أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هانا بيريخودا - البلاشفة وأوكرانيا الشرقية (1917-1918)















المزيد.....



البلاشفة وأوكرانيا الشرقية (1917-1918)


هانا بيريخودا

الحوار المتمدن-العدد: 7197 - 2022 / 3 / 21 - 00:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الكاتبة: هانا بيريخودا- نشرت الورقة في مجلة CONNEXE العدد 7 عام 2021

المقدمة:

مع ثورة شباط/فبراير، دخلت الامبراطورية الروسية في مرحلة الانحلال، في أوكرانيا، باتت الحركة الوطنية أكثر نشاطاً وطالبت بالاستقلال السياسي، وسرعان ما أصبح تحديد الأراضي مسألة مهمة. وخاصة انتماء الجزء الشرقي من أوكرانيا(1) المليء بالمواد الأولية والمصانع الكبيرة، والذي بات يثير الجدل. لم تكن القضية فقط حجر عثرة خلال عملية التفاوض بين الاستقلاليين الأوكران والحكومة المؤقتة، ولكن حتى قادة البلاشفة في أوكرانيا لم يتمكنوا من الوصول إلى اتفاق عندما وصل الأمر إلى تحديد انتماء هذه المنطقة. وبالتالي، إن مستقبل أراضي أوكرانيا لم يكن نتيجة معروفة مسبقاً. يهدف هذا المقال إلى تحليل إحدى اللحظات الأساسية في تاريخ تحديد النطاق الإقليمي لهذا البلد طوال الفترة الممتدة بين ثورة شباط/فبراير عام 1917 وصولاً إلى الاجتياح الألماني عام 1918.

يحمل تاريخ شرقي أوكرانيا بصمات عميقة للمواجهة بين سرديتين قوميتين، الأولى متعلقة بأوكرانيا والثانية بروسيا (Wilson 1995). وإدراكاً منهم للطبيعة الهشة لسيطرة الدولة على هذا المجال، سعى المؤرخون الأوكران إلى إضفاء الطابع الشرعي للحدود الحالية من خلال مناقشة الرسو التاريخي للسكان الأوكران على تلك الأراضي. في حين تبنى المؤرخون الروس رؤية وحدوية ونيو-امبريالية للتاريخ الروسي وتحدثوا عن شرقي أوكرانيا، وأصروا على ارتباط مزعوم لتلك الأراضي بالأراضي الروسية (Касьянов 2019). أكثر من ذلك، منذ عام 2014 عانت أوكرانيا من انتهاكات روسية لوحدة أراضيها، وبالتالي بات الجزء الشرقي من البلاد مسرحاً للمعارك العسكرية والرمزية حيث أصبح الاستخدام السياسي التاريخ يأخذ شكلاً حاسماً. لهذا السبب كان تحديد النطاق الإقليمي لأوكرانيا، وخاصة تحديد حدودها الشرقية، مسألة مشحونة سياسياً. من المفارقات، أن المعرفة العلمية حول هذا الموضوع لا أثر لها على الإطلاق.

أنتج المؤرخون الأكثر تنوعاً عدداً كبيراً من الكتابات (2) حول الاستراتيجيات التي طورتها السلطات السوفياتية بهدف تعزيز قوتها من خلال تحقيق امبراطورية متعددة القوميات. مع ذلك، فإن الخلافات حول انتماء أوكرانيا الشرقي لم يكتب عنه أو ظهر فقط على نحو هامشي، ولم تطرح بالتالي كموضوع بحثي بحد ذاته. الانتماء “الغامض” لهذه المنطقة لا يمكن أن يفرّ من يد الاختصاصيين في التاريخ الإقليمي لمنطقة الدونباس- مثل هيرواكي كوروميا وتيودور ه. فريدغوت. يتفق الكاتبان على التأكيد على الطبيعة “المعادية للقومية” لهذه المنطقة الحدودية المتعددة الأعراق والتي يتم تهميشها، بل وحتى المعادية لأي مقاربة قومية. أوليس أن ضم منطقة الدونباس إلى أوكرانيا السوفياتية قد حصل من دون مقاومة واضحة؟ الغريب، حتى بالنسبة لكوروميا وفريدغوت اللذين يسلطان الضوء على فرادة هذه المنطقة، فإن دمج الدونباس بالجمهورية الأوكرانية من قبل البلاشفة بدا بديهياً إلى حد ما. ظاهرة RSDKR (جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية)(3) تطرق إليها بشكل موجز كوروميا حيث خصص لها صفحة واحدة من كتابه “الحرية والإرهاب في الدونباس” (Kuromiya 2002, 150–151). في حين أجرى فريدغوت، في الجزء الثاني من كتابه يوزوفكا والثورة، تحليلاً تفصيلياً لهذه الفترة (Friedgut 1994, 352–359)، من دون أن يوضح أسباب ظهور هذا المشروع الاستقلالي وخاصة زواله. من دون شك أن الكتابات الحديثة للكتاب الأوكران والسويسريين (Бойко 2008 Єфіменко 2011 Rindlisbacher 2018) تسمح بطرح العديد من الفرضيات حول نشأة الحدود بين روسيا وأوكرانيا خلال الـ 1920ات، إلا أنها لا تتطرق إلى بعض الأسئلة الأساسية: متى ولماذا وكيف نشأت رؤية مشتركة لأراضي أوكرانيا داخل الحزب البلشفي؟

في الواقع، كان البلاشفة، الذين انتصروا في الصراع على السلطة، هم من اضطروا عملياً إلى حل مشكلة الحدود بين روسيا وأوكرانيا.(4) ورسم حدود دولة جديدة كانت تنتمي إلى إمبراطورية مركزية ليس بالأمر الهين، خاصة وأن المقاطعات التي ستكوّن أوكرانيا المستقبلية لم يكن لديها وضع خاص ولم تتمتع بحكم ذاتي داخل النظام القيصري. في القرن الـ 19، تقسمت أراضي أوكرانيا الحالية إلى 3 حكومات عامة والتي تضم عدة مقاطعات: 1) الحكومة العامة في كييف(5) (فولينيا، كييف وبودوليا)، 2) روسيا الصغيرة (تشرنيغوف، بولتافا، خاركوف) و3) الحكومة العامة في روسيا الجديدة وبيسارابيا (يكاترينوسلاف، خيرسون، توريد وبيساربيا). بعد التخلص من الحكومات العامة، بقي التقسيم إلى ثلاث مناطق على أرض الواقع. هذه البنى الموروثة من الامبراطورية الروسية لم تختف بكل بساطة عام 1917 دون أن تترك أثراً. عامي 1917-1918، لم يؤثر استمرار أثرها على الاستراتيجيات التنظيمية للبلاشفة وتوجهاتهم في خياراتهم السياسية فحسب، إنما سيكون كذلك واحداً من العوامل التي تحدد “الجغرافيا الذهنية” (Cœuré et Dullin 2007, 2).

لذلك يركز هذا المقال على الانقسام داخل الحزب البلشفي بين أنصار يرون أن الدونباس أوكرانية، في مقابل المدافعين عن حكمها الذاتي داخل روسيا. كيف ساهم اقتران الإرث الإمبراطوري، والقيود المفروضة في السياق الثوري في أوكرانيا والتحكيم الداخلي داخل الحزب في المناقشات التي جرت بين المجموعات البلشفية حول وضع هذه المنطقة وانتمائها؟(6) بداية، سنكشف الأسباب الكامنة وراء هذا الجدل التي بلغت ذروتها، في شهر شباط/فبراير عام 1918، عند تأسيس جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية الرافضة انضمامها إلى أوكرانيا، سواء كانت سوفياتية أو برجوازية. بعد ذلك، سنحلل سبب اختيار السلطات العليا للحزب دعم الجمهورية الأوكرانية التي ضمت المقاطعات الشرقية بدلاً من مشروع دونباس المستقل أو المتمتع بحكم ذاتي. وختاماً، سنتساءل عن الوضع المتضارب لهذه المنطقة الحدودية بين روسيا وأوكرانيا التي شهدت، منذ عام 2014، اضطراباً جديداً.

1. الحزب البلشفي ونسيان المسألة الوطنية (نيسان/أبريل- تشرين الثاني/نوفمبر 1917)

وضعت ثورة شباط/فبراير حداً للنظام القيصري؛ في أوكرانيا وكذلك في الامبراطورية الروسية، بدأت السوفيتات والحكومة المؤقتة بالصراع على السلطة. لكن في كييف، طالب طرف سياسي ثالث بحقه بالسلطة: الرادا، وهو المجلس الذي ضمّ أحزاباً سياسية أوكرانية مختلفة، تطمح إلى جعل أوكرانيا تتمتع بالحكم الذاتي. رغم ذلك، فإن الحكم الذاتي لأوكرانيا وأراضيها المستقبلية، لم تكن من أولويات المناضلين المحليين للحزب البلشفي. وقد أشار أحد أعضاء الحزب، جيورجي لابسينسكيغ، إلى أنهم “لم يكونوا مستعدين لفهم فكرة الوحدة الأوكرانية” (Лапчинський 1927, 48) ولم يطرحوا على أنفسهم أسئلة حول حدودها المحتملة.

“أعلمتنا أنشطتنا الحزبية السابقة […] أن هناك “ثلاث مناطق” في “جنوب روسيا”- كييف (الجنوب الغربي)، وأوديسا (جنوب الضفة اليمنى، بيسارابيا وشبه جزيرة القرم)، وخاركوف (خاركوف، الدونباس، الدون). […] لم نتمكن حتى من تحديد موقع حدود “الجمهورية الأوكرانية” بشكل واضح. هل يجب أن تتضمن، على سبيل المثال، أوديسا ويكاترينوسلاف وخاركوف وتوريد أم يقتصر الأمر على المنطقة الجنوبية الغربية فقط، في إقليم كييف؟” (Лапчинський 1927, 48–49).

في الواقع، عام 1917، كان التجسيد المكاني لـ”الأراضي الأوكرانية” موجوداً بشكل رئيسي في مخيلة ممثلي الحركة الوطنية المجتمعين حول الرادا. خلال المؤتمر الوطني لعموم أوكرانيا، المنعقد بين 6 و8 نيسان/أبريل عام 1917،(7) دعا المندوبون إلى تحديد، على الأقل تقريبي، للأراضي الأوكرانية (Верстюк 2003, 148–154). لم يتضمن الإحصاء الوحيد الذي أجري عام 1897 بيانات حول الانتماء الإثني لسكان الأمبراطورية (Krawchenko 1985). لذلك، وبحسب المدافعين عن الحكم الذاتي، كان الأوكرانيون هم كل أولئك الذين أشاروا إلى “الروسية الصغيرة” كلغتهم الأم؛ وبذلك ستضم أوكرانيا المناطق التي يشكل فيها هؤلاء السكان الأغلبية. كانت هذه الطريقة لتحديد الفضاء السياسي منطقية على نحو تام: بالنسبة لبلد كانت أراضيه خاضعة للسلطة الامبراطورية التي أنكرت الحقوق التاريخية والثقافية للسكان والتي بنت كل الاقتصاد لخدمة المركز، فكانت معايير الشرعية التاريخية أو العقلانية الاقتصادية صعبة التحجج بها للمطالبة بالاستقلال الذاتي.(8) وبحسب هذه البيانات، أنشأ الرادا لائحة من المقاطعات التي من المقرر اعتبارها أوكرانية، وتضم مقاطعات كييف، وفولينيا، وبودوليا، وبولتافا، وتشيرنغوف، وكذلك المقاطعات الشرقية والجنوبية لخاركوف ويكاترينوسلاف وخيرسون وتورايد (من دون شبه جزيرة القرم). على الرغم من أن سكان المدن الكبرى في الشرق والجنوب يتحدثون الروسية، إلا أن السكان الناطقين بالأوكرانية في المناطق الريفية كانوا أكبر عدداً (Krawchenko 1985).

كانت الجغرافيا الذهنية للمناضلين البلشفية مختلفة، فقد تشكلت من خلال رؤية طوباوية حول المستقبل ولكن كذلك انطلاقاً عبر تجربتهم السابقة. من جهة، كان الهدف النهائي تحقيق الثورة الأممية، وبالتالي كان أفق تخيلهم السياسي كونياً وليس قومياً. كان البلاشفة خلال عام 1917 يرون أن نطاق نضالهم لا يمكن ولا ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الحدود الإثنية والثقافية والإدارية وحتى الدولتية. من جهة أخرى، كان “نضالهم الحزبي اللاحق” لا يزال يتطور في حدود المناطق المُدنية ضمن المناطق الناطقة بالروسية. في الواقع، كانت المساحات الجغرافية التي ناضل فيها البلاشفة ونسجوا روابطهم تعتمد في الدرجة الأولى على الشبكات التي أقامتها السوفيتات.

خلال المؤتمر الأول لعموم روسيا، المنعقد بين 29 آذار/مارس إلى 3 نيسان/أبريل عام 1917، حددت السوفيتات أسس تنظيم الإقليم الجغرافي. إذ باتت تضم الآن وحدات إدارية كبيرة. على أراضي أوكرانيا المستقبلية، هناك ثلاث وحدات: الجنوب الغربي (مع المركز في كييف)، الجنوب (حول أودسيا)، ودونيتس كريفوي روغ (التي تضم خاركوف، ويكاترينوسلاف، دون، وكريفوي روغ) (Варгатюк 1988б). تداخل هذا التقسيم مع خريطة الفترة القيصرية، حيث كان يوجد مكان أوكرانيا الجنوب الغربي [جوغو-زابادنيج كراج]، وروسيا الجديدة [نوفوروسيا] وروسيا الصغيرة [مالوروسيا]. تأسست الفروع الإقليمية للحزب البلشفي وفقاً لنفس المبدأ: التجذر في السوفيتات. ونتيجة لذلك، نظم المناضلون أنفسهم في حدود المناطق الثلاث ولم يبنوا صلات مع المناضلين من مناطق أخرى حتى كانون الأول/ديسمبر 1917 (Лапчинський 1927, 48).

بعد فترة قليلة، تغلبت الأحداث على البلاشفة لكونهم كانوا بالكاد مستعدين لها. في تشرين الأول/أكتوبر عام 1917، لم يكن البلاشفة هم من سيطروا على الحكومة في كييف، إنما الرادا هي التي مكنت قوتها. كتبت العضوة في الفرع البلشفي بكييف، يفغينيا بوش عن ذلك بعد عدة سنوات: “[…] وعندما طرحت مسألة الاستقلال الذاتي لأوكرانيا بشكل عملي، بقيت المنظمة من دون أي برنامج حقيقي” (Бош 1925, 46).

2. ربط ضفتي نهر دنيبر: تحدٍ للبلاشفة في كييف (كانون الأول/ديسمير 1917)

بعد فشل الخطة الأولية للسيطرة على السلطة بالقوة في كييف، كانت الخطة (ب) للبلاشفة تنظيم مؤتمر مشترك لعموم سوفيتات أوكرانيا مع الرادا. افترض الجزء الثاني من الخطة وصول أعداد كبيرة من البلاشفة من المقاطعات الشرقية وبفضل عددهم الكبير يمكن لهم قلب الميزان لصالح أنصار السلطة الجديدة في بتروغراد. لكن ميزان القوى داخل المؤتمر كان كارثياً. تجاهلت المجالس العمالية من الشرق نداء رفاقها- لم يحضر أي مندوب من منطقة دونيتس كريفوي روغ. فاز المتعاطفون مع حركة الرادا بالأغلبية. كان على البلاشفة، المطرودين من كييف، ارتجال الخطة (ت)، فقرروا “البحث عن مكان تكون فيه البروليتاريا أكبر عدداً، وأكثر تركيزاً وأكثر وعياً” (Скрипник 1974, 12). وهكذا اتجه الوفد شرقاً نحو خاركوف. ووصل في وقت كانت المجالس المحلية تعقد مؤتمرها الإقليمي. حاول الوافدون الجدد إقناع رفاقهم في منطقة دونيتس-كريفوي روغ بأنهم جميعاً تربطهم أهداف مشترك- سفيتَتْ وبلشفَتْ أوكرانيا بأكملها.

ولكن كما تذمر فولوديمير زاتونسكيج، العضو البلشفي: “إذا كان صعباً للغاية في كييف تمهيد الطريق لتحقيق أوكرانيا السوفياتية، في خاركوف لم نكن نريد حتى السماع عنها” (Затонський 1929, 158). وبحسب بلاشفة الشرق، كان من الضروري إثبات وجودهم بشكل دائم في المنطقة الصناعية والعمالية في دونيتس-كريفوي روغ وترك للفلاحين الأوكران في المقاطعات الغربية مسألة بناء سلطتهم “على صورتهم”. هنا، لام الكييفيون رفاقهم واعتبروا موقفهم “سياسة نعامة” ويدل على رغبتهم بـ”تحصين أنفسهم في الدونباس” (Из истории Соввласти на Украине 1924, 171).

على الرغم من الخلافات تقرر الجمع بين المندوبين من مجالس الشرق والغرب وعقد اجتماع مشترك. يوم 12 كانون الأول/ديسمبر عام 1917، أعلن المؤتمر أن السلطة للسوفيتات، وأعلن عن تأسيس الجمهورية السوفياتية الأوكرانية التي تربطها بروسيا علاقات فيدرالية وأعلن الإطاحة بالرادا (Варгатюк 1988а, 41). وكان اسم الدولة الجديدة متطابقاً مع ذلك الذي اختارته الرادا، أي الجمهورية الشعبية الأوكرانية (9). كما سميت الجريدة الرسمية للجنة المركزية كتلك التي كان يحررها خصومها- رسول الجمهورية الشعبية الأوكرانية، ولكن كانت تصدر باللغة الروسية وليس بالأوكرانية. كذلك كانت أسماء الحكومات متشابهة الأمانة العامة للرادا، في مقابل أمانة الشعب للسوفيات. بما يتعلق بالأراضي، لم نجد تحديداً دقيقاً في أي من الوثائق الرسمية، لكن كان واضحاً استبدال الجمهورية الشعبية الأوكرانية السوفياتي بتلك التابعة للرادا.

على سبيل المثال، افترض قرار المؤتمر السوفياتي الثاني لعموم أوكرانيا، المنعقد في منتصف شهر آذار/مارس عام 1918 أن “الجماهير العمالية في أوكرانيا” تسعى إلى التوحد “حول الأراضي الأوكرانية التي يحاول الرادا السيطرة عليها، أي أوكرانيا بحسب الإعلانين الثالث والرابع (10)” (Вестник УНР, 20 марта 1918).

في الواقع، منذ شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1917، تشاركت الأمانة العامة للرادا والأمانة العامة لشعب أوكرانيا السوفياتي والسوفناركوم (11) [سوفيات نارودنيه كوميساروف] لروسيا السوفياتي، طوعاً أو على مضض، مفهوم إقليم الدولة الأوكرانية على النحو المحدد من قبل الرادا. وبعد أن أنشؤوا جمهوريتهم الشعبية الأوكرانية لأسباب استراتيجية بحتة، لم يساعد البلاشفة فقط في زيادة شرعية مفهوم الدولة القومية الأوكرانية، إنما أكدوا أيضاً على عضوية المقاطعات الشرقية فيها. في الواقع، كان الإجماع الفعلي حول هذه الأسئلة داخل الحزب بعيداً عن اليقين. وبحسب يفغينيا بوش، خلال إعلان أوكرانيا السوفياتية، كان القادة البلاشفة في خاركوف يبنون بالفعل مشروع جمهورية بأجهزتهم الخاصة لتولي السلطة (Бош 1925, 108).

3. أسباب رفض أوكرانيا السوفياتية في خاركوف (كانون الأول/ديسمبر 1917- كانون الثاني/يناير 1918)

إذاً ما هي أسباب معارضتهم المتعنتة لمشروع أوكرانيا السوفياتية؟ أعضاء الحزب مثل ميكولا سكرينبيك، فلاديمير أوسيم، يفغينيا بوش، فلاديمير زاتونسكي ونيكولاي بوبوف الذين تشاركوا الرأي القائل إن معتقدات المناضلين في خاركوف نتجت عن افتقارهم للحساسية حيال خصوصيات الثورة في أوكرانيا. وأشاروا إلى اختيارهم عزل أنفسهم في البيئة المُدنية التي يسكنها سكان روس (Ауссем 1925, VI) في وقت كان اتصالهم مع الفلاحين الأوكران محدود للغاية (Скрипник 1974, 14). هذا التفسير يؤيده المؤرخ تيودور ه. فريدغوت الذي رأى “تركت عقود من النزوح إلى دونباس والتركز داخل الجيوب الصناعية إلى جانب علاقات متوترة أو قليلة مع الفلاحين الأوكران في المنطقة بصماتها” (Friedgut 1994, 356). رغم ذلك، مع العلم أن مؤلفي هذه الفكرة كتبوا مذكراتهم بين عامي 1925 و1929، في سياق صراع على السلطة بين مختلف الفصائل البلشفية بعد وفاة لينين وأرادوا، عن قصد أو من دونه، إثبات ولائهم إلى “الخط الحزبي”، هذه الطريقة في تفسير الخلافات بين المنظمتين البلشفيتين في أوكرانيا تبدو لنا غير كافية، إنما حتى مضللة. في الواقع، لا تظهر النقاشات في ذلك الوقت أن الناس المعنيين قد أدركوا بالفعل دور الفلاحين في الثورة، الذين فرضوا أنفسهم كعامل حاسم، خاصة في أوكرانيا، منذ عام 1919 (Грациози 1997). مثل رفاقهم في خاركوف، كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين للطبقة العاملة المُدنية التي يرون فيها داعمهم الوحيد.

مؤخراً، قدم تفسير آخر لهذه الخلافات من قبل المؤرخين الروس والأوكران الذين رأوا في هذه النقاشات صراعاً بين البلاشفة أنفسهم: بين المتعاطفين مع القومية الأوكرانية وأولئك المدافعين عن الوحدة الروسية (Поплавськи� Корнилов 2011). وعلى الرغم من أن هؤلاء المؤلفين قد قدموا أحكاماً قيمية متعارضة جداً، إلا أنهم رغم ذلك قد أجمعوا على أمر واحد مشترك- رؤيتهم المغلوطة والملتزمة سياسياً والتي تميل إلى إهمال التحليل النقدي للمصادر. في الواقع، لم يكن الأمر صداماً بين الولاءات القومية والوطنية المختلفة (12)، إنما كان خلافاً حول القرارات التكتيكية التي يجب اتخاذها والرؤى الاستراتيجية التي يجب تبنيها من أجل ضمان نجاح مشروعهم السياسي.

قدّر، عضو الحزب والمؤرخ المستقبلي، نيكولاي بوبوف، أن فكرة جمهورية دونيتس-كريفوي روغ، التي وحدت بين شرقي اوكرانيا والجزء الصناعي من الدون، كان ستظهر بين البلاشفة في خاركوف على أنها تحت تأثير مخايل زاكوف وفيكتور فيلوف وسيمين فاسيلسينكو. كان الأخيرون من المناضلين البلاشفة الذين جاؤوا من روستوف-سور-لو-دون بعد اجتياح المنطقة من قبل أليكسي كاليدين، الجنرال المعادي للبلاشفة على رأس جيش من القوزاق. بعد هذا الحدث، أصبحت الدون أكبر أمل للثورة المضادة ومناهضي السلطة البلشفية، حيث تجمعت العديد من القوى المعادية للبلشفية في هذه الأراضي. منذ ذلك الحين، كان ينظر إلى القوات الآتية إلى الدون على أنها تهديد مباشر. أما بالنسبة إلى الرادا فقد بقيت بالنسبة إلى الهاربين من روستوف حكومة قومية برجوازية صغيرة معادية، إنما كانت من دون شك أقل خطورة وأقل عنفاً وضعيفة نسبياً في المقاطعات الشرقية. كان مشروعهم، باختصار، شبيهاً جداً لمشروع البلاشفة المطرودين من كييف: الحصول على دعم منطقة دونيتس-كريفوي روغ، معقل البلشفية، من أجل طرد العدو من منطقتهم الأصلية. أكثر من ذلك، وجد الطرفان نفسيهما في خاركوف في الوقت عينه- في الأيام الأولى من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1917، وقد أدت المنافسة بين المجموعتين اللتين دافعتا عن أجندتهما السياسية إلى تزايد التوترات.

إن رغبة خاركوف في إنشاء أجهزة السلطة الخاصة التابعة مباشرة لسوفناركوم تفسرها كذلك وجود علاقات شخصية وتنظيمية أنشئت بالفعل مع بتروغراد. في الواقع، كان من الصعب إقناع المناضلين مثل أرتيم،(13) الثوري البلشفي البارز والرائع منذ فترة بعيدة، أنه بدلاً من التحدث مباشرة مع لينين عليهم الآن المرور من خلال “حكومة” سوفيتية جديدة، على الرغم من وضعها الرسمي، لم يكن لها أي تأثير يذكر على السكان والأراضي التي كان من المفترض أنها تحكمها (14) (Затонський 1929, 159).

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن وصول المسؤول عن قيادة الجيش الأحمر إلى الجبهة الأوكرانية، فلاديمير أنتونوف-أوفينسكو، قد أدى إلى تفاقم الصراع “وكان له أسوأ الأثر” (Затонський 1929, 167) على العلاقات بين خاركوف والوافدين الجدد إلى كييف. بمجرد وصوله إلى خاركوف، دعم الحكومة الأوكرانية السوفياتية، ومن دون أن يطلب الإذن، بدأ فوراً بشن حملة اعتقالات تعسفية ومصادرة للأراضي. وحرصاً على الحفاظ على علاقات ودية مع القوى السياسية الأخرى وللحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في المدينة، عارضت السوفيتات بشدة هذه الإجراءات على الفور، ولا سيما زعيمهم، من دون، منازع أرتيم.

4. جمهورية دونيتس-كريفو روغ السوفياتية: وضع الدونباس في خدمة الثورة (كانون الثاني/يناير- شباط/فبراير 1918)

في كانون الثاني/يناير عام 1918، نجحت القوات السوفياتية الآتية من الشمال في صد هجمات أليكسي كاليدين في الدون؛ ومن ثم اتجهت نحو الغرب وسيطرت على كييف. دعا لينين إلى عقد المؤتمر السوفياتي المقبل لعموم أوكرانيا والذي دعيت إليه “كل مدن ومناطق أوكرانيا من دون استثناء” (Варгатюк 1988а, 41–42). ولكن، بعد هزيمة الرادا، لم يعد هناك أي معنى- بحسب البلاشفة في خاركوف- لحفاظ شكلي على الوحدة الأوكرانية الشاملة (Скрипник 1974, 13). فقرروا وضع السوفناركوم وأمانة الشعب أمام الأمر الواقع: باتت مقاطعات يكاتيرنينوسلاف وخاركوف وتوريد (من دون شبه جزيرة القرم) وكذلك جزء من الدون تشكل جمهورية منفصلة. ثم أعلنت الجمهورية السوفياتية في دونيتس-كريفوي روغ يوم 30 كانون الثاني/يناير 1918، متحدين بذلك مشروع قيام أوكرانيا مكونة من 9 محافظات.

وقد ذكر سيمين فاسيلينكو، البلشفي من الدون والداعي إلى الاستقلال الذاتي لمنطقة الدونباس الأطروحة التالية: “مع تعزيز القوة السوفياتية على الأرض، لن يتم بناء الأجزاء الفيدرالية للجمهورية الاشتراكية الروسية بحسب المبدأ الوطني، إنما بحسب الخصائص الوطنية والاقتصادية لأسلوب حياتهم. تمثل أحواض الدونيتس وكريفوي وحدة اقتصادية مكتفية ذاتياً. […] لذلك، يجب أن يكون لمناطق دونيتس وكريفوي روغ مؤسسات مستقلة اقتصادية وسياسية للإدارة الذاتية (Мышкис 1928, 254).

بحسب فيكتور فيلوف، المؤيد الشديد بدوره لجمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية، مع الثورة الاشتراكية: “سيطر المبدأ الطبقي، أي الاقتصاد، على المبدأ الوطني” (Филов 1918). كانت الرغبة في إعطاء شكل وطني لدولة سوفياتية عملاً “مضاداً للثورة” وكان يعني فقط “العودة إلى الماضي البعيد” (Ц.И.К Украины, Донецкая Республика и левые с.-р. 1918)، في حين أن فكرة تأسيس دولة تقوم فقط على معيار الأهمية الاقتصادية التي كان ينظر إليها على أنها فكرة عقلانية وبالتالي تقدمية. مثل هذه الحجج تعكس بوضوح “النقاش حول الأقلمة” الذي حصل عام 1921 بين أنصار الرؤية “الاقتصادية” مقابل أنصار المبدأ “القومي”. جرى تسليط الضوء أثناء وضع خطة ملموسة للتنظيم الاقتصادي والإداري للاتحاد السوفياتي، ووُصفت بشكل جيد التوترات بين هذين التيارين من قبل فرانسين هيرش في كتابه المعنون أمبراطورية الأمم (Hirsch 2005, 62–98). رغم ذلك، نلاحظ أن النقاش من نفس النوع أزعج الحزب قبل عام 1921. بالتالي، هو جزء من عملية أوسع بكثير.

لم يكن شكل تنظيم الدولة لوحده هو في صلب المناقشات. بالأساس، كان الأمر يتعلق بإيجاد أفضل طريقة للوصول إلى المرحلة الأخيرة من تطور المجتمع الإنساني بحسب الماركسيين- أي الشيوعية. الفكرة، التي دافع عنها لينين، هي أن الأمة ستكون مرحلة ضرورية في الرحلة التاريخية نحو مجتمع اشتراكي، أصبح ذلك هو المبدأ الذي بني على أساسه الاتحاد السوفياتي، ويثبت بحسب (2000) F. Hirsch، أنه وسيلة فعالة لتعزيز “امبراطورية الأمم”. مع ذلك، خلال عامي 1917-1918، كان عدد كبير من البلاشفة، حتى لا نقول الأغلبية، ما زالوا مقتنعين أن الثورة الاشتراكية والمساواة التي ستحققها يجعلان من “المسألة القومية” مسألة لا لزوم لها. لذلك، اعتبروا فكرة أن “إنشاء أوكرانيا، حتى السوفياتية، سيكون قراراً رجعياً” (Затонський 1929, 163)، فقد كانوا مقتنعين بالدفاع عن رؤية ماركسية حقيقية للعالم والتاريخ.

إضافة إلى الحجج الأيديولوجية، برر مؤسسو جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية قرارهم بالحاجة إلى تقديم حلول فورية للمشاكل التي ينظر إليها على أنها أساسية. كان “مصير الثورة الروسية ككل” (Мышкис 1928, 256)، حسب رأيهم، على المحك وكان يجب تخصيص موارد الدونباس في خدمتها [لهذه الجمهورية]. كان ضمان إمداد “المراكز الصناعية في الشمال” مسؤولية تقع على جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية (Мышкис 1928, 256). على العكس من ذلك كان ينظر إلى إعلان الجمهورية السوفياتية الأوكرانية على أنه قرار مضر “عشوائي ومؤقت”، يقضي على وحدة فضاء الاقتصاد الروسي. أصر أرتيم على ذلك “نريد الانضمام إلى كامل البلد”، مشيراً إلى أن البلد بأكمله ليس سوى الامبراطورية الروسية. “أنتم الإنفصاليون وليس نحن!” رد على ميكولا سكريبنيك، المدافع الأساسي عن أوكرانيا السوفياتية والذي كان يحاول الدفاع عن انتماء الدونباس إلى هذه الأخيرة (Мышкис 1928, 256).

5. دعم أوكرانيا أو الدفاع عن الدونباس؟ الموقف الغامض لسوفناركوم (شباط/فبراير- نيسان/أبريل 1918)

في 31 كانون الثاني/يناير 1918، أبلغ أرتيم، الذي كان ما زال يترأس الجمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية، اللجنة المركزية في بتروغراد بالقرار المتخذ في خاركوف. فكان الجواب سريعاً: “نعتبر هذا الانفصال مضراً” (Павлюк и Ряднина 1962, 113). ولكن، وبعد وقت قصير، أرسلت سكرتيرة اللجنة، إيلينا ستاسوفا، رسالة ترحب فيه بإعلان جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية (Павлюк и Ряднина 1962, 558–559). كيف يمكننا تفسير مثل هذا التناقض الجلي في موقف سلطات الحزب المركزية تجاه جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية؟ مذكرات فلاديمير زاتونسكي، ممثل أوكرانيا السوفياتية في بتروغراد، جد مفيدة في هذا الإطار. إذ كتب هذا الأخير في كانون الثاني/يناير عام 1918:

“[…] كان السوفناركوم في جمهورية روسيا السوفياتية ما زال لديه فهم ضعيف للشؤون الأوكرانية ولم يكن قد قرر بعد من الذي سيدعمه- نحن أم الرادا” (Затонський 1929, 161).

وبحسبه، فإن تكتل اليسار ضمن الاشتراكيين الثوريين، الذي كان حليفاً البلاشفة، كان يحضّر لهجوم على الرادا. وهكذا كان ما زال بإمكان السوفناركوم المراهنة على السيناريو الأولي، أي تغيير الرادا من الداخل. طالب زاتونسكي بخطة عمل وموقف واضح من بتروغراد (Затонський 1929, 163). لكن السلطات المركزية امتنعت عن إعطاء جواب حاسم. بحيث تبنت نفس الموقف التجنبي الذي اتخذته إزاء أرتيم ومشروعه المتمثل بقيام جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية (Затонський 1929, 168).

مع ذلك، تغيرت الظروف من يوم لآخر. في 27 كانون الثاني/يناير عام 1918 (15)، وقع الرادا معاهدة سلام مع ألمانيا وحلفائها- ودعيت قواتها إلى أوكرانيا لمساعدتها على استعادة السيطرة على البلاد بأكملها. في هذه المعاهدة، جرى تعيين الحدود الأوكرانية من جهتي الغرب والشمال، من دون تحديد واضح للحدود الشرقية (Бойко 2008, 40). هل كان إنشاء جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية خدعة دبلوماسية سوفياتية تهدف إلى إقناع الألمان بالاكتفاء بأراضي خمس مقاطعات وترك الفحم ومناجم الدونباس لروسيا؟ كان هذا هو التفسير الذي أعطاه القادة السابقون لجمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية خلال الـ 1920ات (Ревегук, 1974, 7–8)، والذي تبناه مؤخراً بعض المؤرخين من بينهم هيرواكي كوروميا (2002, 150). مع ذلك، لم يذكر الدفاع ضد القوات الألمانية بين الحجج المؤيدة لجمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية وقت تأسيسها؛ إنما ذكرت المزايا الاقتصادية والسياسية للوحدة الإدارية لدونباس وخضوعها المباشر لروسيا (Мышкис 1928, 250–288). بالفعل، لم يكن البلاشفة على علم ببنود المعاهدة التي وقعها الأوكرانيون حتى بداية الاحتلال الفعلي، في نهاية شباط/فبراير. بالتالي، فإن أسباب إعلان جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية لم تنبع في البداية من الرغبة بتجنيب الدونباس من أن تتعرض لغزو أجنبي: إنما جرى الأخذ بذلك بعد تغيّر واقع الأمور.

وقعت روسيا معاهدة سلام مع دول المحور يوم 3 آذار/مارس 1918 (Декреты советской власти 1957, 47–51). كان أحد شروطها انسحاب الجيش الأحمر من أراضي جمهورية أوكرانيا السوفياتية والتخلي عن المطالب الروسية بالحصول على أراضٍ من أوكرانيا، التي باتت الآن دولة “مستقلة” (Михутина 2007). كان واضحاً أن البلاشفة في أوكرانيا، الذين عارض عدد كبير منهم بشدة معاهدة السلام “المخزية”، لم يرغبوا بالاستسلام بهذه السهولة. ماذا لو أعلنت أوكرانيا السوفياتية نفسها مستقلة أيضاً؟ فلن تكون ملزمة بهذه المعاهدة مع ألمانيا ويمكنها معارضة الاحتلال من دون أن تكون روسيا السوفياتية مسؤولة عن أفعالها. لذلك، كان من الضروري عقد مؤتمر لعموم أوكرانيا، بأغلبية بلشفية، والذي صوت لصالح الاستقلال والمقاومة المسلحة للاحتلال. لم تدعم اللجنة المركزية هذا القرار. وفي رسالته المرسلة بتاريخ 14 آذار إلى سيرجو أوردزونيكيدزي، كتب لينين:

“بالنسبة لجمهورية الدونيتس، أخبر الرفاق فاسيلسينكو (17) وزاكوف وسواهما أنه بغض النظر عن الطريقة التي يحاولون فيها فصل منطقتهم عن أوكرانيا، وبحسب جغرافية فينيسيكو، ستكون في أوكرانيا وسيحتلها الألمان. في هذا الصدد، من العبث للغاية أن ترفض جمهورية الدونيتس تشكيل جبهة دفاع موحدة مع أوكرانيا” (Рыбалка 1967, 42).

أعطت اللجنة المركزية للحزب توجيهاً واضحاً: يجب أن تكون جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية جزءاً من أوكرانيا وأن ترسل ممثليها إلى المؤتمر. مع ذلك، ما إن بدأ الألمان بالهجوم على المناطق الصناعية، أعادت مفوضية الشعب للشؤون الخارجية في روسيا رسم الخريطة وجعلت من منطقة الدونيتس كريفوي روغ ضمن أراضي روسيا، مشيرة في مذكرتها المؤرخة يوم 26 آذار/مارس 1918 إلى أن الهجوم الألماني “يتجاوز الحدود الأوكرانية” (Земсков 1959, 216). ولكن في اليوم الذي احتلت فيه القوات النمساوية الألمانية كل أوكرانيا، انتهت اللعبة الدبلوماسية، كما انتهى وجود الجمهوريات السوفياتية على الأراضي الأوكرانية.

لذلك، أرادت السلطات السوفياتية، المنخرطة بلعبة دبلوماسية كبيرة في بريست ليتوفسك، ترك كل الأبواب مفتوحة في أوكرانيا. فرحبت بتأسيس جمهورية أوكرانيا الشعبية من دون قطع علاقاتها مع الرادا. في الوقت عينه، لم تقف بحزم إلى جانب سكرتارية الشعب الأوكراني في نزاعها مع “مجموعة أرتيم” ولم تأخذ موقفاً واضحاً من إنشاء جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية.

كان وجود هذه الجمهورية، على الرغم من سرعة زوالها، ما زال مفيداً لروسيا السوفياتية. صحيح أن جيش جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية لم يتمكن من صد القوات الألمانية، إنما تمكن من تأخيرها بشكل كبير. على وجه التحديد، كان قادراً على تنظيم نقل الأموال والموارد باتجاه الشمال (Ревегук 1974, 172–189).

الخلاصة

بعيداً عن كونها خطة عمل متماسكة ومدروسة، فإن القرارات التي اتخذها البلاشفة عامي 1917 و1918، سواء في المركز أو في الأطراف، كانت نتيجة للقيود، ولكن أيضاً كانت فرصاً أتاحتها اللحظة. يمكن النظر إلى المشاريع المختلفة للجمهوريات السوفياتية التي ولدت في ذلك الوقت على أنها طرق مختلفة للاستجابة إلى القيود واغتنام للفرص. عام 1917، وبفضل مثابرة السياسيين في الرادا، ظهرت أوكرانيا كمساحة سياسية جديدة. هذا الواقع الجديد، الذي جرى تحليله بشكل سيء من قبل البلاشفة في البداية، أجبرهم أخيراً ليس فقط على اتخاذ موقف من الأسئلة التي كانت غريبة عنهم، إنما كذلك على المغامرة في أكثر المشاريع السياسية غير المحتملة. والأهم من ذلك، أنها واجهتهم بالتناقضات بين ضخامة طموحاتهم السياسية الأممية والصعوبات المحلية والملموسة جداً للثورة التي حصلت في امبراطورية تتحلل، ومزقتها الحروب. إن هذا التناقض هو الذي أطلق عملية طويلة جرى خلالها إعادة النظر مراراً وتكراراً بالجغرافيا الذهنية للماركسيين الروس.

يبقى السؤال الأساسي هو لماذا، بعد إلغاء معاهدة بريست ليتوفسك وحتى بعد هزيمة الرادا، قررت السلطات السوفياتية العليا متابعة دعم مفهوم “أوكرانيا الكبرى” واستبعاد حازم لأي احتمال قيام دونباس روسية أو مستقلة؟ ألم تتحقق المهمة الأساسية لهذا المشروع وهي محاربة القوميين الأوكران؟

أولاً، حتى عام 1922، ظل الهدف العام للبلاشفة هو ثورة أممية. لذلك كان ضرورياً كسب دعم الشعوب خارج النواة الروسية للبلاد من أجل توسيع بؤرة الثورة الشعبية. كانت أعينهم شاخصة نحو الغرب، كانت الهبات الشعبية في الدول الأوروبية أملهم الوحيد للإبقاء على الثورة مشتعلة والتي لم تكن ثورة تشرين الأول/أكتوبر الروسية سوى شرارة أولى لها. بهذا المعنى، كان لأوكرانيا دوراً مهماً تلعبه في مشروعها المتمثل بالثورة الشاملة- لتفتح الباب نحو أوروبا وخاصة ألمانيا. كان من الممكن للخطاب المعادي للقومية لقادة جمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية أن يضر بالقوة السوفياتية ويبعد الحلفاء الأوكران عن البلاشفة.

ثانياً، كما رأينا، فقط بمساعدة المناطق الصناعية الشرقية كان بإمكان الحزب أن يقلب الموازين لصالحه داخل أوكرانيا التي كانت ما زالت تعتمد على القطاع الزراعي بشكل كبير. إن ثقل الشرق مهم بشكل كبير لترسيخ قوة السوفيتات الأوكرانية واتخاذ القرارات الصحيحة هناك. سعى ممثلو الحكومة السوفياتية الأوكران إلى ضم المقاطعات الشرقية، لأنهم لم يعودوا يريدون “العيش بخوف دائم من أن يصبح الفلاحون أغلبية يوماً ما في واحد من المؤتمرات” (Ревегук, 1974, 36). خلال الحرب الأهلية، رفع الشيوعيون علم أوكرانيا السوفياتية عدة مرات، خاصة خلال الهجمات العسكرية من أجل ضمان دعم السكان المحليين. رغم ذلك، لم يكن يدرك البلاشفة حتى 1920، أن أوكرانيا السوفياتية، المستقلة بشكل رسمي والتي تضم المقاطعات الشرقية والجنوبية، ليست فقط رداً تكتيكياً يسمح بتحييد القوميين، إنما أيضاً من شأنه أن يكون له فوائد على المدى البعيد. يمكن أن تصبح الدونباس والمدن الصناعية الكبرى في الشرق نوعاً من حزام نقل بين روسيا والمقاطعات الأوكرانية “الفلاحية”. لذلك لم تعد تخطط موسكو لفصل هذه المنطقة عن أوكرانيا- إنما على العكس تماماً. في هذا الإطار، فإن ذكريات جورجي لابينسكي لافتة للغاية:

“لفترة طويلة، حتى إعلان أوكرانيا جمهورية سوفياتية، استمر بعض البلاشفة بالتمسك بـ”نظرية” تعتبر الدولة الأوكرانية “خيالية” وتهدف إلى شلّ المشاعر القومية للبرجوازية الصغيرة. (18) […] لكن لم يجرؤ أحد مرة أخرى على العودة إلى الخلف أو معارضة صراحة وجود أوكرانيا ككيان منفصل” (Лапчинський 1927, 51).

ظلت مسألة انتماء شرقي أوكرانيا، وهي منطقة انتقالية بين النواة الروسية للاتحاد السوفياتية والأطراف القومية، دون حل حتى اندلاع النزاع المسلح بين الحكومة والانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك عام 2014. كما يظهر من الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، لا تزال مسألة الحدود الأوكرانية مشكلة لم تحل حتى اليوم.

كما يشير تيري مارتن عن حق، كانت استراتيجية البلاشفة تتمثل بـ”تولي قيادة ما بدا أنه عملية حتمية لإنهاء الاستعمار” (Martin 2001b, 67). لهذا السبب اختار لينين بداية من الناحية النظرية ومن ثم العملية مبدأ قومياً في بناء الاتحاد السوفياتي. كل “أمة” سوفياتية يكون لها “وطنها القومي” المحدد إقليمياً وإدارياً- وهي خطة صعبة التطبيق في إمبراطورية قارية مثل روسيا. في الواقع، كانت الامبراطورية الروسية تضم مناطق جغرافية تضعها عند منتصف الطريق بين المركز المُدني والمستعمرة. مثلت أوكرانيا الشرقية وضعاً هجيناً: كانت المراكز المُدنية المتجهة إقتصادياً وثقافياً نحو روسيا منتشرة كجزر في وسط محيط من الريف المختلف اجتماعياً وإثنياً وثقافياً. هذه المنطقة المكونة من سكان يأتون من المقاطعات الأوكرانية ومن أبعد أراضي الأمبراطورية الروسية، كانت في الواقع بعيدة جداً عن أن تكون منطقة مثالية متجانسة إثنياً.

كانت المهمة الشاقة والطموحة المتمثلة ببناء وطني قومي لكل دولة سوفياتية لها مزايا، سياسية واقتصادية، كان مفضلاً من نموذج بنية دولتية تعزز مركزية صنع القرار- وهو شرط أساسي للانتقال إلى الشيوعية بالنسبة إلى البلاشفة- مع التوفيق بذلك بين السكان المحليين وتعدديتهم. من خلال تقديم تنازل لصالح الدولة الأمة الذي يوفق بين الأمة وأراضيها، أمل البلاشفة بالحفاظ على وحدة أراضي الأمبراطورية الروسية السابقة لتحويلها إلى دولة سوفياتية متعددة الإثنيات. رغم ذلك، لم يتم التخلي عن المثالية الأممية، لأن اتحاد الجمهوريات السوفياتية كان من المفترض أن يجسد فقط المرحلة الأولى من عملية الاندماج الطويلة، وبالتالي، زوال الأمم، بداية في الاتحاد السوفياتي ولاحقاً في العالم. هذه السياسة التي تسميها فرانسين هيرش “نظرية تطورية برعاية الدولة”، التي طبقت في إطار دولة مركزية تقوم على بنية اقتصادية وإدارية شبه استعمارية، هي التي أعطت الاتحاد السوفياتي شكله المميز (Hirsch 2000, 204).

اليوم، وبعد فشل المشروع في تحقيق أهدافه، أي بناء مجتمع اشتراكي من دون دول أو أمم، فإن المشروع الإقليمي الذي طبقه البلاشفة تعارض بشكل كبير مع القوميات الصاعدة في أوروبا الشرقية وجعلها تتواجه. وبالتالي، إن ما كان يقصد به كإجراء انتقالي وحل وسط متوسط الأمد يشكل حالياً تحدياً كبيراً للعديد من الدول في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي.

الهوامش:

1. تشكلت المنطقة التي هي الهدف الأساسي لبحثي- من الجزء الصناعي والمُدني في شرقي أوكرانيا فوق حدود المناطق التاريخية. من الصعب العثور على اسم مقبول بشكل عام لتسمية هذه المنطقة الجغرافية التي تحولت- بفضل اكتشاف واستغلال الحديد والفحم- إلى كيان اقتصادي يتجاوز الحدود الإدارية. في هذا المقال سأستخدم المصطلحات التي شاع استعمالها عام 1917 (الدونباس، ودونيتس كريفوي روغ).

2. Richard Pipe 1964 Jeremy Smith 1999, 2013 Suny et Martin 2001 Martin 2001 Hirsch 2005.

3. ترجمت اسم العلم ДонецкоКриворожская Советская Республика إلى جمهورية دونيتس-كريفوي روغ (وليس إلى دونيتسك-كريفوي روغ). تعني الصفة донецкий/донецкая هنا منطقة حوض نهر دونيتس وليس مدينة دونيتسك.

4. خصوصيات أقلمة الشيوعية، خاصة مشكلة الحدود الداخلية للاتحاد السوفياتي درستها سابين دولين عامي 2014 و2018.

5. نقلتُ أسماء المواقع الجغرافية من الروسية، باعتبار أن اللغة السائدة في فترة 1917-1918 كانت الروسية. في حين النقل من الأوكرانية له ما يبرره عند كتابة أسماء الشخصيات، الذين دخلوا التاريخ باسم أوكراني (مثلا كتبت اسم ميكولا سكريبنيك Mykola Skrypnyk بدلاً من نيكولاي سكريبنيك Nikolaï Skripnik…).

6. أشكر توماس شوبار على تعليقاته واقتراحاته التي ساعدتني على صياغة الإشكالية.

7. التواريخ هي وفق “النمط القديم” (التقويم الجولياني حتى شهر شباط/فبراير 1918، قبل اعتماد التقويم الغريغوري (“النمط الجديد”).

8. تناولتُ نشأة مفهوم الأراضي الأوكرانية التي دافع عنها الرادا إضافة إلى النزاعات الإقليمية مع الحكومة المؤقتة بشكل عميق في أطروحتي لنيل شهادة الماجيستر (Perekhoda 2020, 20–24, 54–67).

9. يجب الأخذ بعين الاعتبار، رغم ذلك، أن أسماء الدول والمؤسسات لم تكن موحدة. جمهورية أوكرانيا السوفياتية يمكن تسميتها جمهورية سوفيتات العمال والجنود والفلاحين الأوكراني؛ جمهورية أوكرانيا الشعبية السوفياتية؛ جمهورية العمال والفلاحين الأوكران؛ جمهورية أوكرانيا السوفياتية… كذلك بالنسبة لجمهورية دونيتس-كريفوي روغ كانت تسمى جمهورية دونيتس/دونكريفباس:كريفدونباس…

10. إعلان رسمي كان هدفه الأساسي إطلاع الناس على القرارات التي تتخذها السلطات. عامي 1917-1918، نشرت جريدة الرادا أربعة إعلانات.

11. تشكلت الحكومة في بتروغراد بعد ثورة أكتوبر.

12. على الرغم من أنه ليس عاملاً حاسماً، إلا أن مسار الحياة وهويات الفاعلين المشاركين في النزاع قد أثرت بالتأكيد على مواقفهم السياسية. تناولت هذه المسألة بعمق في أطروحتي لنيل شهادة الماجيستير (Perekhoda 2020, 90–94).

13. الاسم المستعار فيدور سيرغيف.

14. يجب ألا يغيب عن بالنا أنه في الواقع لم يمارس أي من الفاعلين السياسيين سيطرة حقيقية على الأراضي التي طالبوا بها. الحكومة المستقبلية لجمهورية دونيتس-كريفوي روغ السوفياتية كانت قليلة التأثير خارج خاركوف. كذلك، لم ينجح الرادا في تمتين وجوده بشكل دائم في مناطق بعيدة عن كييف (Chopard 2017).

15. لاحقاً في النص، كل التواريخ هي وفق “النمط الجديد”.

16. في آذار/مارس 1917، كان مفوضاً فوق العادة لمنطقة أوكرانيا.

17. في شهر آذار/مارس 1917، كان فولوديمير فينيسينكو على رأس الأمانة العامة للرادا.

18. سيمون بيتليورا: القائد العام للجيش ورئيس الجمهورية الشعبية الأوكرانية (1918-1920)، كان معارضاً للجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية.

المراجع:

Chopard, Thomas. 2017. « L’Ukraine et la révolution de 1917. Promesse d’émancipations et-limit-es de l’indépendance ». Vingtième Siècle. Revue d’histoire 135 : 73–86.

Cœuré, Sophie et Sabine Dullin . 2007. Frontières du communisme. Paris : La Découverte.

Dullin, Sabine. 2014. « L’entre-voisins en période de transition étatique (1917–1924). La frontière épaisse des bolcheviks à l’Est de l’Europe ». Annales. Histoire, Sciences Sociales 69 (2) : 383–414.

Dullin, Sabine. 2018. « Le réveil des frontières intérieures ». Pouvoirs 165 : 15–26.

Friedgut, Theodore H. 1994. Iuzovka and Revolution, Volume II: Politics and Revolution in

Russia’s Donbass, 1869–1924. Princeton : Princeton University Press.

Hirsch, Francine. 2000. « Toward an Empire of Nations : Border-Making and the Formation of

Soviet National Identities ». The Russian Review 59 (2) : 201–226.

Hirsch, Francine. 2005. Empire of Nations. Ethnographic Knowledge and the Making of the

Soviet -union-. Ithaca : Cornell University Press.

Krawchenko, Bohdan. 1985. Social Change and National Consciousness in Twentieth-Century

Ukraine. London : Palgrave Macmillan.

Martin, Terry. 2001a. The affirmative action empire. Nations and nationalism in the Soviet

-union-, 1923–1939. Ithaca–London : Cornell University Press.

Martin, Terry. 2001b. « An Affirmative Action Empire : The Soviet -union- as the Highest Form of Imperialism ». In A State of Nations : Empire and Nation-Making in the Age of Lenin and Stalin, eds. Ronald Grigor Suny and Terry Martin, 67–90. Oxford–New-York : Oxford University Press.

Perekhoda, Hanna. 2020. Fierté de l’Empire russe, terre native des Ukrainiens ou œuvre du peuple travailleur ? La révolution russe et l’enjeu territorial de l’Ukraine de l’Est (1917– 1918). Mémoire de Maîtrise en science politique sous la -dir-ection de Stefanie Prezioso. Université de Lausanne.

Pipes, Richard. 1964. The Formation of the Soviet -union- : Communism and Nationalism, 1917–1923. Cambridge : Harvard University Press.

Rindlisbacher, Stephan. « From space to Territory : Negotiating the Russo-ukrainian Border, 1919–1928 ». Revolutionary Russia (31) 1 : 86–106.

Smith, Jeremy. 1999. The Bolsheviks and the National Question, 1917–1923. New York : St. Martin’s Press.

Smith, Jeremy. 2013. Red Nations : The Nationalities Experience in and after the USSR. Cambridge : Cambridge University Press.

Suny, Ronald Grigor and Terry Martin, eds. 2001. A State of Nations : Empire and Nation- Making in the Age of Lenin and Stalin. Oxford–New-York : Oxford University Press.

Wilson, Andrew. 1995. « The Donbas between Ukraine and Russia : The Use of History in Political Disputes ». Journal of Contemporary History 30 (2) : 265–289.

Ауссем, Владимир. 1925. « Евгения Бош ». Летопись революции 11 (2), I–VII.

Бойко, Олена. 2008. « Проблема визначення кордонів України в період Центральної Ради (1917–1918 рр.) ». Український історичний журнал 1 : 31–46.

Бош, Евгения. 1925. Год борьбы. Борьба за власть на Украине с апреля 1917 до немецкой оккупации. МоскваЛенинград : Государственное издательство.

Варгатюк, Павло. 1988а. « ДонецькоКриворізька Радянська Республіка в оцінці В.І. Леніна ». Український історичний журнал 4 : 33–44.

Варгатюк, Павло. 1988б. « Ленін і більшовицькі організації України : проблеми консолідації сил ». Український історичний журнал 7 : 18–27.

Верстюк, Владислав, ред. 2003. Український національновизвольний рух. Березень – листопад 1917 року : Документи і матеріали. Київ : Видавництво імені Олени Теліги.

Вестник УНР. 20 марта 1918.

Грациози, Андреа. 1997. Большевики и крестьяне на Украине, 1918-1919 годы : очерк о

большевизмах, националсоциализмах и крестьянских движениях. Москва : АИРОXX.

Декреты Советской власти. 1957. Москва : Политиздат.

Земсков, Виктор и др. 1959. Документы внешней политики СССР. Том 1. 7 ноября 1917 — 31 декабря 1918 г. Москва : Госполитиздат.

Єфіменко, Геннадій. 2011. « Визначення кордону між УСРР та РСФРР (1917–1920) ». Проблеми історії України : факти, судження, пошуки (20) : 135–176.

Затонський, Володимир. 1929. « Уривки зі спогадів про українську революцію ». Літопис Революції 4 (37) : 139–173.

« Из истории Соввласти на Украине. О Первом Всеукраинском Съезде Советов и Первом Советском Правительстве Украины ». 1924. Літопис Революції 4 (9) : 166–183.

Касьянов, Георгий. 2019. Украина и соседи. Историческая политика 1980–2010-х. Москва : Новое литературное обозрение.

Корнилов, Владимир. 2011. ДонецкоКриворожская республика. Расстрелянная мечта. Харьков : Фолио.

Куромія, Гіроакі. 2002. Свобода і терор у Донбасі : Українськоросійське прикордоння, 1870-1990-і роки. Київ : Основи.

Лапчинський, Георг. 1927. « З перших днів всеукраїнської радянської влади ». Літопис Pеволюції 5 (26)–6 (27) : 46–66.

Михутина, Ирина. 2007. Украинский Брестский мир. Путь выхода России из Первой мировой войны и анатомия конфликта между Совнаркомом РСФСР и правительством Украинской центральной рады. Москва : Издательство « Европа ».

Мышкис, Хая. 1928. « Материалы о ДонецкоКриворожской Республике ». Літопис Революції 3(30) : 250–288.

Павлюк, Павел и Илона Ряднина, ред. 1962. Большевистские организации Украины в период установления и укрепления Советской власти : (ноябрь 1917 – апрель 1918 гг.) : сборник документов и материалов. Киев : Государственнок издательство политической литературы УССР.

Поплавський, Олег. 2010. ДонецькоКриворізька Радянська республіка : історико політичний аспект. Дисертація на здобуття вченого ступеня кандидата історичних наук. Днепропетровск : ДНУ.

Ревегук, Віктор. 1974. ДонецькоКриворізька республіка. Дисертація на здобуття вченого ступеня кандидита історичних наук. Харків : ХГГУ.

Рыбалка, Иван, ред. 1967. Гражданская война на Украине (1918-1920). Сборник документов и материалов в трех томах, четырех книгах. Том 1. Кн.1. Освободительная воина украинского народа против немецкоавстрийских оккупантов. Разгром буржуазно националистической Директории. Киев : Наукова думка.

Скрипник, Микола. 1974. Статті і промови. Мюнхен : Сучасність. Филов, Виктор. 1918. « Кого судить ? ». Известия Юга, 2 апреля.



#هانا_بيريخودا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاشفة وأوكرانيا الشرقية (1917-1918)


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هانا بيريخودا - البلاشفة وأوكرانيا الشرقية (1917-1918)