أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - ماعِتْ التي تعيش بداخلنا














المزيد.....

ماعِتْ التي تعيش بداخلنا


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 17:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"يقدم مفهوم "ماعت" لمفكرينا رؤية ذات فائدة للعلاقة بين العدالة الإنسانية من ناحية والطبيعة والبيئة المحلية من ناحية أخرى" (Ferguson, 2016)
هيا دي ماعِتْ
أهرامات مصر التي لا تعمل للزمن حساب ... تماثيلها التي رسمت بالحجر صور حكامها ... معابدها التي صورت نقوش جدرانها أعمال بانيها، وحاكت أعمدتها الشاهقة حرارة الإيمان، مقابر ملوكها ونبلاءها التي تبهرك بنضرة الألوان ... وتطول قائمة الإبداعات التي أبهرت كل من زارها. إلا ان هذه القائمة الطويلة ليست إلا الجزء المرئي من ابداعات المصريين في عصر حضارتهم الأولى التي دامت حوالي 3000 سنة (3015 ق.م – 30 ق.م).
هذه الابداعات الملموسة التي سحرنا بهاءها فأنسانا أنها ما كانت لتوجد أصلا لولا وجود ابداعات أخرى غير ملموسة خفية لا تُرى تساندها ... فأهرامات الجيزة، على سبيل المثال، كان وراءها منظومة إدارة كفئة تنظم عمل أكثر من 20 ألف عامل، وبالمثل كان وراء حضارة المصريين ككل رؤية أشمل تنظم حياة المصريين وتحكم سلوكياتهم في الثلاث حيوات اللي كانوا بيؤمنوا بوجودها: الحيات الدنيا والحياة الآخرة وفترة ما بين الحياتين اللي كانوا بيسموها ارض الغريب... كانت هناك "ماعِتْ" هذه المنظومة الفكرية اللي وضع أسسها مفكرو (كهنة) الدولة القديمة (2575-2125 ق.م) وكان الحفاظ عليها أحد أسباب طول عمر الحضارة المصرية القديمة.
و"ماعِتْ" كلمة لا تجد كلمة مرادفة لها في قواميس اللغات الحية فهي كلمة تعني مجموعة من المعاني المترابطة فلا يفهم معناها ان اهملت أي ولحد من معنيها. انها كالماسة التي يعكس كل وجه من اوجهها قيمة من قيمه الرئيسية الثلاث: "الحقيقة (الصدق)"، "النظام"، "العدالة". و"الحقيقة" هي الكلام الذي ينسجم مع الواقع. اما "النظام" فيعني كلا من النظام الكوني والنظام الاجتماعي والنظام السياسي. وأخيرا العدالة التي تعنى العيش في انسجام مع الآخر وتبني قيم مثل "الكرم"، "الجدعنة" (حماية الضعفاء ومساعدة المحتاجين) و"التماسك الداخلي". وهي القيم التي يجب الالتزام ككل واحد على كافة المستويات الشخصية والاجتماعية والسياسية والكونية. وقد تجلى تنفيذ هذه القيم في الكثير من الحالات فكان على المتوفي، ملكا كان او من عامة الشعب، الإجابة الاستنكارية لـ 42 سؤال (من قبيل "لم افعل كذا ...")، وأن الدولة وُجِدت لتحقيق ماعِتْ، وأن تحقق ماعِتْ على الأرض هو شرط ضروري لإعمارها.
لقد عاش المصريون أكثر من 3000 سنة في ظل ماعِتْ فكان من الطبيعي ان تنغرس خصائصها في صلب تكوينهم ويتوارثوها جيلا بعد جيل.
ودي حكايتها
يسأل عمرو بن العاص غازي مصر بنيامين بابا كنيسة الاسكندرية وبطرك الأقباط، "أن يخبره بما يكون فيه عمارة أراضي مصر" فيجيبه الحبر الجليل قائلا: "لا يؤخذ خراجها إلا من غلالها، ويحجر على عمالها من المطل، ويمنعهم من أخذ الرشاء، وترفع عن أهلها المعاون والهدايا".
ويزور مصرنا الخليفة المأمون ... ويرقص بسيفه على جماجم الرعية ... يسبى النساء ويقتل الذرية ... ويسرح فى البلاد يتفقد النتيجة. وعند قرية طاء النمل – غريبة – تدعوه جدتنا العجوز مارية القبطية، وتقوم بالضيافة وتكرم الوفادة ... وفي نهاية اﻹقامة تمنحه الهدية ... صحاف مملوءة بخالص الذهب ... يبهت أمير المؤمنين ... يأخذه العجب. ويسأل الخليفة مضيفته العجوز عن مصدر العطية. فتجيبه خلاصة العصور: "من هذه" وتشير إلى أرضنا المعطاءة الكريمة وتنظر إليه بعينيها، عين حور الثاقبة، ... وتستطرد قائلة بلهجة فيها ما فيها من "نأورة": "ومن عدلك يا خليفة". وتبرق في عينيها بقية العبارة يا راعي الميزان ...!.
يخاطب جدنا القريب ... إبن هرية رزنة –شرقية- الأميرآلاي الفلاح عرابي المصري، يخاطب خسرو باشا الشركسي قائلا: "وما بى من شراسة ولكنى جبلت على حب العدل واﻹنصاف وبغض الظلم واﻹجحاف". وكان كلماته رجع صدى جدنا البعيد الفلاح الفصيح "خو إن انوب" الذي هو من وادي النطرون "إن اقامة ماعِتْ هي أنفاس النفوس".
يقول الوزير "بتاح حتب" (اواخر القرن 25 قبل الميلاد وأوائل القرن 24 قبل الميلاد) في نصائحه: "إن كنت حاكما فكن عطوفا ... متأنيا عندما تصغى إلى شكوى مظلوم ... ولا تجعله يتردد في أن يفضي إليك بدخيلة نفسه ... بل كن به رفيقا ... ولحاجته قاضيا ... ولظلمه مزيلا رافعا". ويخاطب زعماء الشعب المصري محمد على قائلين: "وتكون واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير". ويعلق شيخنا الجبرتي على حكم محمد على بعد أن إستقر على كرسي الولاية، يعلق بكلماته المبصرة البصيرة قائلا: "لو وفقه الله لشئ من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة ... لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه". فيجيبه من وراء السنين صوت حاكم أحد مقاطعات مصرنا القديمة وهو يقول: "لقد أعطيت خبزا لكل الجائعين ... وكسوت كل من كان عريان ... ولم أظلم احدا ... ولقد كنت محسنا لأهل ضيعتي ... ولم أنطق كذبا".
ويستطرد جدنا أخنوم الحديث قائلا:" ... إن صلاح البلاد فى إقامة ماعِتْ".
المراجع
Ferguson, R. J. 2016. The ancient Egyptian concept of Maat: Reflections on social justice and natural order, Research paper series: , Vol. 15: Centre for East-West Cultural & Economic Studies.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والدين: مواجهة ضارية أو توزيع أدوار
- سلامة في خير وخير في سلامة
- حتى لا تتكرر مأساة هيباثيا
- اتفرج يا سلام
- عقل في خطر: الحالة المصرية (2/2)
- عقل في خطر (2/1)
- الحقيقة بين -نظرية المؤامرة- ومنظومة العلم-
- مجتمع الإبداع وثقافة الإتباع
- القوة الناعمة وعالمنا الافتراضي
- جبر الحداثة: خلاصة القول (4/4)
- جبر الحداثة: من فكر البساطة الى فكر التعقد (4/3)
- جبر الحداثة: المبادئ العامة (4/2)
- جبر الحداثة: حضارة التمكين (1/4)
- صناعة الابداع
- صعود وهبوط التخصصات العلمية
- تقييم من حَكَم
- ولهم فى الكلاب شفاعة
- هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-
- المعرفة ثورة وثروة
- الاعجاز العلمي في ألف ليلة وليلة


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - ماعِتْ التي تعيش بداخلنا