أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سيف راجح سراج - إستراتيجية إيران في دعم الحوثيين. هل ستمكنهم من تحقيق الاستقلالية الكاملة عنها؟ وكيف تؤثر معركة مأرب على مستقبل هذه العلاقة؟















المزيد.....



إستراتيجية إيران في دعم الحوثيين. هل ستمكنهم من تحقيق الاستقلالية الكاملة عنها؟ وكيف تؤثر معركة مأرب على مستقبل هذه العلاقة؟


سيف راجح سراج

الحوار المتمدن-العدد: 7154 - 2022 / 2 / 6 - 13:23
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إستراتيجية إيران في دعم الحوثيين. هل ستمكنهم من تحقيق الاستقلالية الكاملة عنها؟ وكيف تؤثر معركة مأرب على مستقبل هذه العلاقة؟

ورقة بحثية من إعداد الباحث
سيف راجح سراج
باحث وكاتب صحفي وروائي من اليمن
Twitter: @saifrajeh2
لتنزيل الورقة البحثية في ملف pdf عبر الرابط أدناه:-
https://drive.google.com/file/d/11pNitG8H_tVmFnIFhmYf91bwpmamz00n/view?usp=drivesdk

المحتويات
ملخص تنفيذي: 3
المقدمة 4
لمحة تاريخية يمكن تجاوزها 4
ديناميكية العلاقة بين إيران والحوثيين. 6
مراحل تطور العلاقة بين إيران والحوثيين. 7
1- مرحلة التأثر والإحتواء. 7
2- مرحلة الإستفادة من التمرد: 9
3- مرحلة وكيل في السر حليف في العلن 11
4- مرحلة الوكيل والعميل المباشر لإيران. 14
ماذا تريد إيران من الحوثيين وما الذي تخطط لهم؟ 15
عوامل تميز الحوثيين عن بقية أذرعه أيران: 17
هل تضع إيران حسابا لهذه العوامل؟ 20
معركة مأرب قد تأتي بما لا تشتهي سفن إيران: 21
نبذة عن المعركة وأهميتها:- 21
أبرز أحداثها ونتائجها حتى الآن 21
كيف ستؤثر معركة مأرب على علاقة إيران والحوثيين. 22
الخلاصة 23
المراجع والمصادر: 24

ملخص تنفيذي:
تدفع إيران بكل ثقلها لتمكين الحوثيين من السيطرة على محافظة مأرب شمال اليمن، معتقدة أن ذلك سيمحنها الأفضلية في بسط نفوذها الكامل في شمال اليمن وهو البوابة الجنوبية لعدوها التقليدي -السعودية- عن طريق الحوثيين الذين تعتبرهم إيران جيشها الرابع في المنطقة، كما تسعى لقطع الطريق أمام السعودية من تحقيق أي تقارب أو تفاهمات مع الحوثيين، وتحول دون أن تتخذ السعودية طريقا أحاديا للحل في اليمن.
في المقابل يستفيد الحوثيون من هذه الاندفاعة الإيرانية كونها ستحقق لهم الهدف المبدئي الأول وهو إعادة تأسيس الدولة الزيدية في اليمن التي قضت عليها ثورة سبتمر1962م، وقد يؤهلهم ذلك للاستقلالية الكاملة والخروج من مظلة التبعية التي تحشرهم إيران فيها.
إيران تعول كثيراً على الحوثيين في تنفيذ أجندتها في الجزيرة العربية، وترى أنهم سيحملون مشروعها بجدية مستقبلاً، وهو ما سيجعلهم رأس الحربة في مواجهة السعودية في حال تفاقمت الحرب الباردة التي تشهدها المنطقة، لكنها تغفل عوامل ومحددات قد تخرج الحوثيين من نطاق التبعية الدائمة لها والشروع نحو الاستقلالية في حال حققوا هدفهم المتمثل في السيطرة على محافظة مأرب واستكمال السيطرة على شمال اليمن.
تنطلق الدراسة من فرضية أن علاقة الدول المسيطرة بالدول او الجماعات التابعة لها تخضع لقواعد ومحددات، تحكم عليها بالديمومة، وفي حال انتفاء هذه القواعد أو إغفالها فإن الدول المسيطرة ستفقد هيمنتها على الدول او الجماعات التابعة لها، وتؤهل الأخيرة للإستقلالية في صناعة القرار، وتضع الدراسة نموذج تاريخي لخروج التابع عن هيمنة الوكيل، يتمثل في تخلي فرانكو عن هتلر في الحرب العالمية الثانية، وشروعه نحو الاستقلالية وتأسيس ديكتاتوريته الخاصة، في الوقت الذي كان داعمه ومموله الأبرز هتلر يخسر الحرب دون أن يقدم له فرانكو أي مسانده.
تشرع الدراسة في توضيح ديناميكية العلاقة بين إيران ووكلائها في المنطقة والتي تتمثل في حرصها على إدماج أذرعتها ضمن الحكومات والأنظمة في دولهم ولا تؤهلهم للاستقلال الكامل بالدول، وديناميكية العلاقة بين ايران وبين الحوثيين التي توضح أن إيران تتعامل مع الحوثيين بطرق وأساليب مختلفة نظراً للعوامل والمتغيرات المحلية التي تميز الحوثيين عن بقية اذرع ووكلاء إيران في المنطقة، وتستعرض الدراسة مراحل تطور العلاقة بين إيران والحوثيين، وما الذي تخططه إيران للحوثيين مستقبلا، والتعارض بين أهداف وأجندة إيران في اليمن وأهداف ومشاريع الحوثيين الخاصة، لا سيما فيما يتعلق بقضية الجنوب، الذي تملك إيران لها مخططات تختلف عن مخططات الحوثيين، إذ أن إيران ترغب في فصل ملف القضية وإناطتها إلى أطراف جنوبية، بينما يرى الحوثيون أن الجنوب إمتداد لنطاق سيطرتهم الجغرافية، ورافد إقتصادي لمشروع الدولة التي يريدون تأسيسها.
وتصل الدراسة الى نتيجة محورية وهي أن النتائج التي ستسفر عنها معركة مأرب، هي من ستحدد إمكانية تحقيق الحوثيين للخروج عن نطاق التبعية لإيران من عدمها، فإن تحقق لإيران هدفها في تمكين الحوثيين من السيطرة على مأرب، فستفقد بذلك الخيط الأهم الذي يربط الحوثيين بها، إذ أن سيطرة الحوثيين على مأرب ستوصلهم إلى مرحلة الإكتفاء عن الرعاية الإيرانية، إما إن حدث العكس وتم التوصل إلى حل يضمن توازن القوى بين الأطراف اليمنية، فستظل إيران هي المتحكم الفاعل بالحوثيين وسيبقى الحوثيون ذراعها الأهم في اليمن والجزيرة العربية.



المقدمة
من الشائع في العرف السياسي المتبع منذ التاريخ القديم أن الدولة المسيطرة لا تتيح أبداً للدول أو الجماعات التابعة لها أو التي تنفذ أجندتها في أي دولة أخرى كل عوامل النفوذ والقوة التي تؤهلهم للوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي التي بدورها تمكنهم من الاستقلالية في صناعة القرار، وقد وضع نيقولا مكيافيلي استراتيجيات ترسم حدود العلاقات بين الدولة المسيطرة والدول التابعة لها مستنداً على التجارب التاريخية للإمبراطورية الرومانية مع المدن والقبائل التابعة لها.(1)
في هذا الصدد لا تكتفي الدولة المسيطرة بالتعهدات والاتفاقيات أو تشارك الرؤى والعقائد والأيدولوجيات لضمان استمرار تبعية الدول او الجماعات الوكيلة لها، بل تنتهج سياسات معينة تجعل الدول التابعة في حيز الخوف والضعف والشعور الدائم بالتهديد وذلك ما يجعلها في حاجة مستمرة لها، ويضمن بقائها تحت مظلة الخضوع والولاء الكامل.
وقد تضطر الدول المسيطرة في هذا السبيل إلى دعم نسبي لأجنحة مناهضة لحلفائها، وأيضا تسهم في إتاحة المجال لمعارضيهم لأجل تقويض أي شعور لدى تابعيها بالأمان أو الاستقرار وبالتالي سلبهم العامل الأهم من عوامل الاستقلالية في صناعة القرار.
لمحة تاريخية يمكن تجاوزها
خلافا لهذه القاعدة المكيافيلية والتي يمكن القول عنها أنها من مسلمات النظرية الكلاسيكية في العلاقات الدولية في علم السياسية، كان سلوك هتلر حين قرر دعم الانقلاب في أسبانيا الذي صنعه الجنرالات العسكريين "الوطنيين" بتدبير وتخطيط الجنرال "اميليو مولا" وزعامة الجنرال "فرانسيسكوا فرانكوا" في العام 1936م على الجمهورية الإسبانية التي لم يكن قد مر على تأسيسها سوى ستة أعوام، لتندلع الحرب الأهلية الأسبانية، والتي انتهت بانتصار كاسح للوطنيين، ونهاية الجمهورية الإسبانية الثانية في العام 1939م, وهي الحرب التي تعد من أفظع الحروب الأهلية في التاريخ وتسببت بمقتل ما يقارب المليون مواطن أسباني.(2)
دور هتلر في هذه الحرب كان كبيرا ومحوريا، إذ أنه السبب في انتصار الانقلابين، إذ أن هتلر ونكاية بدولة روسيا الشيوعية (الاتحاد السوفيتي حينئذ) التي كان هتلر ولسبب ما يكن لها أشد مشاعر البغض والكراهية إذ ذكر مؤرخون أن "الشيوعية" كانت لسبب ما تالية "لليهودية" في قائمة الأيدلوجيات والقوميات التي أراد هتلر أن يمحوها من الوجود.(3)
روسيا حينئذ كانت هي الداعم الأبرز للجمهوريين الأسبان الذين كان معظمهم من الشيوعيون، لذا ونكاية بها فقد منح أدولف هتلر للجنرال فرانكو "زعيم الإنقلابيين" دعما سخيا وغير مشروط، ليمكنه بذلك من بسط سيطرته الكاملة على التراب الأسباني وينشئ ديكتاتورية مستقلة، حكمها بالدم والبارود والعنف طيلة 38عاما.(4) ويا لسخرية القدر فإن هتلر نفسه الذي أوصل فرانكوا الى سلطة أسبانيا طيلة هذه المدة لم يحض بنفس الفترة للحكم في ألمانيا فقد كتب نهايته المأساوية في منتصف العقد الذي بدأ فيه حكم فرانكو لأسبانيا.
نال فرانكو إذاً النصر في الحرب نتيجة لدعم وإمدادات هتلر السخية، وقد حقق النصر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، حينئذ كان الرايخ الألماني في أوج قوته، ويستعد لاكتساح أوروبا وروسيا، ويتزعمه الجنرال الآري ذي الشارب الصغير الذي يقود جيشآ أسطوريا يفوق تعداده ثمانية مليون جندي وترسانة عسكرية لم يشهد لها العالم مثيلا حينئذ،(5) لذا لم يهتم بإبقاء أسبانيا الجديدة تحت هيمنته، ولم يبال في أن تنال استقلالها الكامل، وقد كان في وسع هتلر أن يمنع ذلك ويجبر فرانكوا، على تشارك السلطة مع الجمهوريين ليضمن بذلك ولاءه الدائم.
رئيس آخر حكومة جمهورية في أسبانيا "ماثويل نجرين" أمل من هتلر أن يدرك أن التمكين الكامل لفرانكو سيفلت زمامه من يده، وفكر أنه قد يجبره على التوصل الى اتفاق سلام معهم، لذا فقد بقي نجرين يدعو ويراوغ مع فرانكو بغية التوصل الى اتفاق سلام حين كان الأخير يحاصر مدريد مسنودا بدعم القوة الجوية النازية التي جعلها هتلر تحت تصرفه طيلة الحرب، غير أن فرانكوا أصر أن ينهي الحرب بالنصر الكامل،(6) ولم يمنعه هتلر من ذلك. فقد كانت العقليتين متحجرتين ولا تميلان كثيرا للدبلوماسية السياسية، ويديران حروبهم بالطريقة التقليدية، النصر الكامل أو الموت، وقد حقق فرانكو هدفه قبل أن تشتعل نيران الحرب العالمية الثانية ويحترق فيها هتلر ويتخلى عنه حليفه الإسباني.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وحدوث الانتكاسة النازية وحين كان هتلر يعيش تبعات ورطته الأخيرة في ملاجئ برلين، أعلن الجنرال فرانكو زعيم أسبانيا وقائد جيشها الذي أوصله دعم هتلر الى تلك المكانة أعلن الحياد بنفس البرود القاسي الخالي من الشهامة الذي أدار به إسبانيا طيلة فترة حكمه(7)، ولم يقدم أي دعم يلائم الموقف الذي كان فيه هتلر، بل برر موقفه وبكل وبساطة، أن أسبانيا خرجت من حرب مدمرة وجيشها منهك ولم تعد قادرة على الدخول في حرب أخرى، وقد كان يكذب بالطبع فالجيش الإسباني حينئذ كان في أوج قوته، بعد انتصاره الأخير في مدريد، وكان في وسعه أن يفعل شيئا لرد جميل النازيين الألمان قبل أن يترنحوا ويسقطوا للأبد.
فرانكو لم يفعل أي شيء لمساندة النازيين الألمان واكتفى بالمشاهدة لأنه ببساطة لم يكن مجبرا، ولم يكن يرغب أن يصبح عدوا لمعسكر الحلفاء الذين اقتحموا برلين بكل جبروتها النازي في أشهر، ولن يعجزوا عن اقتحام مدريد المنهكة في أيام، ولعله لم يكن يرغب أن يخسر ما كسبه في الحرب الأهلية، ولم يرد أيضا أن يلقى مصير الحليف الآخر لهتلر الزعيم الفاشي موسولويني الذي سحل في شوارع روما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية, ولا مصير الفوهلر الألماني هتلر نفسه الذي بدى مصيره محتوما بالنسبة لفرانكوا في ذلك الوقت، لا سيما بعد الهزيمة المذلة لجيوشه الضخمة في أطراف روسيا، لذا لم يرغب فرانكو بمساندة الطرف الخاسر في الحرب وإن كان الطرف الذي يميل اليه، فمادام قد أمن مكانه ووصل الى حيث يريد، فقد آثر الإنزواء في دولته المستقلة، ليطبق سياسته القمعية في الحكم، ويذيق الأسبان الويلات، فيما كان ولي نعمته وداعمه الأكبر يواجه مصيره المأساوي دون أن يعير ذلك انتباها.
تلك كانت غلطة هتلر وغلطة محور النازيين الذي كان على وشك اكتساح العالم، لقد منح حلفاءه الدعم الكامل واللامحدود، فاستقلوا عن نفوذه وتحرروا من تبعيته، ورفعوا رايات السلام مع خصومه.
ديناميكية العلاقة بين إيران والحوثيين.
بالنظر إلى سياسات إيران مع وكلائها الإقليمين، وحلفائها في الشرق الأوسط، فإنها تتجنب الوقوع في الغلطة التي ذكرناها سابقا، فهي تحرص على إبقاء وكلائها في حالة تهديد دائم، ولا تمنحهم الاستقلالية الكاملة، رغم أن وكلاءها ونظرا لقوتهم العسكرية (المليشيا المسلحة في حقيقة الأمر) مقابل هشاشة الخصوم قد يتمكنوا من تحقيق الاستقلالية لاسيما في دول مثل العراق ولبنان.
إن إيران تحرص ان تدعم حلفائها في ظل الدول الهشة كمكون من المكونات، لا كسلطة مستقلة بشكل كامل، فمن جهة تضمن استمرارية ولائهم، ومن جهة تجعل حلفاءها قادرين على التلاعب في الدولة لتمرير أجندتها بالطريقة التي تلائمها وتلائمهم، دون أن تتحمل هي تبعات ذلك، ودون أن يتمكن حلفاؤها من تحقيق الاستقلالية الكاملة عنها. (8)
لكنها في اليمن، ومن خلال خطواتها التصعيدية الأخيرة، خاصة دفعها للحوثيين نحو مأرب المعقل الرئيسي للحكومة الشرعية في شمال اليمن، وشبوة العمق الإستراتيجي الأهم لمأرب، الخطوات التي تحول بها دون إبقاء أي صيغة مقبولة لتوازن قوى بين أطراف الحرب في اليمن، كما تحول بها دون نجاح أي بادرة سلام أو اتفاق ملائم، تجعل به حلفاءها مكوناً من مكونات الدولة لا الدولة نفسها، بل إنها بذلك تسلك نفس سلوك هتلر مع فرانكو، إذ أن خطواتها هذه إن حققت نتائج ملموسة ستمكن الحوثيين الذين تعتبرهم أداتها الفاعلة في اليمن والجزيرة العربية، أو كما تسميهم جيشها الرابع في المنطقة، ستمكنهم من السيطرة الكاملة على شمال اليمن وهو ما يعني تحقيق هدفهم الأساسي كجماعة باحثة عن إرث دولتها الزائلة، وبالتالي ستمنحهم فرصة الاستقلالية الكاملة وتحولهم الى دولة مستقلة لها أهدافها وأجندتها الخاصة ولن تبقى تابعة لإيران كليآ أو جزئيا.
ما يثير الإستغراب هو التساؤل الذي يطرح نفسه حيال الموضوع، هل تسعى إيران من خلال هذه الجهود لتمكين الحوثيين بشكل كامل من السيطرة على شمال اليمن؟ مع علمها أن ذلك سيؤهلهم للإستقلالية عن نفوذها، أم أنها تسعى لصنع اتفاق سلام شكلي بعد أن تضمن تحقيق الحوثيين للغلبة وتضمن استحواذهم على نصيب الأسد من القوة والنفوذ في الدولة لكن دون أن يكون لهم السيطرة الكاملة والمستقلة فيها؟ كما تروج لذلك وسائل إعلام ومراكز بحثية مختلفة(9)، بمعنى أنها قد توافق على منح أطراف الصراع الأخرى فرصة في الحكومة والدولة والمناصب المدنية في هيكل الدولة، لكن بعد أن تهيض أجنحتهم وتحد من قوتهم، حتى يكون الطرف الأقوى والمتحكم الخفي بالأمور هم الحوثيون الذين سيشكلون دولة داخل الدولة، وتبقى قوتهم المسلحة مستقلة عن المؤسسة العسكرية للدولة على غرار الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان ومليشيات إيران الأخرى في العراق.
لفهم ذلك، والوصول الى تفسير مناسب لاستراتيجية إيران مع الحوثيين وديناميكية علاقتها بالحوثيين، سنعود للبدايات ونحدد المسار الزمني لهذة العلاقة، وهو مسار يتحدد بأربع مراحل محورية يمكن القول أنها توضح الصورة الكاملة لديناميكية هذه العلاقة ومسارها التطوري، وهي ثلاث مراحل متتالية الأولى بدأت بظهور حركة الحوثي في نهايات القرن العشرين والثانية تبدأ مع تمرد الحوثيين على الدولة في صعدة بداية القرن الواحد والعشرين والثالثة بدأت بعد حملة الحوثيين للإنقلاب على الدولة في العام 2014م والمرحلة الرابعة بدأت بعد عودة الحوثيين للتحكم بمسار المعركة في اليمن ووصولهم الى حدود مأرب أهم معاقل الحكومة الشرعية شمال اليمن وعلى ضوء هذه التطور الزمني نحدد أبرز العوامل التي تميز الحوثيين عن بقية أذرع وأدوات إيران في المنطقة.
مراحل تطور العلاقة بين إيران والحوثيين.
مرحلة التأثر والإحتواء.
وهي المرحلة الأولى في مسار العلاقة بين إيران والحوثيين، وبدأت بعد تأسيس حركة الحوثيين مباشرة، فقد حرص مؤسس الحوثيين على إيجاد حضن لحركته الوليدة، ولما كانت السعودية تحرص على إبقاء حالة توازن قوى في ظل الجمهورية اليمنية(10)، وفي هذا الصدد كانت تدعم شخصيات زيدية يمنية مشهورة، وتحرص على إبقاء حزب الحق جناحا سياسيا يمثل الطائفة الزيدية في اليمن(11)، وقد كان مؤسس الحوثيين يحوز على مقعد برلماني ممثلا عن حزب الحق، لكنه انشق عن الحزب ويمم وجهته شطر إيران وقام بزيارتها عدة مرات بصحبة والده الذي كان أحد المراجع الزيدية المهمة في اليمن، مستفيداً من دعوة السفارة الإيرانية لشخصيات من الطائفة الزيدية في اليمن لزيارة إيران بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في نهاية السبعينيات(12)، فكان مؤسس الحركة الحوثية حسين بدرالدين الحوثي ووالده وشخصيات أخرى مثل عبدالكريم جدبان _الذي مثل لاحقا جماعة الحوثي في مؤتمر الحوار الوطني واغتيل قبل إنتهاء مؤتمر الحوار الوطني_ من السباقين لزيارة إيران، ولم تمانع إيران من رعاية الحركة الحوثية الناشئة بشكل بسيط نسبياً، لكنها لم تعول عليها كثيرا في إحداث أي تغيير سياسي لصالحها في اليمن، فقدمت لها تسهيلات ودعم نسبي، كما أتاحت لأعضائها منحاً للدراسة في الحوزات الدينية وأحيانا في الجامعات الإيرانية. (13)
وقد بدأت بعد تلك الزيارات ملامح تأثر الحركة الحوثية الناشئة بسياسة إيران، وانعكس ذلك التأثير على خطابات ومحاضرات مؤسس الحركة المتمثلة في رسالتها ومضمونها من رؤية الثورة الإيرانية وخطابات الخميني في إيران، خاصة في توجيه النقد اللاذع لأمريكا وإسرائيل، والتقليل من شأن مواقف صدام حسين بخصوص إسرائيل وأمريكا، وتفسير مدلولات السور والآيات القرآنية بما يعزز تلك الرؤية، التي تجعل من أمريكا وإسرائيل هي الشيطان الأكبر، والأنظمة العربية بمختلف توجهاتها هي معسكر النفاق، وإيران والثورة الإسلامية هي المشروع الذي سيعيد مجد الأمة الإسلامية.(14)
إذا فإن هذه المرحلة كانت عبارة عن مرحلة بداية تأثر الحوثيين بإيران والنموذج الذي سعت الثورة الإسلامية الإيرانية لتصديره في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ورغم أن هناك تقارير ودراسات تؤكد أن الحوثيين في هذه المرحلة كانوا أصحاب المبادرة للتوجه إلى إيران(15)، إلا أن تقارير أخرى أكدت أن إيران أيضا كان لها دور في محاولة احتواء الحركة الحوثية الناشئة، ولو بشكل بسيط(16)، وهذا ما يعني أن المبادرة كانت متبادلة بين الحوثيين من جهة الذين كانوا يبحثون عن حضن إقليمي بعيداً عن السعودية، وإيران من جهة أخرى التي كانت في بداية مرحلة تصدير ثورتها الى العالم الإسلامي، ويمكن القول أن هذه المرحلة استمرت منذ نشوء حركة الحوثيين حتى بداية أول تمرد للحركة على النظام في اليمن وذلك في العام 2003م.
مرحلة الإستفادة من التمرد:
هذه المرحلة فرضتها قدرة الحركة الحوثية التي كانت تسمى حينئذ " حركة الشباب المؤمن" على إحداث تأثيرات في مناطق واسعة في شمال اليمن، وأوجدت لها حاضنة شعبية في عموم محافظة صعدة، وفي محافظة صنعاء في منطقة بني حشيش، ومديرية الغيل بمحافظة الجوف، ومديرية حرف سفيان أكبر مديريات محافظة عمران، وبالتالي فقد رأت أيران أن شوكة الحركة الحوثية في اليمن أصبحت قوية نسبياً ويمكن الاعتماد عليها.(17)
لا توجد دلائل على أن إيران دفعت الحركة الحوثية للتمرد في بدايته، ومن المؤكد أن الحوثيين هم من قرروا بداية التمرد على الدولة ونظام الحكم في اليمن بشكل ذاتي، مستفيدين من تناقضات كثيرة كانت تختبئ تحت رماد المناطحات السياسية بين النظام والمعارضة، وبين الأجنحة المختلفة المكونة للنظام السياسي في اليمن( الجناح السياسي ممثلا بالرئيس صالح – الجناح القبلي ممثلا بالشيخ الأحمر – والجناح العسكري ممثلا بقائد الفرقة الأولى مدرع حينئذ)، الذين إتهمهم الحوثيين بالسعي لإيقاف تمدد المذهب الزيدي في مناطق الهضبة التي تعتبرها الزيدية حاضنة تاريخية لها، وهكذا وبدعوى مظلومية أبناء صعدة والتهميش السياسي لهم أعلن الحوثيين تمردهم الأول الذي تم سحقه بعد أشهر قليلة والقضاء على مؤسس الحركة نفسه، الذي قتل في أحد جبال صعدة في نفس العام الذي بدأ فيه التمرد.(18)
لم يكتفي النظام السياسي في الدولة اليمنية ممثلا بالرئيس السابق علي عبدالله صالح بالتسامح مع قيادة التمرد الحوثية والقبائل التي ساندت التمرد وإعلان العفو الكامل عنهم دون شروط أو ضمانات، بل أنه سعى إلى توظيف هذا التمرد في سياق التصفيات السياسية، وهو ما أسهم في منح الحركة الحوثية الزخم والقدرة على العودة من جديد هذه المرة بزعامة بدرالدين الحوثي والد مؤسس الحركة، وبعد عام من سحق تمرد الحركة السابق، اندلع تمرد ثان وصل إلى نفس مآلات التمرد الأول، حيث قتل فيه زعيم التمرد الثاني، وتم العفو عن بقية أجنحة التمرد والمساندين له، وتم إطلاق سراح أحد أشقاء مؤسس الحركة الحوثية بحكم حداثة سنه* وهو الذي سيصبح زعيماً للحركة، ثم زعيما للتمرد الرابع والخامس والسادس والسابع ضد الدولة.
توسع التمرد الذي قاده عبدالملك الحوثي ليبدأ بمصادمة السعودية في مرحلة متأخرة، ويخوض معركة معها، بعد سيطرة عناصر الحوثيين على جبل الدخان في جنوب المملكة في العام 2009م، لتستنفر السعودية قوتها العسكرية وتدشن عملية عسكرية سميت "الأرض المحروقة"، وفيها استعادت السعودية جبل الدخان، وأجبرت عناصر الحوثي على الانسحاب من المناطق القريبة من الحدود السعودية. (19)
هذا الحدث هو ما لفت الأنظار إلى علاقة إيران بالحوثيين بشكل مباشر، بعد أن كانت الحكومة اليمنية في أوقات سابقة تشير إلى أن الحركة الحوثية مدعومة من قوى أجنبية وتنفذ أهداف هذه القوى التي لم تكن الحكومة تسميها، لكن الشارع اليمني وباحثين وتقارير صحفية وإعلامية كانت تتداول أخباراً بشكل مستمر أن حركة الحوثي تتلقى دعماً إيرانياً، وتنفذ أجندة إيران في اليمن، وهذا جزء من الحقيقة لكنه لم يكن الحقيقة الكاملة.
فحركة الحوثي كانت تنفذ أجندة إيران فعلا، لكنها في الوقت ذاته كانت تنفذ أجندة وأهدافاً لأجنحة سياسية داخل الدولة اليمنية، التي كانت تعيش احتقانات كبيرة، وكان كل جناح يهدف لإقصاء الآخر، فيما بقيت حركة الحوثي في نظر الأجنحة المتصارعة بمثابة المقاتل المأجورالذي يستفيد منه جناح لإنهاك قوة الجناح الآخر، وقد تداولت أخبار وتقارير نشرت خلال ثورة فبراير وتحديداً بعد أن طفى الخلاف بين المكونات والأجنحة السياسية في اليمن، وانشقت الأحزاب المعارضة والنسبة الأكبر من الجناح القبلي، بالإضافة إلى النسبة الأكبر من الجناح العسكري عن النظام، وأعلنت مساندتها لثورة الشباب، وبدأ كل جناح يكشف أوراق الأجنحة الأخرى، ظهرت حينها أخبار وتقارير تؤكد أن معارك الحوثيين في صعدة وحرف سفيان وبني حشيش وغيل الجوف كانت تندلع بإيعاز وتمويل من الرئيس صالح نفسة*، لوضع خصومه العسكريين والقبليين في الزاوية الضيقة، لاستنزاف قوتهم أو التخلص منهم، ويتدخل في الوقت الذي تميل فيه كفة الحوثيين إلى الضعف لإيقاف الحرب، أو إعطاء توجيهات لقطاعات وألوية من الجيش بالانسحاب، وفي ذلك الوقت رغم أن الرأي العام اليمني كان مغيباً عن الواقع، ولا تصل إليه إلا الرواية الرسمية للأحداث، إلا أن أحاديث انتشرت وتداولت أن حروب صعدة عبارة عن لعبة تصفيات في أروقة السياسة، وأن توقفها يكون كل مرة بمكالمة هاتفية، في إشارة الى توجيهات صالح التي كانت توقف تقدمات الجيش وتتيح للحوثيين فرصة لالتقاط أنفاسهم.(20)
في هذه المرحلة كانت إيران هي المستفيد من المكاسب التي يحققها الحوثيون باستغلالهم للخصومات السياسية لتقوية شوكتهم وتوسيع دائرة نفوذهم، فقد كان الدعم الإيراني للحركة نسبيا وبسيطاً، وتمثل في الدعم الإعلامي والدعائي الذي كانت تقوم به القنوات والوسائل الإعلامية المحسوبة على إيران وأجنحتها مثل قناة المنار والكوثر والصحف التابعة لحزب الله اللبناني بتغطية معارك وانتصارات الحوثيين على الجيش، والتسويق لمظلوميتهم كطائفة أقلية مضطهده، وتداولت تقارير وأخبار إعلامية رسمية وغير رسمية بالإضافة إلى ولاحقا اتهام رسمي على لسان الرئيس صالح نفسة لإيران بتوفير دعم مادي ولوجستي للحوثيين بطرق ووسائل مختلفة، ثم إعلان اليمن عن احتجاز سفينة إيرانية محملة بالأسلحة كانت في طريقها لمسلحي الحوثي وهو الأمر الذي نفته إيران في حينه على لسان وزير خارجيتها منوشهر متكي. (21)
هذه المرحلة ونظراً للعوامل والمتغيرات المحلية فيها، فقد كانت تحمل مساق العلاقة بين إيران والحوثيين إلى مسارين متناقضين يسيران بخط متوازي هما:
1. المساق الأول تمثل في بداية اهتمام إيران الحقيقي بالحوثيين، ورؤيتها لهم كذراع وطرف مؤثر يمكن الاعتماد عليه لتنفيذ أجندتها وأهدافها في اليمن والجزيرة العربيةـ، لا سيما وأن طموحاتها من الحوثيين في البداية لم تكن ترقى الى هذا الحجم، بل توقعت منهم أن يسهموا بالأساس الأول في التغيير الفكري والعقائدي للطائفة الزيدية في اليمن، وتحويلها نحو الفكر الإثنى عشري، لكن الحركة تجاوزت ذلك فقد حققت نفوذاً وثقلاً كبيراً في اليمن دون أن تضطر للتغيير الكامل للهوية الزيدية كما أرادت إيران.(22)
2. المساق الثاني المناقض: فهو أن حركة الحوثيين وبتحقيقها مكاسب سهلة في الواقع السياسي والعسكري والجغرافي لليمن، لم تكلف إيران دعما واهتماماً كبيرين كبقية أذرعة إيران في المنطقة التي نمت وترعرعت وشبت في كنف إيران، وبالتالي لم يكن على حركة الحوثي التزامات أكثر تجاه إيران، ولن تصبح ذراعاً دائما لإيران، ولا وكيلاً أبديا لها، بل ستبقى في منطقة وسط ما بين التبعية الكاملة لإيران، والتفرد بأهداف وأجندة مستقلة تخصها وحدها كحركة ذات جذور وهوية تاريخية مميزة، وهذان النقيضان كانا أهم مزايا هذه المرحلة بالنسبة لحركة الحوثي التي نمت وترعرعت واستفادت من التناقضات المحيطة بها دائما ولا زالت حتى الآن.
طبيعة هذه المرحلة هي التي حددت معالم المرحلة الثالثة وأوصلت إيران إلى ضرورة تدشين مرحلة رابعة كما نوضح تاليا.
مرحلة وكيل في السر حليف في العلن
نظراً لطبيعة المرحلة الثانية أتت المرحلة الثالثة والتي يمكن القول إنها بدأت مع ثورة الشباب التي شارك فيها الحوثيون، لكن معالمها توضحت فعلياً بعد انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة وتدشينهم لثورة مضادة للثورة التي شاركوا فيها، وفي هذه المرحلة انتقلت علاقة الحوثيين بإيران من السر إلى العلن، لكن بقي الطرفان يصوران علاقتهما بأنها علاقة حلفاء لا علاقة وكيل بحليف، أو عميل بداعم، فقد حرصت إيران على أن يبقى الحوثيون في نظر الرأي العام الدولي والشعبي جماعة يمنية مستقلة في الإرادة وحرة في صناعة القرار.
ورسخت إيران هذه الصورة النمطية لعلاقتها بالحوثيين من خلال صبغ تعاملاتها الرسمية والعلنية مع الحوثيين بصبغة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ومن هذا المنطلق فقد حرصت على استقبال الوفود الحوثية التي تصل الى طهران بطريقة رفيعة المستوى، وحفاوة مبالغ فيها، مع تغطية إعلامية مكثفة، ومراسم فخمة.
كما تناثرت تصريحات عديدة من مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى في مناسبات مختلفة، يؤكدون فيها أن الحوثيين ليسوا جماعة تابعة لإيران، بل جماعة يمنية مستقلة لها مطالبها وأهدافها, وأن ما يجمعها بإيران هي علاقات ودية وتعاون مشترك، ونفى الإيرانيون في مناسبات عديدة تقديمهم أي دعم للحوثيين،(23) وبالطبع كل هذه النمطيات تبقى في إطار المسرحيات السياسية التي تفضحها الحقيقة في الواقع، إذ أعلنت وسائل إعلام في أوقات متكررة عن ضبط العديد من شحنات الأسلحة التي أرسلتها إيران للحوثيين في بداية الحرب، إضافة الى وجود -وأحيانا مقتل- خبراء إيرانيين ولبنانيين يساندون مليشيا الحوثي في معاركها مع الحكومة المعترف بها دولياً.(24)
يمكن تفسير تعاطي إيران في هذه المرحلة إنطلاقا من فرضيتين:
● الأولى أنها_ إيران _ مجبرة على ذلك بحكم عدم رعايتها الكاملة والدائمة لحركة الحوثي، ولم تكن السبب الرئيسي في تحقيق الحركة لمكاسبها على الأرض، بل أن استفادة الحوثيين من المتناقضات المختلفة على الصعيد المحلي أولا ثم الإقليمي تاليا – ضبابية موقف السعودية والإمارات تجاه الحوثيين، واعتقاد الدولتين أن بوسعهما توظيف حركة الحوثي للقضاء على حزب الإصلاح في اليمن الحزب الذي يحسب من قبل الدولتين على جماعة الإخوان المسلمين الذين تحمل الدولتان رغبة كبيرة في القضاء عليها وإزالتها من المنطقة، وسبق وأن قامتا بتصنيف هذه الجماعة ضمن قوائم الإرهاب*، وساهمتا في دعم انقلاب لإقصائها من الحكم في مصر- وأيضا استفادة الحوثيين من الدوافع الانتقامية لدى الرئيس صالح الذي أزيح عن السلطة بسبب ثورة فبراير2011م، واعتقاده أن حزب الإصلاح والجناح القبلي والعسكري المساند له، هم الفاعل الرئيسي للثورة، فوظف كل إمكانياته ونفوذه وقاعدته الشعبية للانتقام من الإصلاح، ووجد في حركة الحوثي حليفا مناسباً فدخل معها في تحالف للانقلاب على الدولة، ثم حاول فسخ هذا التحالف مؤخراً وإعلان تمرد على المتمردين، ليلقى حتفه في العام 2017م على يد الحوثيين، وخلو الساحة لهم بشكل كامل، فيعلنون تشكيل مجلس رئاسي، وحكومة موازية للحكومة المعترف بها دولياً، ودشنوا مرحلة أصبحوا فيها هم الدولة والحكومة والجيش في مناطق سيطرتهم. هذه التطورات التي وصل الحوثيين فيها الى مرحلة تشكيل حكومة موازية، واعتبار الحكومة المعترف بها دوليا والتي يرأسها عبدربه منصور هادي حكومة منتهية الصلاحية، وضع إيران أمام خيار وحيد هو التعامل مع الحوثيين كحليف، ولو أمام الرأي العام الشعبي والعالمي.
● الثانية وهي أن إيران اتخذت هذا الخيار مبكرا، بهدف إرباك السعودية عدوها التقليدي، ودفعها إلى منح الحوثيين تسهيلات لإيصالهم إلى صنعاء، وهو ما فعلته السعودية بتأليب من الإمارات،" فقد ذكر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العقيد أنور عشقي في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم، أن هناك دولة في التحالف، أقنعت السعودية أن الحوثيين لا رغبة لديهم في الانقلاب على الدولة، وأن هدفهم من اقتحام صنعاء هو القضاء على أحد الأطراف المحلية في إشارة الى حزب الإصلاح".(25) وبهذا فقد تمكنت إيران من ضرب عصفورين بحجر واحد بعدم إعلان تبعية الحوثي لها، إذ أتاحت لهم بذلك فرصة للوصول إلى صنعاء بضوء أخضر من السعودية نفسها، ووضعت السعودية في زاوية حرجة بقبول التحالف مع الحكومة المعترف بها دوليا والتي يعتبر الإصلاح الطرف الأقوى فيها، وهو ما سيجعل التحالف الذي سيقاتل الحوثي تحالفاً هشا ومفككا، بسبب الخلفية العدائية بين أطرافه، وتناقض أجندة وأهداف كل طرف فيه عن الآخر، مقابل توحد جبهة الحوثيين، وخلو الساحة لهم وحدهم، وهو ما حدث ويحدث في الواقع اليمني حتى الآن.
من خلال هذا التنميط الذي تمارسه إيران لصورة الحوثيين كحكومة مستقلة وحرة، فهي تهدف إضافة الى جلب تعاطف المجتمع الدولي والرأي العام العالمي مع الحوثيين تهدف أيضا لمنح الحوثيين الصورة الملائمة أمام الرأي العام الشعبي اليمني، الذي بطبيعته يميل لا شعوريا الى كل من يمتلك القوة والإرادة والاستقلالية في صناعة القرار، فإن لم يساندوه فعلى الأقل سينظرون اليه بإعجاب، لا سيما وأن إيران تسعى في تعاملها مع الحوثيين أن تجعلهم يبدون على النقيض تماما من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي أصبحت في نظر الرأي العام اليمني فاقدة للإرادة والقرار ولا تحظى بأي احترام أو تقدير أو قيمة من قبل حلفائها، وتعزز من هذه المفارقة في نظر اليمنيين الطريقة التي تتعامل بها السعودية والإمارات مع حكومة هادي المعترف بها دوليا منذ إندلاع عاصفة الحزم حتى اليوم, على العكس تماما من طريقة تعامل إيران مع الحوثيين, فحين حرصت الأولى على تهميش دور الحكومة الشرعية أمام العالم وأمام الشعب, حرصت الأخيرة على أن تمنح الحوثيين أكبر قدر من التقدير والاهتمام على الأقل أمام الرأي العام العالمي واليمني.(26)
عموما فإن هذه المرحلة من مسار علاقة الحوثيين بإيران انتهى وقتها، مع دخول متغيرات جديدة في خارطة الأحداث في اليمن خاصة حين بدأت السعودية في وقت مبكر من العام 2020م تسعى لفتح خط تواصل مباشر مع جماعة الحوثي بغية تكرار سيناريو ما بعد حصار صنعاء في نهاية حروب السنوات السبع التالية لثورة 26سبتمبر, ووضع حل يتم فيه إدغام الحوثيين مع بقية الأطراف في حكومة توافقية تكون تحت مضلة السعودية, وهذا ما دفع إيران الى تدشين المرحلة الرابعة التي أظهرت فيها حقيقة علاقتها بالحوثيين، وإن لم تكن الحقيقة فعلياً فإنها الصورة التي تريدها إيران وتفرضها بالقوة.
مرحلة الوكيل والعميل المباشر لإيران.
وهي المرحلة التي تم تدشينها في وقت متأخر نسبياً، وتحديدا في منتصف العام الماضي 2020م حين وصل السفير الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء، الذي يؤكد محللون وخبراء أن مهامه تختلف عن مهام السفراء، بل وصل ليدشن مرحلة مختلفة من مراحل العلاقة المعقدة بين إيران والحوثيين، ويثبت ولو بصورة غير مباشرة أن الحوثيين مجرد ذراع من أذرعة إيران في المنطقة، ويثبت هذ التحليل توقيت وصوله إلى صنعاء، الذي أتى بعد أيام قليلة من نشر وسائل إعلامية أخباراً عن محاولة السعودية لفتح خط تواصل مباشر مع الحوثيين،(27) في خطوة اعتبرتها إيران تجاوزا لها، ومحاولة سعودية لاحتواء الحركة وحصاد محصول ثلاثة عقود من الدعم الإيراني للحركة التي أصبحت بنظر إيران وكيلا لها في اليمن.
ورغم أن تدشين المرحلة بشكل معلن أتى متأخرا، إلا أن إيران منذ ظهور حركة الحوثي على مسرح الأحداث كانت تعتبرها فرعاً من فروعها في المنطقة(28)، سواء أراد الحوثيين ذلك أو لم يريدوا، وسواء أعلنت هي عن ذلك أم لم تعلن، فقد تحدثت تقارير ودراسات أن خلية مكونة من ضباط من الحرس الثوري الإيراني تحت إشراف الجنرال قاسم سليماني هي من كانت تضع خارطة طريق الحوثيين، في كل مراحلهم، وهي من تحدد لهم الخطوط التي يسيرون عليها، سواء قبل دخول صنعاء، أو بعد دخولها، فوفقاً لهذه الفرضية لم يكن قادة جماعة الحوثي يقطعون أمرا في حرب أو سلم إلا بعد الرجوع لإيران.
وتؤكد ذلك دلالة أخرى يتم إغفالها كثيرا وهي أن الغالبية من قيادة الحوثيين على رأسهم زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي لا يمتلكون المهارات السياسية اللازمة، للتعاطي مع المتغيرات المحلية والإقليمية المعقدة، فغالبية الصف الأول في قيادة حركة الحوثي لم يتموا دراسة الثانوية العامة فضلا عن الجامعية، والغالبية العظمى منهم لا سيما جناح صعدة، تخرجوا من مدارس وحلقات دينية بسيطة، وبالنظر الى طريقة إدارتهم للمتغيرات وانتهازهم الفرص والاستفادة من التناقضات، التي يمكن القول عنها أنها طرق وأساليب احترافية، فإن ذلك يثبت أن من يوجه مسارهم ويدير تحركاتهم لا بد وأن يكون خبيراً ومحترفاً، وليس بالضرورة أن يكون شخصاً بل أجهزة ومؤسسات سياسية محترفة، وهو ما يؤكد فرضية أن الحوثيين أشبه بدمى تحركها المؤسسة السياسية والعسكرية والاستخباراتية في طهران، وربما عن طريق فروعها في لبنان خاصة حزب الله اللبناني الذي يمتلك خبراء أهلتهم وصنعتهم إيران منذ وقت مبكر، خاصة وأن الحوثيين يحرصون منذ بداياتهم الأولى يحرصون على محاكاة نموذج حزب الله اللبناني، ويستنسخون تجربته في لبنان لكن بالطريقة التي تلائم الطبيعة الديموغرافية الخاصة لليمن.(29)
إذا فقد دشنت إيران المرحلة الأخيرة لمسار علاقتها بالحوثيين بشكل معلن لتحول بذلك بين الحوثيين وبين أي فرصة للتفاوض بشكل مباشر مع السعودية، كما كانت السعودية تأمل منذ البداية، وكانت نتيجة هذه المرحلة إضافة إلى الخطوات والأعمال التي قام بها السفير الإيراني بعد وصوله والتي أنهى بها أي فرصة للتفاوض المباشر بين السعودية والحوثيين، وأثمرت تحركاته عن إعلان الحوثيين رفضهم الكامل الدخول في أي مفاوضة مع السعودية، وتهدف إيران أيضا إلى قطع الطريق على السعودية كي لا تفرض شروطا أحادية أو مبادرة للسلام في اليمن، وهو ما يفسر إصدار الخارجية الإيرانية بيان إدانة لمبادرة الحل في اليمن التي أعلنتها السعودية.(30)
وأمام هذا الإصرار الإيراني بإيقاف أي تقارب بين الحوثيين والسعودية، وعدم إتاحة فرصة للسعودية لوضع رؤية لحل سياسي في اليمن بمفردها، دفع هذه الأخيرة في النهاية للدخول مؤخرا مع إيران مباشرة في مباحثات معلنة فيما يخص الشأن اليمني لتثبت إيران للسعودية وللحوثيين وللعالم أنها هي المتحكم الفعلي بالحوثيين، ولن تترك لهم أي خيار للخروج من عباءتها وتحديد المسار الذي يناسبهم، هذا يدفع للسؤال ما الذي تريده إيران من الحوثيين؟ وكيف تتصور الحل في اليمن وماهي رؤيتها ليمن ما بعد الحرب؟
ماذا تريد إيران من الحوثيين وما الذي تخطط لهم؟
الحقيقة أن معالم خارطة الطريق الإيرانية التي ترسمها للحوثيين مبهمة، وضبابية لكن يمكن القول أن إيران لا تتوقع أن يكون الحوثيون نسخة من أذرعتها الأخرى في المنطقة، بسبب عوامل تميز الحوثيين عن بقية أذرعها في المنطقة، والتي سنخصص لها جزءاً من هذه الدراسة، لكن رغم ذلك فإيران لديها خطط أخرى تخص الحوثيين، فربما ترغب في تمكينهم من الدولة اليمنية بشكل كامل، فقد صرّح المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، خلال اجتماعه بالناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، في أغسطس 2019م أن "المقاومة التي يخوضها المؤمنون والمؤمنات في اليمن سوف تنشئ "حكومة قوية".(31)
لكن هل يعني ذلك أن إيران ستمنح الحوثيين الاستقلالية الكاملة عن نفوذها؟ أم أنه يقصد بذلك حكومة يكون الحوثيون الشريك الأقوى والمسيطر فيها؟ او أن حديثة عن القوة لا يعدو عن كونه نوعا من التهديد للسعودية؟. خاصة وأن هذه الأخيرة تمتلك استراتيجية تاريخية شهيرة يشاع أنها عبارة عن وصية من مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لخلفائه(32)، بضرورة العمل على إبقاء اليمن يعيش في ظل حكومات هشة وضعيفة، وهو ما يعني أن الخميني يعطي إشارة بأن إيران تهدف إلى مناقضة هذه الإستراتيجية، وتأسيس حكومة لن تكون قوية فحسب بل ستكون تهديداً دائماً ومستمراً للسعودية. لكن كيف يمكن لإيران أن تؤسس حكومة قوية وفي نفس الوقت تضمن تبعيتها لها؟ فمن المعروف أن الحكومات القوية لا تكون تابعة لأي قوة أو دولة أخرى بل إن القوة الكاملة لأي حكومة مشروطة بالاستقلالية، إلا إن كانت إيران ستكتفي بأن تؤسس حلفاً عسكريا نديا مع الحوثيين خاصة وأن "إيران ترى في تحالفها العسكري مع الحوثيين وسيلة منخفضة الكلفة وبالغة الأثر للانتقام من السعودية. وهي ترغب في الاحتفاظ بهذه الوسيلة لأطول فترة ممكنة".(33)
إلى إي مدى يمكن لإيران أن تضمن تحالفاً عسكريا مع الحوثيين؟، إن كان هذا هو أهم أهدافها في اليمن، وأبرز ما تريده إيران من الحوثيين، ففي حال استطاعوا تشكيل حكومة مستقلة قوية، فمن الطبيعي أن تكون لدى الحوثيين أهداف وأجندة مختلفة عن أجندة إيران في اليمن، أهمها السيطرة الكاملة على اليمن وعدم الاكتفاء بشمال اليمن فحسب، وقد صرح بذلك العديد من قيادة المليشيا في تغريدات على منصة تويتر، خاصة وأن الجنوب يملك النسبة الأكبر من الثروة النفطية ويشرف على مساحة مائية واسعة من بحر العرب، ولا توجد قوة عسكرية في الجنوب موازية او مكافئة لقوة الحوثيين، فقد أسهمت الحرب وممارسات الأمارات على مدى سبع سنوات منذ بداية التحالف في تفكيك وحدة المكونات الجنوبية، ولم تتمكن من إنشاء قوة حقيقية فالقوة التي أنشأتها والمتمثلة في الأحزمة الأمنية والنخب الجنوبية، التي شكلتها الإمارات خارج إطار القوات المسلحة التابعة لحكومة هادي المعترف بها دوليا تعتبر قوة هشة وضعيفة مقارنة بقوة الحوثيين ، وقد أثبتت هذه القوى المحسوبة على الإمارات هشاشة وضعفاً كبيراً، حين خاضت معارك مع القوات الحكومية في العام 2019م، ولم ينقذها إلا الطيران الإماراتي بقصف القوات الحكومية في نقطة العلم بمداخل مدينة عدن، وهذة المؤشرات تعني أن الحوثيين لن يتركوا الجنوب، في حال حققوا أهدافهم في الشمال، وشكلوا الحكومة التي تحدث عنها الخميني، فمن المرجح أنهم لن يجازفوا بخوض معركة ستكون صعبة نسبيا مع السعودية تنفيذاً لرغبة إيران الإنتقامية،(34) في حين أن بوسعهم خوض معركة أسهل في الجنوب، للسيطرة على منابع النفط، والشريط الساحلي الجنوبي لبحر العرب وخليج عدن، وهي المعركة التي لا تريدها أيران لأسباب أبرزها أنها تريد أن تخوض حواراً مع المكونات الجنوبية، وتسعى لإيجاد ذراع لها في الجنوب من القوى الجنوبية نفسها لا أن تعتمد على الحوثيين في ذلك، ويؤكد ذلك ما ذكره الكاتب الإنجليزي Samuil Ramani نقلآ عن الدبلوماسي الجنوبي السابق أحمد عاطف في حوار أجراه معه "أن المسؤولين الإيرانيين يعتبرون أن الدعم الذي قدّمه جنوب اليمن للثورة الإيرانية في عام 1979 وتضامنه مع إيران في حربها مع العراق في مرحلة 1980-1988 يُشكّلان سابقتَين يمكن الركون إليهما للتعاون في المستقبل".
وهذا التناقض بين أهداف إيران المؤجلة في الجنوب وأهداف الحوثي المستعجلة ستنهي أي تحالف عسكري متوازن بين الحوثيين وإيران.(35)
تبقى هذه فرضية ضمن فرضيات كثيرة في خارطة الطريق الإيرانية لليمن بعد الحرب بطبيعة الأحوال، فرغم ما صرح به الخامنئي، إلا أن مسؤولين إيرانيين تحدثوا في أوقات مختلفة من الأعوام الثلاثة الأخيرة، أن إيران أصبحت تمتلك جيشاً رابعا في الشرق الأوسط، وتصريحات مندوب مدینة طھران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني الذي ذكر فيها بأن صنعاء رابع عاصمة عربیة تقع تحت النفوذ الفارسي ،(36) وهو ما يعني أن إيران لن تجازف مطلقاً وتمنح الحوثيين حكومة مستقلة وقوية، ولا تريد من الحوثيين أن يصبحوا هم الحكومة بشكل كامل، أي أن حركة الحوثي لن تحقق حلمها القديم بإعادة الدولة الزيدية في اليمن، إلا إن أصبحوا في فسحة من أمرهم، بالقدر الذي يستطيعون به الانقلاب على النفوذ الإيراني دون أن تتمكن إيران من الحيلولة دون ذلك، ويحتمل أن يفعل الحوثيون ذلك في حال تمكنوا من تخطي عقبة واحدة، هي السيطرة على محافظة مأرب كما سنوضح لاحقاً، ويعزز فرضية تمرد الحوثيين عن طوق التبعية لإيران مجموعة عوامل، تميز حركة الحوثيين عن بقية الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية، حتى حركة حزب الله اللبناني الذي يعتبره محللون النموذج التي سعت حركة الحوثي لتطبقه على نفسها..
عوامل تميز الحوثيين عن بقية أذرعه أيران:
أن إيران تعتقد أنها تمتلك زمام الحركة الحوثية في اليمن كما تمتلك زمام أذرعتها الأخرى في المنطقة، خاصة مع التماهي والانسجام الذي يظهره الحوثيون مع رؤى وتوجهات إيران، بإقامة وتنظيم الفعاليات الحسينية والاحتفال بالمناسبات الإثنى عشرية مثل عيد الغدير وإقامة البكائيات في ذكرى استشهاد الحسين والاهتمام بالمناسبات والأعياد الفارسية المختلفة، وإعلان الحوثيين أنفسهم في مناسبات عدة إنطواءهم ضمن محور المقاومة الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط، لكن هناك عوامل تؤهل الحوثيين للاستقلالية عن الهيمنة الإيرانية وتميزهم عن بقية أذرع إيران في المنطقة وأبرز هذه العوامل هي:
1. الحوثيون وخلافا لأذرع إيران الأخرى في المنطقة، ينطلقون من قاعدة أصولية تهدف الى استعادة الدولة الزيدية في اليمن التي قضت عليها ثورة 26سبتمبر1962م وقد احتوتهم إيران بعد ظهورهم كحركة فاعلة وبعد زيارات لمؤسس الحركة حسين بدرالدين الحوثي ووالده الى إيران وتذكر وكالة رويترز"أن الحوثيون كانوا هم أصحاب المبادرة لتأسيس علاقات مع إيران في البداية ولم تكن إيران هي من خطط لإنشائهم كما فعلت مع أذرعها الأخرى في المنطقة",(37) وقد لجأ الحوثيون الى إيران بعد أن فشلت حركات وأحزاب ذات توجه زيدي من الاعتماد على السعودية في مساعيهم لاستعادة الدولة الزيدية, التي كانت السعودية آخر حليف لها، وهو ربما ما دفع بمؤسس الحوثيين للبحث عن حليف آخر لتقوية حركته الجديدة التي سماها "الشباب المؤمن"، ووجد الحليف متمثلا في إيران، فبدأ بعد ذلك بتحريف مبادئ العقيدة الزيدية والهادوية بما يتوافق مع العقيدة الإثنى عشريه، وهي المذهب الرسمي لإيران، وخطوة مؤسس الحوثيين هذه كانت لإقناع إيران بمنحه الثقة الكاملة واعتباره يدا لها في اليمن، وهو ما حصل في وقت مـتأخر نسبيا، إذ يرجح خبراء أن أول دعم حقيقي للحوثيين من إيران أتى بعد عام 2003م وهو العام الذي بدأ فيه زعيم الحوثيين أول تمرد على الحكومة في محافظة صعدة.(38)
2. رغم تحريف العقيدة الزيدية من قبل زعيم الحركة الحوثية للتقارب مع العقيدة الإثنى عشرية، إلا أن ذلك لم يمنع النسبة الأكبر من الحركة الحوثية من أن تبقى أقرب لأصولها وجذورها الزيدية، وتختلف مع الفكر الإثنى عشري الإيراني في مبادئ أساسية وفرعية، أهمها الرؤية السياسية حيث أن الزيدية لديها رؤية سياسية تتميز فيها عن كل العقائد الشيعية منها الإثنى عشرية، فهي لا ترى أن الإمامة مسألة وراثة، بل تحدد شروطاً أساسية ينبغي توفرها في الإمام، ويحق للناس الخروج على الإمام إن وجدوا أفضل منه، بعكس الإثنى عشرية التي ترى أن منصب الإمام حكرآ على الإمام الثاني عشر المختفي في السرداب، وينوب عنها إمام من المذهب حتى يحين وقت ظهوره، ومن الفروق الظاهرة بين حركة الحوثي ذي الجذور الزيدية والعقيدة الإثنى عشرية اهتمام الحوثيين باحتفالية المولد النبوي بشكل خاص وهي مناسبة مقدسة في العقيدة الزيدية والهادوية*، أكثر من العقائد الشيعية الأخرى كالإثنى عشرية التي تعطي الإهتمام الأكبر لمناسبات أخرى مثل غدير خم، ويوم كربلاء و استشهاد الحسين وهذى مناسبات يحتفل بها الحوثيون لكن على نطاق ضيق وخجول نسبيا تماشيا مع احتفالات إيران وأذرعتها في المنطقة، ولا تلقى تجاوباً من الحاضنة الشعبية للحوثيين وقد ازدادت وتيرة هذه الفعاليات الأخيرة نسبيا بعد وصول السفير الإيراني إلى اليمن في العام 2020م والعام 2021م، إما احتفالية المولد النبوي فيمنحها الحوثيون زخماً كبيراً على كافة الأصعدة، وفي كل المناطق التي تحت سيطرتهم، ويخصصون للاحتفال بها دعماً كبيراً وإمكانيات لا محدودة، وتشير هذه الإحتفالية واهتمام الحوثيين المبالغ فيه بها إلى رغبة الحوثيين في تمييز أنفسهم عن أذرعه إيران في المنطقة.
3. يوجد ضمن المكونات والأجنحة الأساسية المكونة للجماعة الحوثية, مكون محوري لا يخضع بشكل كامل لإيران ولا يدين بالولاء الكامل لها وهو المكون الذي يشار اليه بجناح "الطيرمانات " في الإعلام الشعبي وهو مكون من الشخصيات الزيدية ذات النفوذ والتي كانت ضمن الأطراف التي تشكلت منها الجمهورية برعاية السعودية, والتي رغم اندماجها في الحركة الحوثية إلا أنها ليست على اقتناع كامل بإيران وفكرها وعقيدتها, إضافة الى كونها كانت محسوبة على السعودية وتلقت الدعم والاهتمام منها طيلة أعوام سلطة الجمهورية, وهذا الجناح أو المكون يميل إلى إعادة الدولة الزيدية بنفس الفكر الزيدي ودون تعديل أو تحوير أو خضوع لإيران.(39)
4. التباعد الجغرافي بين إيران واليمن -شمال اليمن تحديدا-، يجعل استمرار الهيمنة الإيرانية على صناعة القرار في الحركة الحوثية صعبا وخاضعا للمتغيرات، فليس من الممكن الوصول الى اليمن بسهولة الوصول إلى بغداد أو إلى بيروت، خاصة وأن اليمن والمناطق التي تسيطر عليها حركة الحوثي تفصلها عن إيران منطقة دول الخليج العربي التي تتقاطع فكريا وسياسيا مع إيران، باستثناء سلطنة عمان والتي رغم أنها تنتهج سياسة حياد(40) لكنها وبكل الأحوال لن تسمح لنفسها أن تغدو جسرا دائما لعبور الإيرانيين من وإلى اليمن، أضف إلى أن الأجواء اليمنية خاضعة لسيطرة التحالف العربي بقيادة السعودية, والميناء الوحيد الذي يمتلكه الحوثيون هو ميناء الحديدة بالبحر الأحمر، وللوصول اليه ينبغي المرور بباب المندب الذي يخضع لسيطرة قوات التحالف أيضا. (41)
5. الحوثيون وبخلاف أذرع إيران الأخرى في المنطقة ينتهجون سياسة تقلل من اعتمادهم على إيران في الدعم والتمويل الاقتصادي واللوجستي والعسكري، ويحاولون الاستفادة القصوى من الموارد الاقتصادية التي تحت سيطرتهم والتي يحرمون منها الشعب بشكل كامل، كما أنهم يعتمدون على الجبايات والتبرعات التي يفرضونها على التجار ورؤوس الأموال في مناسبات مختلفة ومبررات شتى، (42) ومن خلال هذه الموارد الضخمة جدا -كما وصفها العديد من خبراء الاقتصاد- يطمح الحوثيون الى تحقيق الاكتفاء الكامل.
وقد أشارت دراسات استراتيجية نشرها محللون سياسيون وباحثون استراتيجيون أن الحوثيين بخلاف كل أذرع إيران في المنطقة لا يشكلون عبئا اقتصاديا على إيران، بل أنهم يحققون فوائد سهلة لها كما أنهم يقدمون دعما ماديا لأذرع إيران الأخرى في المنطقة، كما حدث في العام 2019م حين أعلن الحوثيون تقديم دعم وتبرعات مادية لحزب الله في لبنان.(43)
6. يبقى اعتماد الحوثيين على إيران محدودا بشكل ما وينحصر في بعض الدعم اللوجستي خاصة الأسلحة النوعية مثل الطيران المسير والصواريخ النوعية, وأيضا في الخبرات العسكرية، وحتى هذه الأمور وصل الحوثيون فيها الى ما يشبه الاكتفاء الذاتي الذي حققوه تصاعديا خلال سنوات الحرب منذ العام 2014م حتى الآن, بالاستفادة من الدعم والخبرات الإيرانية التي وصلت للحوثيين قبل الحرب وفي بدايات الحرب أيضا وبشكل كبير جدا(44), تماما كما كان الدعم اللوجيستي والخبرات العسكرية النازية تتدفق الى فرانكو في بداية الحرب الأهلية الإسبانية.
7. اختلاف أجندة إيران في الجنوب عن أجندة وأهداف الحوثيين كما شرحنا في الفصل السابق.
هذه العوامل تعني أن الحوثيين قد يشبون عن طوق التبعية لإيران عند أي فرصة تتاح لهم، لا سيما أنهم لم يعودوا في حاجة لدعم إيران الإقتصادي والعسكري في الفترات الأخيرة، وليس عليهم أي إلتزامات نحو إيران قد تمنعهم من الخروج عن مظلتها، بل أنهم قد يجدون ترحيبا من دول أخرى في المنطقة، كالسعودية التي حاولت مرارا منذ العام 2020م أن تدخل في حوار مباشر معهم بغية تحييدهم عن نطاق الهيمنة الإيرانية واحتوائهم في حل سياسي شامل ينهي الحرب في اليمن وقد أشارت الى ذلك العديد من الوسائل الإعلامية.
هل تضع إيران حسابا لهذه العوامل؟
إن العوامل التي ذكرناها سابقا والتي تؤهل الحوثيين للخروج عن مظلة التبعية لإيران والشروع نحو الاستقلالية الكاملة في صناعة القرار، وهو الأمر الذي يعني ضياع كل جهود إيران في اليمن هباء، لم تكن بعيدة عن حسابات إيران وتوجساتها، لذا سعت لحسم المسألة ولو في وقت متأخر.
وقد تمثل أول رد فعل إيراني أمام هذه التوجسات والمخاوف من استقلالية الحوثيين عن هيمنتها في خطوة إيران المفاجئة بإرسال سفيرها حسن إيرلو الى صنعاء نهاية العام 2020م، الذي يفسر مجيئة الى اليمن-بحسب تحليلات الكثير من المحللين والخبراء السياسيين والناشطين- ليشرف على معركة مأرب بعد الفشل الذريع للحوثيين فيها.(45)
إلا أن توقيت وصوله إلى اليمن أتى بعد أسابيع معدودة من انتشار أخبار في وسائل الإعلام عن محاولة السعودية لفتح خط تواصل مع الحوثيين مباشرة للدخول معهم في مفاوضات بشأن وضع حد للحرب في اليمن، وتوقيت كهذا يثبت ما تداوله محللون استراتيجيون أنه جاء للتحكم في زمام أمور الحوثيين، وتوجيههم بشكل مباشر في الطريق التي تريدها إيران، ومنع أي محاولة يقوم بها الحوثيون للخروج من عباءة الولي الفقيه، والحيلولة دون أي تفاهم مباشر بين الحوثيين والسعودية مهما كان شكل وأهداف هذا التفاهم، الذي تعتبره إيران تجاوزا لها.(46)
وما يثبت الفرضية السابقة هو أن السفير الإيراني استهل أعماله في اليمن, -وذلك حسب تأكيدات ناشطين ومحللين سياسيين - بتصفية قيادات بارزة في صف جماعة الحوثي، أشيع أنها تميل الى مد يدها للسعودية، مثل القيادي حسن زيد رئيس حزب الحق الذي يعتبر الجناح السياسي الأول للحركة الحوثية، والذي تقلد وزارة الشباب والرياضة في الحكومة الغير معترف بها دوليا وتم إغتياله في إحدى شوارع صنعاء بالعام 2020م، ثم تلى ذلك حالات موت مفاجئة للقيادي زكريا الشامي ووالده يحيى الشامي، أعلنت المليشيا وفاتهما بوباء كورونا فيما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وأشار محللون إلى أنها اغتيالات مدبرة دشنها السفير الإيراني ضد جناح المليشيا شبه المعتدل.(47)
لم يكتفِ السفير الإيراني بهذه الأعمال التي أشيع أنها من تدبيره بل أظهر وفي مناسبات عدة أن مهمته في اليمن تتجاوز مسألة التمثيل الدبلوماسي لبلاده إلى التحكم المباشر في خطوات الحوثيين وتوجيههم، وهو الأمر الذي جعل الناشطين في وسائل التواصل الإجتماعي يصفونه بالحاكم الفعلي في صنعاء، وقد أظهر للعالم حقيقة مهمته بقيامه برعاية بكائيات حسينية ومناسبات شيعية في صنعاء،(48) إضافة الى زيارات رسمية الى مؤسسات الدولة(49)، وأيضا لقاءات مع مفوضين ومسؤولين أممين في اليمن(50)، وأيضا مسؤولين حكوميين في سلطة المليشيا في أوقات متكررة,،(51)إضافة الى تغريداته بالعربية على حسابه في تويتر، التي يتحدث فيها بلهجة صناع القرارلا باللهجة المعهودة للدبلوماسيين.(52)
معركة مأرب قد تأتي بما لا تشتهي سفن إيران:
نبذة عن المعركة وأهميتها:
معركة مأرب تشير إلى العملية العسكرية الواسعة التي شنها الحوثيون وأحدثوا بها انقلاباً في موازين المعركة، وتمكنوا من إسقاط عدة محافظات ومواقع استراتيجية مهمة، منذ بداية العام 2020م، وبدأوها من غرب محافظة الجوف وجبال فرضة نهم، وتأتي أهمية معركة مأرب للحوثيين من كون محافظة مأرب هي المحافظة الوحيدة التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها في العام 2014م، كما أنها مركز وزراة الدفاع الحكومية ومقر تشكل قوات الحكومة المسلحة، إضافة إلى أن المحافظة تحوز على منطقة صافر أكبر منابع النفط في شمال اليمن، وقد شن الحوثيون حملتهم العسكرية بعد أن بقيت الجبهات القتالية بين القوات الحكومية والحوثيين تراوح مكانها طيلة ثلاثة أعوام، في ظل اتهامات من القوات الحكومية لقوات التحالف بإيقافها تقدم قوات الجيش الحكومية ومنعها من التحرك طيلة السنوات من العام 2018 حتى العام 2019م..
أبرز أحداثها ونتائجها حتى الآن:
أدى إنسحاب قوات الجيش الوطني التابعة للحكومة المعترف بها دوليأ من مواقعها في جبال فرضة نهم، إلى تمكين الحوثيين من إحكام حصار على محافظة الجوف، التي سقطت بعد ثلاثة أشهر من المواجهات المحتدمة وإنسحاب القوات الحكومية منها إلى مأرب، وأصبحت توجهات الحوثيين هادفة إلى محاصرة وإسقاط محافظة مأرب شمال اليمن، وقد تمكنوا خلال العامين الماضيين من تحقيق تقدمات واسعة بإتجاه مركز المحافظة، رغم الصمود الذي تجابههم به القوات الحكومية التي تنتهج إستراتيجية استنزافٍ ضد الحوثيين، أشارت تقارير إلى أنها أفلحت في إنهاك القوة البشرية للحوثيين بشكل غير مسبوق، إذ ذكرت تقارير أن عدد خسائر الحوثيين في معركة مأرب خلال العام 2021م فقط بلغ 23756 قتيلاً و50500 جريح (53) ، ومقابل ذلك حقق الحوثيون في هذه المعركة إختراقات في محافظة البيضاء وشبوة خلال سبتمبر من العام 2021م، ومن خلالها تمكنوا من قطع الخط الرئيسي بين مأرب وشبوة، والسيطرة على مديريتين في شبوة وأربع مديريات في مأرب، لتصبح نتائج المعركة على الصعيد الجغرافي حتى الآن كالتالي:
● سيطرة الحوثيين على المديريات التالية :-( مديرية مجزر- اجزاء من مديرية مدغل- أجزاء من مديرية رغوان – أجزاء من مديرية صرواح- مديرية العبدية بالكامل_ مديرية حريب بالكامل_مديرية ماهلية بالكامل_معظم مديرية جبل مراد- مديرية الجديدة) وهذة المديريات تمثل ما نسبته 20% من مساحة محافظة مأرب، وتتركز فيها الكثافة السكانية.(54)
● سيطرة القوات الحكومية المعترف بها دوليا (على مركز محافظة مأرب مدينة مأرب – معظم مديرية رغوان_ أجزاء من مديرية صرواح_ أجزاء من مديرية جبل مراد – مديرية الجوبة-مديرية الوادي وهي أكبر مديرية في مأرب وتحتوي على حقول نفط صافر).(55)
كيف ستؤثر معركة مأرب على علاقة إيران والحوثيين؟
في هذا الشأن يمكن القول أن إيران جادة في حسم معركة مأرب لصالح الحوثيين، لكنها لا تنظر إلى ما يترتب على حسم المعركة الذي قد يأتي بعكس ما تشتهيه سفنها، وبعكس أهدافها التي تتمثل في تطويق السعودية من الجنوب، خاصة وأن مأرب هي الحصن الأخير الذي يحول بين الحوثيين وبين إتمام السيطرة الكاملة على شمال اليمن، وبالتالي سيطرة الحوثيين على الجغرافيا التي تعتبرها السعودية عمقاً استراتيجيا لها، أو بحسب تفسير السعودية وبعض المسؤولين اليمنيين الحديقة الخلفية لها.(56)
فالحوثيين إذا يملكون فرصة للاستقلالية والخروج عن مظلة إيران في حالة واحدة، وعلى ما يبدوا فإن إيران تغفلها بشكل كامل، وهي إن تمكنوا من السيطرة الكاملة على جغرافيا شمال اليمن، وتحديدا إن استطاعوا تحقيق السيطرة على أهم معقل للحكومة الشرعية والقوى المساندة لها، هذا المعقل هو محافظة مأرب النفطية شمال اليمن.
رغم ذلك فإن إيران تستمر في الدفع بكل ثقلها في سبيل تمكين الحوثيين من السيطرة عليها، وقد ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية في تغريده لها قبيل شهر رمضان الماضي 2021م بأن الحوثيين سيدخلون إيران ويفطرون من تمرها(57)، في إشارة منها إلى أنها جادة في تمكين الحوثي من السيطرة على مأرب، ورغم أن محللين سياسيين يرجعون ذلك الى رغبة إيران في منح الحوثيين الأفضلية في أي اتفاق أو مبادرة سلام مستقبلية(58)، إلا أن التجارب التاريخية تؤكد أن الحوثيين لن يجنحوا لأي اتفاق سلام إن تمكنوا من السيطرة الكاملة على أهم وأغنى المحافظات النفطية اليمنية، بل سينصب سعيهم مبدئيا على ترسيخ إدارتهم المستقلة على شمال اليمن ربما مع تقديم تنازلات سيتراجعون عنها لاحقا لأطراف أخرى لا تحسب ضمن الأطراف التابعة لحكومة الشرعية مثل قوات طارق صالح في الساحل الغربي و مضيق باب المندب لغرض تحييد الإمارات، وهو ما أفصحت عنه التفاهمات الغير معلنة بين القوات الموالية للإمارات من جهة والحوثيين من جهة أخرى والتي أسفرت عن تمكين الحوثيين من الوصول إلى شبوة ومحاصرة محافظة مأرب من الجنوب.(59)
وتهدف تنازلات الحوثيين المبدئية لأطراف الصراع الأخرى إلى الاستفراد بمأرب، لأنها بإقصاء مأرب عن سيطرة الشرعية، ستقصي أهم وأقوى المكونات في ظل الشرعية وهو حزب الإصلاح، وهذا الهدف هو ما يجمع بين الحوثيين والإمارات، إذ يعتبران حزب الإصلاح هو الرقم الصعب أمام كل مساعيهم في اليمن، أما الحوثيون فيدركون أن بقية الأطراف ومن ضمنها الأطراف المحسوبة على الإمارات هي عبارة عن تكتلات وقوى هشة ومفككة، سيتفرغون لها في أوقات لاحقه، وإن استطاعوا ذلك وهو ممكن في حال السيطرة على مأرب فسيتمكنون وبكل سهولة من الخروج من عباءة إيران, والتفرغ لإدارة البلاد بطريقتهم.
الخلاصة
تهدف إيران إلى إبقاء حركة الحوثي في حيز التبعية الدائمة لها، وفي سبيل ذلك اتخذت خطوات عديدة أبرز هذه الخطوات الإشراف المباشر على تحركات الحوثيين بواسطة مندوب سامٍ أرسلته إيران إلى اليمن بمسمى سفير لدى حكومة الحوثي الغير معترف بها دوليا، كما أنها دخلت في حوار ومباحثات مباشرة مع السعودية بشأن اليمن بعد أن منعت الحوثيين من ذلك، وتخلصت من الشخصيات المحورية في الحركة الحوثية التي تميل إلى الاستقلالية والتقرب من السعودية، وقطعت كل الطرق أمام مساعي السعودية للوصول الى مبادرة للحل، أو تحقيق تقارب مع الحوثيين، رغم ميل بعض أجنحة الحوثيين لذلك..
ثمة عوامل كثيرة يتميز بها الحوثيون عن أذرع إيران في المنطقة تؤهلهم للخروج من مظلة التبعية لإيران، وما تحسبه إيران سيثني الحوثيين عن ذلك، فإنه غير كاف إن استطاع الحوثيون إقصاء مأرب وقوى الشرعية من طريقها، فرغم أن إيران تعتقد أنها بدفع الحوثيين نحو مأرب تؤهل نفسها للحصول على نفوذ وسيطرة أكبر عليهم، وتجعلهم رأس حربة لمواجهة السعودية، إلا أن حصول الحوثيين على مأرب سيمكنهم عاجلا أو آجلا من الخروج عن مظلة إيران، وستفقد بذلك نفوذها في اليمن بشكل نهائي.
فمأرب من هذا المنطلق هي الحبل الذي يربط الحوثيين بإيران، كونها التهديد الذي يمنعهم من إعلان أي بادرة تمرد عن النفوذ الإيراني، وهي تمثل محور التوازن الذي إن بقي في ظل الشرعية فسيبقى الحوثيون ذراعاً لإيران بحكم حاجتهم لدعمها، وإن انتفت هذه الحاجة بانتفاء التهديد فسيجنح الحوثيون نحو الإستقلالية الكاملة، وبذلك تصبح جهود إيران في اليمن في مهب الريح. وهذه هي الغلطة التي إن اقترفتها إيران فقد جنت على نفسها براقش.
ذلك في كل الأحوال لا يعني أن الحوثيين سينزوون في ظل السعودية، وهو الأمر الذي تريده السعودية، فالخطاب العدائي الذي انتهجه الحوثيون ضد السعودية، هو أساس حملتهم منذ البداية وهو ما يمنحهم بعض القبول لدى الكثير من الفئات والشرائح المساندة لهم، ولن يتمكنوا من التخلي عنه والارتماء في حضن السعودية بسهولة، بل من المحتمل أن يواصلوا تهديدهم للسعودية مستغلين سخط القوى المساندة للشرعية والذين يشعرون بالخذلان من تصرفات السعودية والتحالف وستصبح السعودية هدفا للقوى المهزومة والقوى المنتصرة على حد سواء.

مصادر الدراسة:
1. مكيافيلي,نيقولا ، كتاب الأمير، ترجمة أكرم مؤمن،منشورات مكتبة إبن سينا، طبعة جديدة، العام 2004م.
2. الحرب الأهلية الأسبانية، سلسلة وثائقية مرئية ،إنتاج تلفزيون جراندا كلار، للمخرج الإنجليزي Daivid Hart.
3. الحرب العالمية الثانية ، برنامج الدحيح، المدون أحمد الغندور، قناة AJ+ العربية التابعة لشبكة الجزيرة.
4. إسبانيا في الحرب العالمية الثانية/ الموسوعة الحرة ويكيبديا، إتبع الرابط
5. المرجع نفسه.
6. مرجع سابق: الحرب الأهلية الأسبانية، سلسلة وثائقية مرئية ،إنتاج تلفزيون جراندا كلار، للمخرج الإنجليزي Daivid Hart.
7. المرجع نفسه.
8. الخليج ومستقبل الدولة في اليمن، حلقة نقاشية لمركز دراسات الخليج بجامعة قطر نظمت بتاريخ 12 سبتمبر 2019م، تقرير الندوة على الموقع الإلكتروني للمركز متاح للتنزيل pdf.
9. الصمدي،فاطمة،ورقة بحثية، اليمن على سلم الأولويات الاستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، إتبع الرابط
10. حيدر،عبداللطيف، دراسة بحثية،العلاقات السياسية اليمنية في ظروف التحولات السياسية من منظور نظريتي "الكلاسيكية الواقعية" و " التبعية" في العلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي، 24 أغسطس/2019م، إتبع الرابط
11. "أشار علي البخيتي أحد أعضاء المجلس السياسي للحوثيين سابقاً في تغريده له على تويتر أشار فيها الى أن العديد من قيادات الحوثيين حاليا كانوا تحت رعاية دائمة من اللجنة السعودية الخاصة، وذكر شخصيات بأسمائها مثل القيادي حسين العزي."
12. غبشي، بوعلام، من هم الحوثيون وما هي مطالبهم؟، موقع تلفزيون وراديو مونت كارلو،2سبتمبر2014م، إتبع الرابط
13. شحاتة، محمد ناصر، ورقة بحثية، تمرد الحوثيين في اليمن: أبعاد ودروس، مركز الإمارات للدراسات،26 مارس 2007، إتبع الرابط.
14. الخطابات المتداولة والمسجلة لمؤسس حركة الحوثي ومضمون الملازم التي يتداولها الحوثيون والتي تتضمن تفسيرات ورؤى للموروث الديني بصبغة سياسية مناسبة لسياسة الثورة الأيرانية.
15. مرجع سابق:- الخليج ومستقبل الدولة في اليمن، حلقة نقاشية لمركز دراسات الخليج بجامعة قطر نظمت بتاريخ 12 سبتمبر 2019م، تقرير الندوة على الموقع الإلكتروني للمركز متاح للتنزيل pdf.
16. مرجع سابق: الصمدي،فاطمة،ورقة بحثية، اليمن على سلم الأولويات الاستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، إتبع الرابط
17. الحوثيون: من جبال صعدة إلى حكم صنعاء، تقرير صحفي ، BBC ARABIC، إتبع الرابط
18. مرجع سابق: غبشي، بوعلام، من هم الحوثيون وما هي مطالبهم؟، موقع تلفزيون وراديو مونت كارلو،2سبتمبر2014م، إتبع الرابط
19. فوق رؤوس الأفاعي كيف أسس صالح للحرب،مركز الجزيرة للدراسات/01‏/10‏/2017
20. عارف علي العمري، حرب صعدة من اول شرارة حتى اخر قذيفة، موقع الحوار المتمدن، العدد: 2813،28 اكتوبر 2009م، إتبع الرابط
21. متكي ينفي دعم ايران للحوثيين في اليمن،خبر صحفي على موقع بي بي سي العربية، 10نوفمبر 2009م انظر الرابط
22. حروب الحوثيين الست .. رؤية تاريخية ، تقرير صحفي، موقع الجزيرة نت21 أكتوبر 2009م الرابط
23. الدعم الإيراني مهم للحوثيين في اليمن،تقرير صحفي ،وكالة رويترز ، 15 ديسمبر 2014م الرابط
24. اليونورا دريماغني، ورقة بحثية، موقع RUSI،اللاعبون الإقليميون يستعدون لمعركة اليمن الحاسمة، إتبع الرابط
25. مقابلة اللواء أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات مع قناة روسيا اليوم.شاهد الرابط
26. مأزق اليمن ومحددات التصعيد الإيراني في المنطقة، دراسة بحثية، مركز كارنيغي الشرق الأوسط.
27.
28. ميساء شجاع الدين،الحوثيون وإيران تفاهمات السياسة وتوترات المذهب، إتبع الرابط
29. المرجع نفسه.
30. إيران تحدد شروطا لقبول مبادرة الحل السعودية في اليمن،موقع إيران انترنشنال النسخة العربية،الرابط هنا
31. سامويل راماني، ورقة بحثية، الرؤية الإيرانية لمرحلة ما بعد النزاع في اليمن، مركز كارنيجي الشرق الأوسطـ،11 ديسمبر 2019انظر الرابط
32. العلاقات اليمنية السعودية مسارات الماضي و رهانات المستقبل، نبيل البكيري،مجلة رؤية التركية، مركز ستا للدراسات السياسية والإقتصادية و الإجتماعية.أنظر الرابط
33. مرجع سابق: سامويل راماني، ورقة بحثية، الرؤية الإيرانية لمرحلة ما بعد النزاع في اليمن، مركز كارنيجي الشرق الأوسطـ،11 ديسمبر 2019انظر الرابط
34. لماذا يسعى الحوثيون للسيطرة على مأرب/تقرير صحفي الموقع بوست/الرابط
35. مرجع سابق: الصمدي،فاطمة،ورقة بحثية، اليمن على سلم الأولويات الاستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، إتبع الرابط
36. مسؤول إيراني: صنعاء رابع عاصمة عربية تابعة لنا، سام نيوز،24 سبتمبر 2019م ،إنظر الرابط : هنا
37. مرجع سابق: ميساء شجاع الدين،الحوثيون وإيران تفاهمات السياسة وتوترات المذهب، إتبع الرابط
38. مرجع سابق: الدعم الإيراني مهم للحوثيين في اليمن،تقرير صحفي ،وكالة رويترز ، 15 ديسمبر 2014م الرابط
39. صراع داخل جماعة الحوثي.. هل يتحول إلى مشهدٍ دامٍ؟ | الخليج أونلاين، 1 فبراير 2021م انظر الرابط
40. مرجع سابق:- الخليج ومستقبل الدولة في اليمن، حلقة نقاشية لمركز دراسات الخليج بجامعة قطر نظمت بتاريخ 12 سبتمبر 2019م، تقرير الندوة على الموقع الإلكتروني للمركز متاح للتنزيل pdf.
41. مرجع سابق: الصمدي،فاطمة،ورقة بحثية، اليمن على سلم الأولويات الاستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، إتبع الرابط
42. الجباية القسرية.. وسيلة الحوثي للإنفاق على أعماله الحربية، إتبع الرابط
43. مرجع سابق: الصمدي،فاطمة،ورقة بحثية، اليمن على سلم الأولويات الاستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، إتبع الرابط
44. The Washington Post, ”Houthi forces appear to be using Iranian-made drones to ram Saudi air defenses in Yemen, report says“. (Website).
45. المدعو حسن إيرلو يقود شخصيا معركة الحوثيين في مأرب، تقرير صحفي، موقع مأرب برس، إتبع الرابط
46. مرجع سابق: سامويل راماني، ورقة بحثية، الرؤية الإيرانية لمرحلة ما بعد النزاع في اليمن، مركز كارنيجي الشرق الأوسطـ،11 ديسمبر 2019انظر الرابط
47. حسن ايرلو يقود حرب التصفيات بين كهوف مران وطيرمات صنعاء، أحمد عائض، صحيفة أخبار اليوم اليمنية، إتبع الرابط
48. إيران تعلن وصول سفيرها لليمن، iran presd،إتبع الرابط
49. السفير الإيراني يزور جامعة صنعاء - Mehr News Agency،إتبع الرابط
50. الصليب الأحمر وإيرلو وعلم اليمن في صنعاء، تقرير صحفي، موقع صحيفة الثورة التابع للحكومة المعترف بها دوليا، إتبع الرابط
51. حسن ايرلو يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني عبدالعزيز، المرصد اليمني، إتبع الرابط
52. الحساب الرسمي للسفير الإيراني في صنعاء على منصة تويتر،hassan Irlu
53. إحصائية عن قتلى الحوثيين في المحافظات منذ عام، إحصائية نشرها الموقع بوست الموالي للحكومة المعترف بها دوليا، إتبع الرابط
54. إحاطة شهرية صدرت عن مركز المخا للدراسات نهاية شهر إكتوبر، إتبع الرابط.
55. المرجع نفسه.
56. تصريح للشيخ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب في الحكومة المعترف بها دوليا قال فية أن اليمن تاريخيا تعتبر حديقة خلفية للسعودية.
57. تغريدة شهيرة نشرتها الوكالة الرسمية الإيرانية للأنباء رانا على حسابها في تويتر.
58. مرجع سابق: لماذا يسعى الحوثي للسيطرة على مأرب مهما كان الثمن، تقرير صحفي france 24، إتبع الرابط.
59. التخادم الحوثي الإماراتي في شبوة: كان ناشطون محسوبون على الحكومة المعترف بها دولياً قد نظموا حملة لفضح ما سموه التخادم بين الحوثيين والإمارات ضد شبوة.

تنوية:
تم إعداد الورقة البحثية في نهايات العام 2021م ولم يتاح لنا إضافة المستجدات التي حدثت قريبا مثل موت السفير الإيراني وتحرير مديريات شبوة ومديرية حريب وغيرها من أحداث الأربعة الأشهر الأخيرة، أما سبب تأخر نشر الورقة البحثية حتى اليوم فهو لسبب بحثنا عن مركز دراسات للتكفل بنشر وتمويل الورقة لكن ذلك لم يتوفر كون الورقة هي أول عمل بحثي من إعدادنا. وقد قمنا بنشر الورقة بشكل مجاني للفائدة العامة.. وشكراً.
الباحث سيف راجح سراجً



#سيف_راجح_سراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستراتيجية إيران في دعم الحوثيين. هل ستمكنهم من تحقيق الاستق ...


المزيد.....




- الحكومة الأردنية تعلن توقّف استيراد النفط من العراق مؤقتا وت ...
- كيف تتعامل مصر مع أي مخالفات لاتفاقية السلام مع إسرائيل؟ سام ...
- معظمهم من الطلاب.. مقتل وإصابة العشرات في حادث سير مروّع في ...
- نقطة حوار - حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن ...
- مناورة عسكرية دولية بالأردن بمشاركة 33 دولة من ضمنها ألمانيا ...
- محللان إسرائيليان: رفض مناقشة -اليوم التالي- يدفع الجيش للعو ...
- بالكوفية وعلم فلسطين.. خريجو كلية بيتزر يردون على رئيسها الر ...
- مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل
- روسيا تسيطر على 4 قرى بخاركيف وكييف تقر بصعوبة القتال
- المقاومة تقصف عسقلان من جباليا وتبث مشاهد لعملية نوعية


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سيف راجح سراج - إستراتيجية إيران في دعم الحوثيين. هل ستمكنهم من تحقيق الاستقلالية الكاملة عنها؟ وكيف تؤثر معركة مأرب على مستقبل هذه العلاقة؟