أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سامي بهنام المالح - الوطن بيني و بين صديقي التركماني















المزيد.....

الوطن بيني و بين صديقي التركماني


سامي بهنام المالح

الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 04:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من دواعي الفخر ان لي اصدقاء كثيرون. واصدقائي بانتماءاتهم المختلفة يعكسون تنوع العراق و غناه و طيفه الجميل. وهم جميعا، كل على طريقته و من موقعه يمدونني بالكثير مما افتقده من اريج الوطن و نسمات هوائه، و يقصرون مسافات الغربة اللعينة و يخففون من ثقل مراراتها، و يطفأون جزءا من نار الشوق الذي يكوي الروح.

في نهاية السبعينات من القرن الماضي، اضطريت وانا في عز الشباب الى ترك الحياة العادية والى ترك عائلتي و تلامذتي و زملائي، مختارا مقاومة البعث و نظامه و اجهزته القمعية و اساليبها الفاشية، رافضا التنازل و الخنوع و التكيف، متحملا بخيار واعي، كل ما ترتب على ذلك من تضحيات جسيمة و حرمانات و مواجهة الموت و المخاطر و المصاعب لاكثر من عشرة اعوام.
كان الانفصال والابتعاد عن الاصدقاء، والانقطاع عن الاجواء الشبابية الدافئة المفعمة بالحياة و الالفة و المودة و المزدانة بالتفاعل و الحماس و العمل و الامل و الاحلام الانسانية، كان ذلك من اصعب و اقسى ما عانيت منه و تحملته بصبر. ذلك بالرغم من ان سنوات العمل السري والكفاح المسلح، منحتني هي الاخرى فرصة المعايشة اليومية و اللقاء بالمئات من المناضلين والالاف من ابناء القرى و الارياف و المدن، و اكسبتني مجموعة جديدة من الاصدقاء. اصدقاء سيبقون جزءا عزيزا من سنوات عمري الباقية.

في كركوك، المدينة النائمة على الثروات و الممتدة على ارض الخصب و العطاء، و المهملة حد القرف و المتخمة للاسف بالفقر و التخلف و الهواجس و القلق. في كركوك حيث التعايش الاخوي بين القوميات والاديان الى جانب الشك و الاضطرابات و التوترات، في اجواء التعدد الثقافي، في السبعينات، و في معمان حياة الشباب و رحلة البحث عن الجمال و المتعة، وعلى ايقاعات الاغاني الارمنية و الاشورية والتركمانية و الكوردية والعربية، و بالانهماك و المثابرة في فك رموز الحب و الجمال و القيم والانسانية الرافضة للحدود والمحدودات الدنيئة في قصائد لوركا و ايلوار و اراكون و نيرودا و ناظم حكمت وجان دمو و سركون بولص و سعدي يوسف و كوران و هيمن و غيرهم، و في ساعات التأمل النقي الجاد في لوحات و اعمال المعارض المحلية لرسامين و نحاتين شباب، وخلال المعايشات الممتعة الجماعية لدراما المسرحيات النادرة التي كانت تعرض في قاعات كركوك، او تلك التي كنا نسافر لمشاهدتها في العاصمة، و في فضاءات الاحترام المتبادل في الجلسات الصاخبة و سهرات مناقشة الهموم و التطلعات و الواقع و المستقبل، في خضم كل ذلك، ولدت علاقات حميمة بين مجموعة من الشباب من كل القوميات و الاديان و الطوائف، علاقات عميقة صادقة و جميلة، نمت و ترعرعت مع الايام لترتقي فيما بعد الى الصداقة.
صداقة و لدت متينة راسخة انسانية. صداقة صمدت حية و وارفة متحدية سنوات القحط والمعانات والبعد والانقطاع القسري و الهجرة و الغربة.

صديقي التركماني، ابن العائلة الكادحة الكبيرة من قلعة كركوك. الشاب الهاديْ و الغارق في الرومانسية و المغرم بالاشعار و الحكايات الشعبية، التشكيلي صاحب اللوحات التراثية المشبعة بخطوط و تقاطعات و الوان بيوتات و ازقة و اسواق قلعة كركوك. المثقف المنفتح على ثقافات الشعوب و المحب لاثراء تجربته الحياتية، صديقي التركماني هذا كان واحدا من الاصدقاء الذين اشتقت اليهم و افتقدتهم و شعرت بالحاجة الماسة اليهم في عشرات المواقف و الحالات الانسانية الغير عادية.

حاولت منذ البداية متابعة اخبار صديقي التركماني، و خاصة في السنوات التي كنت اعمل فيها في المناطق المحيطة بكركوك، في مناطق شوان و شيخ بزيني و جمجمال و حصار. كنت التقي بحكم مسؤولياتي بقادمين من تنظيمات المدن، و من مدينة كركوك بالذات. كان اغلب الاصدقاء يعانون من حرمان الحريات و دكتاتورية البعث و القمع الفكري المسلط على الشعب.
مع بداية الحرب العراقية الايرانية، علمت ان بعض من الاصدقاء سيق الى جبهات الحرب، و البعض الاخر بدأ يعيش مختفيا هاربا من جحيم الحرب الغبية. و علمت فيما بعد ان عدد منهم قد غادر الوطن.
في بداية الثمانينات انقطعت اخبار صديقي التركماني. و بعد محاولات كثيرة تيقنت بانه لم يعد موجودا في كركوك. ولذلك عشت طوال تلك السنوات خائفا و قلقا على صديقي. كنت افزع، في بعض الاحيان، عندما كنت افكر مع نفسي بانني قد لا القاه ثانية.

في عام 1992 و انا في طريقي الى الغربة حصلت على اخبار سيئة جدا. علمت بان صديقي التركماني يعيش حياة قاهرة، لا مجال هنا لسرد تفاصيلها. غير انني و مع ذلك فرحت. فرحت على كونه حيا يرزق في مكان ما على الارض.

بعد سنوات من تواجدي في السويد علمت بان صديقي التركماني قد افلح في الوصول الى السويد. تلك كانت فرحة كبرى، اذ كنت قد استعدت صديقا عزيزا بات موعد اللقاء به قريبا.

في صيف عام 1998 كان صديقي التركماني في استقبالي في محطة القطارات المركزية في مدينة كوتنبورك في جنوب السويد.
لا جدوى من الكلام عن هكذا لقاءات، انها لحظات متوترة و متميزة، وعميقة عمق النفس البشرية، و هي لذلك عصية على الوصف. انها حياتنا نحن العراقيين. قدرنا كما يبدو، نفترق و نلتقي، في الوطن و معه و بسببه و بعيدا عنه، يجمعنا اينما حل بنا الدهر متجاوزين حدود انتماءاتنا لنتفاعل و نتعايش و نصون الاخوة و المحبة و الصداقة و الاحترام. يجمعنا لنلتأم معه بحنان و لنغوص بعد ذلك في بحرهمومه الهائج.
انا و صديقي التركماني مرة اخرى رغم كل شيْ. خارج الوطن، في الغربة هذه المرة، و في رحلة جديدة نحو الافاق، رحلة من الاحلام و التطلعات و الامال، رحلة بأتجاه الوطن نريدها ان تنتهي على ضفاف قلعة كركوك، بين الناس، كل الناس، في امان و وئام وحرية و نظام و قانون و عمل و بناء و كرامة انسانية.

في شقة صديقي التركماني في مدينة كوتنبرك جنوب السويد، استمعنا معا الى القوريات و الاغاني التركمانية و الاذربيجانية التي كنت قد احببتها منذ الصغر، عندما كنا نستمع اليها مع المرحومة والدتي من اذاعة ايرفان. و عند صديقي استمعت الى اغاني اشورية لم اسمعها من قبل. و استمعنا ايضا الى الاغاني العربية و الكوردية و الى موسيقى من كل اصقاع العالم. تكلمنا عن الادب و الفن و السياسة. عن الاصدقاء و الصديقات و النساء. وعن كركوك و الذكريات. و تحدثنا عن حياتنا الجديدة في بلدنا الثاني، عن متعة الحرية و معنى الديمقراطية و الفضاءات الواسعة التي تمنحنا الفرصة للتعلم و المعايشة و حرية التعبير عن المشاعر و الافكار و ما يدور في الاعماق، بصدق، دون رياء، دون خوف.
عند صديقي التركماني اكلنا اكلات عراقية، و شربنا كما كنا نفعل في كركوك ايام زمان، وخرجنا بعدها لنذوب بين البشر في شوارع المدينة و مقاهيها و مراقصها.

كان العراق، الوطن، ثالثنا انا و صديقي. و كان مستقبله هو شاغلنا و موضوعنا المشترك. وكان من الطبيعي ان تستمر مناقشاتنا و تحليلاتنا و استنتاجاتنا و حلولنا اياما و ليالي. كنا نلتقي و نتقاطع و نختلف في الكثير من الامور، و لكننا في النهاية كنا نتفق على الامر الاهم:
لا مستقبل للعراق في ظل سيادة التعصب القومي و الديني و الطائفي. المستقبل يرتبط بفعالية الجماهير و بنضال القوى التي تؤمن بان الوطن لنا جميعا كمواطنين، بغض النظر عن انتماءاتنا. لنا جميعا حقوق متساوية و علينا واجبات متساوية. المستقبل مرهون بالعمل المشترك لبناء الوطن المشترك و على اسس وطنية و ديمقراطية حقيقية غير مزيفة و مكيفة لتحقيق المصالح الضيقة و الوصول الى السلطة فحسب. غير ان السؤال الملح الذي كان يفرض نفسه علينا، انا و صديقي، كان عن سر ضعف دور و فعالية القوى الوطنية و عن مشروعها و امكاناتها في تحريك الجماهير.
لماذا هذا التراجع، و لماذا هذا التشتت، و الى متى يستمر هذا النزيف؟ أسئلة ثقيلة ومصيرية كنا نحاول الوصول الى الاجابة عنها.
المبهج و المثير للاعتزاز هو اننا، انا و صديقي التركماني، كنا واعين لدورنا و مسؤوليتنا الشخصية، فكلانا يعطي الكثير من الوقت و الجهد و يعمل في المؤسسات الثقافية و الاعلامية و الجماهيرية التي تدعم بناء العراق و العملية الديمقراطية و التطور.

لم تقف القومية او الدين في طريقنا يوما. و على الرغم من ان صديقي يعمل من اجل قضية التركمان و ينشط قوميا، كما افعل انا لشعبي ايضا، فان اسس صداقتنا تترسخ، والوطن الذي يجمعنا يدفعنا لنسير الى امام، و الحلم الانساني السامي في المساوات و الحرية و التطور و الانعتاق يجعلنا نحلق معا عاليا في السماء الواسعة و الممتدة الى مالا نهاية.
هل سنحقق يا ترى حلمنا المشترك؟! هل سنرى عراقنا معافيا امنا مزدهرا؟ هل سنعود يوما الى شوارع كركوك لنتكلم بلغاتنا المتعددة، و نغني اغانينا الفلكلورية الرائعة، و نمارس ثقافتنا و نعبر عن انفسنا بحرية، في مهرجان الاخوة و التعايش و السلام و الوئام؟!



#سامي_بهنام_المالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم للتظاهرات السلمية و لا للعنف القمع !
- ثلاث سنوات على سقوط الصنم العراق الى اين؟
- التنمية و الامن و حقوق الانسان ملفات الوطن الدامي تنتظر تشك ...
- ماذا ينتظر الانسان العراقي من الحكومة المقبلة
- شعبنا الكلداني الاشوري السرياني و الدستور
- تبعيث التعليم من اخطر جرائم نظام البعث البائد
- تحالف القوى العلمانية و الديمقراطية و اليسارية حاجة ملحة و ض ...
- تيار ديمقراطي فاعل من اجل تطوير العملية السياسية و ترسيخ الد ...
- لا لقضم الديمقراطية ولا لحرمان الناس من ممارستها
- تضامنا مع جماهير سهل نينوى
- تمنيات للعام الجديد
- الدفاع عن المسيحيين، دفاع عن مستقبل العراق
- الى ذكرى الشهيد عبدالمطلب كمال العزاوي ـ ابو سعيد


المزيد.....




- اخترقت جدار منزل واستقرت في -غرفة نوم-.. شاهد مصير مركبة بعد ...
- مصر تعلن اعتزامها التدخل لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أ ...
- -القسام- تفجر عبوة -رعدية- بقوة إسرائيلية خاصة وتستهدف ناقلة ...
- قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس ال ...
- هولشتاين كيل يصعد للبوندسليغا للمرة الأولى في تاريخه
- البحرين تدعو للتدخل الفوري لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة ومن ...
- طلبت منه البلدية إخفاء قاربه خلف السياج.. فكان رده إبداعيا و ...
- استطلاع: نصف الأمريكيين يعتبرون الإنفاق على مساعدات أوكرانيا ...
- حاكم بيلغورود: 19 شخصا بينهم طفلان أصيبوا بالقصف الأوكراني ل ...
- مشاهد جديدة لسقوط حافلة ركاب في نهر ببطرسبورغ


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سامي بهنام المالح - الوطن بيني و بين صديقي التركماني