أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الهنداوي - الانتخابات العراقية في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برناج الامم المتحدة الانمائي لعام 2007















المزيد.....

الانتخابات العراقية في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برناج الامم المتحدة الانمائي لعام 2007


حسين الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 2 - 09:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ورقة الدكتور حسين الهنداوي
الرئيس الاول للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق

التنمية البشرية هي في جوهرها تنمية الناس لحياتهم بذاتهم ولذاتهم، مما يستلزم بالضرورة مشاركتهم الحرة والمسؤولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لضمان ان تكون حياتهم وتطويرها محور التنمية وهدفها.
ومقابل ان الحرية هي جوهر التنمية الانسانية باعتبارها السبيل الوحيد لضمان مشاركة المواطنين في اختيار نظامهم السياسي وتوسيع مشاركتهم في صنع القرار، وان الديمقراطية هي مؤسسة للحرية وان مهامها حماية حقوق الانسان الاساسية لا سيما حقوق المواطنة التي تتمثل في الجوهر بحق المساواة امام القانون وحق التطور الاقتصادي وحرية المعتقد وحرية التعبير وحق الحياة الخاصة، فان الانتخابات الحرة الديمقراطية العادلة هي الممارسة الملموسة الجوهرية بل الوحيدة التي تمنح المواطنين بصفتهم هذه امكانية المشاركة الفعلية، والمسؤولة الى هذا الحد او ذاك، عن التقدم في بناء وارساء النظام السياسي الذي ينبغي ان يحمي بدوره حقوقهم وحرياتهم تلك.
هذا الشكل من النظام السياسي وصل اليه العراقيون في 30 كانون الثاني 2005 عندما انجزوا بنجاح ملموسمهمات اول تجربة لهم في الممارسة الديمقراطية الفعلية منذ اكثر من نصف قرن على اساس التنفيذ الصارم للقانون واحترام المعايير الدولية.

لقد تمثلت تلك المهمات بثلاث عمليات انتخابية كبرى على المستوى الوطني بدأت بانتخابات الجمعية الوطنية المؤقتة والتي تولت كتابة مشروع الدستور الدائم للبلاد، ثم بعملية الاستفتاء على الدستور، واخيرا انتخابات مجلس النواب في 15/12/2005 حين توجه الى صناديق الاقتراع (12191133) مصوتا، من اصل (15568702) ناخب مسجل، للادلاء بأصواتهم في (31348) محطة اقتراع موزعة على جميع محافظات العراق وعمل فيها نحو 200000 موظف وراقبها أكثر من 120 ألف من المراقبين العراقيين والدوليين اضافة الى ما مجموعه 230 ألف من وكلاء الكيانات السياسية، لانتخاب 275 نائبا من بين اكثر من سبعة آلاف مرشح تقدموا لخوض الانتخابات على لوائح 307 كياناتٍ سياسية منها 19 ائتلافًا مسجَّلة للتنافس على نيل مقاعد مجلس النواب.

فبغض النظر عن نتائجها المترتبة عن تصويت الناخبين وحدهم، تميزت تلك العمليات الانتخابية الناجحة بتصاعد نسبة الناخبين المصوتين وفق خط بياني ثابت وارتفاع عددهم اجمالا من نحو 59 % من الناخبين المسجلين في انتخابات الجمعية الوطنية المؤقتة في 30/1/2005 (8,652,225 ناخب من مجموع 14,379,169 ناخب مسجل)، الى حوالي 64 % من مجموع الناخبين المسجلين للتصويت على الدستور الدائم في 15/10/2005، ثم الى حوالي 74% منهم لانتخابات مجلس النواب في 15/12/2005 مما يعادل على التوالي 9,852,291 مصوتا ثم 12191133 مصوتاً من اصل 15,568,702 ناخب مسجل، اضافة الى مشاركة ما يقارب 300 الف ناخب عراقي مقيم في الخارج حيث اقترعوا في مراكز انتخابية بلغ عددها 95 مركزا في 15 دولة هي استراليا، وكندا، والدانمارك، والنمسا، والمانيا، وايران، والاردن، وهولندا، والسويد، وسوريا، ولبنان، وتركيا، والامارات العربية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية.

كما تميزت بالمصداقية العالية، برغم انعدام اي خزين مهني او معرفي مهم سابق في مجال الممارسة الانتخابية الديمقراطية المهنية والحديثة لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولدى المجتمع عموما. كما لم يكن سهلا التعامل مع قوى سياسية متنافسة بعنف وتواقة الى الفوز خاصة وبعضها لا يؤمن بالديمقراطية وبتداول السلطة عبر صندوق الاقتراع الا بطرف لسانه.

تلك المصداقية عبرت عنها روح المسؤولية العالية التي اظهرها مرشحون وقوى سياسية عراقية كثيرة دافعوا عن العملية الانتخابية وشددوا على سلامتها وقانونية اجراءاتها رغم فشل بعضهم في تحقيق نتائج كبيرة فيها، فيما اشادت بها تقارير البعثة الدولية لمراقبة الانتخابات العراقية وخاصة تقرير اللجنة الدولية لتقييم نتائج الانتخابات الاخيرة الذي لاحظ قيام الهيئة القضائية الانتخابية بالتصديق على كافة القرارات التي اصدرتها المفوضية بشأن الشكاوى والطعون الانتخابية رافضا كل الاتهامات والانتقادات الاعتباطية التي اطلقها البعض ضدها.
وتميزت بشكل خاص بالدور الصامت والثابت والقوي الذي لعبته المرأة العراقية في انجاح العمليات الانتخابية تلك. اذ ان اكثر من نصف المصوتين كانوا من النساء كما ان المراة شاركت كناخبة ومرشحة وناشطة في فرق المراقبة وضمن موظفي الاقتراع حيث كان هناك ما يقارب 2000 مرشحة حصلت 70 منهن على مقاعد في مجلس النواب اي بنسبة تفوق 25 % من مجموع مقاعده كما تفوق نسبة ما لدى المرأة من مقاعد في معظم برلمانات العالم.
وعلى العموم، لقد انجزت المفوضية في 2005 سلسلة عمليات انتخابية رفيعة المستوى تقنيا بأيد عراقية، يدعمها فريق لا يتجاوز بضعة عشرات من خبراء الامم المتحدة لضمان تطبيق المعايير الانتخابية الدولية، وفي اوضاع سياسية واعلامية معقدة وحبلى بكل شيء، وفي ظروف امنية صعبة بل قاسية حيث ظل كافة العاملين في شتى المكاتب الانتخابية عرضة للاخطار الفعلية والمحتملة المحيقة بهم من قبل الجماعات الارهابية واعداء الانتخابات والديمقراطية فيما تصاعدت باضطراد ثابت التهديدات ضد العاملين في المفوضية لاسيما ضد كبار مسؤوليها.

وبالفعل، تعرض مكتب للمفوضية في حي منطقة المنصور صباح يوم 7/12/2004 الى حادث اعتداء ارهابي بالاسلحة النارية اسفر عن استشهاد اربعة من موظفيها الابرياء فيما اقدمت عصابة من القتلة الارهابيين بعد خمسة ايام من ذلك فقط بأغتيال ثلاثة من كادر المفوضية في شارع حيفا بينهم رجل قانون كان بمنصب نائب مدير مكتب المفوضية لمنطقة الكرخ اضافة الى اغتيال العشرات من موظفي الاقتراع في مناطق اخرى من البلاد.

كما تعاملت المفوضية بمهنية عالية مع كل دعوات التأجيل سواء بالنسبة لانتخابات الجمعية الوطنية او انتخابات مجلس النواب او الاستفتاء على الدستور، معلنة بثقة مستمرة جاهزية استعداداتها لإجراء هذه الانتخابات او تلك في موعدها المحدد بموجب القانون دون اي تغيير مؤكدة كلما توفرت المناسبة ان استعداداتها تشمل كل مناطق البلاد بدون استثناء. كما استجابت بالمقابل ومرارا لطلبات الاحزاب والمنظمات والشخصيات السياسية العراقية بتمديد فترة تسجيل المرشحين لخوض الانتخابات من جهة بهدف توفير فرص اضافية تسمح للكيانات السياسية وللمرشحين المتنافسين بأي مزيد من الوقت يخدم عملهم في أعداد خططهم الانتخابية او في تشكيل القوائم والائتلافات برغم الصعوبات التقنية القاهرة احيانا، ولزوم تنفيذ كافة مقتضيات خطط العمل لانجاز الانتخابات في موعدها القانوني. واهتمت بشكل خاص من جهة اخرى بتقديم اية تسهيلات استثنائية لتمكين الناخبين والكيانات السياسية والمرشحين في المحافظات والمناطق "الساخنة" من المشاركة في الانتخابات نظرا للصعوبات الاستثنائية التي كانت تعانيها آنذاك.

ورغم تلك الصعوبات والاخطار فقد غدا يوم 30 كانون الثاني 2005 الذي شهد اول انتخابات برلمانية ديمقراطية حقا يوما وطنيا خالدا في تاريخ العراق الحديث.

ان الاستنتاجات الرئيسية والعامة كثيرة جدا ومتباينة بشأن التجارب الانتخابية العراقية اثناء الفترة الانتقالية المنتهية بانتخاب مجلس النواب الحالي وتشكيل الحكومة الحالية. بيد ان ابرز تلك الاستنتاجات برأينا هو ان الوضع الامني القاسي جدا والاخطار اليومية التي واجهت خبراء الانتخابات العراقيين، لم تحل دون قيامهم بمهماتهم كاملة هذا برغم استشهاد العديد منهم لا سيما في بغداد على يد جماعات ارهابية استهدفت الانتخابات بذاتها وكفكرة من خلال اغتيالهم.

الا ان الوضع الامني المتدهور لم يكن العقبة اليومية الوحيدة انما كان مجرد وجه واحد من واقع عراقي يزخر بالصعوبات والتعقيدات والتناقضات وحتى النزاعات انما بالطاقات والكفاءات والبطولات ايضا لا سيما تلك التي تمتع بها آلاف العراقيين المجهولين الذين انتشروا في كافة المحافظات والمناطق النائية واشرفوا على الانتخابات في اكثر من ثلاثين الف محطة انتخابية.

الاستنتاج الآخر، هو ان غياب التراث الانتخابي على المستوى الوطني امكن تعويضه باستلهام تجارب وخبرات الشعوب الاخرى في هذا المجال. لا سيما بسبب خصوصية تلك العمليات الانتخابية كعمليات تأسيس ذي افق استراتيجي ومستقبلي المدى بالنسبة للعراق الديمقراطي الاتحادي التعددي الجديد. فلقد ادركنا من البداية، بان الوعي الانتخابي العام الواسع واللازم لا يمكن تعويضه بأي شيء كما لا يمكن خلقه بعصا سحرية انما ينبغي العمل الحثيث والمخطط والعنيد من اجل نشر الثقافة الانتخابية بين كل فئات المجتمع ذات العلاقة بالانتخابات.

وعلى العموم، ان تلك العمليات الانتخابية المعقدة الثلاث والتي جرت على اساس نظم انتخابية مختلفة خاصة بكل منها وخلال مواعيد متزاحمة وشملت الداخل والخارج وهدفت الى انتخاب مجالس مختلفة الاشكال والاهداف والخصائص، كانت بذاتها بمثابة دورات تدريبية كثيفة اسست بشكل ثابت لازدهار وعي انتخابي وديمقراطي جيد جدا في العراق الى جانب ما انتجته من تراث انتخابي جديد واصيل سيكون له دور خلاق في المستقبل الديمقراطي لهذه البلاد. وهنا من الضروري ان نشير الى الدور الخاص والايجابي الذي لعبته منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي وفي تشكيل شبكات المراقبة الانتخابية في كل انحاء البلاد والتي ضمت خلال الانتخابات الاخيرة اكثر من ربع مليون مراقب محترف مسجل.

بيد ان الهيئات الانتخابية العراقية لا تزال مؤسسات ناشئة وفتية وكذلك كادرها وخبراتها وبالتالي فان شوط التعلم من التجارب العالمية او المتقدمة لازال طويلا امامها. كما من الضروري انشاء سجل للناخبين جديد والكتروني وشامل وعالي التقنية وقابل للتحديث اوتوماتيكيا ومفتوح على مدار السنة لتسجيل الناخب الجديد حال بلوغه سن الانتخاب ولشطب الناخب المتوفي حال وفاته، وتطوير نظم متقدمة وعادلة للشكاوى الانتخابية واخرى للاعلان السريع والدقيق للنتائج الى جانب العمل من الآن على تشجيع قدوم مراقبين دوليين مهنيين.

وايضا فان من الضروري جدا تطوير القوانين الانتخابية وكذلك جعل التنافس على اساس البرامج والافكار بدل الانتماءات الفئوية واستبدال القائمة المغلقة بالقائمة المفتوحة للمرشحين واستبدال التمثيل النسبي كليا او جزئيا بالتنافس الفردي فيما يظل ضمان الاستقلالية الكاملة لمفوضية الانتخابات بمثابة الحاجة الاكبر لها بعد ان دخلت الدستور كمؤسسة ثابتة من مؤسسات الدولة وبعد ان اصبح دورها الخطير في الحياة العامة معروفا لا سيما للقوى المتنافسة على فوز بمقاعد المجالس المنتخبة. وبداهة فان مبدأ المحاصصة يهدد بقوة حاليا استقلالية مجلس المفوضية الجديد الذي شكله مجلس النواب العراقي في ايار 2007 ليحله محل المفوضية الاولى التي شكلت مجلسها الامم المتحدة في 2004 واثبتت استقلاليتها باعتراف وطني ودولي واسع.

ان الخصائص اعلاه وغيرها تشير بقوة الى ان خيار النظام الديمقراطي رغم انبثاقه في خضم مخاض عسير وعنيف هو خيار شعبي واسع في العراق وليس هبة او فرضا من أحد. وبالتالي فان ثباته وتطويره ممكنان جدا بل يمكن ان يتحول الى محور لنشر مفاهيم الدولة الديمقراطية الحديثة لاحقا في عموم المنطقة والمساهمة في تطوير تنميتها البشرية تاليا. اذ اننا نعتقد ان "النظام الديمقراطي العراقي" يمكن ان يغدو حالة استراتيجية على اساس انها تمتلك عناصرها الموضوعية وامتداداتها الممكنة في الحاضر والماضي الخاص بالعراق، هذا البلد ذو المكانة الاستراتيجية تاريخيا، والذي رغم عقود الانظمة العسكرية السابقة، سبق له ان عرف النظام السياسي البرلماني لنحو اربعة عقود من الزمن بين الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي، اضافة الى ان عددا مهما من الملايين الاربعة من العراقيين المقيمين خارج بلادهم يعرفون التجربة الديمقراطية ويمارسونها مباشرة.

بل اننا نعتقد ان الديمقراطية ولدت في بلاد ما بين النهرين اصلا قبل ان يكتشفها الاغريق القدامى على أساس ان العراقيين القدامى أنشأوا اقدم ديمقراطية في فترات مبكرة من التاريخ وكحاجة انسانية بذاتها لتنظيم حياتهم السياسية وخاصة في العصر البابلي وان هذا الخيار اقترن على الدوام بالازدهار السياسي والاقتصادي والحضاري. وهذا القول تدعمه دراسات عراقية وغربية عديدة تؤكد وجود "مجالس شعبية" و"مجالس شيوخ" في الحواضر السومرية والبابلية تحدد او تقرر بعض صلاحيات الملك كصلاحية خوض الحروب مثلا، من ابرز هذه الدراسات في الغرب كتابات عالم السومريات ثوركليد جاكوبسن، لا سيما مؤلفاته "الديمقراطية البدئية في العراق القديم" و"التطور السياسي في بلاد ما بين النهرين".
بلا شك، لقد تميز تاريخ العراق المعاصر ومنذ نشوء الدولة العراقية بإضطرابٍ وعنفٍ سياسي كبير لا سيما في السنوات الاخيرة. كما لا شك فيه بان النظام الديمقراطي العراقي الوليد لا يزال مهددا بأخطار خارجية وداخلية جسيمة وجمة. وسيحتاج الى عقدين من الزمن على الاقل ربما كي يكرس وجوده على مديات طويلة دون ان يعني هذا انعدام الانتكاسات المحتملة.
بيد ان العنصر الاساسي الواضح في الحالة الموضوعية العراقية هو "التعايش السلمي للتعدديات الداخلية الطبيعية". فالعراق بلاد متعددة في كل شيء وبوئام نسبي. فعلى صعيد الجغرافيا، نجد كل انواع المناخات وكل التضاريس من دون تنافر، فيما يجمع شعب العراق اقوام وألسن واديان وطوائف يندر ان تجدها مجتمعة في أي مكان آخر بيد انها لم تدخل في الماضي في تجاهل او حروب او نزاعات اهلية برغم كل الكوارث والجرائم التي تعرضت لها هذه الجماعة او تلك على ايدي دكتاتورية عسكرية داخلية او محتل اجنبي او زمر ارهابية.

من هنا اعتقادنا الموضوعي بان المواطنين العراقيين سيتمسكون بالنظام الديمقراطي المستند الى شرعية الانتخابات برغم الصعوبات والتضحيات وسيدافعون عنه بكل قوة اذا استطاعوا. فالشرعية السياسية المتأتية عن طريق صندوق الاقتراع وحده هي احدى الافكار السياسية النادرة ربما التي تتفق عليها حاليا الاغلبية العظمى من المواطنين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية او القومية او المذهبية او الدينية او المناطقية. وهذا الانطباع يبدو شاملا وصريحا من خلال الغياب المدهش لدى عموم الشعب لأي نوع من الحنين الى نظم عسكرية او دكتاتورية او شمولية سابقة او محتملة، كما يبدو شاملا وصريحا اتفاقهم الواسع على ان الديمقراطية لا تعني غير النموذج البرلماني التعددي الحديث.
وكما هو معروف، فان الوضع العراقي الراهن عانى خلال السنوات الاخيرة من احتدام الاشتباك بين عدة تناقضات موضوعية وذاتية في نفس الوقت. مما جعل المشروع الوطني باستكمال الاستقلال وتحرر الشعب وازدهار حياته عبر الاستفادة من ثرواته الطبيعية والبشرية الضخمة يصطدم بعقبات كبرى كما يواجه هجمة شرسة من قوى الارهاب والجماعات المسلحة والفساد والتخلف التي تسعى بشتى الوسائل بما فيها الاجرامية إلى منعه من تحقيق هذه الأهداف.
ففي خضم هذه المواجهة، تراوح مجالات شتى من حياة العراقيين مكانها أو تتراجع إلى الوراء على الاغلب برغم الانتقال الى النظام الديمقراطي سياسيا. فالإطار القانوني للبلاد لا زال غير مكتمل الا شكليا، والاقتصاد يعاني من تدهور خطير، فيما ينزلق المجتمع الى حالة تجزئة وتمزق بدأت تؤدي اكثر فاكثر إلى تفاقم الفوضى والفساد الاداري واعاقة عملية تحديث الثقافة المؤسسية ونشرها وعرقلة سيادة الطابع الوظيفي على انشطة المؤسسات بدلا من الولاء الفئوي والبيروقراطية والتسلط العصبوي والمحسوبيات. والحال تتطلب معالجة كل هذه العاهات ارادة سياسية وطنية ومستقرة تضمن توافق الصلاحيات مع المسؤوليات والتنظيم المستقر والديناميكي لعمليات التخطيط والمتابعة والمحاسبة والتقييم، التي بدورها لا تتم إلا إذا بنيت المؤسسات على أسس مهنية واختيار الكوادر المؤهلة واستمرار تدريب العاملين وتطوير كفاءاتهم، كما لا تتم الا عبر بناء دولة حديثة تكون الهيمنة فيها لمبدأ سيادة القانون على كافة الاولويات الاخرى.
أن التنمية تعتمد على إرادة المجتمع في التغيير وقدرته على التعبير عن هويته في ظل التغيرات الجديدة، التي قد تستدعي انقلابا عميقا في أساليب التفكير والسلوك، أو تغيير في الاستراتيجيات الاقتصادية وربما السياسات الداخلية والخارجية، يتطلب الانتقال إلى الديمقراطية وقبول التعددية الثقافية والاعتراف بها، والاتصالات المتبادلة ما بين الثقافات والتسامح فيما بينها يتطلب تعلم مهارة الحوار، وتقبل واحترام الرأي الآخر.
وان كل هذه التطورات الايجابية تحصل في عمق الروح العراقية حاليا انما ببطئ شديد واثمان باهض. فكما هو من المؤكد ان الديمقراطية في العراق لن يمكنها الاستمرار او النجاح دون التفاعل ايجابيا واستراتيجيا مع المحيط الخارجي المجاور والقريب، فان من الوارد ايضا ان نظاما ديمقراطيا متكاملا وتعدديا وواقعيا في عراق موحد ومستقر ومزدهر، يمكن مع مرور الوقت والنجاحات الداخلية ان يصبح خيارا مستقبليا لسكان دول عربية واسلامية اخرى لا سيما وان الحاجة الى الديمقراطية الحقيقية تبدو الهم الاكبر المشترك لجميع شعوب المنطقة وشرطا رئيسيا لنجاح أي امل او مشروع يهدف الى خلق اجواء سلام وازدهار في المنطقة العربية التي لا تزال معظم دولها اقل دول العالم تمتعا بالحريات المدنية والسياسية في مناطق العالم المختلفة. كما انها في ادنى القائمة من جهة التمثيل والمساءلة عن مدى تمثيل أنظمة الحكم للناس ومدى فاعلية مساءلة الناس لأنظمة الحكم.
ان ثبات نظام الانتخابات الديمقراطية في العراق يتطلب بيئة ملائمة تحترم الحريات الفردية وتثرى من التنوع الثقافي مما يطرح ايضا ضرورة ارساء الاسس القانونية لأعلام حر وصادق ومستقل وذي هوية عراقية خالصة انسانية وتعددية في آن واحد.
انتهى



#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامل شياع.. وحب الفلسفة
- طالب مكي ، رائد فن الرسم الكبير
- القسّ الذي عجل في اندلاع الثورة الفرنسية
- عبد الرحمن منيف.. روائي الصحارى المتخيلة
- عام كامل على رحيل روائي الحرية عارف علوان
- في ذكرى يومها العالمي: الفلسفة ليست غير الحرية في تعريفها ال ...
- فتى العراق مظفر النواب
- في ذكرى الشاعر والناقد والمناضل اليساري العراقي الراحل ضياء ...
- خالد الأمين، ذلك الشاعر الشهيد
- ازمة الاسلام السياسي الاخواني بعد خلع محمد مرسي
- رحيل شاعر كردستان الجميل، عاشق الفرات، شيركو بيكه س
- بيادر الصمت
- قصر النهاية.. الرمز الاكبر لفاشية البعث
- حارس اصالة لغة الضاد، الاديب الكبير مهدي شاكر العبيدي
- بغداد منحت الفلسفة اليهودية عصرها الذهبي
- فلسفة الجدل والصراع تفقد رائداً متمرساً
- يا موسم البرتقال
- بعث
- أخاديد
- في المنطقة الخضراء..


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الهنداوي - الانتخابات العراقية في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برناج الامم المتحدة الانمائي لعام 2007