أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح دغسن - السخرية: سلاح مقاوم: كاريكاتير ناجي العلي نموذجا















المزيد.....



السخرية: سلاح مقاوم: كاريكاتير ناجي العلي نموذجا


صالح دغسن
باحث في فلسفة الفن وجماليات الحداثة


الحوار المتمدن-العدد: 7160 - 2022 / 2 / 12 - 14:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


السخرية: سلاح مقاوم

كاريكاتير ناجي العلي نموذجا



" إن السخرية معدية وتعري وتفضح. وتزيل القدسية وقناع الهيبة وتسقط ورقة التوت التي تخفي عري أنظمة الاستبداد. إن السخرية تعطي المتلقي سلاحا خطيرا وتريه أن السياسيين ليسوا فزاعات. إنها نوع من المقاومة وسلاح الانتصار على الخوف. لا سلاح الخوف من الانتصار."

"مثلما تبتدئ الفلسفة بالشّك، كذلك تبتدئ الحياة الكريمة، تلك التي نصفها بالإنسانيّة بالسّخرية

أ. مفهوم السّخرية:

تعود جذور هذه الكلمة السخرية إلى بدايات الفكر الفلسفي، حيث ارتبطت أساسا بالتوليد السقراطي 470 ق م وعرفت بعدّة تعريفات من قبيل السخرية السقراطية، المنهج السقراطي، السخرية الحوارية.. الخ والكلمة اليونانية Eironeia التي اشتقّت منها الكلمة الفرنسية Ironie ولقد ظهرت هذه الكلمة كوصف لأسلوب كلام احدى الشخصيات بالملهاة اليونانيّة القديمة المسمّى ب ‘ إيرون والايرون شخصية تتميّز بالضّعف والقصر لكنّها تستعيض عنهما بالخبث والدّهاء. وتؤكد الأسطورة اليونانيّة أن هذه الشخصيّة دائما ما تتغلّب على شخصيّة الألازون الفخور الأحمق بواسطة الخداع وإخفاء ما تمتاز به من مقدرة وذكاء. واستعملت هذه التسمية كذلك في كلام الممثلين على الركح اليوناني وكان الساخر ممثّلا مخادعا يجيد مواراة تهكّمه. وعرفت أكثر في المنهج السقراطي الذّي يقوم على التّهكم والتوليد. وهو ما يعطيها بعدا إيجابيا في الفكر القديم ويستند التهكّم إلى إيقاع المتحدّث في التّناقض. فسقراط يتصنّع عدم المعرفة والجهل بالشّيء ليبدأ في طرح الأسئلة على المتحدّث حتّى يثير الشك في أقواله ثم يستدرجه إلى آراء يستمدّها من تلك الأسئلة التي تفضح سفسطة المتحدّث وتناقض آرائه ليقر هذا

السفسطائي في آخر المطاف بجهله. فتكون بذلك هذه العمليّة نوعا من الحوار السّاخر الذي يحمل في طياته خدعة تضمر غير ما تظهر ويعدّ هذا الفعل أداة عقليّة ناجعة لتنقيّة الجو الفكري عند اليونان وهي خطوة لابدّ منها لتطهير النفوس وكشف الحجج الخاطئة. ولقد مارس سقراط في مُثُله التّهكم كمنهج لتوليد الحقائق النائمة في ذوات محاوريه وهنا يكمن وجه التّشابه بين سقراط و ناجي العلي حيث يستفزّ هذا الأخير بكاريكاتيراته الساخرة والمتهكمة المتلقّين في سبيل كشف المستور واستنهاض هِمَمِهم لتحمل هذه العملية في طياتها بعدا تصحيحيّا لواقع مشوّه ومُعتّم الذي يستبطن من الشّر الذّي حاربه قبله سقراط بأسلوبه الحواري الساخر والمتهكّم من أجل تطهير محاوريه من الشر الرازحين تحت وطأته. لكنّ هذا المفهوم يبقى يستحْوذ نوعا من الاستشكال والاستفهام لأنه يحتكّ ويتاخم بعض المفاهيم الأخرى مثل الهزل، الإضحاك أو الضّحك، الفكاهة، الهجاء، المفارقة وغيرها لتبدو دلالتها لا تتحدّد بمعزل عن تلك المصطلحات ليصبح البحث في هذا المفهوم متعدّد المضارب ومتشعّب المسالك من قبيل ما الحدود بين السخرية والفكاهة؟ السّخرية والضحك؟ السخرية والهجاء؟ السخرية والمفارقة؟ ليكون للسخرية

أشكال تحفّها مثل: التهكّم، الهزء، المزاح، الفكاهة، الدعابة، الهزل والهجاء. ونظرا لهذه المتاخمة والقرب نبحث في هذه التّسمية في بعض المعاجم العربيّة؟ أ- يقول ابن فارس في مقاييس اللّغة بأن: السّين والخاء والرّاء أصل مطّرد مستقيم يدلّ على احتقار واستدلال، هكذا يكون لفظ سَخِر لدى ابن فارس مشحونا بكلّ معاني الاستهزاء والاحتقار، هدفه إلحاق الذّل والاهانة بالمسخور منه أمّا في المعجم الوسيط فَفُسّر هذا اللّفظ على النّحو التالي سَخِرَ مِنْه وبِه. سَخْرًا وسُخرا وسِخرية، هزئ به (...) السُّخْرة من يَسْخر من النّاس، المَسخرة ما يجلبُ السُّخرية: ج مَساخرٌ، السُّخرية: الهُزء، فيكون المفهوم العامّ لكلمة سُخريةٌ هنا أيضا الاستهزاء. ج. لسان العرب يعطي أيضا لهذا اللّفظ معنى واحدًا: سَخر منه وبِه سَخْرًا وسَخَرَا ومَسْخَرا وسُخْراء وسُخرة وسِخْريًّا وسُخْرِيًا: هزئ به. ان كلّ ما سبق من تعريفات لهذا الملفوظ أو التّسمية السخرية لا تبلغ حدودها بقدر ما تجعلها متحافّة ومتداخلة مع مفاهيم أخرى لتكوّن بهذه العلاقة الترابطيّة والتشابكية شبكة مفهوميّة، عنكبوتيّة يصعب ويعسر التخلّص منها. وربّما لهذه الأسباب مثّلت السخرية سلاحا ناجعا يعتدّ به في كلّ التّجارب الفلسفيّة والأدبيّة والفنيّة في مقارعة الخصوم وفضحهم وترذيلهم عند المتلقّي. بناءا على ذلك كان هذا الأسلوب محبّبا ومقرّبا إلى ناجي العلي في تجربته الفنيّة وهو ما يدفعنا إلى قراءة ومساءلة هذا الطّابع الساخر والوجه التّهكمي في هذه الاحتفاليّة المقاومة؟



ب. السخرية والتهكم في كاريكاتير العلي

"لا يدافع عن الفاسد إلا فاسد ولا يدافع عن الساقط إلا ساقط ولا يدافع عن الحرية إلا الأحرار ولا يدافع عن الثورة إلا الأبطال وكل شخص فينا يعلم عن ماذا يدافع "

ما تجتمع عليه التجربة الفنية عند العلي مع الفكر السقراطي يتمثل في كونهما برعا في استخدام هذا الأسلوب من أجل مقاومة الشر رغم اختلاف الحقب والأسباب إلا أنهما عمدا إلى استعمال السخرية كسلاح للاستهزاء من خصومهم وفضحهم أولا. ومن اجل تصحيح المسار وإجلاء الحقائق الكامنة والمخفية للمتلقي ثانيا. فالمسافة الساخرة هي تلك التي تفصل فردا نقيا عن عالم موصوم بالفساد. لا شيء ينفع معه سوى السخرية. لكن هذه السخرية باختيارها لموقعها التطهيري لهذا العالم تفرض على نفسها التموقع في ركن محصن بالقيم والمبادئ. وإذا وضعنا تجربة العلي الفنية الساخرة في هذا السياق يصبح لزاما علينا معرفة من أين عثر العلي على هذا الركن الحصين الذي آوى إليه. وانطلق منه في مواجهة خصومه؟ لقد ولد العلي في عالم يحث الخطى نحو خواء العدم بالمسوخ التي زرعت فيه و التي حولت الإنسانية إلى كائنات مستنفذة كسلعة انقضى أجلها .لكن هذه السلعة البشرية كانت تنتظر من يضخ في عروقها دما و في قصباتها الهوائية أكسيجينا يساعدها على التنفس وسط رائحة البارود التي تملأ المكان في هذا الجو الذي تفوح منه رائحة الموت .وجد العلي نفسه ملزما بتعشق الحياة و الاستعانة في الدفاع عنها بكل وسائله الممكنة عله بذلك يعيد لهذه الحياة بريقها و توهجها من جديد لتكون تجربته الفنية انبعاث و ولادة من رحم العاصفة و لهذا وجد في هويته المحفورة في تلك الأرض و قوة انتمائه لها سكنا له بالإضافة إلى حسن استنطاقه لموروثه الثقافي : الاجتماعي و الديني دون أن نغفل الروح الثائرة التي تستحوذ عليه و شخصيته الكاريزماتية المتمردة .كل هذه العوامل جسدت التربية الخصبة و القاعدة الصلبة في مقارعة خصومه بالسخرية التي استعاد بها المبادرة في الهجوم عليهم و قلب الطاولة تحت أقدامهم. لقد حملت السخرية عند العلي عدة وظائف تبتدئ من الدفاع لتنتقل إلى الهجوم. وهذه الثنائية خلقت فيها طابعا تداوليا أحكم اتصالها الوثيق بسياقه الثقافي الذي جاء منه لكنه اختار لها التوجه الى فئة دون أخرى وإلى مجتمع بعينه دون آخر. وبذلك ستعبر ضرورة على مواقف وتصورات بعينها مما يضفي عليها بعدا أيقونيا وهذا البعد يحمل القارئ مسؤولية بناء دلالة لهذه الرسوم ومن هنا يقحم العلي القارئ ليجد نفسه متورطا في فعل القراءة لأن هذه المشهدية تخصه والقضايا والأفكار الواردة فيها تعنيه وان لم يكن بدافع قيمي ومعرفي فبواحدية الانتماء إلى بيئة جغراثقافية. وبهذا نتساءل عن بنائية المشهدية الكاريكاتيرية للعلي؟ لقد اعتمد العلي في بنائه لهذه المشهدية الساخرة على نسقين يكمل كل منها الآخر وهما النسق البصري والنسق اللغوي. ويتجلى النسق البصري في خطابه الأيقوني كمكون للصورة التي تعتمد أيضا على الخطوط والأشكال وتقتصر في عالم الألوان على الأبيض والأسود. أما النسق اللغوي فيحتمل الجمل و الكلمات و الأرقام المختزلة التي تعاضد الصورة و تتصف هذه التعليقات أو التعريفات

بالمفارقة و الاختزال و هي إحدى المفاهيم التي تستوعبها السخرية بالإضافة إلى الخطاب الضاحك و إن كان هذا الضحك يحمل في مضمونه بكاء و تأتي هذه التعاليق اللغوية في أشكال متعددة فتعتمد أحيانا على التقرير و البيان أو الإيحاء و التضمين الذي يستشفه من العملية الحوارية التي تكون أحيانا حاضرة في المشهدية الجمالية التي تؤرخ لأمكنة و حقب زمانية ارتبطت بأحداث و وقائع معينة و هذا التعاضد و التضافر ما بين حضور الصورة و اللغة يعطي للمشهد الكاريكاتيري اكتماله في نسقية يكمل فيها الواحد منها الآخر فبعلاقة مجاورة بصريّة متفقة سلفا مع بعدها المضموني من أجل الحصول عَلَى فكرة مكتملة يتحدّد من خلالها الهدف الأساسي لهذه المشهدية الكاريكاتيريّة أو تلك. أما عن مصدر هذه الاحتفاليّة الفنيّة فالعلي لا يبتعد عن واقعه الثقافي والسّياسي والاجتماعي حيث مثّلت هذه الحقول المنطلق في إبداعه لأعماله الكاريكاتيريّة في سبيل الكشف عنها أو التشهير بها في قالب نقدي بالأساس همّه الأوّل الفضح والكشف بأسلوب مباشر لواقع ما لإجلاء صورته وإيضاح دلالته إلى عموم النّاس من شعبه الفقير الذّي صرّح العديد من المرّات بأنّه يوجّه أعماله له فقط دونا عن المكوّنات الاجتماعية الأخرى «أنا لست حياديّا ،أنا مع الـ "تحت" ،مع أولئك الفقراء البسطاء الذين يَكونون دائما عند خطّ الواجب الأوّل، أولئك الذين يسكنون تحت سقف الفقر الواطي ولكنّهم يقفون عند خطّ المعركة العالي".إن قوّة المخيّلة والنزعة التعبيريّة الهائلة عند العلي جعلته يجمع الموروث في مخاطبة الواقع ليقدّم مشهدا جماليّا في قالب هندسي تجريدي فريد ينقل الأحداث والوقائع للمتلقي بأسلوب منطقي نقدي مستعينا في ذلك بعناصر وأدوات رمزيّة استجلبها من الثقافة والتّاريخ مع قوّة على الاختراع. هذه الرؤية التجميعيّة للعناصر الجماليّة مكنته من إبداع مشهد جمالي يبلغ الطابع الفنتازي أحيانا. لكنّ هذه الفنتازيا الجماليّة لم تلغي الجانب البلاغي الذّي أعاره العلي في أسلوبه الجمالي الساخر اهتماما. فكيف ذلك؟ إذا كان الطابع السّاخر بمثابة السارية في بناء المشهد الجمالي إلا أنه لم يتخلّى عن قيمة المضمون بما تستوعبه أعماله الفنيّة من دروس وعبر تخاطب الجانب المعرفي والتربوي للمتلقّي لينحو الرّسم الكاريكاتيري منحى تعليمي في بعض الأحيان. وهذا الجانب التّعليمي والتّثقيفي يزخر بخصائص بلاغيّة عديدة من ترميز وذم وهجاء إلى استبطان للمعاني وبرهنة بالخلف، عندما تتخلى السّخرية في بعض الأحيان عن النّص لصالح الجملة أو الشذرة لأن هاتين الخصيصتين لا تدّعيان ملاقاة العالم بقدر ما تظهران لا واقعيته وإضماره السّيء وتحيّله. وكذلك يستعين أو يقحم الجِناس والزجل لترجمة تمثّلات الرّفض والتمرّد التي بدورها لا تخلو من السّخرية التي يقدّمها العلي في إطار فنّي راقي للضّحك الواعي الذّي اصطلح على تسميته بـ "الفنّ المؤلم أو المتألم" لأنّ السّخرية أسلوب في البلاغة وفنّ يخاطب كافّة سياقات المجتمع وأوضاعه بالكاريكاتير الساخر أو "الرّسم والجرافيتي" الذّي يتحدّد كأهم أشكال الاحتجاج بالفنّ الذّي تعاينه ريشة مبدع وعين ناقد لتناقضات القيم ومفارقات الواقع لتكون السّخرية عند العلي نزعة بلاغيّة أو "ملحميّة" احتفاليّة تنتصر على "الايهاميّة الواقعيّة" عند "برخت" Brecht. لتخاطب المتلقّي بطرق مختلفة بدءا

من مخاطبة سيكولوجيتيه إلى سيسيولوجيّة دون أن يهمل الجانب الكرونولجي التاريخي أو أيديولوجيته السياسيّة بخطابة سيمائية لغويّة وفنيّة تهدف إلى الوصول والنّفاذ الاتصالي والإعلامي لفكرة السخرية أو موضوعها. ولهذا كان للسخرية عند العلي بلاغة هدفها توعيّة المتلقّي وجعله مدركا للوقائع والمتغيّرات من حوله حتّى يصبح قادرا على اتّخاذ موقف معين وحمل ناصيته بيده في الأفكار والقضايا التي يطرحها المشهد الجمالي. وذلك بفضل التّقنيات الأسلوبيّة والبلاغيّة"RPétonique"تجعل من السخرية مرآة واعية باعتبارها "مرحا كئيبا" وهادفا يتنفّس عبره الفكر لإعطاء أمل للإنسان بالوجود كما يحدّده وعيه هو لا غيره وهذا الأمر فعل تحرّري بامتياز لأنّه يتعلّم كيف يختَارُ لنفسه بعيدا عن إملاءات الآخرين.

لقد أبدع العلي إذن في إدراج تقنيّات ومهارات تقتضيها المسافة الساخرة من أجل اختراع احتفاليّة فنيّة محصّنة برموز بصريّة وتعليقات بلاغيّة تثبت إجادته لفنّ آخر يسمّى "ألعاب اللّغة" كما عرفها " فتجنشتاين Wittgenstein "هذه الألعاب اللّغوية التي تستبطن المعاني من أجل توعية المتلقّي واستفزازه من أجل أن يكون شريكا في فعل الوعي بواقعه ضمن ما يمكن تسميته "المفارقات التوعويّة". بهذا ندرك كيف اهتدى العلي في تجربته الجماليّة إلى اقحام أدوات وتقنيات بلاغيّة أدّت إلى توعية المتلقّي بالمفارقات التي تحفّ به وبواقعه. وبذلك نتساءل عن كيفيّة استخدام العلي لهذه التّقنيات والعناصر السّاخرة من أجل اختراع مشهد جمالي يهيئ لصناعة سلطة مضادّة؟ تمنح السّخرية قوّة مطلقة للّغة والتّي تقدّر بنظرها فيما يكفي لإقناع المتلقّين بخواء ما هو قائم ومؤسس. وهذا المطلب يتطلّب طقوس فنيّة تكفل النجاح في النفاذ والتّأثير في الفضاء العام عبر سلطة الإعلام والاتّصال وأوّل هذه التّقنيات هي الالتزام بفكرة معيّنة. وقضيّة بعينها في الرّسم الكاريكاتيري الواحد، وذلك لعدم تشتيت وعي وفكر المتلقّي لأنّ البساطة وعدم تشعّب الأفكار والوضوح في الرّسومات التّي تنطلق من التزام بقضيّة معيّنة يجعل الفكرة الأساسيّة تصل بسهولة إلى ذهن المتلقّي لتترسّخ في وعيه، وهي أوّل خطوة في اعتناق المتلقّي للأثر الفنّي. وهذا الاعتناق يولّد تشاركيّة عصماء في موضوع الأثر الفنّي ما بين الفنان والمتلقّي. ومن هذا المنطلق، يصبح الموضوع أو الفكرة المطروحة في العمل الفنّي قضيّة رأي عامّ تستحوذ على قناعة الجميع. هذه القناعة تتجذّر في وجدان المتلقّي لتصبح مسألة إيمانيّة. هذا الإيمان يشكّل قوّة توحيديّة من شأنها أن تنهض بالفكرة المتضمّنة في الرّسم. لكنّ هذا المسار يتطلّب شجاعة وجرأة من الفنّان وهو ما دأب عليه "ناجي العلي" في تجربته الفنيّة المقاومة في طرح مواضيعه مهما تحتمل هذه الأخيرة من مخاطر جمّة وصلت في هذه التّجربة المقاومة إلى أن تكون السبب الرّئيسي في دنوّ المقصلة من رأسه. وذلك لأنّ الوضع القائم له مناصريه والمدافعين عنه، وأوّل هؤلاء هي النّظم السياسيّة والدّينيّة والعسكريّة القائمة وكذلك مناطق النفوذ الاقتصادي والاجتماعي مهما تنوّعت أشكالها. لكنّ هذه المعوقات لم تكن ولو للحظة سببا في حرف المسار المقاوم للعلي حيث حمّل الكاريكاتير وظيفة تصحيحيّة نقديّة وصحيّة علاجيّة لها أبعادها السياسيّة التحرريّة والوحدويّة. وهو ما دفع العلي إلى رفع سقف السّخرية الكاريكاتيرية ليجعل منه فنًّا احترافيا وتحديثيّا يقطع مع السّخرية العمياء والضّحك الأبله الذّي ينبع من السخرية غير الهادفة التّي تنشر السّخافة والتفاهة والعبثيّة. ولقد اعتمد العلي في الترفع عن هذه الظواهر البلهاء بقوّة الفكرة التي أخرجته من طقوس التهريج إلى الالتزام بقضيته والإيمان بأبعادها الإنسانية والانتمائية لذلك كان العلي يلعب دور الحمام الزّاجل عبر توقيعه لرسائل سياسيّة واجتماعيّة بحسن اختياره لتقنيات السّخرية وأحكامه لبنية الرّسوم ووضعها في السّياق الخاصّ بها طلبا لأهداف بعينها. حين يرسم العلي لوحاته الكاريكاتيريّة هو في الآن نفسه يهندس لمقاربات سوسيولوجيّة ومقاربات وظيفيّة، حيث أنه في الأولى كان يخاطب برسومه ظواهر من قبيل التّنشئة السّياسيّة. فهو حين يرسم، فهو بصدد تنقيّة وعي المتلقّين من أجل تأهيلهم ثمّ تجنيدهم ليكونوا المعتنق والدّاعم لأفكاره ورؤاه الفنيّة المقاومة عبر آلية الهندسة الاجتماعية التي تحدث تغييرا في العقول وتنشر الوعي بين المتلقّين بالقضايا التي يعتنقها. أما من ناحية المقاربة الوظيفيّة، فقد استعمل السخرية والتّهكم كوظيفة تصحيحيّة ولعب بذلك دور المراقب الاجتماعي والسياسي بالنّقد الفنّي الذي يمتلك فيه العلي قدرة هائلة على التّعبير باستخدامه البارع لتقنيات السّخرية كأسلوب كاريكاتيري وهو ما أكسب تجربته الفنيّة المقاومة رهانات سلطويّة بوصفها سلطة مضادّة –contre pouvoir - وذلك بتبليغه المبدع عن انتمائه السّياسي وحسن تعبيره عن رفضه ومعارضته للواقع السّياسي والاجتماعي. وهذه الأهداف التّغييرية للمزاج السياسي والاجتماعي القائم لم تجعله يتجاوز القوانين الخاصّة التي رسمها لنفسه والتّي تراعي أخلاقياته والحدود المقبولة لعتبة القيم والمثل والضّمير الإنساني وهي عينها القضايا التّي وهب فنّه وحياته من أجلها ولأنّ فنّه لم يكن يوما من أجل الفن في ذاته كما يذهب إلى ذلك "نيتشه" فهو صاحب مقولة "لنا الفن حتى لا تقتلنا الحقيقة." ولهذا كانت سخرية العلي بعيدة كل البعد عن السخافة والتهريج وتترفّع عن الضّحك الأبله، بل كانت سخرية هادفة وملتزمة تمّاما بخطاب المقاوم ولهذا توجّه في رسوماته إلى سخرية من نوع خاصّ ارتبطت كل الارتباط بالهجاء والنّقد والمفارقة. لكنّها لم تفقد أبدا طابعها الساخر، بل كانت من نوع السخرية السوداء والضّحك المبكي. فكيف نقرأ هذه المفارقة وهذا التّوجه في ملحميّة العلي الكاريكاتيريّة؟

ج. السّخرية السوداء والضّحك المبكي

"أصبحت أوضاعنا أكثر اضحاكا من قدرتنا على التّعبير عنها، انّه ضحك كالبكاء".

إن الواقع المؤلم الذي كانت تمرّ به فلسطين ولازالت، والعجز العربي كانا المتسبّب الرّئيسي في النّزعة التّشاؤمية وحالة اليأس والحقد على هذه الأوضاع عند العلي، ولذلك كانت رسوماته ممتلئة بالسّواد الصامت، والسّخرية السّوداء الصامتة. وهذا التّمشي أبدعه العلي في خطه التّجسيدي الأكثر تعبيرا عن الانسجام والتّوافق بين الجزء والشّكل أي بين الخطّ في انسيابه ورقّته وليونته وسط الظلال السوداء في حركتها المتوتّرة ترجمانا لمنحاه الفنّي الناقد والمشحون بالهجاء ولم تزلّ قدمه عن القضيّة ولو قيد أنملة. وفي هذا نستذكر أحد أعماله التي رسم فيها عيادة وكتب فوقها " عيادة الجبهة الشّعبية للأمراض التنازليّة." وكتب أسفلها "اسأل مجرّب ولا تسأل حكيم" وهذا هجاء مباشر للأمين العامّ "للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين" آنذاك "جورج حبش" بعد صدور الرّسم اتصل هذا الأخير بالعلي معاتبا "هلكتنا يا ناجي" ليجيبه العلي "أنت اللّي عملت بحالك هيك" وأثناء الاجتياح الصّهيوني للبنان كان المبعوث الأمريكي للشّرق الأوسط آنذاك يتنقل بكثرة في المنطقة في شكل زيارات خاطفة. فكانت إجابة العلي على هذه الزّيارات المستهجنة كاريكاتيرا ساخرا بشدّة، حيث رسمه بشكل بشع جدا في إشارة للدّور الأمريكي الخبيث في المنطقة مما جعل "فيليب حبيب" في أحد المؤتمرات الصّحفية يتوجّه للصّحفيين قائلا " أقنعوا ناجي العلي أن يرسمني بشكل ألطف ... فأنا لست قبيحا لهذه الدّرجة! " فأجابه أحد الحضور "أسهل عليك إخراج إسرائيل من لبنان من إقناع ناجي بتغيير رأيه فيك" وهذه إشارة صريحة على صلابة مواقف العلي وقوة شخصيته الساخرة التي تمعن في الهزء وإذلال خصومها بإظهارهم بأشكال كاريكاتيرية غاية في القبح تثير الضحك لكنه ضحك أسود. وهدا النقد والهجاء الساخر لم يمايزفيه العلي بين العدو والصديق بل كانت بوصلته الوحيدة في هذه السخرية فلسطين وقضيتها العادلة وكل من يحيد عن هذه الطريق يصوّب عليه العلي سهامه الساخرة. وفي هذا السياق وبعد تشجيع "محمود درويش "لياسر عرفات على التفاوض مع الصهاينة ردّ عليه العلي برسم تحت عنوان "درويش خيبتنا الأخيرة"الذي نشر أياما قليلة قبل اغتياله 15-6-1987 وأرفق هذا الرسم بتعليق لحنظلة وهو يقرأ عنوان الجريدة "محمود درويش يدعو إلى لقاء للشعراء والأدباء الصهاينة الإسرائيليين والفلسطينيين. وداخل الرسم حوار طريف بين مجموعة من الرجال الطيبين هذا نصه" -الرجل الطيب الأول يقول "لا يحق للشاعر ما لا يحق لغيره" -الرجل الطيب الثاني يقول " محمود ثم بكلمة كبيرة درويش" - الرجل الطيب الثالث يقول "محمود خيبتنا الأخيرة" - الرجل الطيب الرابع يقول " بعد ما صار عضو لجنة تنفسية"يصور هذا الرسم هجوما ساخرا وحادّا كله صراحة ووضوحا في الموقف الفني من العلي لكل من تحدّثه نفسه بالسير في طريق المفاوضات العبثية التي رفضها وناوئها العلي بشدة ولهذا كانت ريشته

الساخرة كالنصل الحاد الذي يقتص من كل المتخاذلين والمساومين لأن فلسطين عنده لا تقبل القسمة علي اثنين فهي واحدة موحدة لا تقبل المساومة ولا أحد له الحق في التنازل والتفاوض باسم الشعب الفلسطيني مهما كانت قيمته المعنوية والفعلية السلطوية . وهو هنا يطرح مسألة أخرى لا تقل أهمية عن المسائل الأخرى وهي "العدالة الاجتماعية " التي يطبقها العلي بحرفية عالية ودون أي مواربة أو تميّيز حسب الموقع السّياسي والاجتماعي. فكلّ النّاس سواسية أمام فلسطين ولا اعتبار في هذه القضيّة للمناصب والتنفّذ. ويؤكد العلي على هذه المواقف الصّارمة بقوله" حاولوا أن يجعلوني "رسام القبيلة" مع هذا النّظام ضدّ ذاك... ولكن كيف أقبل و"حنظلة" معي دائما؟ إنه رقيب لا تتصوّر مدى قسوته، إنه يعلم ما بداخلي وهو يراقب هذا الدّاخل كحدّ السّكين. فإذا أردت أن أستريح لكزني وإذا فكّرت في الرّفاهية وحسابات البنوك، ذكرني بنفسي، بأصلي وبناسي وأهلي وشعبي"نتبيّن من هذا القول أن جبلته القوية (حنظلة) تفرض عليه الصّرامة في تطبيق نواميسه وضوابطه الأخلاقية والوطنيّة والقوميّة على نفسه قبل الآخرين، وهذا التصرف عين العدالة الاجتماعية التي يمارسها على ذاته قبل أن يطلبها من الآخرين. وهنا يفعّل "حنظلة" الأيقوني والرقابي عليه وعلى كل الأحداث والوقائع التي تقع في جغرافيته العربيّة. وهذا الدّور لحنظلة يتحقّق في معظم رسوماته التي يكتفي فيها بدور الرّقيب. لكن العلي وأيقونه حنظلة يتخلّى في بعض الرّسوم عن الدّور الرقابي إلى الدّور المطلبي وهو ما نفهمه من رسمته التي جسّد زنزانة وقد كتب عليها "الحريّة للمعتقلّين السّياسيين في سجون إسرائيل والعالم العربي." وهذا التعليق الذي وقعه في جملة مختصرة يدخل في خانة البلاغة اللّغوية ذات المنحى المطلبي، وقد اختزل بهذه الجملة القصيرة افتقاد المواطن العربي لأهم القيم الإنسانية بدءًا من الحريّة إلى حقوق الإنسان والدّيمقراطية وحريّة التّعبير. هذه المبادئ التي يفرد لها الكتاب والمفكّرون كتبا للحديث عن إحداها في حين يختزلها هو جميعا في رسمة واحدة. هذه الدقّة في بلوغ الهدف واختصار المسافة بينه وبين المتلقّي في تبليغ فكرته مارسها العلي كذلك على البعد البصري للمشهد الكاريكاتيري. فكيف وظّف العلي سخريته الصّامتة على المشهد البصري؟ يقتصر العلي في المشهديّة الكاريكاتيريّة على مستويين محدٍدين حيث يخصّص المستوى الأمامي لأيقونه حنظلة بمفرده الذي يلتزم كعادته بالمراقبة ووضعيّة اليدين المشدودتين إلى الخلف وهذه الرّؤية تنبئ بالكثير من الرقابة إلى عدم الاشتراك أو التورط في الأحداث إلى حالة الصّمت والعجز العربي... الخ أما المستوى الثّاني فيختزل عادّة الفكرة أو الموضوع إلى البعد الحركي التفاعلي في الرّسم الذي يشير إليه البعد الجرافيكي ليبيّن أن الصّمت في بعض المقامات أكثر بلاغة ونزاهة من الكلام. لكن هذا الجمود والصّمت لا يلغي الدّور المحوري والأيقوني لـ ‘ حنظلة حيث يستحوذ هذا الطّفل على ملكة النفاذ إلى العالم الباطني والحميمي المسكوت عنه للمواطن العربي لينجح في إنطاقه في معظم الأحيان. وفي رسوم آخرى يدفعه إلى توخّي أسلوب الإشارة بأعضائه الجَسدية (الشارب اللسان، اليد، القلب) عندما تصبح حريّة التّعبير والكلام عملة نادرة في عالمنا العربي التي تهوى فيه النّظم السياسيّة قمع الجموع، ليستعيض رمزها الرّجل الطّيب بالانزواء في التخمين والتّفكير الباطني إلى جانب ذلك تبرز المشهديّة البصريّة نوعا من التّضاد بين عالم الطّفل حنظلة وعالم العجوز الرّجل

الطيّب في المنحى الجرافيكي من فارق في السنّ إلى تباين حركي وكذلك تمايز بين طفل صامت وعجوز صَائتْ لأن معظم التعاليق تصدر عنه وعن بعض الشّخصيات الأخرى. كما يخبرنا هذا التّباين أيضا بأن فعل التّفكير عادّة سريّة متوارثة ومتبادلة في السّياقات العربيّة. لقد أقحم العلي أيضا في مشهديته البصريّة طريقة حبلى بالمعاني الساخرة والمتهكّمة ونقصد هنا طريقة التصادي بين الكلمة والحركة الإشارية. فهو (الرجل الطيب) يحرّك يده حسب إملاءات الفكرة التي يوحي بها الكلام، وحين ينبئ هذا الكلام بالتفكير والتخمين يستعيض العجوز بتلمّس شاربه، أو تدخين سيجارته. وإذا كان المقصود اللّسان يمسك بلسانه، وبالقلب يضع راحته على قلبه. وأما إذا تعلّق الأمر باليد يرفع قبضة يده. وبذلك يخلق العلي في مشهديته البصريّة نوع من التردّد بين الكلمة والإشارة. وهذه التردّدية من شأنها أن تولّد الضّحك عند المتلقّي للأثر الفنّي. فهذه المعاضدة الإشارية رغم بساطة الكلمات، هي تهكّم واستخفاف من حالة الوعي المتدنيّة عند المواطن العربي البسيط الذي يبقى دائما في حاجة إلى مرشد يدلّه حتى على الأشياء البسيطة والعاديّة. وهذه الصورة تنضح نقدا موجعا لحالة التبعيّة الذّي يشكّله العلي بطريقة متهكّمة وساخرة من حالة اللاّوعي والتّبعية التّي يعاني منها هذا المواطن.

بين عالم الطفل" حنظلة "و عالم العجوز " الرجل الطيب" في المنحى الجرافيكي أكثر من فارق، في السن إلى تباين بين طفل صامت و عجوز صَائت ،لان معظم التعاليق تعبر عنه و عن بعض الشخصيات الأخرى (كما يخبرنا هذا التباين بان فعل التفكير عادة سرية متواترة و متبادلة في السياقات العربية .لقد أقحم العلي أيضا طريقة حبلى بالمعاني الساخرة و هي طريقة المراوحة بين الكلمة و الحركة الاشارية .فهو يحرك يده حسب إملاءات الفكرة التي يوحي بها الكلام وحين ينبئ الكلام بالتخمين والتفكير يستعيض الرجل الطيب بتلمّس شاربه أو تدخين سيجارته و إذا كان المقصود اللسان يمسك بلسانه و بالقلب يضع راحته على قلبه و أما إذا تعلق الأمر باليد يرفع قبضة يده و بذلك يخلق العلي في مشهديته البصرية نوع من التردد بين الكلمة و الإشارة و هذه الترددية من شانها توليد الضحك عند المتلقي للأثر الفني .فهذه المعاضدة الإشارية رغم بساطة الكلمات هي تهكم و استخفاف من حالة الوعي المتدنية عند المواطن العربي البسيط الذي يبقى دائما في حاجة إلى مرشد يدله حتى على الأشياء العادية والبسيطة .و هذه الصورة تنضح نقدا يشكله الفنان بطريقة ساخرة متهكمة من حالة اللاوعي التي يعاني منها هذا المواطن.) حالة اللاوعي هذه التي قاومها العلي بتوجيه نقده العميق إلى تمظهراتها الاجتماعيّة والسياسية. وهذه الحالة اللاواعية التي خاطبها مرارا عنه المواطن العربي البسيط. فانه أكثر صرامة في تطبيقها على النظم السياسية الحاكمة التي لا تكاد تخلوا رسومه من سخرية وتهكم موجه ومباشر لها وذلك تبعا لمعاينته الدقيقة لسلطويتها وتخلفها. ففي أحد لوحاته وبإدخال المعادلات الرياضية البسيطة يفضح التخلف والخلافات بين هذه الدويلات أو بالأحرى المستعمرات. فهو عندما يظهر رجلين مبطونين متكرشين مع آلية سحب بعض أعضائهم (الأرجل + الرقبة) التي تدل على الثبات والصمود والاستشراف من المشهدية البصرية فانه ينبؤهم ويخبرنا بحتمية زوالهم المفروغ منه. وللامعان في التهكم عليهم والسخرية منهم ليثير ضحك المتلقي منهم وعليهم. فقد بين كيف أنهما يتخاصمان ويتشاجران على معادلة رياضية مسلّمة

وغاية في البساطة (2+2) =? حيث يقول المبطون الأول أن المجموع هو (5) في حين يعارضه المتكرّش الثاني بان الحاصل هو (3). فهي إشارة إلى أن نظمنا السياسية المنصبة لا تفكر بل يفكر لها ويملى عليها من الامبرياليات العالمية التي وضعتها وتسيرها وما نعيشه اليوم من خلافات حادة بين دويلة قطر ومهلكة بني سلول (السعودية) مثال صارخ على ذلك وهي مشهديه غاية في البؤس والغبن وتثير عاصفة من الضحك لكنه ضحك مبكي يدمي القلوب. ولم يكتفي العلي باليات المشهد البصري التي قسمت أعماله إلى مستويين مستوى أول يتوسط الصورة يملأه حنظلة المراقب والصامت ومستوى ثاني يعبر عن حركية ودينامية المشهد البصري الذي يعمّره الرجل الطيب وشخوص آخرين في عالم حواري صائت. ويدخل كذلك آلية جديدة يمكن أن نسميها آلية "التناص الثقافي " التي استوحاها من تاريخه العميق وسرديتنا الدينية وكذلك الخطابات السياسية والأقوال الشعبية المأثورة فإلى أي حد عبرت هذه الآلية الساخرة عن واقع الاحتجاج والتمرد على السلطة في رسوماته المقاومة؟



د. التناص الثقافي: سلاح ساخر

إنّ الرّوح الثّائرة التّي يحتكم عليها العلي كانت الدّافع لإبداع وابتكار آليات كاريكاتيريّة ساخرة أخرى استدعاها من وعيه العميق بمخزونه الثّقافي الثري وهو ما ينبئ بمقدرته العالية على اختراع آليات احتجاج على واقعه المؤلم بمؤشرات ثقافيّة أحسن توظيفها وجمع فيها بين العنصر اللّغوي والعنصر الأيقوني حيث استطاع بهما خلق علاقة تواشجية مقاومة في خطابه الجمالي وذلك باستخدامه الأمثال الشعبيّة المتداولة والخطاب السياسي الدّارج وللسردية الدّينية أيضا لأنه يعي تمّام الوعي بمدى قرب هذه الأنماط الخطابيّة من المتلقّي لأنها تمثّل مرجعيّة ثقافية تتمتّع بسلطة معنويّة ووجدانيّة تنبع من قداسة النّص الدّيني في المجتمع العربي ليخلص إلى آلية التناص النّصّي بتعمدّه إدخال صيغة تناص الحديث النبوي، حيث تظهر استعارة تركيب الحديث لما يتمتع به هذا الأخير من دلالات تغييريّة وأبعاد تداوليّة بحكم الانتشار الواسع لنص الحديث. وهو ما يسهل ذيوع وانتشار المشهد الكاريكاتيري في الأوساط الشعبيّة. وهو لا يغفل كذلك البعد القدسي للنّص الدّيني عند المواطن العربي، فهو بهذه العملية التناصيّة يسحب طابع القداسة على رسوماته الكاريكاتيرية وما تعمّده كذلك تقسيم المشهد البصري إلى خمس خانات إلا لوعيه بأبعاد ومكانة هذا الرقم (5) في وجدان المتلقّي العربي المسلم لأنه يحيل على أركان الإسلام الخمسة وعدد الصّلوات بمعنى أن الخانة ركن والرّكن أساسي وتجسير لما يليه. وبالعودة إلى نص الحديث يقيم العلي مجموعة من التّوافقات والاختلافات مع متن الحديث الأصلي داخل لعبة لغويّة يَقع فيها تبديل المفردات بعضها ببعض وهذه العمليّة الفنيّة هي مرمى ومضرب السّخرية وفيما يلي نص الحديث والكاريكاتير: -المتن الأصلي للحديث النّبوي من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. –نص الكاريكاتير من رأى منكم أحد يثق بأمريكا، فليقاومه بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه... وإن لم يستطع فبهذا... وهذا أضعف الإيمان. بالمقارنة بين النّصين في توليفاتهما اللّغوية نستشعر ونلاحظ اللّعبة اللّغوية التي أقامها العلي باستخدامه أدوات الزيادة والحذف وتندرج هذه اللّعبة ضمن باب البلاغة وتؤسس هذه اللعبة إلى منطق بنائي جديد يتوجّه فيه الخطاب في الحديث النّبوي إلى المسلم أي يحصر التلقّي في دائرة المسلم فحسب. بينما ينقل النص الكاريكاتيري للعلي الخطاب إلى مجال سياسي أوسع وأشمل فينبث الخطاب إلى المواطن العربي بشكل عامّ دون تحديد لمعتقده.



في هذا السّياق يتضّح استلهام العلي لهذا التّناص الوصية من التجربة النبوية وهو ما يثبت تقاطع دور الفنان مع دور الأنبياء في مجتمعاتهم وهو ما يسبغ النّص الكاريكاتيري بهالة إلزاميّة ليتوشح بوشاح علوي حينما يتوجّه إلى المتلقّي الذّي يطالبه من وراء ذلك بتطبيق نص الحديث على حدث واقعي يتمثّل آنذاك في اتفاقيّة كامب ديفيد ليحرّض المواطن العربي في شكل أوامر علويّة على مقاومة هذا الانحطاط والخيبة التي أتت بها النّظم السياسيّة والتي نعيش هذه الأيام مثيلا لها بهرولة مهلكة البحرين ودويلة الإمارات وغلامها ابن الناقص إلى إبرام صك الولاء والطّاعة وتقديم تطبيع مجاني ومخز مع العدوّ الصهيوني ولعمري أن هؤلاء الحثالة مستعدّون إلى إسقاط سراويلهم وكشف عوراتهم من أجل الحفاظ على ملك ليسوا أهلا به. فهؤلاء هم صهاينة القرن الواحد والعشرين ويتوجّب على الشّعب العربي مقاومتهم ويستمد واجب المقاومة من أيقوناته التي يسترشد بها في هذا الطّريق النّضالي الطّويل. فإذا كانت التّجربة النّبوية تطلب التّغيير. فإن التجربة الفنيّة للعلي تذهب أبعد من ذلك وتدعوا صراحة إلى المقاومة. وهنا يتجلّى الدّور المحوري للسخرية الأيقونية والتناص اللّغوي الذّي يرتبط بالحدث وسياق نشأته وبذلك فإن "السخرية الأيقونيّة تعدّ سخرية مقاميّة تفترض البحث في الوظيفة التداولية للقول الأيقوني، أي تحليل العلائق بين هذا القول وبين السّياق الذّي يتعلّق به". على المستوى النظمي للنص الكاريكاتيري يحتفظ العلي بمقطعين من الحديث النّبوي في الخانتين الثالثة والرّابعة. في حين يقيم مجموعة من التّعديلات على بقيّة الجمل في الخانات الأخرى، وسعى العلي من آلية الاحتفاظ إلى تأسيس وترسيخ نصّه في ذهن المتلقّي وعدم إغفال الحديث النبوي تماما يأتي من أجل أن يبقى النّص/المتن في عمليّة تناصيّة تكامليّة يتداخل فيها التضمين بالتعديل يمكن حصر التعديلات فيما يلي: إضافة جملة "أحد يثق بأمريكا" كتعويض لـ "المنكر". استخدام فعل " فليقاومه " بدل " فليغيّره " والغاية من ذلك التنصيص على ثقافة المقاومة لا ثقافة التغيير التي يكون صداها محدود وأقل شمولية من المقاومة. وهذا تشديد من العلي على المقاومة لوازعه النضالي - إضافة جملة مقطعيّة كاملة " وإن لم يستطع فبهذا.... وهذا أضعف الإيمان." في إشارة إلى صورة السّلاح، يقيم العلي موازاة بين "المنكر" و"الثقة بأمريكا" في إشارة دامغة لما يقترفه المطبّعين وأولهم "أنور السادات"في حقّ العرب والقضيّة الفلسطينيّة. فهؤلاء بالنسبة للعلي ارتكبوا منكرا يجب تجريمه أوّلا وثانيا تحفيز واضح ودفع إلى مواجهة هذه التّصرفات "الواثقين بأمريكا"ومقاومة هذه الظاهرة أينما تصدر عن أفراد أو جماعات ومؤسسات وان كانت دولا أيضا وتأتي صيغة تعميم الإدانة لكلّ من يتصّف بهذا " المنكر"هذا الخطاب اللغوي يتقوّم على السّخرية التي تكمن في المفارقة الكبرى بين محتوى الخانات وتدرّجها وبين ما انتهى إليه تخمين الرّجل الطيّب حين يتدرّج الخطاب عن المقاومة باليد إلى ّأضعف الإيمان" وهو السلاح وتعكس هذه المفارقة الواقع الغرائبي للمجتمع العربي حين يتحوّل البسيط إلى سقف أعلى لفعل المقاومة. فالمقاومة بالسلاح هي فعل ضعيف بالنسبة "لناجي العلي" لكنّه غير متحقّق في الواقع بل إنه يغيّب حتى من الخطاب المنطوق للرّجل الطيّب

لذلك يستعيض بالإشارة بسبابته إلى صورة " البندقيّة". وإذا كان التفكير فعلا باطنيّا فإن عدم القدرة على التّلفظ بمنطوق البندقيّة في مستوى الدّاخل من شأنه أن يرفع السخرية إلى أقصاها. فهذا المواطن يعجز عن النّطق باسم "البندقيّة " بينه وبين نفسه فما بالك حين يجهر به أو أن يستخدم البندقيّة في واقعه وفي مقاومته للمنكر. أليس هذا هو التّهكم الأسود الذي يترجمه أيقون الرجل الطيّب ودلالة ذلك على العجز العربي ليلتقي في هذه المشهديّة التّناص الساخر وسخرية التصادي ما بين الكلمة والإشارة. عندما تعوض الإشارة الكلمة التي تصادرها الأنظمة المستبدة. لتكون الإشارة في الكاريكاتير فعل إضاءة ساخرة. وكشف للمتخفي والمحتجب وراء أناقة المظاهر الخادعة. هكذا هي السخرية في ملحمية العلي تفضح التناقض الذي ينضح به واقعنا الذي وللأسف الشديد لا زال الكثير منا لا يعي به في مأساة تراجيديتنا في هذا الوجود الزائف الذي ينفتح على ما لا نهاية له من المفارقات التي تقودنا كما تقاد البهائم إلى الزريبة فأي معني للسخرية وسط التناقضات التي حولت وجودنا إلى مفارقة عجيبة؟ في هذه التزمينة التي نساق فيها كالقطيع نحو العدم تصرخ فينا حنظليات العلي لتنتشلنا من ركام العبث. عبث كهنوت الدين والسياسة وأباطرة المال والفساد "إن كل ما يمزق الإنسان وكل تناقضاته ووعوده الصادقة غير الموفاة ومثاليته المتضاربة مع سلوكه تكون مصدر للسخرية. إن السخرية توجد في المجتمع حين تسود عدالة الإنسان العقلية وتكون في الذات الإنسانية حين تخون الإنسان ملكاته" لكن حنظله رغم تحالف الامبرياليات المعاصرة على طفولته لم تخنه ملكاته بل انطلقت بركان غضب يحرر وجودنا الأصيل وإنسانيتنا المغيبة وسط المسوخ التي تحاصرنا من كل الجهات لتشوه أصالة الوجود فينا. ليتكلم الكاريكاتير سخرية نيابة عن الجموع التائهة في زحام الحداثة لتكون السخرية تقليدا كلاسيكيا يجد جذوره في أسلوب "سقراط" الذي حقر من خلاله مجتمع أثينا أو مونولوجا من الكوميديا اليونانية التي تتهكم من تحالفات البرجوازيات الناشئة مع طبقة النبلاء.وتواصلا مع اشتقاقها اللاتيني "أنا أتكلم"أو كما استعملها قديما "هوميروس"في ملحمة "الإلياذة والأوديسة" وربما كما عرّفها حديثا صاحب كتاب "السخرية والسلطة بالمغرب " السخرية هي شكل من أشكال التعبير السياسي وكلما كان النظام أكثر احتقانا إلا وازدهرت السخرية السياسية بشكل أكبر وأكثر ذكاء وإبداعا وحذرا "والحذر عند حنظله ليس مصدره الخوف بل سعيا في أن تسهم السخرية في تركيب بنية العمل الفني وتجعله أكثر التحاما مع واقع الجموع السائبة بين الحدود والمشردة في المخيمات والمنافي القسرية.هكذا إذن السخرية عند العلي كالمهر المتمرد أو الفرس العنود التي تستعصي على أمهر الفرسان والمروضين. إنها الومض الخاطف الذي يشق سبيله في قلب العاصفة لتفضح بنيان كل فعل مداهن ومنافق في تزمينة ارتد قبحها على صانعها ليصبح وجوده كالقشة في مهب ريح صرصار. في هذا الليل السرمدي المليء بالفجائع والمفارقات أيقن العلي أنه واقع بلغ من القبح سماه، ولا يمكن مقاومته إلا بالتّهكم الضّاحك أو بامتهان السّخرية سلوكا إنسانيّا وطاقة يفترضها تفاعله الوجودي النّقي مع ما زرع في هذا الوجود من تشوّهات، تشوهات الإرهاب العنصريّة التي استوطنت

ديارا ليست ديارها. لذلك كانت السخرية عنده ملح الحياة التي فقدت مطعمها الأصيل أو كما يقول "كيركجارد" "حيث توجد حياة يوجد تناقض وحيث يوجد تناقض يكون المضحك موجودا".75ليس في متناول كل إنسان استيعاب مفارقات الوجود وتناقضاته في هذه الحياة البلهاء ومقاومتها بالسخرية والضحك. وفي هذا تلتقي السخرية بالفلسفة فهما توجدان حيث يوجد التناقض وتعمّ المفارقات في هذه الحياة. ولذلك تشكّل السخرية والفلسفة تقاطعا يبرز كالمعول الذّي يشرع في هدم مفارقات وتناقضات هذه الحياة لأن هاتين الأخيرتين شيدتا فوق أرضيّة تربتها الادعاء وعنوانها التناقض والغلط فتلتحم الفلسفة بالسخرية في الفن من أجل تطبيب أمراض هذا الوجود وإزالة الغبار الذي خلّفته حوافر الخيل في ساحة أم المعارك وننعتها بأمِّ المعارك لأن الفلسفة والسخرية تخوضان في التجربة الفنيّة المقاومة حربا وجوديّة هدفها رفع القيود على الإنسان، وتطهير إنسانيته من الدّنس الذي لحق بها. فهذه المعركة هي معركة تحرّر بامتياز، كما يصرّح بذلك شلنج إن مظهر الهدم الذّاتي يجعل انبثاق الحريّة غير المشروطة وإبداع الذّات مسألة ممكنة 76 لتتبدى السّخرية بهذه الصّورة ذلك الإبداع الذّاتي-auto creation الذّي اخترعه العلي في احتفاليته الفنيّة، ليتعمّق هذا الإبداع الذّاتي في تجسّده كفعل تحرّري يعانق المشترك لتذوب تلك الذّات المبدعة في الجموع المقتدرة على صياغة الضّحك من قلب العاصفة متسلّحة بالسخرية من أجل تجسيد نظريّة التحرّر كواقع عملي ملموس. وهذا البعد العملي التّحرري لا يمكن أن يوجد إلا بنفي هذا الوجود الزّائف، وبلوغ كنه الحياة البشرية الأصيلة. على هذه الصورة تتشكّل السخرية نوعا من النّفي أو السّلب الذّي يحدّد معالم البداية في رحلة الوجود أو فعل تحرّر كما يقول كيركجارد من أعباء المعيش والواقع الأمبريقي العملي. وهذه هي الفكرة الجوهريّة والهدف الأسمى في تجربة العلي الفنيّة التّي اتّخذت من السُّخرية أداة مقاومة في هذه الحرب الوجوديّة التّي لن تنتهي إلا بتحقّق وجوده الحقّ والأصيل. وهذا الوجود الحقّ والأصيل لا يتحقّق إلا بالعودة. فالعودة هي الحريّة والحريّة هي العودة إلى أرض فلسطين في احتفالية العلي الكاريكاتيريّة. فإلى أي مدى استطاعت التّجربة الجمالية عند العلي بوصفها ولادة وانبعاث التأسيس لمشروع العودة التي أرادت مسوخ الحداثة قبره وتغييبه؟ وإذا كانت العودة عند العلي حق يأبى النسيان، فهل التّجربة الفنيّة للعلي نقطة الانطلاق التي تعدنا بالعودة كما هو الفنّ وعد بالحقيقة عند داريدا أو وعد بالسّعادة كمّا قرأه آلان باديو ؟

وهو ما سنعمل عليه في المقال القادم.



#صالح_دغسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية : طوفان من الحلوى... في معبد الجماجم


المزيد.....




- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح دغسن - السخرية: سلاح مقاوم: كاريكاتير ناجي العلي نموذجا