|
أزمة تفكير وازدواجية معايير
حكمة اقبال
الحوار المتمدن-العدد: 7200 - 2022 / 3 / 24 - 05:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قريبا سيمضي شهراً على الغزو الروسي لأوكرانيا، ارقام الضحايا تزداد، الذين غادروا اوكرانيا هرباً من أعمال الغزو القاسية من النساء والأطفال والشيوخ بلغ 3 ملايين طلباً للجوء في دول اوربا، وضعف هذا العدد نازحين داخل اوكرانيا. مراسلي القنوات العالمية ينقلون صوراً حيّة من دمار المدن التي وقعت عليها صواريخ وقذائف طائرات روسية، ومنها أهداف مدنية واضحة مثل المول التجاري في احد أطراف العاصمة كييف يوم الأثنين 21 آذار. ويبدو ان بوتين يريدها حرب إبادة حتى يستسلم الأوكرانيون لقواته الغازية، وقد قال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بعد إتصال مع بوتين "انه لايريد وقف الحرب". حالة الرعب والخوف من الحرب والصواريخ والقذائف لخّصها الصديق العراقي قاسم خضر المقيم في كييف في إتصال معه في الأيام الأولى للغزو بقوله "الناس هنا لم تعتاد سماع منبه السيارات، واذا بها تسمع كل هذه الأصوات التي تحمل معها الموت"، وينقل مرسلي قناتيّ التلفزيون الدنماركي صوراً حيّة للنازحين الواصلين الى الحدود البولونية وكيف يعبرون عن خوفهم على حياتهم وحياة من بقوا من الرجال من عوائلهم وراءهم، وحزنهم على بلدهم الذي تركوه يتحطم أمام أعينهم، مشاهدة وجوههم تشعرك بحجم الكارثة التي حلت عليهم. هل يمكن لمن شاهد الحروب ونتائجها في العراق، بشكل مباشر أو غير مباشر، أن يتقبّل فكرة قيام حرب أخرى حتى لو بعيدة جغرافياً عن العراق؟؟ كنت أفترض ان الجواب سيكون (كلا)، ولكني وللأسف وبشكل محزن كنت مخطئاً في إفتراضي، لأني إفترضت انه بعيداً عن مبررات واسباب وتفسيرات وتأويلات ودعايات إعلامية، سيكون العراقي وخاصة اليساري التقدمي المدني ضد هذا الغزو ويطالب بوقفه وإنسحاب القوات الغازية والبدء بمفاوضات بين روسيا واوكرانيا برعاية دولية من الأمم المتحدة. انا لاأعترض على وجهات النظر، ولكن على قبول فكرة الحرب ذاتها. قائد سياسي سابق في حزب يساري عريق اجابني على سؤالي له: هل الحرب هي الحل؟ أجابني بقوة تأكيد "نعم هي الحل" ورداً على سؤالي الآخر: وما ذنب الضحايا المدنيين؟ أجابني بثقة "في الحروب يوجد دائماً ضحايا مدنيين"، وكتب قائد سياسي سابق في ذات الحزب أيضا منبهاً الرئيس الأوكراني بأن امريكا ستتخلى عنه كما تخلت عن حسني مبارك في مصر، وكتب في مكان آخر مستشهداً بالقذافي، نعم القذافي، في تص من عام 2009 نشرته (روسيا اليوم). كيف يمكن التغاضي عن آلام الحروب والدمار الذي تتركه على المدى القصير والبعيد، والضرر الذي تسببه للبلدين؟؟
رغم ان البعض، وأقصد هنا اليساريين والديمقراطيين والمدنيين، يبدأ بالقول انه ضد الحرب، ولكنه يسترسل في تفسير وتأييد الحجج والبراهين لتبريرها، وقد كتب أحدهم: "نعم. كلا للحرب فانها ابشع الحلول. ولكن ؟؟؟؟؟ ماذا اذا لم يستمع الاخر الى دعواتك للسلام. ويصر على جرك الى الحرب والتي كانت احد خيارين احلاهما مر." ويعود البعض منهم الى مسافات تاريخية سابقة، ويعتقد ان هذه الحرب قد خطط لها بعناية منذ وقت ليس بالقريب، وأحد الشواهد ان الرئيس الأوكراني قد مثّل سابقاً فيلم بدور رئيس الدولة وهذا كما اعتبرها "انها حالة تحضير مسبقة لهذه الشخصية المشبوهة ان تصبح حقاً رئيساً لاوكرانيا"، وآخر اعتبرها "حرب إستباقية"، وسيسي آخر لايستخدم كلمة حرب بل يكتب انها "عملية عسكرية خاصة". لكن أياً ممن عبر عن رفضه الحرب أعلن وجوب إيقافها الآن.
هل تتشابه حالة غزو اوكرانيا مع غزو صدام للجارة الكويت عام 1991؟ نعم تتشابه ولايمكن حجبها بغربال، ولكن هناك من لايريد ان يرى رؤية الغربال ذاته، فالحديث عن عودة الفرع الى الأصل تتكرر هنا، ولكن هل يجب العودة الى حدود روسيا القيصيرية قبل ثورة اكتوبر؟ أو العودة الى حدود الإتحاد السوفيتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؟ والأمر ينطبق على الدول العربية التي كانت ضمن حدود الدولة العثمانية ويسمح لتركيا بالمطالبة بها؟ لقد ترسمت الحدود الحالية وتم تثبيتها باتفاقات دولية وبرعاية الأمم المتحدة، فلا مجال للحديث هنا عن وجود ناطقين باللغة الروسية في اوكرانيا يجب ان يستقلوا عنها، فكل دول الإتحاد السوفيتي السابق كانت تتحدث اللغة الروسية وهي اللغة الرسمية للدولة. وقبل ذلك كان احتلال شبه جزيرة القرم عمل عدواني، وكان لضعف الموقف الأوكراني والموقف الأوربي والأمريكي ضد إحتلال القرم، قد شجع بوتين على هذا الغزو، ويؤكد ذلك دعم الإنفصاليين في منطقتيّ دونيتسك ولوجانسك الموجودتين شرق اوكرانيا، والإعتراف اللاحق بهما كحمهوريتين مستقلتين عن اوكرانيا. إن خرائط مابعد الحرب العالمية الثانية ومباديء الأمم المتحدة حددت قواعد دولية نظّمت العلاقات بين الدول إستناداً الى مبدأ السيادة، وان أي تسامح مع أي تجاوز سيسهل على الدولة الأقوى إجتياح الدولة الأضعف وفرض الامر الواقع ليتحول عالمنا الى غابة تحكمها الفوضى.
يُعيب البعض على الرئيس الأوكراني "حداثة سباحته في بحور السياسة"، ولكنهم ينسون انه حصل في إنتخابات الرئاسة على 72% من أصوات الناخبين، وارتفعت هذه النسبة لتصل الى 90% اثناء هذا الغزو، حسب تقارير صحفية من داخل اوكرانيا. إنه خيار الشعب الأوكراني وللشعب فقط حق إزاحته عبر صناديق الإقتراع فقط، وليس عبر الغزو الروسي. أما عن طلبه الإنضمام للناتو فالكل يعلم ان الناتو قد قرر سابقاً عدم قبول أعضاء جدد في مناطق تحتمل وجود نزاعات فيها، ولذلك لم تتم الموافقة، والغريب ان الناتو موجود مسبقاً على حدود روسيا مع دول اخرى مثل النرويج ودول البلطيق الثلاث وتركيا عبر البحر. ومما يثير الإستغراب موقف الحزب الشيوعي الروسي وزعيمه المستمر منذ 30 عاماً زوغانوف، والذي نسي كل شيئ عن أممية الحزب المفترضة وتحدث بلسان قومي فج، وشاركه بعض الأحزاب الشيوعية التقليدية التي لازالت تتذكر أيام الإتحاد السوفيتي ودكتاتوريا البروليتاريا، وأمتدح هنا موقف الحزب الشيوعي العراقي الذي كان متوازنناً في دراسته للأزمة.
كتب الصديق قاسم خضر من كييف في اليوم السادس عشر للغزو ما يلي: "ونحن في لجة المحنة الانسانية الاليمة الناجمة عن اندلاع الحرب المجنونة بين روسيا واوكرانيا، يثير استغرابي موقف بعض المثقفين المنحاز الى استمرار الحرب لفرض ما يريده هذا الطرف على الطرف الاخر من شروط! ومثار استغرابي يكمن في العمى الفكري الذي اصاب هذا البعض من المثقفين المدعين ، من حيث المبدا ، بانهم مؤمنين بالقيم الانسانية النبيلة الداعية الى خير الانسان الذي هو اثمن راسمال في هذا الكون. ان كل الشرائع السماوية والافكار التقدمية والقوانين الدولية تؤكد على ضرورة ابعاد البشرية عن القتل والدمار والخراب ، وضرورة الحفاظ على كوكبنا الازرق الجميل المهدد اليوم بحرب عالمية ثالثة تفني البشر والشجر والحجر. اناشد هؤلاء البعض وكل المثقفين، لا بل اناشد كل من تعز عليه الحضارة الانسانية، ان يطالبوا جميعا بانهاء الحرب فورا وعودة اللاجئين والنازحين الاوكرانيين الى بيوتهم الآمنة وحل الخلافات بين الدولتين بالطرق السلمية والدبلوماسية ومحاكمة من تسبب باشعال الحرب."
أضم صوتي له وأكرر إن على كل من عرف مآسي حروب العراق أيام الدكتاتورية ضد جيرانه وشعبه، أن يرفع الصوت عاليا ويطالب بايقاف الغزو الروسي فوراً، وانسحاب كل القوات الروسية، والبدء بمفاوضات جادة ومسؤولة وبرعاية الأمم المتحدة.
#حكمة_اقبال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات دنماركية 200+93
-
سنوات مرَت
-
يوميات دنماركية 200+92
-
يوميات دنماركية 200+91
-
يوميات دنماركية 200+90
-
يوميات دنماركية 200+89
-
يوميات دنماركية 200+88
-
يوميات دنماركية 200+87
-
يوميات دنماركية 200+86
-
يوميات دنماركية 200+85
-
دعوة البعيدين . . إسقاط فرض
-
يوميات دنماركية 200+84
-
يوميات دنماركية 200+83
-
يوميات دنماركية 200+82
-
يوميات دنماركية 200+81
-
يوميات دنماركية 200+80
-
يوميات دنماركية 200+79
-
يوميات دنماركية 200+78
-
يوميات دنماركية 200+77
-
حول مقترحات تعديل النظام الداخلي للحزب
المزيد.....
-
هيفاء وهبي توجه تحية لفريقها الإبداعي في عيد العمال
-
مصدران لـCNN يكشفان تفاصيل قرار مغادرة مايك والتز المحتملة ل
...
-
إريك ترامب يعلن من دبي عن مشروع عقاري بقيمة مليار دولار.. هل
...
-
الجزائر تلاحق إسرائيل بـ -العدل الدولية-
-
قضية دمنهور: الحكم بالمؤبد على المتهم بهتك عرض -سبايدر مان-
...
-
الخدمة العالمية في بي بي سي تطلق بثاً إذاعياً طارئاً لتغطية
...
-
هيئة أمريكية توجه نداء عاجلا لترامب لدرء ضرر لا يمكن إصلاحه
...
-
-القاتل الصامت في منتصف العمر-.. كيف تهدد الساعة البيولوجية
...
-
الأسطول الروسي والتقاليد الهندية
-
المنفي يمهل مفوضية الانتخابات 30 يوما
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|