشة للتبرير والخداع الذاتيين محتذياً حذو راسكولينكوف (بطل الجريمة والعقاب) الذي وجد العزاء والسلوان لنفسه عقب ارتكابه جريمة قتل امرأة مسنّة في أنه قتل «قملة» مرابية لا لزوم لها ومؤذية للجميع، وإنه إذ فعل ذلك، إنما فعله باسم مئات والآلاف الأعمال الصالحة. خلاصة القول، إن ما نطرحه في خصوص مقولة «إلغاء الطائفية من النفوس...» ليس المقصود به الانتقاص من الوعي وأهميته ولا من التنوير وراهنيته، بقدر ما هو محاولة لتبيان أن المراهنة المفرطة على الوعي وحده والمغالاة في تقدير فاعليته أفقدت الناس وعيهم، وإن هذه المقولة ما عادت تفسر شيئا ناهيك عن التغيير. والأحرى أنها نفسها محتاجة إلى تفسير وتغيير. وخير شاهد على ذلك هو عزوف «النفوس النبيلة» التي تدين من علياء سمائها فوضى العالم وخرابه، فساده واضطرابه عن القيام بأي عمل أو إجراء من شأنه الحد من استفحال الداء الطائفي والمد الأصولي. فما يحدث بالفعل هو العكس تماماً. وعلى الرغم من تقادم الدعوة إلى إلغاء الطائفية من النفوس، واعتراف أصحابها اللفظي بالحاجة الماسة إلى الإصلاح، إلا أنهم، في الواقع، لا يحسنون سوى تكريس ما ينادون بالغائه ونبذه، فباتوا، بحسب عبارة الكتاب المقدّس، كالصخرة التي تقع على فم الماء فلا هي تشرب الماء ولا هي تدعه يجري. لذا يخشى أن تخدم هذه الدعوة استراتيجية أهل المحافظة وغلاة الخصوصية، وأن تكون الأكثر كلفة والأشد فتكاً وتضليلاً. في حين أن من يروم الغاء الطائفية حقاً يلزمه، على الأقل، الشروع في إحداث «انقلاب كوبرنيكي» قوامه عملية إعادة بناء مركبة ومتساوقة للفكر والواقع، للنفوس والنصوص تتعدد جبهاتها بتعدد الجذور والمنابع المغذية للعلاقات الطائفية. وفي الحقيقة، بما أن اللبنانيين أصبحوا سواء في تحمل المساوئ والكوارث الناجمة عن النظام الطائفي، فإن خلاصهم لم يعد حكراً على طائفة من دون أخرى، ولا حتى ممكناً ضمن الصيغة التي ينهض عليها هذا النظام. فالمشكلة لا تتلخص اليوم في أن نكون أو لا نكون، بل في من نكون وكيف نكون، ما يعني أن مصير اللبنانيين نفسه بات رهناً بماهيتهم، وأن خلاصهم يقتضي تجاوز ما أسماه القديس أوغسطين الحرية الأولى التي تجلّت في «إمكان اللاخطيئة» إلى الحرية الأخيرة التي تتمثل في «لاإمكان الخطيئة». ومعنى ذلك أنه لا ضير من تعثر اللبنانيين واعتمادهم منهج «المحاولة والخطأ» لتلمس المخارج من أزماتهم بشرط أن تكون إمكانية النهوض مجدداً والسير قدما متاحة لهم، لكن إن كانت هكذا فرصة شبه معدومة اليوم أصلا، فعندئذ يجب عليهم ان يكونوا اكثر حكمة واستبصاراً. والحكمة تعلّمنا أن السبيل الأمثل لحل المـشاكل هو مواجهتها بدلا من تمييعها والهروب منها، وأنه ما عاد بوسعنا اجترار حلول صدئة مستنفدة سبق أن أثبتت فشلها الذريع. إذا كان السقوط الأول في الخطيئة الطائفية جائزاً ومبرراً بالأمس، فإنه صار اليوم خياراً قاتلاً وموتاً محـتماً. وهناك حيث لا عبرة ولا رؤية إنسانية جامعة يهلك البشر.



#علي_صغير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة الكاظمي والانقسام الاحتجاجي
- موسم الاغتراب العراقي
- لماذا الخوف من الدارونية؟
- العرب والحداثة قراءة في أيديولوجيا الفصل الجوهراني
- حكومة مترهلة لدولة عرقطائفية
- العولمة وثورات العرب


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي صغير - نقد «الكوجيتو» الطائفي: المشكلة ليست في أن نكون… بل في من نكون وكيف؟