سامي بهنام المالح
الحوار المتمدن-العدد: 1166 - 2005 / 4 / 13 - 06:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اكد اندفاع ابناء الشعب العراقي للمشاركة في الانتخابات و الادلاء باصواتهم في الثلاثين من كانون الثاني المنصرم ، متحدين الارهاب و تعقيدات و مصاعب الوضع الامني و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي، اكد قبل كل شيْ على توقهم الكبير لممارسة حقهم الديمقراطي، و للمشاركة في رسم صورة العراق الجديد و مستقبله، واكد ايضا رفضهم القاطع للدكتاتورية و التسلط و الحرمان. و بغض النظر عن كل النواقص و التجاوزات و الممارسات الغير ديمقراطية التي لطخت الانتخابات، و بغض النظر عن نتائجها، و عن ما ترتب عليها من استحقاقات في تقاسم السلطة و النفوذ في الفترة الانتقالية، فالانتخابات شكلت الخطوة الاولى و الهامة و الضرورية لتدشين مرحلة تاريخية جديدة من تاريخ وطننا.
ان تقاسم السلطة بين الاطراف و القوى التي حققت الانتصار في الانتخابات، و من خلال الحوار و التوافق، يشكل علامة ايجابية بارزة على طريق تطور العملية السياسية في البلد. فمن الهام جدا لبلد مثل العراق، ان تمارس فيه القوى السياسية نشاطاتها وان تدافع عن مصالحها و ان تتفق و تختلف بشكل حضاري و سلمي. فالشرط الاول و الاساسي للاستقرار و لحياة طبيعية و للتطور في اي مجتمع، هو نبذ العنف و الارهاب و اللجوء الى لغة الحوار و التفاهم و احترام ارادة الجماهير.
تواجه القوى و الاحزاب التي تتحمل مسولية ادارة شؤون البلد في الفترة الانتقالية، مهمات جسيمة و اساسية، عليها التصدي لها و معالجتها باخلاص و جدية، لتبرر ثقة الجماهير التي صوتت لها. فالسلطة المنبثقة من صناديق الاقتراع، على عكس السلطات الدكتاتورية المفروضة و الحاكمة بالحديد و النار، سلطة شرعية، و لكنها خاضعة لرقابة الشعب و الرأي العام و الصحافة و المؤسسات المدنية، وكذلك لرقابة المعارضة السياسية الشرعية، التي تتنافس، و كحق طبيعي، للحصول على ثقة الجماهير و التأثير على مواقفها، و صولا الى الفوز بالسلطة عن طريق الانتخابات القادمة.
ان طريق بناء عراقنا الحبيب، و ترسيخ نظام علماني ديمقراطي معاصر، طريق طويل و شاق. طبعا ثمة مستلزمات و عناصر هامة و اساسية تدعوا للتفائل، و في مقدمتها الثروات الهائلة، البشرية و الطبيعية، و كذلك التنوع في الانتماءات القومية و الدينية و الطائفية، في اطار الوحدة الوطنية، تصبح مانعا طبيعيا للسيطرة المطلقة من قبل جهة واحدة، و نشوء الارضية لعودة الدكتاتورية، او بروزها بصيغ و اشكال جديدة. و هناك التجربة النضالية الوطنية و الديمقراطية التاريخية المتراكمة، و التضحيات الجسام التي قدمها الكل دون استثناء. وهناك الحاجة الانسانية العميقة لممارسة حياة طبيعية، بعيدا عن الحروب و الاذلال و الارهاب و الفوضى و التخلف.
و من جهة ثانية، ثمة تعقيدات و صعوبات جدية لا يستهان بها، يتطلب التعامل معها و تذليلها و التغلب عليها، العمل الكثير و الجدي، و الاعتماد على الجماهير الشعبية، و الصدق و التضحيات. و في مقدمة هذه المصاعب يقف الدمار الشامل في البنى التحتية و غياب او ضعف مؤسسات الدولة و المجتمع، و خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة مع امن و حياة المواطن اليومية. و يشكل غياب الوعي الديمقراطي و ضعف الحركة الجماهيرية و المهنية الواعية و المنظمة ( نقابات، اتحادات، نوادي و جمعيات و مراكز اخرى لتنظيم النشاطات الرياضية و الثقافية و العلمية ..الخ ) احد عوامل الضعف، الامر الذي يساعد على زيادة تاثير النزعات القومية و الطائفية و العشائرية و غيرها من الانتماءات على حساب الانتماء الوطني و العمل الجماهيري المشترك، من اجل تحقيق المصالح الاساسية للشعب و من اجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. ان الجريمة التاريخية الكبرى التي اقترفها نظام البعث البائد، تكمن في تحطيم القيم الوطنية و الاخلاقية، و فرض القيم المتخلفة و العنصرية و الشوفينية، من خلال خنق الحريات و الارهاب الفكري، ومن خلال تبعيث التعليم و تحويل النظام التربوي و المؤسسات التعليمية الى جزء من الالة العسكرية المخابراتية والمؤسسات الفكرية و الاعلامية. فارتفعت نسبة الامية في البلد بشكل مخيف و خاصة بين الاطفال (7 الى 14 سنة) و بين النساء. و تخلف المستوى التعليمي و العلمي و الثقافي، بالاضافة الى فرض عزلة محكمة و انقطاع شبه مطلق عن العالم و التطورات الهائلة في كل مكان.
ان الاحزاب و المنظمات و القوى و العناصر التي تتطلع الى تطوير العملية السياسية في العراق، والى تطوير الوعي الديمقراطي و المفاهيم و القيم و التقاليد الديمقراطية، و بناء عراق متطور مزدهر ذات سيادة كاملة و دستور مدني معاصر يضمن الحقوق الاساسية لكل ابناء العراق، من دون اي تميز عرقي او ديني او طائفي او اقلية و اكثرية، مطالبة قبل كل شيْ بتفهم الواقع و تحليل عناصره بشكل علمي و منهجي. و هي بعد ذلك مطالبة باقرار حقيقة هامة، و هي ضعف الحركة الديمقراطية و تشتتها و افتقارها الى الرؤية الواضحة و البرنامج الديمقراطي الواقعي المجسد لامال و طموحات اوسع الجماهير المحرومة. هذه الحقيقة اكدتها نتائج الانتخابات للجمعية الوطنية في نهاية كانون الثاني المنصرم، حيث لم تحصل عشرات من الاحزاب و القوى التي اعتبرت نفسها من القوى الديمقراطية، و التي تنافست فيما بينها، على اية نتائج تذكر مقارنة بما حققته الائتلافات و التحالفات القومية و الطائفية الاخرى .
من الهام ان نقر بان هناك بلبلة و اختلاف حول تحديد طبيعة و ماهية القوى الديمقراطية العاملة و الناشطة في الساحة السياسية العراقية. فالكل يدعي بالديمقراطية و يتسمى بها. ومن الصعب جدا تحديد ما يميز خطابات و بيانات و برامج هذه القوى. و من الاصعب ان تجد فيها من يمتلك تقاليد ديمقراطية واضحة و من يعتمد العمل الديمقراطي في تنظيم وضعه الداخلي و تحديد برنامجه. و هناك قوى تعتبر نفسها ديمقراطية تقليدية ارتباطا بتاريخها النضالي الطويل ضد الدكتاتورية، و اخرى تعتبر نفسها يسارية و بذلك تعتبر نفسها من القوى الديمقراطية دون جدل. بالاضافة الى مجموعات كثيرة تعتبر نفسها من القوى الساعية الى بناء المجتمع المدني و ذلك بشكل ديمقراطي.
ما الذي يمكن ان يفرز و من ثم يجمع كل هذه القوى لتتحول الى حركة سياسية فاعلة و نشطة تستطيع تحريك الجماهير و كسب ثقتها و استخدام طاقاتها الخلاقة لتطوير الديمقراطية و ترسيخها؟
ان الذي يمكن ان يجمع القوى الديمقراطية الحقيقية المتفهمة لواقع المجتمع العراقي و حركية و تفاعل العوامل الداخلية و الخارجية، هو سعيها و نضالها الحقيقي من اجل الحقوق الانية اليومية الاساسية للجماهير، و النضال في الوقت ذاته من اجل مصالح البلد و الشعب الستراتيجية. ان الذي يمكن ان يفرز القوى الديمقراطية الحقيقية، هو و قوفها بصلابة و وضوح ضد كل من يستخدم نفوذه و سلطته للتجاوز على مصالح الجماهير ولنهب ثروات البلد، و هو ايضا فضح و تعرية المفاهيم و القيم و التقاليد البالية و الانتهازية و الشوفينية و المتخلفة، و تحصين الجماهير ضدها، و دعوتها و استنهاضها وتنظيمها و قيادتها في النشاطات و الفعاليات و النضالات الديمقراطية السلمية. ان ما يمكن ان يفرز و يجمع القوى الديمقراطية الحقيقية و المناضلة هو النضال المشترك و فق برنامج نضالي واضح المعالم، يتبنى مطالب السواد الاعظم من ابناء العراق في توفير الامن و الكهرباء و المياه و الادوية و الخدمات الصحية و الاجتماعية الاساسية و توفير العمل والتربية و التعليم المعاصر وغيرها من مستلزمات الحياة الكريمة.
ان القوى الديمقراطية الحقيقية، هي القوى التي ستلتقي في ساحات العمل و في سياق قيادة الجماهير لبناء منظماتها المهنية بشكل ديمقراطي، و التي ستتحاور و تتعاون و تتحالف من اجل مصلحة الناس و تطوير حياتها، و لتعرية كل من يدعي بالديمقراطية لكي يثري على حساب الناس و يعزز سلطته و يعبث بامن البلد و مصالحه العليا.
على القوى الديمقراطية الحقيقية ان تبدأ قبل فوات الاوان، عليها ان تبادرالى الحوار الجدي و الهادف و الشفاف و المعلن للجماهير ومن دون وضع شروط مسبقة. عليها ان تتوجه نحو الهدف الرئيسي الذي هو خدمة الجماهير، لتتفق على برنامج للعمل على تحقيقه. عليها التفاهم و ابداء المرونة و تجاوز القوالب و الثوابت الايديولوجية و الالتقاء الديمقراطي من اجل كسب الجماهير و التعبير عن حاجاتها الملحة.
ان نتائج الانتخابات و ما ترتب على ذلك و تقاسم السلطة بين المنتصرين بالشكل المعلن، يضع كل من يريد تطوير العراق و تحريره و ترسيخ الديمقراطية الحقيقية فيه، من المثقفين و الاكاديمين و الفنانين و الناشطين في كل المجالات و مع السياسين و الالاف من المناضلين ضد الدكتاتورية الواقفين اليوم موقفا لااباليا، بل و سلبيا، امام مهمة العمل على تجميع القوى و المجموعات و الاشخاص في حركة ديمقراطية فعالة و نشطة، من اجل التاثير على الاحداث و تعبئة الجماهير و تكوين رأي عام ديمقراطي، و من اجل مستقبل افضل.
#سامي_بهنام_المالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟