أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - اتفرج يا سلام















المزيد.....

اتفرج يا سلام


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 6760 - 2020 / 12 / 13 - 05:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"يا خوفي على أمة يستنزف عقول ابناءها تفسير النصوص فتلهيهم عن قراءة الوقع"
اسمحولي اخدكم جولة في شارع طول بعرض. طوله ميت سنة من 1920 لحد 2020. اما عرضه عبارة عن حارتين. حارة مخصصة لتتبع ما وقع في المحروسة (مصر) من احداث، في توقيتات محددة تتعلق بمسيرة التنوير فيها، كان ابطالها فريقان من أبناء المحروسة. أولهما هو فريق "اهل الاصالة"، الذي لا يعترف بـ "التطور" ويمقت التجديد، وثانيهما هو فريق "اهل الاستنارة" الذي يحلم بتحديث المحروسة. اما الحارة الثانية فهي مخصصة لذكر ما كان "أهل الحداثة" من الفرنجة يفعلوه في نفس التوقيتات.
ومحطتنا الأولى هي عشرينات القرن العشرين وفيها شهدت حارة المحروسة واقعتين شهيرتين. الأولى سنة 1925 عندما لصدر الشيخ على عبد الرازق (1888-1966) كتيبا عنوانه "الإسلام وأصول الحكم" يذكر فيه " أن الخلافة ليست أصلا من أصول الإسلام وأن هذه المسألة دنيوية سياسية أكثر من كونها مسألة دينية". وكان ذلك بمناسبة اعلان مصطفى كمال (اتاتورك) الغاء الخلافة العثمانية في 3 مارس1924م. اما الواقعة الثانية فكانت سنة 1926 عندما أصدر طه حسين (1889-1973)، كتابه "في الشعر الجاهلي" وكان ساعتها استاذا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية. استخدم طه حسين منهج الشك الديكارتي لدراسة الشعر الجاهلي. وكانت النتيجة التي توصل اليها هي "أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين". كما قال "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي ........... ونحن مضطرون إلي أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية من جهة، والقرآن والتوراة من جهة أخرى." وقامت قيامة قوى التقليد من حماة الأصالة فأخرجت الشيخ علي من "زمرة العلماء" وكادت تنجح في لقاء الأستاذ في غياهب السجون.
وبينما كان أهل الاصالة يفتكون بمن اعتبروهم عصاة متمردون لا يحترمون ما أوردته النصوص المقدسة ويكفرون بما ورثناه عن الاسلاف كان أهل الحداثة من الفرنجة يصنعون تاريخ. فلقد شهدت عشرينات القرن العشرين ميلاد واحدة من أعظم اكتشافات الانسان. ففي تلك السنوات اكتشف أهل الحداثة من الفرنجة القوانين التي تحكم عالم الذرة ومكوناتها وكانت ميكانيكا الكم (او الميكانيكا الموجية). ان ما فعله هؤلاء كان ثورة حقيقية على مفاهيم قديمة فشلت في تفسير سلوك الالكترونات والنيترونات والبروتونات. ولم تقتصر نتائج هذه الثورة على تكنولوجيات يسرت حياة الإنسان بل كان لها تداعيات فلسفية غيرت من رؤية الانسان لنفسه وللواقع الذي يعيشون فيه.
ومحطتنا الثانية في اربعينات القرن العشرين وبالتحديد في عام 1947 عندما قدّم محمد أحمد خلف الله رسالة لنيل شهادة الدكتوراه تحت عنوان: “الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم”، وذلك تحت إشراف أستاذه في التفسير بجامعة فؤاد الأوّل، القاهرة حاليًّا، أمين الخولي. وكانت المقولة الرئيسية لرسالة خلف الله هي الوجهة غير التاريخية للقصص القرآني أو ان “أخبار المرسلين أو أقاصيصهم لم ترد في القرآن إلا على أساس أنها من الأمثال أن القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار لا لبيان التاريخ ولا لحمل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين". وعلى الرغم من أهمية المقولة الرئيسية لرسالة خلف الله فان مناقشتها انطوت على عدة قضايا لا تقل أهمية عن المقولة نفسها. ومن أمثلة هذه القضايا التمييز بين ما هو صالح ما هو صالح لكل زمان ومكان أي ما يتصل بالقيم الروحية والإنسانية والأخلاقية، وبين ما يتصل بزمن محدد لا يعود صالحا للاستخدام عند تغير هذا الزمن.
وقد اثار ت هذه المعالجة غير المسبوقة للنص القرآني حفيظة أهل الاصالة فقاموا بالهجوم على الرسالة ووصفوها بأنّها “أشدّ شناعة من وباء الكوليرا” وعملوا على وتهييج الجمهور الشعبي الذي كان تربى على اعتبار ما ورد من حكايات وأساطير في القرآن بوصفها حقائق تاريخية لا نقاش في صحة حدوثها. وقد بلغ الأمر إلى درجة تكوين لجنة خاصة أعادت النظر في محتوى الرسالة وانتهت برفضها ومطالبة صاحبها بإعداد رسالة أخرى. ووصلت ردود الفعل الى حدّ التكفير، إذ اعتبرت ما أتى به خلف الله تقويضًا لقداسة النص القرآني ونزعًا لصبغته الإلهيّة.
وبينما كان اهل الاصالة يمارسون قمعهم كان أهل الحداثة من كفار الفرنجة يواصلون مسيرتهم في اكتشاف الجديد. ففي عام 1940 يتم اعتماد البنسيلين كمضاد حيوي، ويتم تشغيل أول معجل للجسيمات الذرية "السيكلوترون"Cyclotron بغرض الأبحاث العلمية في جامعة كاليفورنيا، ويتم اكتشاف عقار لمرضى الجذام. وفي السنة التي تليها (1941) يتم اكتشاف عنصر البلوتونيم. وفي سنة 1942 يتم اختبار اول طائرة نفاثة ويظهر للوجود أول آلة حاسبة الكترونية. ولا تتوقف المسيرة وينجح العلماء في عزل جزئ الدنا DNA حامل الصفات الوراثية (1944). وفي عام 1945 كانوا توصلوا الى طرق انتاج البنسيلين على نطاق واسع. ثم يظهر اول كمبيوتر رقمي سنة 1946 ويختتم عقد الاربعينات باختراع الترانزستور (1947).
وثالث محطاتنا هي تسعينات القرن العشرين وما أدراك وتلك التسعينات. ففيها تم اغتيال فرج فوده الكاتب والمفكر مصري على يد الجماعة الإسلامية في 8 يونيو 1992 نتيجة لآرائه غير التقليدية في الفكر الإسلامي والتي ضمنها العديد مقالاته وكتبه مثل الحقيقة الغائبة (1984)، قبل السقوط (1984)، الملعوب (1985)، النذير (1989)، زواج المتعة (1990). وفيها حُرم نصر حامد أبو زيد (1943-2010)، المفكّر والأكاديمي المصريّ، من الترقي لدرجة الأستاذية وحكمت المحاكم المصرية بتفرقته عن زوجته لقوله ان النص القرآني "منتج ثقافي" أي أنّه تشكل في المجتمع الجاهلي خلال عشرين سنة وبناء على ذلك فأنّ النظر في النص القرآني يقتضي الإلمام بنظام اللغة العربية ومنظومة القيم والأعراف والتقاليد الجاهلية.
وبينما كانت العركة شغالة على أشدها بين اهل الاستنارة من جهة واحبابهم من اهل الاصالة من جهة أخرى كان الفرنجة يضيعون وقتهم في ممارسة لعبة "الاكتشاف". فرأيناهم وقد استهلوا بدالية عقد التسعينات (24 ابريل 1990) بإطلاق اول تليسكوب يسبح في الفضاء الخارجي ليكتشفوا جوانبه المخفية. ويبدوا ان هذا التليسكوب باكتشافاته في الكون الأكبر لم يكن كافيا لإشباع رغبتهم في التطفل على مخلوقات الله من كواكب ومجرات فبدأوا في نفس السنة (1 أكتوبر 1990) مشروع عملاق للكشف عن اسرار الكون الأصغر كون الصفات الوراثية للإنسان بمختلف تنوعاته العرقية وهو مشروع الجينوم البشري. وهي الصفات التي يختزنها جزئ "الدى ان ايه" DNA (الحمض النووي) هذا الجزيء الذي اكتشف بنيته اللولبية العالمان جيمس واتسون وفرنسيس كريك سنة 1953. ويبدوا ان القوم زهقوا من حكاية الاكتشاف هذه فقرروا أن يحاولوا محاكاة عملية الخلق ففي الخامس من يوليو 1996 أعلن فريق من علماء في معهد روزلين التابع لجامعة ادنبرة في اسكتلندا عن اول حيوان ثديي جاء الى الوجود بطريقة غير عادية. فبقد نجح هذا الفريق في "استنساخ" نعجة باستخدام عن طريق زرع خلية من الكائن العاطي في بويضة أُفرغت من المادة الوراثية ثم زرع تلك البويضة في رحم أنثى بالغة. وهكذا ظهرت الى الوجود النعجة دوللي.
ويمضي الآخرون في طريقهم وتأتينا أخبارهم فنسمع عن "الروبوت الاجتماعي"، و"الأسمدة الذكية"، وعن "استخدام جزيء الحمض النووي لتخزين المعلومات"، و"استخدام الخلايا الجذعية في توليد اللحوم"، و"الروبوتات متناهية الصغر" التي يمكن بلعها لتقوم بمهام داخلية في جسد الانسان"، و"الملابس الباردة"، و"العيون القائدة"، و ..... ونظل نحن أسرى "مصيدة الاجترار".



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقل في خطر: الحالة المصرية (2/2)
- عقل في خطر (2/1)
- الحقيقة بين -نظرية المؤامرة- ومنظومة العلم-
- مجتمع الإبداع وثقافة الإتباع
- القوة الناعمة وعالمنا الافتراضي
- جبر الحداثة: خلاصة القول (4/4)
- جبر الحداثة: من فكر البساطة الى فكر التعقد (4/3)
- جبر الحداثة: المبادئ العامة (4/2)
- جبر الحداثة: حضارة التمكين (1/4)
- صناعة الابداع
- صعود وهبوط التخصصات العلمية
- تقييم من حَكَم
- ولهم فى الكلاب شفاعة
- هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-
- المعرفة ثورة وثروة
- الاعجاز العلمي في ألف ليلة وليلة
- حكايتي مع الدوق دي بروي
- مشاهد من المستقبل المنظور
- وهَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَ ...
- عارضني من فضلك


المزيد.....




- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق
- -حاقد ومعاد للسامية-.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يهاجم الرئيس ...
- بالفيديو.. رصد وتدمير منظومتين من صواريخ -هيمارس- الأمريكية ...
- مسيرة حاشدة بلندن في يوم العمال
- محكمة العدل الدولية ترد دعوى نيكاراغوا
- خردة الناتو تعرض في حديقة النصر بموسكو
- رحيل الناشر والمترجم السعودي يوسف الصمعان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - اتفرج يا سلام