أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هداس تيير - الماركسية والاشتراكية البيئية















المزيد.....



الماركسية والاشتراكية البيئية


هداس تيير

الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 09:39
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشر المقال في العدد 94 شتاء 2014 من مجلة الاشتراكية الأممية التي كانت تصدر عن منظمة الاشتراكيين الأمميين في الولايات المتحدة.

المقال مبني على ورقة قدمتها الرفيقة هداس في مؤتمر الاشتراكية 2014 المنعقد في شيكاغو بين 26-29 حزيران/يونيو 2014



سأبدأ الحديث عن واقعتين حصلتا في نيويورك منذ عامين. الواقعة الأولى كانت حدثاً حميداً، وغير ملاحظ تقريباً وليس مهماً. رعى متحف الفن الحديث ما اعتبرته معرضاً مثيراً للاهتمام. رداً على أزمة الرهون العقارية والاقتصاديات المحلية المدمرة في الولايات المتحدة، استضاف المتحف بضعة شركات معمارية لتصميم نماذج لخمس مدن في أنحاء مختلفة من البلاد، بحيث تدمج موضوعات الإسكان المعقول التكلفة مع الاستدامة البيئية والاقتصادية. (1)

كان هناك بعض الأفكار الرائعة التي عرضت. أحد المشاريع حول مدينة أورانج- نيوجرسي، وهي مدينة خالية من نظام نقل عام رئيسي، إنما تقع على خط ترانزيت إقليمي في نيوجرسي. يقوم المفهوم الذي قدم على تحويل الطرق إلى طرق للمشاة تتمحور حول محطة الترانزيت بحيث تتخلص من الطرقات والسيارات، وتُملَأ المساحة بالمباني المتعددة الاستعمالات المحتوية على وحدات سكنية بأسعار معقولة، إضافة إلى مساحات تجارية ومكاتب، إلى جانب مساحات خضراء عامة للجميع.

يسمح هذا المشروع للناس بالعمل في مكان قريب من المكان الذي يعيشون فيه. وستتخلص الشوارع من المشاكل، التي تشكل عبئاً اقتصادياً على مدينة تكافح، ومن السيارات، التي كانت تشكل عبئاً بيئياً على المدينة والكوكب. كما تتحول أسطح البنايات إلى أماكن عامة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهو أمر مهم على نحو خاص في نيوجرسي، التي تحتل المرتبة الخامسة في استهلاكها للطاقة في الولايات المتحدة. كما سترتبط الأبنية ببعض الأماكن، بهدف تجميعها، في مسعى حتى يكون توزيع الكهرباء وقنوات الصرف الصحي أكثر فعالية.

حوّل مشروع آخر مدينة كايزر، إحدى ضواحي بورتلاند- أوريغون، إلى مدينة كثيفة ليس فقط من ناحية عدد السكان، إنما كذلك بمساحاتها العامة المفتوحة، من بينها محمية طبيعية بمساحة 640 ألف متر مربع، إلى جانب المزارع المُدنية، والحدائق المعلقة، والمساحات لعيش الحيوانات، ومساحة لإنتاج السماد، إضافة إلى شلالات داخلية تؤمن توليد الطاقة الكهرمائية للمدينة.

كان هناك العديد من الأفكار- لكنني لا أملك الوقت الكافي للحديث عنها- بعضها أكثر إثارة للاهتمام من البعض الآخر- ولكن بشكل عام كانت تلك مفاهيم شديدة الروعة تناولت الحقائق الاقتصادية للمدن التي عانت بسبب الأزمة المالية، وحيث يؤدي تزايدها وتوسعها إلى استنزاف البيئة وحصول كارثة على صحة الإنسان وأنماط الحياة.

الواقعة الثانية، حصلت بعد عدة أشهر، كانت أكثر إثارة للملاحظة وليست حميدة على الإطلاق، كان إعصار ساندي. بالطبع، كما يعلم الناس، لم يضرب فقط نيويورك، إنما قتل ما يقارب 300 شخصاً، وسبّب أضراراً بقيمة 68 مليار دولار في سبع مقاطعات، مدمراً أحياء باكملها، ساحقاً أو غامراً بالمياه منازل بأكملها، كما قتل أرواحاً بأعداد كبيرة. في نيويورك لوحدها، تدمر 300 ألف منزل. واستمر المقترضون بدفع الدفعات الشهرية لمنازل مدمرة وغير صالحة للسكن.

العاصفة الشديدة أوضحت أمرين: الأول، إن تغيّر المناخ ليس مشكلة مجرّدة مستقبلية، إنما حقيقة مدمرة تحصل الآن. الثانية، إن الأشخاص الذين يقع عليهم العبء الأكبر هم الفقراء والطبقة العاملة، وبشكل غير متناسب الأشخاص الملونين.

لذا، ما هي العلاقة بين هذين الحدثين؟ لسوء الحظ، ليست علاقة كبيرة- وهذه هي المسألة بالضبط. هناك الكثير من الأفكار والمفاهيم، حيث يفكر ويبحث الناس حول طرق إقامة مساحات صديقة للإنسان، ومستدامة بيئياً، ولكن في الوقت عينه هناك واقع، والخطان لا يلتقيان.

في الواقع، هناك الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها في نيويورك لمنع هذا النوع من الدمار الذي شاهدناه خلال إعصار ساندي، بدءاً من التعديلات الأساسية والاستثمارات في البنى التحتية إضافة إلى تغييرات جذرية ولكن العملية للغاية- كاقتراح زراعة الساحل بالأراضي الرطبة والمستنقعات التي من شأنها امتصاص طاقة المياه الآتية مع العواصف. (هذا حل أكثر واقعية وبأسعار مقبولة من فكرة بناء جدران مرتفعة حول المدينة، والذي طرحه بعض السياسيين). فعلياً ساحل مدينة نيويورك جرى توسيعه منذ سنوات عديدة بهدف إنشاء مكب للنفايات. وليس مستغرباً أن تكون المنطقة من بين أكثر المناطق المعرضة للفيضانات في المدينة.

العدد المتنامي من العواصف كإعصار ساندي وموجات الحرائق والجفاف أدلة كافية ليس فقط على الوتيرة المتسارعة للتغير المناخي، إنما كذلك لأثرها المدمر على حياتنا. وكالأزمة الاقتصادية، إن الأشخاص الأقل مسؤولية عن التسبب بالأزمة البيئية يتحملون ويستمرون بتحمل تكاليفها. (2)

لكن الجوانب الأخرى للمشكلة تكمن كذلك في ما يسمى بـ”الحلول” المقترحة. في أفضل الحالات، هناك الحلول المعتبرة فردية ساذجة- من بينها أن يخفض كل شخص حصته من انبعاثات الكربون، وبذلك سنتمكن من وقف تغيّر المناخ العالمي. وفي أسوأ الحالات، هناك مناورات الغسيل الأخضر الانتهازية لنفس الشركات التي تستفيد من تدمير الكوكب. على سبيل المثال، رعت شركة تويوتا وكون إد، ويونايتد إيرلاينز احتفالات يوم الأرض في شهر نيسان/أبريل، في حين أكبر مساهمة يمكن لهذه الشركات أن تقدمها للحفاظ على الكوكب هو الاختفاء. (3)

مع ذلك، هذه الأوقات واعدة للغاية للنضال تحت إطار الاشتراكية البيئية والعدالة البيئية. بحيث يوجد انفتاح كبير لبناء حركة حقيقية تقدم نقداً أكثر جذرية للأزمة، طارحة حلولاً جذرية.

جذر المشكلة

عندما بدأت بالتخصص في مجال البيئة، كان الجميع يتحدث عن استعمال الستيروفوم وإعادة التدوير. اليوم، أعتقد أنه أصبح واضحاً أكثر فأكثر للناس أن الحجم الكبير للأزمة يتطلب القيام بالمزيد من الإجراءات الشاملة. فكريس ويليامز تحدث عن ذلك في كتابه البيئة والاشتراكية: “لا يمكن لأي شخص بناء مراوح، أو تفكيك محطة طاقة تعمل على الفحم أو إنشاء نظام سكك حديدية غير ملوث بمفرده”. (4)

اليوم، أعتقد أن السؤال يطرح بشكل حقيقي وملموس بالنسبة لعشرات وحتى لمئات الآلاف من الناس: هل أصل المشكلة هو الرأسمالية؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف نوقفها؟ هذه أسئلة تطرحها شخصيات داخل الحركة البيئية. عنوان كتاب نعومي كلاين، على سبيل المثال: هذا يغير كل شيء: الرأسمالية ضد المناخ. (5) الحاجة إلى المزيد من التحليلات الراديكالية أصبح بديهياً في وقت بات واضحاً أن التكنولوجيا والثروة والأفكار موجودة بالفعل- لمعالجة الأزمة على المديين القصير والطويل. إنما ذلك لا يحصل لأسباب اقتصادية وسياسية.

على المدى القصير، نحتاج إلى خوض نضال دفاعي إلى حد كبير لتغيير المسار الحالي وكسب الوقت لأنفسنا من أجل إجراء تحول أكثر عمقاً. لوقف تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، علينا وقف استخراج أغلب النفط والغاز والفحم من باطن الأرض، وبدلاً منها الاستثمار في تكنولوجيات لانتاج الطاقة من الرياح والشمس والمياه والحرارة الأرضية المتجددة. في الوقت عينه، نحتاج إلى تخفيض استهلاك الطاقة- من خلال التغيرات الجماعية وليس الفردية- من خلال توسيع نطاق شبكة المواصلات العامة، وإقرار تشريعات لتهيئة الأبنية لفصلي الشتاء والصيف، وتشغيل جميع المركبات والتدفئة من مصادر متجددة.

بحسب تقرير صادر عن Scientific American، إن تحويل توليد الطاقة إلى الاعتماد على مصادر متجددة بحلول عام 2030 يتطلب بناء 3،8 مليون مروحة وتركيب 90 ألف لوح شمسي. (6) فإذا كنت تفكر بواقع أن 70 مليون سيارة تُنتَج كل سنة، لا تبدو هذه الأرقام غير واقعية على الإطلاق.

الاشتراكي البريطاني، جوناثان نيل، قدّر مؤخراً أن تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية في كل العالم يحتاج إلى ما بين 100-150 مليون عامل خلال 20 سنة. (7) ومن دون شك أن ذلك يتطلب الكثير من المال. ولكن إذا ظهرت هذه الأرقام مرعبة، يجب ألا ننسى أن برنامج البنتاغون يكلف 1،5 تريليون دولار لانتاج طائرات ف-35، والتي، ودائما بحسب البنتاغون، لا يمكن الاعتماد عليها بشكل حقيقي. (8)

البنتاغون يصرف سنوياً ما يقارب 600 مليار دولار أي ما يساوي 3 أضعاف الإنفاق العسكري لأكبر دولة تلي البلاد، الصين. لذا إردنا تقديم طلب متواضع بتخفيض الميزانية العسكرية حتى تبلغ ضعف إنفاق الصين العسكري فقط، نكون قد وفرنا أكثر من 200 مليار دولار لإنفاقها على مصادر الطاقة المتجددة.

بالطبع، هذه الأرقام لا تساوي شيئاً أمام مبلغ الـ 1،7 تريليون دولار (وفق التقديرات المتحفظة) لإنقاذ المصارف التي صرفت بدءا من عام 2008، أو ثروة المئات من المليارديريين في العالم. فإذا أخذنا ضريبة بنسبة 10 بالمئة فقط من أغنى 20 شخصاً في العالم، يمكننا أن نبني على الفور حولي نصف المراوح من مجموع الـ 3،8 مليون مروحة التي قدرها تقرير Scientific American.

في الواقع هذا النوع من الحلول، لا تنفذ ليس لعدم امتلاك التكنولوجيا أو المال. وليست المسألة مشكلة الكربون. إنها مشكلة سياسية واجتماعية-اقتصادية. وبهذا لا أعني فقط ضعف الحزب الديمقراطي وإدارة [الرئيس السابق] أوباما. لا يمكن للنظام القائم على تحقيق الأرباح بكل بساطة أن يعمل بطريقة عقلانية، بغض النظر عن حجم الأدلة الموجودة أمامك أو كم هي الحلول التكنولوجية ممكنة ومتوفرة.

لذلك، هناك حاجة ضرورية للسياسات المناهضة للرأسمالية والاشتراكية البيئية- بهدف تقديم تفسير دقيق ومقنع للأزمة، وبهدف إعلام حركتنا الاستراتيجيات، وبهدف تأمين رؤية بعيدة الأمد لتحويل المجتمع إلى مجتمع أكثر استدامة بشكل حقيقي.

لماذا تحاول الرأسمالية قتلنا كلنا؟

أريد بشكل موجز استعادة سبب عدم وجود حل للدمار في الكوكب في ظل الرأسمالية، وذلك من خلال العودة إلى واحدة من المعادلات الأساسية التي وضعها ماركس عن الرأسمالية. وقد اختصرها ماركس بثلاثة أحرف م-س-مَ. (9)

بشكل أساسي، يبدأ النمط الأساسي لرأس المال من أن الانتاج يبدأ بالمال (م). يتم استثمار هذا المال في دفع رواتب العمال، والموارد الطبيعية والتكنولوجيات بهدف صناعة السلع (س). هذه السلع تباع بأموال أعلى مما جرى استثماره في البداية (مَ) (العلامة التي وضعت على حرف الميم الثاني تدل على أن المبلغ أكبر من حرف الميم الأول). تكمن الحيلة بتحويل مبلغ أولي من الأموال المستثمرة إلى أموال أكثر بفعل استغلال العمال خلال عملية الانتاج. بشكل أساسي، يدفع الرأسمالي أموالاً أقل للعمال مما ينتجونه.

ما علاقة هذا الأمر بالتغير المناخي؟ هناك ثلاث نقاط أود التركيز عليها في هذه المعادلة:

1. “القيمة التبادلية” مقابل “القيمة الاستعمالية”

قبل ازدهار الرأسمالية، كانت التجارة تقوم وفق معادلة أبسط: س-م-س. تبدأ بسلعة تباع بهدف شراء سلعة أخرى. لنفترض أنك تصنع الخبز، إنما تحتاج إلى أحذية. لذلك تبادل السلعة التي تنتجها بسلعة أخرى ذات قيمة متساوية، وتستخدم المال كوسيط بسيط حتى يصبح هذا التبادل ممكناً.

تقلب الرأسمالية الآية، بحيث بدلاً من أن يكون الهدف من التبادل نفعياً (أصنع هذه السلعة وأحتاج إلى سلعة أخرى)، يصبح الهدف الوحيد من التبادل هو المال. وبذلك تصبح السلع مجرد وسيلة لتحقيق المزيد من المال. وبالتالي تكون السلع التي تُصنع بهدف زيادة رأس المال، مسألة عرضية. خلال الـ 1960ات، جرى التعبير عن ذلك من قبل المشرف في شركة Bethlehem Steel، الذي صرّح لمجلة Fortune: “نحن لا نصنع الصلب… إنما في مجال تحقيق الأرباح”. (10)

على كل رأسمالي، يسعى إلى البقاء والتنافس مع الآخرين في الصناعة، أن يقلق من أمر واحد فقط: كيف يمكن تحويل مبلغ من المال إلى مبلغ أكبر منه. سواء كانت المنتجات مفيدة أو منطقية أو مفيدة أو إذا كانت تنشئ مطامر للنفايات. فهي ليست موجودة في أي مكان كعنصر متسلسل ضمن استراتيجيات ميزانية الشركة.

لذا، على سبيل المثال، يكون الانتاج الضخم لأي سلعة هو بشكل عام الطريقة الفعّالة للرأسماليين لتحقيق الأرباح. في القطاع الزراعي، يؤدي ذلك إلى اعتماد الزراعة الأحادية، والتي هي كارثة على النظام. فهي تستهلك التربة وتخلق الحاجة إلى المزيد من المبيدات، مسببة تلوث التربة والبشر في نفس الوقت.

حتى لو أنفقت إحدى الشركات الأموال اللازمة لتخفيض التلوث، وانبعاثات الكربون، والنفايات، فإنها ستتنافس مع الشركات التي لا تفعل ذلك، وبالتالي يصبح بإمكان الشركة [الثانية] بيع منتجاتها بأسعار أقل وبكمية أكبر، وسرعان ما ستجد الشركة المعنية نفسها خارج حصتها الضرورية من السوق. بذلك، إن الرأسمالية تمتن التركيز على تحقيق الأرباح القصيرة الأمد وبهدف البقاء في الصدارة، ما يهمها هو المال فقط في نهاية هذا المسار، بدلا من المنفعة والعقلانية لما يتم تصنيعه.

بالطبع، إن التركيز على المكاسب القصيرة الأمد هو قاتل للبيئة، وهو بالتعريف مسألة طويلة الأمد. كما كتب ماركس: “الطريقة المعتمدة لزراعة محاصيل معينة وفقاً لتقلبات أسعار السوق والتغير المستمر في الزراعة تبعاً لهذه الأسعار- تمثل روح الانتاج الرأسمالي بأكمله الموجه نحو تحقيق الأرباح المالية الفورية- يتعارض مع الزراعة، التي ينبغي أن تهتم بسلسلة كاملة من ظروف الحياة الدائمة التي تتطلبها الأجيال المتعاقبة”. (11)

2. المدخلات/المخرجات

يعتبر رأس المال الموارد الطبيعية، مثلها مثل القوى العاملة، كمدخلات بسيطة في عملية الانتاج، يجب على كل رأسمالي الحصول على هذه المدخلات بأرخص ثمن وأسرع وقت ممكن.

كما كتب ماركس في ظل الرأسمالية:

“لأول مرة، تصبح الطبيعة موضوعاً بحتاً للبشرية، مسألة انتفاعية بكل بساطة، جرى التوقف عن اعتبارها قوة بحد ذاتها، يبدو أن الاكتشاف النظري لقوانينها المستقلة كان مجرد خدعة بهدف إخضاعها لحاجات الإنسان، سواء كموضوع للاستهلاك أو كوسيلة للانتاج”. (12)

في الفترة الأخيرة، أشارت اتفاقية الشعب (2010 كوتشابامبا) إلى النقطة عينها: “في ظل الرأسمالية، تتحول أمنا الأرض إلى مصدر للمواد الخام، ويتحول البشر إلى مستهلكين ووسائل إنتاج، وينظر إلى الأشخاص كذوي قيمة فقط بالنسبة لما يمتلكونه وليس لما هم عليه”.(13)

إذا كانت الثروة الطبيعية والقوى العاملة عبارة عن مدخلات، يعتبر رأس المال المخرجات كل ما يباع. في هذا الإطار، لا تحتسب النفايات ضمن طرفي المعادلة. لا تهتم الصناعة بكمية النفايات المنتجة أو إلى أين تذهب. ما يهم هو ما يباع.

في بعض الحالات تكون هذه النفايات سامة لنا وللكوكب. في حالات ثانية، تتكون النفايات من مواد مفيدة يتم التخلص منها بدلاً من استعمالها بشكل منتج. يؤدي هذا إلى وضع يحصل فيه التخلص من كميات الطعام من المتاجر والمطاعم والمتاجر والمستهلكين في الولايات المتحدة تكون كافية لإطعام مليار شخص يعانون من سوء تغذية. (14)

لكن الأمر أسوأ من مجرد إهمال بسيط، فالنفايات ليست مجرد شيء يهمله رأس المال، إنما يروج له بكل حماس. من المربح صناعة سلع تتعطل أو تصبح قديمة بسرعة من الناحية التكنولوجية أكثر من صناعة سلع أكثر ديمومة. إذا كنت تمتلك جهاز أيفون، فإنت تعلم أنك لا يمكنك الاحتفاظ بهذا الجهاز الذي يكلف 700 دولار لأكثر من عام أو عامين قبل الاضطرار لشراء هاتف جديد، ولأن هاتفك بات قديماً، حتى لو كان ما زال يعمل بشكل جيد، لأنه لم يعد متوافقاً مع البرامج الأحدث.

3. النمو المستمر

أخيراً، تتضمن معادلة م-س-مَ نمواً ثابتاً من استمرار التنافسية للرأسماليين. كلما حققت المزيد في نهاية دورة الانتاج، كلما زادت قدرتك على الاستثمار في الجولة الثانية من الانتاج وكلما زاد الاستثمار في تقنيات أحدث/موفرة للتكاليف بهدف التغلب على المنافسين. هذه السيرورة، بالتالي، تغذي النمو على صعيد النظام ككل حيث ينتج المزيد والمزيد باستمرار. تدخل الرأسمالية بأزمة إذا لم يستمر النمو.

في الحقيقة، السيرورة الكاملة لـ (م-س-مَ) لا تنتهي، لأن الهدف منها ليس السلعة التي تستعمل أو تستهلك، إنما المال الذي لا يؤمن أي شيء بحد ذاته ما لم يعاد استثماره في جولات تالية من الانتاج. كما كتب الكاتب الاشتراكي البيئي، جون بيلامي فوستر: “رأس المال بطبيعته يحمل قيمة توسعية ذاتية”. (15)

هذا الدافع للتوسع بأي ثمن يضع الرأسمالية على عداء مع البيئة لأنها تحتاج إلى المزيد والمزيد من المدخلات من جانب الانتاج، الأمر الذي يؤدي إلى نهب مواردنا الطبيعية بأسرع ما يمكن استعماله، ولأنها تحتاج إلى المزيد والمزيد من القاعدة الاستهلاكية لبيع أكبر عدد ممكن من السلع. بيع سلع لم تكن تعلم أنك تحتاجها، كالبلاستيك، كل شيء يمكن التخلص منه. بيع أشياء كانت مجانية، مثل الوصول إلى المياه. بيع أشياء مدمرة بطبيعتها، مثل الصواريخ النووية.

إن الحاجة المتزايدة إلى المواد والطاقة للحفاظ على التوسع يضع الرأسمالية في تناقض عميق ولا عودة له مع كوكب مستدام. بالفعل، وبحسب دراسة أجرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم، تجاوز الاقتصاد العالمي قدرة الأرض على التجدد سنة 1980، وبحلول العام 1999 بلغت نسبة التجاوز حدود الـ 20 بالمئة. اليوم، باتت الفجوة بحدود الـ 30 بالمئة. (16)

لخص ماركس وإنغلز المسألة في كتاب البيان الشيوعي ببلاغة شديدة: “المجتمع البرجوازي الحديث، بعلاقات الانتاج والتبادل والملكية، المجتمع الذي اخترع هذه الوسائل الكبيرة للانتاج والتبادل، تماماً كالساحر الذي لم يعد قادراً على التحكم بالقوى التي استدعاها بسحره”. (17)

مناهضة الرأسمالية مقابل استراتيجيات رأسمالية

إذا كان المنطق الأساسي للنظام بحد ذاته غير مستدام، بالتالي النتيجة المنطقية لذلك أنه يتعين علينا تغيير النظام بشكل كامل. لكني أود كذلك التشديد على أن السوق يؤدي إلى التدمير البيئي بالدرجة الأولى، كما يؤثر على نوع الإصلاحات التي نناضل من أجل تحقيقها في طريقنا إلى تغيير النظام بشكل كامل، وذلك بطريقتين مختلفتين:

لا يمكننا تحفيز الشركات، إنما علينا تنظيمها ضد مصالحها حتى تقوم بالشيء الصحيح: الحلول والحوافز القائمة على السوق مثل الحد الأقصى والتجارة (cap and trade) ليست ناجحة، لأن منطق السوق بكامله هو المشكلة بحد ذاته. بعيداً عن الهدف بإنهاء السوق- وهو الهدف النهائي- نحن بحاجة، خلال هذا الوقت، إلى تنظيمه بقدر المستطاع. لن يحصل ذلك إلا ضد رغبات الرأسماليين، وذلك عن طريق إرغامهم على تقديم التنازلات من قبل الحركات الديمقراطية الجماهيرية الضاغطة من تحت.

رؤية رأس المال على المدى القصير للقوى العاملة والموارد البشرية كمدخلات في السيرورة الانتاجية تخلق الحاجة إلى وحدة المقاومة بين العمال والناشطين البيئيين. هذا ما كان الحال عليه منذ بداية الرأسمالية. اجتياح الطبيعة واجتياح الإنسان كانا جزءاً واحداً، لا يتجزأ، من نفس السيرورة.

هناك العديد من التمظهرات المحسوسة لهذه الحاجة للوحدة بين القوى العاملة والحركات من أجل العدالة البيئية اليوم. مثلاً، في كل مرة تنتقل شركة إلى الصين باحثةً عن يد عاملة أرخص، فإنها تقوض الطبقة العاملة الأممية في سباق إلى القاع، كما أنها تنتج نفايات وتدهوراً هائلين، حيث تشحن كميات هائلة من السلع عبر العالم بدلاً من انتاجها وبيعها على صعيد محلي.

إن الأسطورة القائلة بإنه علينا الاختيار بين فرص العمل والبيئة منتشرة جداً، خاصة داخل الحركة العمالية. وكما كتب الناشط جيريمي بريشير:

“تكمن إحدى نقاط الانطلاق لهذه القصة في إدراك المصلحة المشتركة لبقاء الإنسان وسبل العيش المستدامة. وحتى أستعمل عبارة أبراهام لينكولن، إذا كان الله قد قصد بعض الناس للنضال من أجل البيئة وآخرين للنضال من أجل الاقتصاد، لكان خلق بشراً يمكنهم العيش من دون مال، وآخرين يمكنهم العيش من دون ماء أو هواء.

لا يوجد مجموعتان من البشر: أنصار البيئة والعمال. نحتاج جميعاً إلى مصدر رزق، كما نحن بحاجة إلى كوكب صالح للعيش عليه. إذا لم يتعامل الطرفان مع بعضهما البعض، فسوف نجوع معاً منتظرين الموت حرقاً [من الحرّ] سوياً. (18)

أو وفق كلمات روزا لوكسمبورغ، إن خيارنا هو بين الاشتراكية أو الهمجية. (19) يمكننا وعلينا بناء حركات لتنظيم وإصلاح النظام، لكن هذا لن يكسبنا سوى الوقت ضد نظام لا يسعى إلا إلى التوسع والتخريب والتدمير. في نهاية المطاف، نحتاج إلى التخلص من النظام الربحي بشكل تام واستبداله بنظام يقوم على الحاجة البشرية والبيئية.

كيف سيكون شكل الاشتراكية البيئية؟

من الواضح أن هذا السؤال لا يمكنني الإجابة عنه أو التنبؤ بتفاصيله، ولكنني سأورد بعض الأفكار تشكل العناوين العريضة.

هناك بعض الأشياء البديهية جداً نحتاج إلى القيام بها فوراً، وقد كتب الكثير من الناشطين والاشتراكيين البيئيين وتحدثوا عن تلك الإجراءات. على سبيل المثال، في مقالها المعنون: “الرأسمالية مقابل المناخ”، كتبت نعومي كلاين:

“التغير المناخي مشكلة جماعية، وتحتاج عملاً جماعياً. أحد المجالات الأساسية التي يجب أن يحصل فيها هذا العمل الجماعي هو من خلال الاستثمارات الكبيرة المخصصة لتقليل من الانبعاثات على نطاق واسع. وهذا يعني المترو وعربات الترام وأنظمة سكك حديدية التي لا تتوفر فقط في كل مكان إنما هي في متناول الجميع؛ إضافة إلى تأمين مساكن قليلة التكلفة وتوفر الطاقة وقريبة من خطوط النقل تلك؛ إقامة شبكات كهربائية ذكية تحمل طاقة متجددة؛ وإجراء أبحاث مكثفة لضمان استخدامها بأفضل الطرق الممكنة.

القطاع الخاص غير صالح لإقامة هذه الخدمات لأنها تتطلب استثمارات كبيرة، وإذا كان الهدف تأمينها للجميع، فبضعها قد لن يكون مربحاً. مع ذلك، تؤمن هذه الاستثمارات المصلحة العامة، لهذا السبب يجب أن يتولاها القطاع العام”. (20)

لخص إيان أنغوس وسيمون بتلر الخطوات التالية المطلوبة في كتابهما الكثير من الناس؟ السكان، الهجرة والأزمة البيئية: (21)

– التخلص التدريجي المتسارع من استعمال الوقود الأحفوري والوقود الحيوي، واستبدالهما بمصادر طاقة نظيفة.

– دعم المزارعين بكثافة للتحول إلى الزراعات البيئية؛ الدفاع عن انتاج الغذاء المحلي وتوزيعه.

– إقامة شبكات نقل عام مجانية وفعالة.

– إعادة هيكلة أنظمة استخراج وانتاج وتوزيع النفايات، والتقادم المخطط له، والتلوث، والاعلانات المخادعة، وتوفير التدريب اللازم لكل العمال والمجتمعات.

– تعديل المنازل والأبنية القائمة من أجل استعمال أكثر كفاءة للطاقة.

– وقف كل العمليات العسكرية داخل البلاد وخارجها؛ تحويل القوات المسلحة إلى فرق تطوعية مكلفة بإصلاح النظم البيئية ومساعدة ضحايا الكوارث البيئية.

خطة عمل من أجل الاستدامة

إلى جانب الخطوات الأولية، أعتقد أنه هناك عدداً قليلاً من الموضوعات التي تمكننا من توفير خطة عمل للتفكير بالمستقبل قائمة على الحاجة والاستدامة على عكس تلك الهادفة إلى الربح.

إذا أردنا معالجة “الصدع الاستقلابي”(22)، وفق تعبير ماركس، بين الأرض والإنسان، نحن بحاجة إلى معالجة الحقوق المشتركة للإنسانية والأرض. الحق بعدم التلويث يمكن ترجمته كذلك إلى الحق بالعيش وسط هواء غير ملوث ومياه غير ملوثة. وتحديداً، عندما نتحدث عن حقوق الإنسان، علينا التحدث عن مناهضة العنصرية والاستعمار. وإدراكاً منا أن الفقراء، والملونين والمستعمرين هم الذين [تحملوا] يتحملون العبء الأكبر للكارثة البيئية، وبالتالي علينا التصدي بفعالية ضد التعسف وانعدام المساواة. كما طرحت اتفاقية الشعوب، الصادرة عن مؤتمر الشعوب العالمي حول التغير المناخي وحقوق أمنا الأرض الذي انعقد في كوتشابامبا عام 2010 مطالبها:

“يجب على الدول المتقدمة، ولأنها المسبب الأساسي للتغير المناخي، أن تتحمل المسؤولية التاريخية، وتدرك وتحترم ديونها المناخية بكل أبعادها كأساس لحل عادل وفعال وعلمي للتغير المناخي، في هذا السياق نطالب الدول المتقدمة بالتالي:

– إعادة [أفضّل كلمة تحرير- الملاحظة من المترجم] للدول النامية لمساحة الغلاف الجوي التي تحتلها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا يعني إنهاء استعمار الغلاف الجوي من خلال تقليل وامتصاص الانبعاثات؛

– تحمل التكاليف واحتياجات نقل التكنولوجيا للبلدان النامية الناتجة عن نقص في التنمية بسبب العيش في فضاء مقيد؛

– تحمل المسؤولية عن مئات الملايين من الناس الذي سيهاجرون بسبب تغير المناخ الذي سببته وتسببه هذه الدول، والقضاء على سياسات تقييد الهجرة، الأمر الذي يوفر للمهاجرين حياة كريمة مع ضمانات كاملة لحقوق الإنسان في دولهم؛

– تحمل مسؤولية الديون الناتجة عن آثار التغير المناخي في الدول النامية من خلال تزويدها بوسائل منع، وتقليل، ومعالجة الأضرار الناتجة عن الانبعاثات المتزايدة؛

– احترام هذه الديون كجزء من دين أكبر لأمنا الأرض من خلال اعتماد وتطبيق إعلان الأمم المتحدة العالمي بشأن حقوق أمنا الأرض.

– يجب ألا ينحصر التركيز على التعويضات المالية، إنما أيضاً على العدالة الإصلاحية، المفهومة على أنها إعادة السلامة لأمنا الأرض وجميع كائناتها الحية”.

بما يتعلق بمسألة النمو أعتقد أن ماركس قد أسيء فهمه على نطاق واسع. فهو احتفى بالقدرة الانتاجية للرأسمالية ورأى أنها تؤمن الأسس لعالم الوفرة الذي يجعل تحقق الاشتراكية ممكناً. لكن هذا لا يعني أنه يفضل النمو المستمر لإنتاج السلع.

يمكننا وعلينا المضي قدماً وليس إلى الخلف بما يتعلق بتنمية القدرة الانتاجية للمجتمع. إنما هذا لا يعني أننا بحاجة إلى انتاج المزيد والمزيد من السلع، كما هو الحال في ظل الرأسمالية. وهذا يعني أننا بحاجة إلى التقدم باستمرار لناحية التكنولوجيات والأبحاث وسوى ذلك. في الواقع، هناك الكثير الذي يجب وقفه على الفور- كالأسلحة والإعلانات- وغيرها من المنتجات التي يمكن تقليل انتاجها بشكل كبير وبأسرع وقت ممكن، كالسيارات والبلاستيك.

إضافة إلى ذلك، هناك أسئلة معقدة علينا التفكير بها لناحية ما هي أفضل الطرق لتسهيل تلبية الحاجات الإنسانية. على سبيل المثال، كيف يمكننا تنظيم إنتاج الغذاء؟ هناك الكثير من الأبحاث الجيدة التي تشير إلى الزراعة الدوارة المتعددة المنتجات في الأرض نفسها، تعتبر أكثر استدامة للتربة، ويمكنها كذلك انتاج محاصيل أكثر من الأساليب الزراعية المهيمنة للشركات.

المسألة الأساسية هي أن الرأسمالية تجبرنا على الدخول في حلقة من التراكم من أجل التراكم. التنمية المخططة لتحسين نوعية الحياة للأكثرية العظمى للبشر على أساس الانتاج المستدام هي القطب المعاكس [للرأسمالية].

وحتى نستطيع تنفيذ هذا النوع من التخطيط على المستوى الإقليمي ومن ثم العالمي، نحن بحاجة إلى نظام ديمقراطي جماعي. المشاركة الجماعية هي ضرورية لإطلاق أفكار الإبداع التي نحتاجها للتصدي لحجم التحديات التي نواجهها.

كيف نصل إلى هناك؟

إنه سؤال المليون دولار، لا توجد مخططات لتحويل الرأسمالية إلى اشتراكية، لكني سأختم ببعض النقاط العامة التي ترسم معالم الطريق للمضي قدماً.

نحن بحاجة إلى تعميق وتطوير السياسات والنظرية التي تفسر الحالة التي نحن عليها، لماذا لا يمكن التوفيق بين الرأسمالية ونظام الربحية مع كوكب صالح للعيش. النظرية الأقوى، كما ذكرت، لها آثار مهمة على الحلول القصيرة والطويلة المدى.

نحن بحاجة إلى بناء الجناح المناهض للرأسمالية في الحركة في الوقت عينه الذي نتعامل فيه مع أوسع شريحة من الناشطين. مثلاً، في نيويورك، المنظمة التي أنشط داخلها، تغيير النظام وليس تغير المناخ، وكما يوحي اسمها تعتمد سياسات راديكالية مناهضة للرأسمالية. نحن نناضل مع الكثيرين بهدف التحضير للتظاهر من أجل المناخ، يوم 21 أيلول/سبتمبر، تلبية لنداء أطلقته منظمة 350.org وآفاز وسواها من المنظمات. (23) هذا التجمع قد يكون بمثابة تغيير جذري للعبة في الحركة ضد الاحتباس الحراري. من المحتمل أن يضم مئة ألف شخص وسيكون أكبر تجمع من أجل العدالة البيئية حتى اليوم. يمكن أن يجمع أعداداً كبيرة في وقت باتت قضية تغير المناخ هي القضية الأساسية المحددة لعصرنا.

في الوقت عينه، نحن نناضل مع ملتقى المناخ العالمي وآخرين من اليسار بهدف عقد مؤتمر في نهاية نفس الأسبوع [21 أيلول] والذي من شأنه أن يكمّل المسيرة ويؤمن تحليلاً راديكالياً ويوفر مناقشات سياسية في إطار التعبئة الأوسع. (24)

نحن نحتاج إلى حركة مستدامة. ما حصل بعد 21 أيلول/سبتمبر لا يقل أهمية عما حصل في النهار نفسه. عام 2003، وخلال الحرب على العراق، اعتقد العديد من الناس داخل حركة مناهضة الحرب أن مظاهرة واحدة ستكون كافية لوقف الحرب، لكن اليوم من الصعب أن تجد شخصاً واحداً يقول إن مسيرة جماهيرة ستوقف ظاهرة الاحتباس الحراري. لذا نتلمس وجود نضج سياسي، وإمكانية كبيرة لاستعمال الزخم والثقة التي يكتسبها الناس من المسيرة، للعودة والتنظيم على المستوى المحلي في الجامعات والأحياء وأماكن العمل.

في نهاية الأمر نحن بحاجة إلى حركة جماهيرية. تخيّل الحركة حيث الطلاب يضربون عن العمل لمنع جامعاتهم من استعمال الوقود الأحفوري؛ والسكان الأصليون يقودون عصياناً مدنياً جماعياً ضد استخراج النفط الرملي؛ والطبقة العاملة والملونون في Rockaways ينظمون اعتصامات للمطالبة بالموارد لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية وفق أسس بيئية عقلانية؛ والعمال ينظمون إضراباً عن استخراج الوقود الأحفوري من أجل حقهم بإعادة تدريبهم وتوظيفهم في أعمال تؤمن لهم العمل الآمن والصحي والذي لن يدمر الكوكب وحياتنا وحياة أولادنا.

حركة بهذا المستوى- التي نحتاجها لقلب الأمور- ستتحدى ربحية الرأسمالية واستمراريتها. لن تبنى الحركة بين ليلة وضحاها، إنما علينا اتخاذ خطوات مهمة، والمساعدة على تعبئة مئات الآلاف في أيلول/سبتمبر. هناك إمكانات هائلة لنمو هذه الحركة، ولتجذير سياساتها. ويتطلب منا بعض التفاني، وبعض القابلية، وبعض السياسة، ومستوى جيداً من انعدام الصبر مع النظام، مقابل الصبر تجاه بعضنا البعض. إنها مسألة ليست سهلة أو سريعة، إنما هي صراع ضروري. وعلى الأمد الطويل، عالم اشتراكي بيئي هو عالم يستحق النضال من أجله.

سأختم مع كلمات ماركس:

“من وجهة نظر التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية الأرقى، تظهر الملكية الخاصة لأفراد معينين للأرض أمراً لا منطقياً تماماً كملكية شخص لأشخاص آخرين.

حتى المجتمع بأكمله، أو الأمة، أو كل المجتمعات المتواجدة سوية في وقت واحد، ليسوا مالكين للأرض، إنما هم بكل بساطة الحائزون عليها، والمستفيدون منها، ويجب أن يورثوها للأجيال المقبلة بحالة أفضل، كالأهل الطيبين”. (25)

الهوامش:

“Foreclosed: Rehousing the American Dream,” Museum of Modern Art, available at http://www.moma.org/interactives/exhibit….
Michael Friedman, “The intertwined storms of Sandy and capitalism,” Socialist Worker, November 27, 2012.
Christopher Robbins, “NYC Earth Day, brought to you by Toyota, United, & Con Ed,” April 22, 2014, Gothamist, available at http://gothamist.com/2014/04/22/a_tale_o… Hadas Their, “It’s Earth Day. Thanks, Toyota,” New Politics, available at http://newpol.org/content/its-earth-day-….
Chris Williams, Ecology and Socialism: Solutions to Capitalist Ecological Crisis (Chicago: Haymarket Books, 2010).
Naomi Klein, This Changes Everything: Capitalism vs. the Climate (New York: Simon & Schuster, 2014.
Mark Z. Jacobson and Mark A. Delucchi, “A Plan to Power 100 Percent of the Planet with Renewables,” Scientific American, November 2009, http://www.scientificamerican.com/article/a-path-to-sustainable-energy-by-2030/. Also see “Stanford scientist unveils 50-state plan to transform U.S. energy use to renewable resources,” February 15, 2014, https://energy.stanford.edu/news/stanfor….
Jonathan Neale, “The movement needs to keep moving,” Socialist Worker, April 15, 2014.
Becca Mitchell and Laurie Simmons, “Problems continue to pile up for the F-35 Joint Strike Fighter jet,” June 27, 2014, http://wtkr.com/2014/06/27/problems-cont….
Capital, Vol. 1, Chapter Four: The General Formula for Capital, http://www.marxists.org/archive/marx/wor….
Cited in Nicholas Molodovsky, Catherine May and Sherman Chottiner, “Common stock valuation: principles, tables and application,” Financial Analysts Journal, Vol. 21, No. 2 (Mar–Apr 1965), 111.
Karl Marx, Capital: Volume III (London: Penguin Classics, 1991), 754 (n).
Karl Marx, Grundrisse, Notebook IV, http://www.marxists.org/archive/marx/wor….
World People’s Conference on Climate Change and the Rights of Mother Earth, at http://pwccc.wordpress.com/2010/04/24/pe….
“Food Waste Facts,” at http://www.feeding5k.org/food-waste-facts.php. See also “Food waste: the next food revolution,” at http://modernfarmer.com/2013/09/next-foo….
John Bellamy-Foster, “Organizing ecological revolution,” Monthly Review, Vol. 57, Issue 05 (October 2005).
Lester Brown, “Our global ponzi economy,” Earth Policy Institute, October 7, 2009, available at http://www.earth-policy.org/book_bytes/2….
Karl Marx and Frederick Engels, The Communist Manifesto, Chapter I: “Bourgeois and Proletarians,” http://www.marxists.org/archive/marx/wor….
Jeremy Brecher, “‘Jobs vs. the environment’: How to counter the divisive big lie,” Nation, April 22, 2014.
Rosa Luxemburg, “What does the Spartacus League want?” (December 1918), available at http://www.marxists.org/archive/luxembur….
Naomi Klein, “Capitalism vs. the Climate,” Nation, November 28, 2011.
Ian Angus and Simon Butler (Chicago: Haymarket Books), 2011.
See John Bellamy Foster, “Marx’s theory of metabolic rift: Classical foundations for environmental sociology,” American Journal of Sociology, Vol. 105, No. 2 (September 1999), pp. 366-405.
See the People’s Climate Mobilization web site at http://peoplesclimate.org/.
See the NYC Climate Convergence web page, at https://web.archive.org/web/20151019021024/http://convergeforclimate.org/.
Karl Marx, Capital: Volume III, 911.



#هداس_تيير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية والاشتراكية البيئية


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هداس تيير - الماركسية والاشتراكية البيئية