أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - تحنيط محفوظ أم استكشافه؟














المزيد.....

تحنيط محفوظ أم استكشافه؟


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


في حدود ما أعلم شخصياً، وفوق كلّ ذي علم عليم، رحل أحد كبار نقّاد الرواية في القرن العشرين ـ إدوارد سعيد (1935 ـ 2003) ـ دون أن يقرأ واحداً من من أهمّ أعمال أحد كبار روائيي القرن العشرين ـ نجيب محفوظ (1911 ـ 2006). أقصد "ملحمة الحرافيش" التي صدرت طبعتها الأولى سنة 1977، وأحسبها تحفة الراحل في أطوار ما بعد "الثلاثية"، 1956 ـ 1957 و"أولاد حارتنا"، 1959؛ وما قبل "رحلة ابن فطومة"، 1983، و"حديث الصباح والمساء"، 1987؛ بوصفها في نظري معالم أسلوبية بارزة في فنّه الروائي الخصب والمتباين والتعدّدي.
ولقد راودني هذا الخاطر لأسباب ثلاثة:
ـ أنّ سوء حظنا، نحن أبناء الأدب العربي عموماً، شاء أن لا يتمكّن ناقد فذّ وفريد مثل سعيد، من قراءة عمل استثنائي كان، في ظنّي الشخصي، سيبدّل جذرياً يقينه التحليلي العامّ في فنّ محفوظ، الأمر الذي سأتوقف عنده في فقرات لاحقة.
ـ وأنّ معظم ما كُتب في الغرب من رثاء لنجيب محفوظ ظلّ على السطح، وهذا أمر منتظَر، ولم يتوغّل على أي نحو معمّق في الخصائص الفنّية الرفيعة لرواية محفوظ، من جانب أوّل؛ وظلّ حبيس الكليشيهات اليسيرة، الاستشراقية والمبتسرة والضحلة غالباً، حول هذا الرمز الديني أو ذاك المغزى السياسي في تأويل أعماله. وكانت مادّة إضافية من سعيد عن محفوظ، أوسع وأعمق وأكثر شمولاً، ستساعد كثيراً في تصويب صورة الغرب عن الروائي الكبير، والأرجح انها كانت سترسي سقفاً تحليلياً رصيناً يسمح بتمييز ما هو غثّ وما هو لامع في تثمين فنّ محفوظ.
ـ وأمّا السبب الثالث فهو، ببساطة، أنّ يوم 25 من هذا الشهر الجاري، أيلول (سبتمبر)، يصادف الذكرى الثالثة لرحيل سعيد، وليس في وسع المرء دائماً أن يدفع اقتران رحيل عَلم كبير، بذكرى رحيل عَلم كبير آخر.
أعود إذاً، وبأقصى الإيجاز، إلى خلاصة موقف سعيد من محفوظ: لقد رأى فيه غوستاف فلوبير العرب (وليس أونوريه دو بلزاك المدينة العربية، كما ذهب ويذهب الكثير من النقّاد في الغرب)، بسبب هذا الميدان الطبيعي الشاسع الواسع الفسيح لعوالمه الروائية، حيث المدينة ليست محض مشهد مدني عمراني فحسب، بل هي مراراً مجاز كوني، يحدث كذلك أنه واقعي طبيعيّ ومادّي للغاية في معظم طبقاته. لكنّ سعيد، في مقالته "ما بعد محفوظ"، 1988، وهي للأسف ـ وفي حدود ما أعلم، هنا أيضاً ـ المادّة اليتيمة المكرّسة جزئياً لمحفوظ، وضع الروائي الراحل في مصافّ كبار روائيي الغرب، من أمثال فكتور هيغو، إميل زولا، شارلز دكنز، جون غالزورذي، توماس مان، وجول رومان.
وهذه مقارنات أقامها سعيد على خلفيتين: الأولى لغوية ـ سوسيولوجية تخصّ المكانة الروحية الخاصة للغة العربية (بوصفها لغة القرآن الكريم) ولغة مقاومة إزاء الاستعمار والإمبريالية (كما في مثال الجزائر والمغرب العربي عموماً)؛ والثانية أدبية، ذات صلة بحقيقة أنّ الرواية شكل حديث العهد في الأدب العربي، وبالتالي فإنّ أعمال محفوظ قامت بما يشبه حرق المراحل في تطوير هذا النوع الكتابي. ومصر، في رأي سعيد، كانت الفيصل الحاسم في ترسيخ هذه السيرورة الثانية، لأنّ تاريخها كان تعددياً على نحو لا نظير له (إنها، حسب ترتيب سعيد: فرعونية، عربية، مسلمة، هللينية، أوروبية، مسيحية، يهودية، الخ...)، ولأنّ المجتمع المنيّ فيها لم يُسحق تماماً أو يضمحلّ، رغم كلّ ما عرفته من حروب وثورات واضطرابات اجتماعية وسياسية ودينية عارمة.
الجانب الثاني، النظير تماماً، في تثمين سعيد لفنّ محفوظ الروائي كان هذا السؤال المشروع الأقرب إلى خلاصة منطقية، أو حتى حسابية: ولكن... ماذا بعد نجيب محفوظ؟ صحيح أنّ الرواية العربية قدّمت نماذج عديدة مضيئة (في هذا الصدد توقف سعيد، على نحو خاصّ، عند أعمال جمال الغيطاني والياس خوري)، ولكن هل تلقي هذه الأعمال تحية الوداع، المحتومة ولكن الطافحة بكلّ الاحترام وعميق التقدير، على أعمال نجيب محفوظ؟ إجابة سعيد كانت تقول: نعم، وإجابة محفوظ كانت تكتنز: لا... لا، كبيرة مدوّية مذهلة، عكستها عشرات الأعمال التي أصدرها الراحل قبل مقالة سعيد، وبعدها بسنوات عديدة أيضاً.
وأذكر أنني أبديت هذا الرأي في مجلس خاص مع سعيد، أواخر التسعينيات، واستندت إلى "ملحمة الحرافيش" بالذات في تبيان موقفي من أنّ محفوظ لا يسير كتفاً إلى كتف مع تلامذته وأبنائه الروائيين العرب فحسب، بل هو في يقيني سبقهم أحياناً، ولعلّه سوف يسبقهم في كلّ حين من مسيرته الأدبية. ولست أدري إذا كان سعيد قد سمع الرأي ذاته من الغيطاني وخوري، إذْ أحسب أنهما يشاطراني قناعة مماثلة، ولكني تذكّرت معه موقفاً لامعاً مبكراً من هذه المسألة ذاتها، صدر عن الناقد المصري رجاء النقاش في الستينيات، حين رحّب برواية الطيّب صالح "موسم الهجرة إلي الشمال"، واعتبر أنّ نجاحها يدلّ على أنّ محفوظ لم يعد عقبة في وجه تطوّر الأسماء الشابة في الرواية العربية المعاصرة.
هل يصحّ القول، استطراداً، أنه يجب أن لا يتحوّل إلى عقبة بعد وفاته، بمعنى تحنيط روايته على هيئة مومياء، بدل النبش فيها بوصفها موقعاً أركيولوجياً هائلاً من الكنوز غير المستكشَفة؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحياء القناة السورية: ليس لدى الجمعية الخيرية مَن يكاتبها
- الراقد عند نبع الدموع
- الأسد وغياب المقاومة في الجولان: العتبى على الشعب
- جوهرانية ال ميركافا
- بوش و-الإسلامي الفاشي-: غلواء ثقافية ضاربة الجذور
- كنعان الثانية
- فائض القيمة في أرباح النظام السوري من تدمير لبنان
- تأثيم الضحية
- المجتمع الدولي: مسمّى زائف واصطفاف أعمى خلف أمريكا
- دماء لمآقي القتلة
- الشرق الأوسط الجديد: كيف يطرأ جديد على المفهوم القديم؟
- القصيدة والضاحية
- حروب إسرائيل في واشنطن وطهران: مزيد من هستيريا الاستيهام
- فيصل حرية التعبير
- السياسة خلف -الوعد الصادق-: مخاطر تبسيط الحقّ الواضح
- علم بنات الإسلام
- هل تبحث إسرائيل عن حسن نصر الله... فلسطيني؟
- ما بعد أرض الميعاد
- واشنطن والبربرية المعاصرة: مباركة في فلسطين، وتواطؤ في سورية
- أيقونة الوجدان الجمعي


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - تحنيط محفوظ أم استكشافه؟