أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - كنعان الثانية














المزيد.....

كنعان الثانية


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


في تحفته الأشهر "موبي ديك"، يذكّرنا الروائي الأمريكي هرمان ملفيل بفلسفة عتيقة تضرب بجذورها في الركائز العقائدية التي قام عليها أحد أبرز المعاني الرمزية لنشوء الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها "صهيون الجديدة" أو "كنعان الثانية". وهو يقول، على لسان آخاب: "نحن الأمريكيين إسرائيل زماننا، ونحن حَمَلة تابوت العهد الذي وهبنا إياه الله، ميراثاً للمستقبل وسلطاناً واسعاً على وثنية السياسة. نحن الروّاد والطليعة، ننطلق في عراء الله، نشقّ درباً جديداً إلى العالم الجديد الذي هو ملكوتنا"...
تلك كانت صيغة ميتافيزيقية ـ أدبية، لا تخلو مع ذلك من روح تبشيرية إمبريالية، تكمل النظرية الشعبية الأعمّ التي سادت منذ القرن الثامن عشر في مختلف المنظمات المسيحية ـ الأصولية الأمريكية، والبروتستانتية الإنجيلية بصفة خاصة، والتي تقول بعودة يسوع إلى عالمنا هذا لتخليصه من الشرور، حين تكتمل جملة شروط: قيام دولة إسرائيل؛ نجاح إسرائيل في احتلال كامل أرض التوراة، أي معظم المشرق؛ إعادة بناء الهيكل الثالث في موقع، وعلى أنقاض، قبّة الصخرة والمسجد الأقصى؛ وأخيراً، إصطفاف الكفرة أجمعين ضدّ إسرائيل، في موقعة ختامية سوف يشهدها وادي أرماغيدون، حيث سيكون أمام اليهود واحد من خيارين: إمّا الاحتراق والفناء، أو الاهتداء إلى المسيحية، الأمر الذي سيمهّد لعودة المسيح المخلّص!
وفي أزمنتنا هذه لا تتوقف الأصولية المسيحية عند التبشير التوراتي الأقرب إلى الهستيريا، بل تتعداه إلى تشكيل الميليشيات الدينية والسياسية المسلحة، التي تضم اليوم أكثر من خمسة ملايين منتسب. وهي كذلك تنتظم في سلسلة تحالفات عريضة، وتلتقي مثلاً حول مناهضة الصيغة الفيديرالية للحكم في الولايات المتحدة، وتدعو إلى (بل استخدمت وتستخدم) العنف كوسيلة كفاحية ضدّ ضد الطغيان الفيديرالي. أسماؤها تدلّ عليها: "التحالف المسيحي"، "الأمم الآرية"، "الوطنيون المسيحيون"، "الهوية المسيحية"، "رابطة البندقية الوطنية"... وأما خطوطها الإيديولوجية فيمكن أن تبدأ من افتراض وجود مؤامرة دولية عليا لتقويض الحلم الأمريكي، ولا بدّ أن تمرّ بالتنظير التبشيري للقيامة الثانية ومجيء المخلّص، ومعظمها ينتهي إلى التغنيّ بالمسيحيّ الأبيض بوصفه المسيحيّ الوحيد.
وشخصياً، توقفت في مناسبات سابقة عند المنظمة الأبرز والشخصية الأخطر في هذه المجموعات، أي "التحالف المسيحي" الذي يقوده الواعظ ماريون غوردون (بات) روبرتسون، مرشح الحزب الجمهوري للإنتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 1988. والمنظمة تضمّ ما يزيد على المليون من الأعضاء المنتسبين، وتقدّر لائحة البريد الذي توزعه بنحو 1.8 مليون عنوان، كما تدير إمبراطورية هائلة متخصصة بالتبشير الديني المتلفز، بينها الشبكة المعروفة CBN، و "قناة الأسرة"، والعديد من الإذاعات، وجامعة معلنة واحدة على الأقل هي جامعة ريجنت. فوق هذا، يلتفّ حول المنظمة عدد كبير من الساسة، من عيار نائب الرئيس ديك شيني والسناتور (اليهودي) النافذ أرلين سبكتر، فضلاً عن كبار ممثلي المحافظين الجدد من امثال إرفنغ كريستول. وفي المستوى العملي، يسيطر "التحالف المسيحي" على ممثلي الحزب الجمهوري في أكثر من اثنتي عشرة ولاية، بما في ذلك تكساس وفلوريدا.
وآخر مناسبة أتاحت لي الحديث عن روبرتسون كانت في مثل هذه الأيام السنة الماضية، حين دعا علناً إلى اغتيال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الأمر الذي أخجل حياء صحيفة الـ "واشنطن بوست" الأمريكية ذاتها، فاضطرّت إلى التنصّل من "الحماقات" التي يرتكبها بين الحين والآخر. وأمّا مناسبة اليوم فهي أنّ بين يديّ روبرتسون ذريعة جديدة للمطالبة مجدداً باغتيال شافيز، ألا وهي موقفه من العدوان الإسرائيلي البربري على لبنان، وهو للحقّ موقف فريد ونسيج وحده على مستوى زعماء الكون. وما يضع الذريعة في سياق عملي هو حقيقة أنّ روبرتسون موجود في إسرائيل هذه الأيام، وجاء خصيصاً ليصلّي مع رئيس وزراء الدولة العبرية إيهود أولمرت، في مكتب الأخير، من أجل انتصار إسرائيل.
وللتدليل على طبيعة تلك "الصلاة"، هنا فقرة ممّا فاض من مشاعره الروحية: "أنا هنا لكي أقول إنني أحبّ إسرائيل. أنا هنا لكي أقول إنّ المسيحيين الإنجيليين في أمريكا يقفون مع إسرائيل في كفاحها. ومن أجلنا جميعاً، لا ينبغي لإسرائيل أن تخسر هذا الكفاح. أعتقد أنّ شعب إسرائيل يعرف أصدقاءه، ويعرف أنّ أصدقاء إسرائيل هم المسيحيون الإنجيليون". اللافت، لاستكمال السياقات التي تصنع الإنحطاط الأخلاقي لهذا المبشّر الأفاق، أنه أقام الصلاة مع أولمرت، ثمّ أدلى بهذه الأقوال، مباشرة بعد تصويت الحكومة الإسرائيلية على توسيع الحرب البرّية!
وأيضاً: بثّ روبرتسون، على الهواء مباشرة ومن بلدة المطلة، حلقة جديدة من برنامجه الشهير The 700 Club، حيث شاءت دراما تلفزة الواقع أن يسقط صاروخ كاتيوشا على مبعدة قليلة من مسرح البثّ. ولكي يكون التناغم تاماً مع سيّد البيت الأبيض جورج بوش، قال زعيم "التحالف المسيحي" إنّ كفاح إسرائيل الراهن ضدّ "حزب الله" هو جزء لا يتجزأ من كفاح أعرض ضدّ "الإسلامو ـ فاشية" حسب تعبيره. وأخيراً، لكي يزاود حتى على أعتى صقور الدولة العبرية، اعتبر روبرتسون أنّ مرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون هو عقاب إلهي، بسبب قرار الأخير الإنسحاب من غزّة!
أيّ فارق، حقاً، بين آخاب "موبي ديك" سنة 1894، وروبرتسون "التحالف المسيحي" سنة 2006؟




#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فائض القيمة في أرباح النظام السوري من تدمير لبنان
- تأثيم الضحية
- المجتمع الدولي: مسمّى زائف واصطفاف أعمى خلف أمريكا
- دماء لمآقي القتلة
- الشرق الأوسط الجديد: كيف يطرأ جديد على المفهوم القديم؟
- القصيدة والضاحية
- حروب إسرائيل في واشنطن وطهران: مزيد من هستيريا الاستيهام
- فيصل حرية التعبير
- السياسة خلف -الوعد الصادق-: مخاطر تبسيط الحقّ الواضح
- علم بنات الإسلام
- هل تبحث إسرائيل عن حسن نصر الله... فلسطيني؟
- ما بعد أرض الميعاد
- واشنطن والبربرية المعاصرة: مباركة في فلسطين، وتواطؤ في سورية
- أيقونة الوجدان الجمعي
- أحدث أطوار الاستبداد السوري: قطع الأرزاق بعد كمّ الأفواه
- بديل الكراهية
- صومال ستان، أو كيف تعيد واشنطن إنتاج الطالبان
- كاواباتا ضدّ ماركيز
- المعرفة السورية والنطاسيّ الغربي: ضحالة على ضحالة
- في ذكرى إميل حبيبي


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - كنعان الثانية