أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أسامة اغبارية - حتمية صراع الأقطاب الرأسمالية: عبر ودروس















المزيد.....


حتمية صراع الأقطاب الرأسمالية: عبر ودروس


محمد أسامة اغبارية

الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 00:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد "سقطت مقولة إن روسيا خسرت الحرب الباردة لأنّ الحرب الباردة لم تنته أبدًا". معركة الأقطاب لم تكن وليدة السنوات الأخيرة، بل هي تمتد منذ ظهور القطب الشيوعي حتى يومنا هذا، لذلك سنستعرض في هذا المقال أهم المحطات التاريخية لكي نفهم الحرب الروسية-الأوكرانية بشكل أفضل.

كما سنتناول في هذا المقال سياسة الدولة الروسية قبل الحرب، وحتمية الانفجار الروسي على حلف الناتو والعبر المترتبة على ذلك والعلاقة الإسرائيلية الروسية والموقف الفلسطيني، وماذا ممكن أن نتعلم من هذه المرحلة التاريخية.



أهم المحطات التاريخية لفهم الصراع

لام بوتين لينين على منح الشعب الأوكراني حق تقرير مصيره، ومن بعده ستالين على عدم تعديل دستور الاتحاد السوفيتي في حق الانفصال الطوعي لجمهوريات الاتحاد السوفيتي في حينه، ومن هنا وجب علينا أن نذكر الحقيقة التاريخية:

ولادة جمهورية أوكرانيا الاشتراكية: قبل الإطاحة بالإمبراطورية القيصرية الروسية، كانت الامبراطورية القيصرية سجنًا للشعوب، حيث كان “الروس العظام” (تقريبًا نصف عدد السكان) يسيطرون عليها ويقمعون بقية الشعوب بوحشية، فوضعت الحكومة الجديدة بعد ثورة أكتوبر حدًا لذلك القمع معلنة عن حق الشعوب المقموعة بأن تقرر مصيرها بنفسها. وهكذا، مثلا، منح البلاشفة الاستقلال لفنلندا كما دافعوا عن حق أوكرانيا بتقرير مصيرها.

خلال ثورة أكتوبر 1917، شكّلت مجالس العمال والجنود في روسيا حكومة جديدة. تعهدت هذه الحكومة بقيادة لينين، بشكل خاص باحترام حق الشعوب المضطهدة بتقرير مصيرها. هذا الحق جرى تكريسه لاحقًا في دستور الاتحاد السوفياتي، ومنحت كل الجمهوريات الاشتراكية الحق غير المشروط بالانفصال.

بالنسبة للينين، إن حق تقرير المصير لا يهدف إلى زيادة عدد الدول القومية، إنما على العكس، اعتبر لينين أن البروليتاريا يجب عليها أن تعارض كل أشكال الاضطهاد القومي، بحيث يمكن للبروليتاريا في كل الدول الاجتماع في اتحاد طوعي وفق أسس متساوية. وهو موقف مشابه اتخذه ماركس عندما أكد على أنه يجب على العمال الإنكليز النضال من أجل استقلال ايرلندا، حتى يتمكن العمال الإنكليز والإيرلنديون من تشكيل حلف ضد البرجوازية.

لكن هذا لم يعنِ أن البلاشفة أرادوا أن تحكم فنلندا أو أوكرانيا حكومات الرأسمالية. بالتوازي مع سياستهم المؤيدة لحق الشعب بتقرير مصيرها، دعم البلاشفة العمال الفنلنديين والأوكرانيين المناضلين من أجل الاشتراكية. في فنلندا، هزمت الحكومة الفنلندية. في أوكرانيا، على العكس، استولت المجالس العمالية على السلطة وشكلت اتحادًا مع روسيا الاشتراكية.

قامت سياسة لينين على فكرة أن الطبقة العاملة يجب أن تناضل ضد كل أشكال الاضطهاد. كان الفلاحون الأوكرانيون، الذين تعرضوا للظلم لفترات طويلة من بيروقراطيي القيصر الناطقين بالروسية، أملوا بشكل طبيعي بتحقيق الاستقلال. حاول القوميون البرجوازيون تقديم أنفسهم كممثلين طبيعيين لهذه التطلعات. ولكن البلاشفة في أوكرانيا تبنوا أيضًا مطلب الحق بتقرير المصير ودعوا إلى “الحق بتقرير المصير لأوكرانيا لصالح العمال والفلاحين”. وهذا سمح لهم بإظهار أن “تقرير المصير” الذي دعت إليه القوى البرجوازية لا يعني إلا سيطرة كبار ملاك الأراضي والرأسماليين والقوى الامبريالية.

في بداية عام 1918، فرضت الامبراطورية الألمانية معاهدة سلام ظالمة على الحكومة الفتية المنبثقة من الثورة الروسية، إذ نصت المعاهدة بشكل خاص على احتلال ألمانيا لأوكرانيا، ومنذ ذلك الوقت كانت تحكم من حكومة دمية. وبطبيعة الحال، بُرر هذا الإجراء بأنه تعبير عن الحق بـ"تقرير المصير" ووجد الألمان قوميين برجوازيين جاهزين لحكم البلاد بحيث يخضعون لهم. رفض البلاشفة هذا المنطق، ودعوا بدلًا منه إلى تقرير مصير حقيقي للشعب الأوكراني على قاعدة طرد كل القوى الأجنبية من أراضي الدولة، وهذا ما حدث.




الفخ الافغاني 1979

الحرب الروسية الاوكرانية تصف وضعًا مشابهًا للحرب في أفغانستان: يغزو الروس دولة مجاورة لهم، ويزعمون أنهم يفعلون ذلك كفعل دفاعي بسبب عدوانية الولايات المتحدة وأوروبا، بينما يزعم الغرب أن السوفييت يكبون ويفعلون ذلك بسبب طموحاتهم الإمبريالية الرغبة التوسعية، رغم أن الحكومة الأفغانية دعت السوفييت بالفعل لدخول البلاد.

كان الأمر برمته عملية احتيال كبيرة، بدأ الأمريكيون والسعوديون والباكستانيون والبريطانيون بإرسال أسلحة وإرهابيين إلى أفغانستان، قبل سنوات من الغزو. لم يكن الغزو السوفيتي نتيجة غير متوقعة لهذه الخطوة، ولكن كما اعترف الأمريكيون أنفسهم منذ ذلك الحين وكما تظهر الوثائق السرية، الغزو كان الخطة الأمريكية في المقام الأول؛ حتى يغرق السوفييت في الوحل الأفغاني. في كلتا الحالتين، تحقق الولايات المتحدة أرباحًا. فمن الواقعي تمامًا أنهم سوف يسعون جاهدين لنزيف الروس حتى آخر أوكراني.

وبالنظر إلى أنه في العام 2014، شارك الأمريكيون والأوروبيون في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية، واستبدالها بحكومة موالية للغرب، وبالنظر إلى أنه بعد الحرب، واجهت المقاطعات الشرقية الموالية لروسيا والمناهضة لحلف شمال الأطلسي صعوبة في التصويت في الانتخابات حتى يومنا هذا (حوالي 12٪ من السكان)، وينطبق الشيء نفسه اليوم فيما يتعلق بأوكرانيا (على الأقل من منظور روسي): كيف يمكن القول بأن دخول الغرب إلى أوكرانيا من خلال الناتو هو إجراء سيادي شرعي وليس شكلًا من أشكال الغزو أو الاستيلاء، إذا إن النظام في أوكرانيا غير قابل للبقاء إلا من خلال رعاية أمريكية - أوروبية؟



الناتو.. الـ"حاجة الدفاعية" اختفت

تأسس الناتو بعد الحرب العالمية الثانية، بهدف معلن هو الدفاع عن أوروبا الغربية ضد الاتحاد السوفيتي السابق. لكن هذه الـ"حاجة الدفاعية" اختفت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وليس من الواضح ما إذا كان هذا مبررًا حتى قبل ذلك.

في أوائل تسعينيات القرن الماضي انتشرت أنباء نهاية الحرب الباردة بين حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ومنظمة حلف شمال الأطلسي أو المتعارف عليه باسم حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبادرت غالبية دول شرق أوروبا التي كانت منضوية تحت حلف وارسو بالخروج منه والتقارب تدريجيًا مع العالم الرأسمالي. وهنا ساد الاعتقاد أن حقبة جديدة من العلاقات الدولية تم تدشينها بزعامة قوة عظمى منفردة وهي الولايات المتحدة الأميركية والتي نجحت في ضم 14 دولة كانت ضمن حلف وارسو، إلى مظلة حلف الناتو وذلك منذ العام 1999.

وبالتزامن مع توسع حلف الناتو وبلوغ قواعده الحدود الروسية بشكل أو بآخر، أصبح جليًا أن الهدف الاستراتيجي الذي تم وضعه عند إنشاء حلف الناتو، والذي كان ينص على مواجهة التمدد الشيوعي والقضاء عليه، كان موجهًا بالأساس إلى روسيا، وبالتالي أعيدت صياغة ذلك الهدف ليكون احتواء روسيا، وقد يصل إلى درجة إسقاط نظام الحكم هناك واستبداله بقيادة موالية للولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو.

وفي سياقنا اليوم وفق القصة التي يسوقها حلف الناتو، يهاجم بوتين حاليًا دولة مستقلة، لمنع حكومتها المنتخبة ديمقراطيًا وشرعيًا من اتخاذ إجراءات يحق لدولة ذات سيادة القيام بها (الانضمام إلى تحالفات مع دول أخرى، حلف شمال الأطلسي).

لكي تفهم جيدًا إلى أي مدى يعرف الأمريكيون بالفعل أن معارضة انضمام أوكرانيا ليست نوعًا من "جنون بوتين" أو "تطلعات إمبريالية"، كما يوصف في وسائل الإعلام الغربية، ولكنها حاجة أمنية يوجد بشأنها اتفاق روسي واسع النطاق.

لإثبات الأمر أقتبس من مذكرة كتبت في عام 2008 من قبل رئيس وكالة المخابرات المركزية الحالي، ويليام بيرنز، إلى وزيرة الخارجية آنذاك، كوندوليزا رايس:

"إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو هو ألمع خط أحمر بالنسبة للنخب الروسية (وليس بوتين فقط). على مدار أكثر من عامين ونصف العام من المحادثات مع اللاعبين الرئيسيين الروس، من الأكثر غباءً في الأماكن المظلمة في الكرملين إلى أكثر منتقدي بوتين ليبرالية وقسوة، لم أجد بعد شخصًا واحدًا يرى أوكرانيا تنضم إلى الناتو على أنها أي شيء آخر غير تهديد مباشر للمصالح الروسية".

جورج كينان، أحد أعظم خبراء الولايات المتحدة في شؤون روسيا والاتحاد السوفيتي والذي يعتبر أب "نظرية الاحتواء"، التي تهدف بالتحديد إلى منع التوسع الروسي، كان يعارض تمامًا توسع الناتو شرقًا، على حد قوله: "هذه بداية حرب باردة جديدة. أعتقد أن الروس سيتفاعلون بشكل تدريجي بشكل عدواني وسيؤثر ذلك على سياستهم. أعتقد أن توسع الناتو خطأ مأساوي. لم يكن هناك سبب لذلك. لا أحد يهدد أي شخص آخر. كان من شأن هذا التوسع أن يتسبب في انقلاب الآباء المؤسسين للولايات المتحدة في قبورهم. وقد تعهدنا بالدفاع عن مجموعة من الدول، رغم أننا لا نملك الموارد أو النية للقيام بذلك بجدية".




أهم الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين

1972 – وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اتفاقية لتخفيض ترسانة الصواريخ الباليستية النووية. وللقيام بذلك، تم التوصل إلى اتفاق على عدم قيام أي من الطرفين ببناء نظام لاعتراض مثل هذه الصواريخ. هذا يحافظ على الردع المتبادل، حيث يمكن لكل جانب تدمير الآخر على قدم المساواة وبالتالي ليست هناك حاجة لزيادة الترسانة.

في عام 2001، كانت الولايات المتحدة وليست روسيا هي التي قررت الانسحاب من المعاهدة واستئناف السباق النووي الذي يعرض الجنس البشري للخطر كما تظهر الأزمة في أوكرانيا جيدًا.

في 1990، كان الالتزام الأمريكي والأوروبي تجاه الروس بأن الناتو لن يتوسع "ولو لشبر واحد نحو الشرق" باتجاه روسيا، في المقابل وافق الروس على توحيد ألمانيا وألمانيا الشرقية للانضمام إلى الناتو.

لكن فعليا قام حلف الناتو بالعمل على ضم الدول المجاورة لروسيا إلى الناتو في عام 2008 (جورجيا وأوكرانيا)، وأيضًا قام بالمساعدة في الإطاحة بالحكومة الاوكرانية في عام 2014 عندما رفضت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واختارت الشراكة مع روسيا.

هل من التطرف عدم تصديق أولئك الذين يقولون إن توسع الناتو يهدد الأمن القومي الروسي بناء على نوايا خبيثة تجاه روسيا، عندما تقوم الولايات المتحدة بالخروقات المتكررة للاتفاقيات؟



سياسة الدولة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي

لا شك أن الحكومات الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تمثل مصالح الطبقة الاوليغارشية في روسيا، واكثرهم بوتين الذي يحظى بدعم كبار رأسماليي روسيا في كل انتخابات تجري.

لذلك رأينا في بدايات ولادة روسيا الاتحادية انفتاح السوق الروسي للشركات الغربية وللثقافة الغربية بشكل عام، وهنا يجب ذكر كلام بوتين في مقابلة تلفزيونية في العام 1999 عندما استعد رئيس الوزراء لاتخاذ الخطوة الكبرى لانتخابه رئيسًا، أجاب بوتين في مقابلة مع لاري كينغ: “طريقنا هو طريق التطور الديمقراطي. روسيا دولة متنوعة جدًا، ونحن جزء من ثقافة غرب أوروبا. وقيمتنا في هذا. لا يهم أين يسكن ناسنا – في الشرق الأقصى أم في الجنوب – فنحن أوروبيون”.

كما أننا يجب أن نذكر أن روسيا لم تمنع الحرب الأميركية على العراق واتخذت موقفا محايدًا في حينه.

لكن سرعان ما تحول الرأي العام الروسي بغالبيته ضد سياسات الغرب ومحاولاته لإذلال الشعب الروسي عن طريق العقوبات الاقتصادية، عدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بينهم، وكما كل سياسي يريد أن يبقى راهنًا، اتخذ بوتين موقفًا أكثر عدائيًا ضد سياسات الناتو والغرب وذلك توج في قمة الناتو في عام 2008، عندما اقترحت الولايات المتحدة لأول مرة رسميًا انضمام جورجيا وأوكرانيا في الناتو. وعندها حذر بوتين على الفور في قمة الناتو:

"إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فقد تتوقف عن الوجود كدولة موحدة، على وجه التحديد، قد تضم روسيا شبه جزيرة القرم والدولة الشرقية".



الحرب الشبيهة جورجيا 2008

أعلنت جمهورية جورجيا استقلالها في مطلع العام 1991، حينما كان الاتحاد السوفيتي يمرّ بفترة الانهيار. اندلعت حربٌ بين جورجيا والانفصاليين إبان تلك الفترة، وأدت تلك الحرب إلى خضوع أجزاءٍ من أوبلاست أوسيتيا الجنوبية ذاتي الحكم في أيدي الانفصاليين، قامت روسيا بدعم الانفصاليين على الرغم من غياب الاعتراف العالمي. تمركزت لجنة المراقبة المشتركة عقب الحرب في المنطقة، وتألّفت هذه اللجنة من قوات روسية وجورجيّا وأخرى تابعة للانفصاليين.

أوسيتيا الجنوبية شددت على رغبتها في الاستقلال في استفتاء غير رسمي أقيم أواخر عام 2006 لكنه لم يحظى باعتراف عالمي.

في أغسطس 2008 بادرت جورجيا بالحرب أرسل رئيس جورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي، قوات إلى منطقة تسخينفالي، عاصمة أوسيتيا الجنوبية، بهدف إعادة هذه الأراضي إلى سيطرة جورجيا وبعد قصف متواصل قتل أكثر من مائتي مدني، قامت روسيا بالتدخل وخلال خمسة أيام، ألحقت القوات الروسية هزيمة بالجيش الجورجي وهددت بالسيطرة على العاصمة تبليسي. ولاحقا منحت الجنسية الروسية لسكان المنطقتين.

هل كان التدخل الروسي متناسبًا؟ هذا سؤال منفصل عن المبادرة نفسها، لكن يجدر بنا أن نتذكر أن الولايات المتحدة وأوروبا تغزو بل وتحتل دولًا بأكملها، بسبب أحداث على نطاق مماثل أو حتى أصغر.

جذور هذا النزاع الحقيقي كان قرار الولايات المتحدة والأوروبيين انضمام جورجيا الى حلف الناتو، والدولة التي بدأت الحرب وهاجمت أولًا هي جورجيا. شكل الأوروبيون أنفسهم لجنة تحقيق في تلك الحرب وقررت لجنة التحقيق الخاصة بهم أن هذا هو الحال.

السبب الذي يجعل بوتين يضغط على حصة في مقاطعات صغيرة في جورجيا وأوكرانيا ليس التوسع، بل منع الناتو من التوسع. أليس غريبًا أن تزعم وسائل الإعلام أن روسيا تعمل ببساطة بناءً على إرادة إمبريالية للتوسع العام.

يمكنك أن ترى أن ترتيب الاستدلال هو عكس ما تم وصفه في وسائل الإعلام: روسيا لم تعرض سلوكًا عنيفًا أو غزوًا تجاه أوروبا، ولكن فقط بعد أن أظهرت أوروبا والولايات المتحدة سلوكًا عنيفًا و "غزوًا" تجاه روسيا.



الانقلاب الأوكراني 2014

لا جدال في أن الحكومة في أوكرانيا في التي كانت في 2014، وصلت إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية وقانونية (انتخابات 2010). كما لا جدال في أن هذه الحكومة لم ترتكب جرائم ضد الإنسانية بحق شعبها أو تجعلهم على شفا المجاعة وما شابه. لكن هنا معجزة، الإطاحة بهذه الحكومة الشرعية بانقلاب عنيف، قدمته وعرضته وسائل الإعلام الغربية على أنه "انقلاب شعبي" وكتعبير أسمى عن الديمقراطية كدالة لإرادة الشعب.

لماذا في الواقع؟ هل يمكن أن يُنظر إلى الإطاحة بحكومة في مثل هذه الظروف في البلدان حيث لا مصلحة للغرب في الإطاحة بالحكومة القائمة على أنها "ديمقراطية"؟ أليس من الواضح أن أساس قواعد لعبة الديمقراطية، هو أنه باستثناء الحالات الأكثر، يتم تغيير الحكومة فقط من خلال صندوق الاقتراع أو المحاكم؟ إذا بدأت الجماهير، بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في قتل الناس وإحراقهم، والإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، مما يؤدي إلى هروب رئيس الوزراء من البلاد، وإرغامهم على البقاء في الاتحاد الأوروبي، فهل سنعرف ذلك على أنه " تحرك ديمقراطي أم "انقلاب شعبي"؟

ان السبب وراء قيام الولايات المتحدة بتنظيم أو مساعدة انقلاب في أوكرانيا في ذلك العام هو أن الرئيس الأوكراني آنذاك، فيكتور يانوكوفيتش، واجه قرارًا مهمًا: أي تحالف اقتصادي سينضم إليه - تحالف أوروبا والولايات المتحدة أم روسيا؟ فاختار روسيا.

ومن المهم الذكر ان اتفاقية التعاون الاقتصادي بين أوروبا والولايات المتحدة وأوكرانيا تضمنت أيضًا اتفاقية تعاون أمني، والتي كانت في الواقع وسيلة لضم أوكرانيا إلى الناتو.

كما أنّ الغرب واسرائيل دعموا الوحدات النازية التي قامت بالإرهاب في الشوارع واستولت على المباني الحكومية والدليل على ذلك أن الانقلاب كان قوميًا بالفعل والمناهضة لروسيا وليس الاقتصاد فقط والديمقراطية ومكافحة الفساد، كما هو مقدم في الغرب، هو أنه بعد فرار الرئيس يانوكوفيتش من البلاد في 22 فبراير، ما وجدته حركة الانقلاب التي استولت على السلطة أكثر ملحًا للتنفيذ في اليوم التالي، إلغاء قانون لغات الأقليات. كان الرد الروسي في وقته ضم شبة جزيرة القرم بعد استفتاء شعبي.



هل الحرب الجارية اليوم عادلة؟

نظرًا الى كل المراحل التاريخية التي مرت في الصراع الروسي – الأمريكي، يمكن أن نستنتج أن لروسيا لم يكن في يوم من الأيام مطامع استعمارية أو امبريالية في أي دولة أوروبية، لكن كانت سبب تلك الحروب منع توسع الناتو في اتجاه روسيا.

هل من الأفضل لنا حقًا أن تستمر روسيا في الانتظار حتى يصل الناتو إلى حدودها؟ حتى يضع الناتو صواريخ نووية في الكرملين؟! وهل من حق أي دولة مستقلة ان تحافظ على امنها القومي؟

أعتقد أن الإجابة هي نعم، يوجد مساران للحفاظ على هذا، إما المسار الدبلوماسي أو المسار العسكري، وبعد تقريبًا عقد من الزمن، في ظل التصعيد الأمريكي وخنوع عملاء أوكرانيا لم تكن هناك أي وسيلة دبلوماسية لم تستعمل بسبب تعنت النظام العميل في أوكرانيا الذي خلق لمناهضة روسيا.

لذلك هي الحرب إذا! رغم مساوئ الحرب والقتل والتهجير، وربح شركات الأسلحة، لكننا نعيش في عالم لا يحترم الديمقراطية ويفهم لغة القوة، لذلك بدأنا نرى التجاوب الأوكراني هذه الأيام في المفاوضات مع روسيا بعد تخلي العالم عنها، واقتصارها على العقوبات الاقتصادية التي تؤثر على أوروبا بمقدار روسيا، والتي اثبتت التجربة التاريخية أنها لا تغير أنظمة وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك: كوبا، إيران، كوريا الشمالية، الصين وغيرها.

الرأسمالية؛ الكلمة التي تُلخص علاقة الانسان الأبيض الغربي الرأسمالي بالعالم. يمكن اختصار أثرها، داخل المجتمعات الغربية، في نقطتين: نظرية الخلاص الفردي، ونظرية تفوق الإنسان الأبيض الغربي.

يتدرّج الخلاص الفردي من خلاص الإنسان كفرد، إلى خلاص جماعته، إلى خلاص قوميته، ليتوقف عند حدود خلاص النظام الرأسمالي. أي طرف خارج هذه المنظومة يشكّل تهديدًا، ليس لنمط الحياة فحسب، بل للحياة نفسها أيضًا. لذلك، فإن كل ما يفعله الغربيون من أجل ضمان خلاصهم مبرَّر ومشروع، سواء كان بتوسيع الناتو، أو بغزو دول بعيدة عنه آلاف الأميال، أو عبر إنزال العقوبات بمن يحاول أن يخرج من تحت سيطرته. في هذه الحالة، يتساوى الروسي الأبيض مع الإيراني والكوبي والعربي، إذا اختاروا الإضرار بمصالح الغرب.



#محمد_أسامة_اغبارية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتمية صراع الأقطاب الرأسمالية: عبر ودروس


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أسامة اغبارية - حتمية صراع الأقطاب الرأسمالية: عبر ودروس