طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 22:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
القسم الثالث
للنظرية والسياسة الماركسية مساهمة في النظرية والسياسة المتعلقة بالجنس. تكمن المساهمة في القيمة النقدية للافكار الماركسية في تحليل التوجه الجنسي والقيم الاجتماعية والحقوق والعدالة في المجتمعات المعاصرة. يشدد الملخص أعلاه على كل من الصعوبات الفئوية والمعرفية لمثل هذه القضية وبعض احتمالات مثل هذا التحليل. قائمة المجالات الأربعة التالية تعتمد على تلك الاحتمالات، في شكل جنيني.
أولاً، التأثير الماركسي على التركيز النقدي على الثقافة والتسليع والاستهلاك هو بلا شك مجال قوي وخصب لانتقاد الخطابات المعاصرة للحقوق الجنسية والعدالة والمساحة في المجتمعات المعاصرة. انه يتعامل بشكل حاسم معها ويكشف نِقَاط الضعف في الخطابات المعاصرة للمواطنة الجنسية: سياسات الهوية ومشكلة النضالات السياسية الخاصة، والفضاء الآمن الثقافي والاجتماعي كمناطق استهلاك، وفقر خطاب الحقوق كقوة دافعة وراء النضالات من أجل المساواة و العدالة الإجتماعية. ما تفعله الماركسية هو الاستقصاء والتحدي النقدي لطبيعة التقدم نحو تحقيق الحقوق الجنسية والمساواة والعدالة من خلال مؤسسات أرثوذكسية غير متكافئة وغير عادلة وسلطوية في جوهرها، وبالتالي توفر أساسًا لتحليل هيكلي لأوجه القصور في الأجندة الإصلاحية. بدلاً من استكشاف تطوير الفضاء الآمن الثقافي والاجتماعي، فإن النقد الماركسي يمتلك الأدوات اللازمة لتحديد طابعه وسببيته، وفي حالة ظهور مناطق الاستهلاك "الصديقة للمثليين" ، تظهر الماركسة نقاط القوة في عدم تجاهل الاقتصاد السياسي. ومن ثم، فإن تركيز الماركسية قد لا يعالج بالضرورة بشكل مباشر قضايا الهوية والعلاقات الجنسية والسلوك، لكن لديه قوة تفسيرية كبيرة في معالجة السياق الذي يتشكل فيه الفضاء العام، والأشكال التي يسود فيها هذا الفضاء والمؤسسات الأرثوذكسية, وكذلك فهم السببية والحجج الكامنة خلف نشاطاتها. قد تكون الأمثلة الأخرى لقوة هذا التحليل هي المركز السلعي للجنسيات المتنوعة مثل السادو-ماسوشية، والطريقة التي يتم بها هيكلة الرموز الثقافية للتعريف والمشاركة في "المشهد scene" من خلال التسليع .
(المشهد هو عادة البارات والمقاهي والنوادي والساونات الخ في مركز المدينة. ط.ا.)
ثانيًا، يمكن للماركسيين أن يقدموا على نطاق أوسع إطارًا نقديًا لفهم الجنسانية ضمن المفهوم المادي للتاريخ. إن تمحور النشاط الجنسي حول الخطاب والروايات في النظرية المعاصرة، ونظرية الكوير وما يصاحبها من "تخيلات" ما بعد الحداثة مثل " نكاح الجندر genderfuck" يميل إلى حذف أو التقليل من شأن الجسدية، فضلاً عن الخطاب الجنسي.
Aside from Butler and Sedgwick for queer theory, see Jacqueline N. Zita, Body Talk: Philosophical Reflections on Sex and Gender, New York 1998
https://books.google.at/books/about/Body_Talk.html?id=r9rFyaS6n40C&re--dir--_esc=y
(اي انه مفهوم ديكارتي احادي الجانب. مقولة ديكارت : "اني افكر اني اذن موجود" معروفة. وبالتالي تصبح قضية الجندر مسألة عقلية, وهذا امر مخالف لمعطيات طب الجنس sexology حيث ان اضطرابات الجندر لا يمكن معالجتها بالعلاج النفسي, بل بتغيير هيكلية الجسم جندريا عن طريق الهورمونات او تمارين الصوت او حتى الجراحة. ط.ا.)
قد يكون هناك أجندة مفيدة للتحليل في استخدام فئات الملكية والتملك والعمل. أيضًا، قد يكون من المفيد تصور الجسد ضمن تصور مادي للعالم يتجنب المادية الميكانيكية الفويرباخية
( المادية الميكانيكية الفويرباخية-اللاجنسية-مادية الزومبيات التي بعث بها الحياة ماركس وانجلز يحقنها بمصل ديالكتيكي يستحيل بدونه خلق ماركسية رومانسية, كما شرحت في مكانات اخرى, لتسجل ولادة عصر الجنس كعاطفة وشهوة وليس كلحم فقط حسب مؤرخ الفكر ميشيل فوكو في مجلداته الثلاث بخصوص تاريخ الجنس
The History of Sexuality: An Introduction, Volume 1
Michel Foucault
https://www.sparknotes.com/philosophy/histofsex/summary/
وللحيلولة دون الانزلاق في مادية الزومبيات.
عصرنا الحالي يتمثل بتكاثر الاجساد الزومبية وغزوها السرطاني للفضاء العام, التي تردد بقوة, مستمدة طاقتها من تراص الأجسام ودفء قربها لبعضها البعض, كلمة "نعم" للسلطة. انها نقيض الجموع الثورية التي تخيلها Michael Hardt and Antonio Negri في ترديديها ل "كلا" بالضد من الأنظمة القمعية السائدة في كتابهما
Michael Hardt and Antonio Negri (2000) Empire. Cambridge, MA: Harvard University Press
https://www.researchgate.net/publication/279982244_Empire_the_coming_of_the_control_society
والذي يعتبره البعض بمثابة "البيان الشيوعي الثاني"
ط.ا.)
ولكنها لا تمثل الجنس على حد سواء على أنه "سياسة عقلية" مبنية تمامًا على التمثيل اللغوي والثقافي.
Dana Cloud, Socialism of the Mind: The New Age of Post-Marxism , in Herbert Simons / Michael Billig (eds.), After Postmodernism: Reconstructing Ideology Critique, London 1994, 222–251
https://philpapers.org/rec/BILAPR
يؤدي هذا إلى نقطة ثالثة، وهي أن نطاق وعمق النظرية الماركسية لم يتم استخدامهما بعد في الاستجواب وفتح أرض خصبة لدراسات الجنسانية. النظرية النقدية والماركسية المستنيرة من الناحية الجمالية، مثل نظرية يورغن هابرماس على سبيل المثال، التي تنطوي على البراغماتية العالمية والتواصل المشوه منهجيًا، تقدم أكثر مما يفهم حاليًا في شرح طبيعة وأصول وتطور خطابات التحيز وعلم الأمراض ومقاومتها
Jürgen Habermas, On the Pragmatics of Communication, Cambridge 1998
https://www.cambridge.org/core/journals/sociology/article/abs/on-the-pragmatics-of-communication-jurgen-habermas-cambridge-polity-press-1998-4500-viii454-pp-isbn-0745622194/80A57E62EEB5BD5D4D9C265F33E98D01
ومن ثم، هناك دراسات ماركسية ثرية غير مستغلة بشكل كافٍ لتطوير وجهات نظر نقدية حول النشاط الجنسي.
أخيرًا، لا يزال لدى الماركسيين ما يقولونه عن التحرر وسياسة النضال. الهيمنة، بغض النظر عن إساءة استخدام مفهومها، تظل إطارًا مفاهيميًا مثمرًا لفهم استراتيجيات الهيمنة واستراتيجيات المقاومة. الماركسيون لديهم بالفعل تحليل لأجندة السياسة الجنسية. سوف تستكشف التحليلات الماركسية التوترات بين المثليين والمثليات والجنسانيات الأخرى التي تميزت في النضالات حول تسمية و"ملكية" الكبرياء pride، والفصل بين المناطق الثقافية للمساحة للجنسيات المتنوعة التي تشجع على فصل الهويات. إن غياب الإستراتيجيات الفعالة للتضامن الجماعي، والتحيز والتمييز بين الجنسين، هي نقاط ضعف في الأجندات السياسية الجنسية. يمكن للماركسيين أن يوفروا الأساس لانتقادات الطريقة التي تعمل بها العديد من جماعات الحقوق الجنسية مع أجندات إصلاحية سياسية غير متكافئة وتمييزية في جوهرها، وقبولهم الإصلاح التدريجي الذي يدعمه التسامح وليس الحقوق. يمكن استقراء الانتقادات الماركسية لما بعد الحداثة وما بعد البنيوية بشكل مفيد في نظرية الكوير لفضح مجالاتها المحدودة المحملة بالطبقية لسياسة الانتهاك. تنظير النضال من أجل الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية للأشخاص من مختلف الجنسيات يتم تعزيزه من خلال استخدام المفهوم المادي لتاريخ السياسة الجنسية وسياسة التضامن الجماعي وفهم القوة المهيمنة للتعصب الجنسي.
ومع ذلك، فإن هذه القوة التشخيصية لا تصاحبها تحليلات تنبؤية مقنعة. إن اقتران امتيازات السياسة الجنسية بالنضالات الطبقية يخلق توازنا غير مريح في الأولويات. يتطلب تفضيل مفاهيم الطبقة على مفاهيم الهوية مستوى أعلى من التنظير لشرح كيف تصبح العلاقة الخطابية بين الاثنين أكثر من حتمية طبقية. يحاول ما بعد الماركسيين تقديم طريقة للتغلب على مشكلة الحتمية الطبقية من خلال رفضهم لها واستبدال الفئات الاجتماعية بفئات سياسية، مثل الديمقراْطية الراديكالية التي تحل محل الطبقة أو الهوية كأساس للتحرر. والتي تقدم نموذجًا رسميًا للديمقراطية السياسية التي تعامل جميع الهويات والجماعات على قدم المساواة، دون الحاجة إلى شرح كيفية تقويم التحيز و الأمراض وخصائص الاختلاف . تفترض "لعبة اللغة" للديمقراطيين الراديكاليين الاستعداد لحل النزاع والتوفيق بين الاختلافات بدلاً من الالتزام بالصراع والغلبة . على سبيل المثال، يجادل إسكوفييه بضرورة أن تتحالف حركة السحاقيات والمثليين مع القوى الدينية التقدمية والمجتمعات الراديكالية الأخرى لبناء مشروع مقنع مضاد للهيمنة ضد اليمين المتطرف، دون استكشاف تأصل الجنسية الغيرية heterosexism والتحيز المتحفظ ولكن المتأصل حتى في الكنيسة المعتدلة.
Jeffrey Escoffier, Culture Wars and Identity Politics: The Religious Right and the Cultural Politics of Homosexuality’, in David Trend (ed.), Radical Democracy: Identity, Citizenship and the State London 1996, 165–178.
https://www.routledge.com/Radical-Democracy-Identity-Citizenship-and-the-State/Trend/p/book/9780415912471
يبدو أن أهمية الحفاظ على التساهل الليبرالي في السياسة تتطلب بناء إجماع من شأنه أن يتسامح مع المثليين والمثليات، بدلاً من تحدي التحيز المتأصل والمشاركة في تغيير الكنيسة أو تحطيمها. يتجاهل خطاب التساهل مشكلة التحيز طالما أنها لا تتعارض مع الحقوق والعمليات الديمقراطية الرسمية (وافضل مثال هو معاملة اليسار السلطوي في العراق للحريات والتوجهات الجنسية باعتبارها قضية ثانوية او حتى كمالية في اجنداتها السياسية. ط.ا.)، وهو نهج ليبرالي إلى حد ما يترك الجنسيات المتنوعة على الهامش وخاضعة لأمراض اجتماعية وثقافية خارج الساحة الديمقراطية الرسمية.
تقدم الماركسية إمكانية مساهمة كبيرة في السياسات الراديكالية للتنوع الجنسي التي تنتقد كل من الطبيعة القمعية للمجتمع المغاير والمثلي الجنس ومشاكل التأثير على الحرية الجنسية والمساواة والحقوق والتنوع والعدالة. ولكن من أجل القيام بذلك، قد يتعين على التحليلات الماركسية أن تصبح "جنسية" - وأن تكون حساسة لما تصوره منظرو ومحللو الجنسانية حول الهوية الجنسية والعلاقات والسلوك الذي يتعارض مع الروايات الماركسية للحياة الاجتماعية. في الوقت الحاضر، سيكون من الحماقة الحديث عن تحليل ماركسي مقنع للجنس في المجتمع المعاصر، ولكن من الحماقة أيضًا أن نتمرن على نبذ الماركسية الذي يتم الاستشهاد به كثيرًا بشكل درئ في كتابات المشاركين في دراسة الجنسانية. هذا لا يعني، مع ذلك، أن بعض البصيرة المهمة ليست ممكنة ومرغوبة, بل ومن المحتمل أن تكون بناءة بشكل متبادل لكل من دارسي النشاط الجنسي ودارسي الماركسية على حد سواء.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
