أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنجيلا دايفس - نقاش مع أنجيلا دايفس وآسا تراوري















المزيد.....


نقاش مع أنجيلا دايفس وآسا تراوري


أنجيلا دايفس

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 11:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر النقاش باللغة الفرنسية في مجلة بالاست عام 2019/1 العدد السابع

“غالباً ما نتجاهل عمل الأشخاص غير المعروفين، والذين لا يتم تمثيلهم على نحو فردي”.

الأولى عمرها 74 سنة والثانية 33؛ الأولى أميركية والثانية فرنسية؛ ظهرت الأولى على قائمة “المجرمين” العشرة الأكثر ملاحقة من مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أن تثبت براءتها والثانية تناضل من أجل إدانة رجال الشرطة المسؤولين عن موت أخيها يوم 19 تموز/يوليو عام 2016، في منطقة فال دواز. مناضلة وكاتبة، وأستاذة سابقة في كاليفورنيا، ترشحت أنجيلا دايفس مرتين لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة عن الحزب الشيوعي، الذي تركته عام 1991؛ تناضل اليوم من أجل إنشاء حركة “تمثل الطبقة العاملة، والحركات المناهضة للعنصرية، والمسائل النسوية وتلك المتعلقة بمجتمعات الميم، إلى جانب المطالبات المناهِضة للحرب والداعية إلى تحقيق العدالة البيئية”. مدرّسة متخصصة، آسا تراوري، باتت واحدة من الشخصيات المناضلة ضد عنف الشرطة والمكثرة من تنقلاتها بهدف المشاركة في التظاهرات الداعملة للمضربين، مثل عمال السكك الحديدية والطلاب الذين يحتلون الجامعات: “فرنسا تقسم شعبها: جزء مضطهد وآخر مرتاح” تقول آسا داعية بذلك إلى انتفاضة شعبية. لم تلتقيا من قبل، لذلك كنا حريصين على تحقيق ذلك، فها هما، في باريس، في يوم حزيراني من العام 2018.

خلال مسيرة المرأة، التي نظمت في كانون الثاني/يناير عام 2017 رداً على تنصيب ترامب، دعيتِ أنجيلا، إلى “المقاومة”. في حين دعيتِ، آسا، إلى “الثورة”. لقد عرفتِ الأمل الثوري خلال الـ 1970ات، ماذا ستكون عليه الثورة خلال القرن 21؟

أنجيلا: سأميز بين التعريف الذي كنا نعتمده خلال الـ 1960ات والتعريف الذي توصلنا إليه خلال القرن الحالي. عندما كنت مناضلة شابة، كنا محاطات فعلياً بلحظات ثورية: في ظل أجواء الثورة الكوبية وحركات التحرر الأفريقية. فاعتقدنا حقاً أننا جزء من ثورة مناهضة للعنصرية تسقط الرأسمالية. خلال هذه المرحلة، لم نكن نعلم تماماً معنى “النوع الاجتماعي”. لم تحصل هذه الثورة، ولكن نضالنا أفضى إلى عدة تغيرات. اليوم، أتحدث عن الحاجة إلى ثورات بصيغة الجمع، معترفةً أن الثورة لا تحصل في لحظة واحدة. لا يتعلق الأمر فقط بإسقاط الدولة أو التخلص من الرأسمالية- مع العلم أنني أتمنى أن نتمكن من تحقيق ذلك!- لقد فهمنا أنها إضافة إلى مسألة التخلص من الرأسمالية- التي هي رأسمالية عنصرية- لن نتمكن من تحقيق الثورة ما لم نعالج مسألة شبح الاستعباد والاستعمار. كما ظهر النوع الاجتماعي كذلك كأساس للتغيير الاجتماعي الجذري. لن يتحقق أي تغيير ما لم ندرك أن العنف الأكثر انتشاراً هو ذلك القائم على النوع الاجتماعي. لذلك أعتقد أن أهداف الثورة هي أكثر تعقيداً مما كانت عليه تصوراتنا في الماضي. وهذا يشمل من دون شك جهاز الدولة القمعي- وأتشرف بالمشاركة مع آسا في هذا النقاش. يدين النضال الذي تشارك آسا فيه بشكل واضح عنف الشرطة والعنصرية البنيوية كعنصرين أساسيين في المجتمع الفرنسي، كما هو عنف الشرطة والاستعباد بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

آسا: عندما تحدثنا عن “ثورة” في المعركة من أجل أخي، فإننا نشير دوماً إلى الاستعباد والاستعمار. من المهم اليوم أن تدرك الناس أن فرنسا وكذلك دولاً أخرى قد قتلوا شعباً بأكمله: ما نعيشه اليوم، يمكننا فهمه بالرجوع إلى ذلك الماضي. ولكن كذلك علينا التحدث عن أيار/مايو 1967، وهذا ما لا تتحدث عنه فرنسا: في غوادولوب، ارتكبت مجزرة بحق السود. (1) وهي عملية مستمرة. فقد ناضل الناس قبلنا، وقتلوا قبلنا، كما سجنوا قبلنا، لذلك لا يمكننا ترك المعركة تذهب سدى. ما لدينا اليوم، لم نحصل عليه مجاناً؛ علينا أن نكون جزءاً من هذه الاستمرارية. الثورة تعني الإطاحة بالنظام. عندما قتلوا أخي يوم 19 تموز/يوليو 2016 في بومون-سور-أويز، لم يكن لدى الشرطة قائمة تقول: “علينا قتل آدم تراوري”، “غداً، نغتصب ثيو”(2)، “وبعده، نقتل غاي كامارا” (3). إنه النظام. كل العنف الذي يمارسه رجال الشرطة في أحيائنا، هو تحت غطاء هذا النظام القمعي والعنيف والعنصري ضد إخوتنا. نذلهم، ونبصق عليهم، ونقتلهم. حارب أجدادي من أجل فرنسا هذه، فقد شاركوا في الحرب العالمية الثانية من أجل الحصول على الحرية: في حين قضت الجمهورية على واحد من أحفادها. نحن، ننهض حتى نقول إننا لا نريد ذلك بعد اليوم. فالشباب والأولاد سيكبرون. في حين أن فرنسا تتصرف بشكل سيء؛ نحن نواجه نظاماً قوياً للغاية ولن نتمكن من المضي قدماً ما لم نطيح به. إن اتباع أنموذج أنجيلا سيمنحنا القوة. (تبتسمان)

أنجيلا، عام 1999، تحدثت عن أهمية العمل من أجل “الوحدة” السياسية والتي لا تقوم فقط وفق معايير العرق أو الجندر. آسا، كثيراً ما تذكرين مصطلح “التحالف”، بدلاً من العبارة الشهيرة: “اتحاد النضالات”، كيف يمكننا التغلب على التناقضات الموجودة بين العديد من النضالات المنوي توحيدها؟

آسا: منذ البداية، لا نريد أن يتم احتواءنا. من المهم: المحافظة على خطنا، وعلى ما عملنا من أجله. أسمع كلمة “اتحاد” منذ مقتل شقيقي؛ وهي تتكرر دوماً، ولكن عندي الانطباع أنها كلمة للتعويض عن سلوك أو تصرف تجاهنا. على الأرض، ليس الأمر كذلك: الكثير من الناس الذين يستعملون الكلمة لا يلتزمون بها. هم غير موجودين. ولا نراهم. من الناحية النظرية، يأتون للاستماع إلى خطاب عام من لجنة آداما، ويعتبرون بعد ذلك أنهم قد “اتحدوا” معنا. ليس هذا المطلوب. على هؤلاء الأشخاص أن يكونوا إلى جانبنا من أجل النضال. هذه الكلمة لا أريدها، إنما أنا أتحدث عن “تحالف”. كل نضال لديه طريقته للتفكير وله خطه السياسي الذي يجب احترامه، سواء كنا على اتفاق معه أم لا، لكن نواجه جميعنا نفس النظام وذات الحالة. إذاً، علينا عقد التحالفات، حتى نستطيع إسقاطه. لا نريد المزيد من الكلام: نحن بحاجة إلى النضال على الأرض.

أنجيلا: من المفيد أن يكون لديك مقاربة نسوية لفهم العلاقات التبادلية داخل الحركات التي تناضل من أجل العدالة الاجتماعية والتغيير الراديكالي. لا يمكن المطالبة بالعدالة في مكان واحد، دون المطالبة بها في كل مكان. النضال من أجل العدالة لآداما في فرنسا هو نضال ضد جهاز الدولة القمعي وضد العنصرية. وهو دعوة من أجل المساواة والعدالة في كل المجالات. هذا ما يجب أن يكون عليه أساس الوعي في العلاقات التبادلية بين النضالات- أعني بذلك ما يسمى عادة بتقاطعية النضالات. لا يمكن التفكير بالعنصرية بمعزل عن النضالات ضد العنف المجندر. كما أن عنف الشرطة يرتبط بالعنف المنزلي. إذا أردنا فهم سبب كون النساء هن هدف أسوأ أشكال العنف، والأكثره اتساعاً، علينا التفكير بعنف الدولة والرسالة التي ترسلها بذلك إلى الأفراد. إذا كان شخص لا يستطيع حل كل هذه المشاكل في وقت واحد، فيمكنه على الأقل أن يدرك أنها متعايشة مع بعضها البعض. لقد كنت ناشطة طوال عقود في الحملة من أجل إطلاق سراح موميا أبو جمال (4)، كما يمكن أن نذكر ليونارد بيلتير (5)، السجين السياسي الذي يمضي أطول مدة اعتقال في تاريخ الولايات المتحدة، أو حتى آساتا شاكور (6)، اللاجئة في كوبا والمعتبرة بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة ضمن أخطر 10 إرهابيين في العالم.عندما نطالب بالعدالة للسجناء السياسيين ونلتزم بهذه النضالات، فسنكون على إدراك بالرابط القائم بين تلك المطالبة بالحصول على الصحة والتعليم، باختصار، كل ما يهدف إلى تغيير المجتمع. الوعي بعنف الاحتلال الصهيوني في فلسطين هو مؤشر آخر على الوعي بعدم تجزئة العدالة. كذلك، الكثير من الشباب المشاركين في حياة السود مهمة وفي الحركات المؤيدة للسود في الولايات المتحدة هم ملتزمون للغاية إلى جانب فلسطين. فهم يفهمون كيف أصبح هذا النضال منارة لكل الحركات المطالبة بالعدالة: سواء كانت ضد جهاز الدولة القمعي، وضد العنف القائم على الجندر، وضد الاستغلال الاقتصادي، ومن أجل حقوق الترانس… المثير بالحركات الجديدة في الولايات المتحدة اليوم هو هذا المستوى العالي من وعي الشباب، وهذا ما يقربنا اليوم من الالتزام الثوري بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية.

تحتل النساء أكثر فأكثر المقدمة في النضالات المناهضة للعنصرية، كيف تفسران ذلك؟

أنجيلا: لقد حان الوقت لأن تأخذ النساء زمام المبادرة في الحركات النضالية، لأنهن لطالما شكلن أساسها. وأصر دائماً أنه لم يكن لأن يكون لدينا حركة من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة من دون الجهد لتنظيمي الأساسي الذي قامت به النساء. غالباً ما نتجاهل عمل الأشخاص غير المعروفين، والذين لا يتم تمثيلهم على نحو فردي، كالنساء السود الفقيرات في الولايات المتحدة- حيث أدى نضالهن إلى حصول تقدم في مناهضة العنصرية. وأخيراً، هو مجال حتى تهبّ النساء في كل أنحاء العالم! هناك شعارات تقول مستقبل العالم أنثوي. هذا لا يعني أن الأمر يرتبط فقط بالنساء- يجب استعمال مصطلح “امرأة” بأوسع معانيه الممكنة، مهما كانت أصولهن العرقية والقومية والاجتماعية وكذلك النساء الترانس؛ عندما تنتفض النساء، ينتفض العالم بأكمله معهن. هذا هو الاختلاف الأساسي بين نوع القيادة التي عرفناها في الماضي، وذلك الحاصل اليوم القائم على مقاربة نسوية، والتي نراها ضمن النضالات اليوم.

آساتا: إذا أردت التحدث أمام الجمهور وأقول ما أريده كامرأة سوداء، ذلك لأن هناك العديد من النساء قد ناضلن من أجل ذلك في السابق. وهو حق لم يكن لنا. للمرأة مكانة مهمة جدا؛ هي حاملة للعديد من النضالات. ولكن لا يمكن لإخواننا المشاركة في بناء هذا العالم، في فرنسا وفي بناء حياتهم. هؤلاء الذكور، المدمرون من الداخل، سيعزلون ويعتقلون. لقد أصبح آداما رمزاً: نريد أن يكون اسمه حاملا للكثير من الأمور. من خلال صوتي كامرأة، كامرأة سوداء وأخت، أريد القول إنه لإخوتنا الحق بالكلام. ذات يوم سئلت عن رأيي بما خص يوم المرأة العالمي: إنه يوم جميل، إنها معركة يجب مواصلتها حتى تحصل كل النساء في العالم على الحقوق التي يستحقنها ولكن لم يحصلن عليها، أو لم تكن لهن على الإطلاق. ولكنني قلبت السؤال: “أي رجال يجب أن نحاربهم؟” إخوتنا ليسوا مثل أولئك الذين في السلطة. هم جرى تهميشهم. أقول كامرأة: “لقد قتلت السلطة أخي وأحلامه، وخطفت صوته، ولكنه سيستمر من خلال أسماء أخرى، وإخوة آخرين لن تتمكنوا من خطف أصواتهم والذين سيشاركون في بناء حياتهم”. المرأة السوداء تمثل خيالاً جنسياً للرجل الأبيض: لطالما اعتبرت أقل ضرراً مقارنة بالرجل الأسود، هي إكزوتيكية، وهي أقل عرضة للهجوم على الأقل- على الأقل ليس بذات الطريقة.

أنجيلا، عندما سجنت، طلب منك أحد الصحافيين تبرير “العنف”. وقد أزعجك ذلك. أجبت أن الشكل الأول للعنف هو النظام. آسا، أعلنت أنه علينا تجنب الفخ الذي تدفعنا الدولة إليه، أي الرد على عنفها بعنف، كيف يمكن تنظيم وتوجيه الغضب الشعبي؟

أنجيلا: بدأت النضالات الراديكالية بالانتشار، خاصة ضد عنف الدولة، وتطرح مسألة العنف على أولئك الذين يقاومونها. في ذلك الفيديو الذي يعود تاريخه إلى نصف قرن، رديت على سؤال الصحافي الذي أرادني أن أجيب أنا عن استعمال العنف- دون أي اعتبار أن الدولة وممثليها هم من يحتكرون العنف. ما زال الفيديو راهنياً. لم يتوقف عنف الشرطة- أي الهجمات ضد المجتمعات السوداء والعربية والذي تشهدونه هنا في فرنسا- منذ الاستعمار. بات تحليلنا للعنف أكثر صعوبة وتعقيداً. لذلك إنني أقدر فعلاً ما يقوم به الشبان اليوم في الحملات المناهضة لوحشية الشرطة، أو ضد مجمعات السجون-الصناعية. خلال عقود خلت، لم نكل عن المطالبة بملاحقة المسؤولين عن عنف الشرطة (أو عنف رجال الأمن، مثل حال تريفون مارتين (7) وجورج زيمرمان الذي قتله). تعرف الحركة الحالية أنه لا يجب ملاحقة الأفراد أمام القضاء فقط، لأننا لو لاحقنا كل فرد بمفرده: سيستمر العنف لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من بنية نظام الشرطة. ما أعتقد أنه مطلوب حقاً هو التحليل البنيوي، والنظر إلى الأشخاص من منظار أوسع. يجب، بدلاً من ذلك، التفكير بنزع السلاح من الشرطة. في الولايات المتحدة، نناضل من أجل إلغاء تطبيق القانون كما عرفناه حتى اليوم؛ هذا الموقف، من دون شك، يقوم على إلغاء نظام السجن باعتباره النموذج العقابي المهيمن. أي إن إلغاء الشرطة باعتبارها شكلاً للأمن. وبذلك أفكر بالتحليل البنيوي المفضي إلى مسار أكثر راديكالية من مجرد المطالبة بمحاكمة الأفراد مراراً وتكراراً. لأن العنف يبقى دائماً مندمجاً في البنية الأمنية؛ إلغاء فرض الأمن والسجون هي مطالب راديكالية، لأن تعني التفكير بمجموعة واسعة من الروابط الجديدة، علماً أن التعليم والصحة والمسكن والعمل كلها مسائل يمكن حلها إذا حاولنا أن نزيل من مجتمعاتنا العنف البنيوي المتأصل في السجون والشرطة. إضافة إلى ذلك، هذا التحليل هو مقاربة نسوية.

آسا: ما أن يتحدث معي أحدهم عن العنف، أقول إن العنف الأول هو الذي عانى منه أخي. تعرض للدوس على قفصه الصدري- تقنية التثبيت هذه ممنوعة في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وكذلك الدول الأوروبية المجاورة، ولكنها ما زالت مطبقة في فرنسا. هذا العنف الذي يجب إدانته. أخبرهم أخي بأنه لن يستطيع التنفس إن استمروا بالدوس عليه، من دون نقله إلى المستشفى. فتركوه يموت كالكلب من دون تقديم العون له. رجال الشرطة هم عسكر، من المفترض بهم إنقاذ حياة الناس؛ يومها، سيكون لهم الحق بالموت. العنف يجر العنف. هم من دعوا إلى العنف. باعتقادهم، العدالة ليست من حقوقنا. ولكننا نقول لهم إننا لا نتوسل إليهم من أجلها، لأنها من حقوقنا. نحن نتعرض للعنف والقمع: 5 من إخوتي هم اليوم في السجن. ولكن لماذا لم يتم توقيف رجال الشرطة؟ لأن نظام العدالة يسير وفق مستويين من العدالة. أدين الإخوة تراوري فوراً، في حين أن رجال الشرطة، بعد عامين [5 أعوام تاريخ نشر الترجمة]، ما زالوا أحراراً: لم يشعروا بالقلق أو يتعرضوا للاتهام، ولم يدانوا. يحتاج النظام إلى أشخاص ليملأ بهم سجونه؛ يحتاج إلى مدانين مثاليين: أولئك الذين لونهم أو دينهم غير مناسب. عندما نضخ المال في النظام القمعي ولا نضخه لصالح التعليم أو الصحة، فهذا ما يبرر ملء السجون. في الولايات المتحدة، نتحدث عن نظام “عرقي”. في فرنسا، نتحدث فقط عن نظام “اجتماعي”، ونخبئ حقيقته. إضافة إلى ذلك، إن هذا النظام الاجتماعي ليس نفسه في كل مكان، سواء في أحيائنا أو مدننا الفقيرة جدا في فرنسا. نترك الأحياء تغرق بالمعاناة لأننا [النظام] لا نعطيها الوسائل، بذلك هذه المعاناة هي مقصودة. اليوم، عندما ننظم نشاطاً رياضياً مع الأولاد لتكريم آداما، يرسل لنا النظام الجيش، والأسلحة بيد جنوده.

أنجيلا، خلال مؤتمر مع جوديث بتلر، تحدثتِ عن الهجومات والانقسامات التي تدمر وتجرح، من الداخل، مساحات النضال. في مواجهة ذلك، تدعين إلى ضرورة الشفاء الجماعي: ماذا تقصدين بقولك هذا؟

أنجيلا: من أهم المساهمات التي قدمها الناشطون الشباب اليوم، خاصة من يشارك في الحملات ضد العنف- من الشرطة الموجه ضد النساء الترانس اللواتي يعانين من العنف المؤسساتي والمنزلي- يجب أن يكونوا قد فهموا، إلى جانب أهمية وجود الالتزام الملموس، أهمية العناية بأنفسهم. لأن النضال يمكن أن يكون مدمراً. ليس منطقياً أن تدمر نفسك وتستهلكها في مسار يهدف إلى بناء عالم أفضل. أنا أقدر رؤية كيف أن الأشخاص من حياة السود مهمة، الذين هم بغالبيتهم من النسويات السود على رأسهم، قد أدخلوا تقنيات الرعاية بالذات داخل منظمتهن. إنهن يعتبرن أن الشخص بكليته يجب أن يشارك في الحركة. كنا نعتقد، كمناضلين ثوريين، أنه إذا وضعنا جانباً مشاكلنا حين انضمينا إلى التجمع، وكل الصدمات التي مررنا بها. لكن ذلك لا يمشي، لأن المشاكل ستظهر ومن شأنها عرقلة أو تدمير الحركة. يستعمل العديد منا ممارسات فردية أكثر أو أقل للرعاية الذاتية. على المستوى الشخصي، عندما كنت في السجن منذ عشرات السنوات، تعلمت ممارسة اليوغا والتأمل- الممارستان اللتان استمريت بممارستهما طول السنوات التي تلت. لكن هذا لا ينبغي أن يقتصر على الممارسات الفردية: يجب أن نتعلم تطوير مناهج جماعية. ليس لدي جواب جاهز. أتذكر جيداً عندما كنا مناضلين يافعين، نظمنا حملات ضد عنف الشرطة وعمليات قتل الشباب السود من قبل الشرطة في مجتمعاتنا: كان بعض القادة الذكور عنيفين في حياتهم الزوجية. كانوا يضربون زوجاتهم. لم يكن لدينا الكلمات ولا السياق لفهم العلاقة بين الاثنين. اليوم بات لدينا ذلك.

آسا: أنجيلا، منذ وفاة أخي، ونحن نتعرض لضغوط وقمع وتهديد بالقتل. لقد سجنوا إخوتي بسرعة البرق دون تحقيق دقيق. نحن نواجه دولة وقضاء أعلنا علينا الحرب: أقوى نظامين في العالم… لقد صنعوا منا، وعلى الرغم منا، جنوداً. تعيش أمهاتنا وسط كل هذه المعاناة. وسجن العشرات من الشباب في حينا. كيف تحلّين مثل هذه المشاكل؟ كيف تتابعين النضال عندما يريدون تدمير وحدة العائلة؟ إنه الحب الذي يجمعنا هو الذي يشد روابطنا. لا يمكنهم كسره، لذلك يضعونا بالسجن. كيف، من خلال تجربتك، يمكنك أن تعطينا القوة؟

أنجيلا: يا له من سؤال كبير، شكرا. كما أقدر الطريقة التي صغتِ بها سؤالك. نحن بحاجة إلى التفكير ضمن سياق أوسع. ما يميز نضالات السود من أجل الحرية، في أي مكان على هذا الكوكب، لم يكن العنف أو الجروح، التي تتلاحق باستمرار، إنما القدرة على الاستمرار. من الضروري الإصرار على هذه النقطة. لدينا تاريخ مشترك في تطوير الاستراتيجيات، ليس فقط من أجل البقاء ولكن كذلك لتخيّل الحرية وعوالم جديدة. يتعلق الكثير من ذلك بالثقافة، لذلك كانت الموسيقى جداً مهمة في نضالات السود في العالم. اليوم على وجه التجديد، يجب الأخذ على محمل الجد ما يمكن أن نسميه البعد الجمالي في نضالاتنا. من المهم إدراك أن المبدعين، الذين يخلقون الموسيقى أو الشعر أو أي أشكال فنية أخرى- يلعبون دوراً حقيقياً في ذلك. لديهم كل القدرة لتخيل عالم جديد، عالم أفضل. وتخيله معاً هو جوهر الانتاج الثقافي الناتج من تاريخ المنحدرين من أصل إفريقي. لقد وجدت الكثير من الأمل، والراحة والعزاء على مستوى الممارسة. أعمل كثيراً على الجاز. لست موسيقية ولكنني أفكر بالعلاقات الموجودة بين الجاز والعدالة الاجتماعية، في واقع أن الجازيين يتمتعون بتاريخ طويل جداً، ما زال غير معروف، في النضال ضد العنصرية. الموسيقى تسمح لنا برؤية مجتمعات جديدة متخيلة التي تساعدنا على التعامل مع أنواع العنف اليومية المدمرة، مثل تلك التي تعرضت لها عائلتك. ليس جواباً أعلم، إنه مجرد البداية… (تبتسم)

الهوامش:

(1) يوم 26 أيار/مايو 1967، في بوانت-آ-بيتر، أضرب عمال البناء مطالبين بزيادة رواتبهم: أدى رفض أصحاب العمل إلى نشوب هبّة. أدى القمع إلى مقتل 8 بحسب الأرقام الرسمية؛ في حين أشار وزير ماوراء البحار، جورج لوموان، إلى سقوط 87 قتيل.

(2) في شباط/فبراير عام 2017، فتش رجال الأمن، ثيو لوهاكا (22 سنة)، في أولناي-سو-بوا: فأصيب بجرح بطول 10 سنتم في شرجه، ناتج عن إدخال عصا تلسكوبية فيها. يستحق رجل الشرطة المحاكمة لأنه ارتكب فعل “الاغتصاب”. ولكن، أفاد خبير طبي إلى أن الفعل “لا يتعارض مع متطلبات المهنة”.

(3) يوم 17 كانون الثاني/يناير 2018، في إيبيناي-سور-سين، قتل غايي كامارا (26 سنة)، اتهمته الشرطة بالفرار بسيارة أعلن عن سرقتها.

(4) عضو في حزب الفهود السود، حكم بالإعدام عام 1982 لقتله شرطي في فيلادلفيا. عام 2008، ألغت محكمة استئناف فيدرالية الحكم لعيوب إجرائية لكنها أيدت الاتهام. لطالما دافع موميا أبو جمال عن براءته. في حين تدعو منظمة العفو الدولية إلى محاكمة جديدة.

(5) عضو في حركة الهنود الأميركية، سجن منذ عام 1976، حكم عليه بالسجن مدى الحياة لقتله اثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. ما زال حتى اليوم يعترض على ذلك.

(6) عضوة في حزب الفهود السود وجيش التحرير الأسود، حكم عليها بالسجن المؤبد لقتل شرطي خلال تبادل إطلاق نار؛ بعد هروبها عام 1979، حصلت على حق اللجوء السياسي في كوبا. دافعت دوماً عن براءتها.

(7) قتل هذا الأميركي-الإفريقي غير المسلح، على يد رجل أمن يوم 26 شباط/فبراير عام 2012 في فلوريدا: للاشتباه بالتخطيط للقيام بـ”حركة سيئة”، فالأخير اقترب من مارتين، وتلا ذلك شجار أطلق خلاله الشرطي النار، متذرعاً لاحقاً بأنه دافع عن نفسه. في تموز/يوليو عام 2013، وجدت هيئة المحلفين أن زيمرمان غير مذنب في التهم الموجهة إليه.



#أنجيلا_دايفس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاش مع أنجيلا دايفس وآسا تراوري


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنجيلا دايفس - نقاش مع أنجيلا دايفس وآسا تراوري