أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العالي زغيلط - سيجارة راس المحنة الشريفة















المزيد.....

سيجارة راس المحنة الشريفة


عبد العالي زغيلط

الحوار المتمدن-العدد: 7141 - 2022 / 1 / 20 - 20:10
المحور: الادب والفن
    


سيجارة راس المحنة الشريفة:
كتبت أستاذة النقد تقريرا شديد اللهجة (واللغة أيضا) قالت فيه: "يأسفني أن الطالبة «شريفة» قد ظبطت بحالت غش مع زميلتها «نزيهة»".
قرأ رئيس القسم التقرير الجهبذ بعد ترجمته الفورية إلى الصينية الفسحى، مط شفتيه وتمطى في أريكته...بحث عن قلم ليضبط "ظبطت"، ويرتق الفتق الذي أصاب عذرية تاء تأنيث الحالة، ويمسح من على رأس الألف عار الهمزة .. ثم عدل عن رأيه وأخرج من جيبه ولاعة فرنسية وعلبة سيجار امريكية..قدم رأس السيجارة إلى النار ..جبذ نفسا عمييقا نكاية في العجار الإلزامي لمنظمة الصحة الملقى على مكتبه.. نفث لعَنَـاته في العقد، والنقد، والأستاذية، والدكترة، والأمبرة، والدستور، واللقاح والامبريالية والمنظمات الدولية وأدب السجون كذلك...تابع مسيرة الدخان باهتمام وقلق بالغين (بالغان أفضل؛ فالدخان ارتفع في السماء وهو وضيع) ..ترحم بالسنسكريتية على سي بويه ونفط أويه وابن جني وابن عفريت وكراع النمل... تتابعت الدخاخين تتسلل وتتسلى في سماء مكتبه...قرأ نصا مكتوبا في فراغات التأويل بأدخنة السيجارة : التنخيل مضر بالصحة !
ـ العمى!
دقق في المكتوب، وارجع البصر كرتين : التنخيل ..التنخيل... واستعاد محفوظاته التي أتى عليها حين من الدهر والتزهمر: "من غربل الناس نخلوه"... آه صحيح قرأها في غربال ميخائيل نعيمة...وابتسم كالمجنون: نعيمة ختك.. نعيمة ختك ..جملة أخرس بها أستاذ العربية ذات صباح تلميذا مشاغبا فصنعت منه مقاولا بحجم الدنيا (الفانية؛ يعلق زاهد شغفته الفانية حبا).. جاس خلال المكتب يفحص بعينيه الذابلتين أثاثه وملفاته .. سمع طرقا على الباب؛ طرقا أنثويا لا شية فيه؛ بأصابع لوليتا...
ـ ادخل. قالها ثم أضاف الياء ضميرا متصلا لتأنيث الجلسة وتأثيث النص..
ابتسمت بعينيها .. ابتسم وفي أعماقه نيران معابد المجوس..
ـ تفضلي اجلسي.. نحي عنك النقاب!
اعتدلت في جلستها،وأسقطت النصيف الظالم ولم ترد إسقاطه، وعضت على العناب بالبرد (هكذا يريدها نصا باذخا مليئا بالصور والخيالات، ومليئا بالمعاني الشاردة، واللوحات الغريبة)... أسقط الرئيس حق الشفاعة إلا لمن ارتضاها، واسقط حبات العرق التي داهمته بحثا عن الشرف والضمير والحياء وبقية المستحثات.
لاعبت خواتم أصابعها ..غطى رأس القلم وما سطرته أستاذة النقد، ثم كشف عن القلم غطاءه ووقع ثائق ومحاضر كانت أمامه، وأخرج أختام الدولة العلية؛ المستطيلة منها والدائرية وضغط مثلما تفعل الدول الكبرى.
مررت إصبعها بين الخمار الزلق والشعر المنزلق .. مرر راحة يده على بطحاء لا شعر يغطيها ولا زغب.. الصلعة مرآة يتراءى فيها الثراء والعلم، ويعلم في قرارة نفسه أن تساقط الشعر مرض ككل الأمراض.
قالت سلاما ...قال سلام ..وراغ إلى الباب يستبق ظله المفقود وغلقه...
ـ مرحبا تفضلي.. هل من خدمة؟
ـ شكرا أستاذ.. أنا الطالبة شريفة، قالتها ثم مروحت بيدها تبعد الدخان، لاحظ خواتم بأصابعها، قدّر ثمنها بسيارته الفرنسية، ثم استدرك على نفسه: إنه البلاكيور يا عزيزي فلا تبتئس بما صنعوا...
ـ جئت بخصوص تقرير أستاذة النقد.
أحس أن راءها به لثغة لذيذة، ولاحظ أن فمها به عوج جميل لا يليق إلا بمطربة مغناج..وتذكر ممثلة مصرية طالما احتفظ بصورها بين دفات كراريسه وكتبه بعيدا عن الرقباء.
ـ ما به التقرير؟
ـ تقرير فيه ظلم.
انتبهت إلى شروده بعد السؤال..استرقت النظر إلى الكمامة المتسخة فوق أكداس الملفات وإلى أكواب القهوة في كل زاوية..وإلى خزانة الكتب مشرعة أبوابها، وإلى المجلات العلمية محشورة إلى جانب معلاق المعاطف..
ـ تقرير فيه ظلم، أم تقرير ظالم؟
ـ الأمر سيان..
ـ هناك فروق يا آنسة..
ـ سيدة يا أستاذ..
ـ معذرة.. هناك فروق وليس فرقا واحدا..
ابتسمت من تقعره فارتسمت ابتسامتها في أفق بقايا دخانه كلمات ليست كالكلمات..كانت تتراقص في ذهنه تقارير أمنية عن التحرش، وأماني عِذاب من شفتين تنثران ورود الغواية وأشواك الكيد، وصدر يتحدى طغيان البصر وزيف التقوى، وعينين قال الله فيهما كونا فكانتا..سحائب السيجارة بدأت تطمئن إلى مصيرها، وفي جنازتها تجلى له الوجه الصبوح فأذهله، المرأة تأخذك إلى جنة الأماني العذبة، فترى الجنة مرة.. ثم تهوي بك في قعر الجحيم..الجحيم هو الآخر، والآخر هو/هي المرأة !
ـ أيّـا كان فالظلم واقع علي وأنا أشعر به يا أستاذ...
مدت التاء إلى أقصى مداها، ومع الإمالة كان الشيطان يرسم لوحته بعثب دالي وهو يذيب الساعات في أبدية اللذة العابرة...أي جحيم!
ـ اسمك شريفة، أليس كذلك؟
ـ بلى، شريفة وشرفي لا يسمح لي بالغش...
بلى، أنا مشتاق وعندي لوعة (وولاعة أيضا).. ولكن مثلي لا يذاع له سر.. دندن بالأغنية بين أسنانه الصدئة ..والتفت إلى الحاسوب: بعد أن تأكدت بنفسي الأمّارة بالسوء أن شريفة ليست شريفة..
وبعد أن تأكدت بنفسي اللوّامة أن النقد يبدأ بالأسف على اغتصاب كان وأخواتها في معتقلات اللغة وسجون النقد ما بعد البنيوي..
وبعد أن وقفت على تقرير الأستاذة المبجلة والمحترمة والذي جاء فيه " يأسفني أن الطالبة «شريفة» قد ظبطت بحالت غش مع زميلتها «نزيهة».
فإنني أتوجه إلى معاليكم باستقالتي من منصب الرئيس، رئيس قسم "اللغة العربية الفسحى وشيء من الرطانة"، وليس رئيس "ألجم هورية الدم قراط ية" لا سمح الله.
كان يكتب استقالته بدخان من قلبه، وكانت شريفة تتلمظ بالشين والراء والفاء على شفتيها وكأنها ثلاث حبات حلوى وليست أحرفا تبحث عن المعنى في زمن اللامعنى..كانت خواتيم البلاكيور، والأصباغ الرخيصة، والخمار الفاجر، والنهد الهادر، والتلميح السافر يغني:
"زندها يشالي وجايه ..خلي ..خلي
موت يا العكلي و تركب العين عبرة
لابسة الغالي .. محلية من كل حلي
ناشره غوالي اللي استنشقهم يطرا"
استدار نحوها، كانت عيناه نصف مغمضتين، هرش ذقنه، ثم أسند خده على يده كالمفكرين العظام في الفايسبوك، شعر بقلق وجودي ميتافيزيقي تنويري من هذه الجلسة شبه السرية، وتذكر أيام الوعظ الإسلامي الغابر: ما خلا رجل بإمرة إلا...فصل يده عن خدّه، أخرج علبة السيجار وقرأ في دفتر غوايتها: "يا ليت هذا الرجل المسكون بالأسرار..فكر أن يقرأني.. ففي عيوني أجمل الأخبار"
رفعت رأسها كما أمر الرئيس، كان بإمكانها أن تقرأ في عينيه انطفاء مدن الملح التي بناها ورفع سمكها، وأن تبصر فيه رماد السجائر، أعقاب السجائر المتهاوية .. دخان السجائر المتلاشي في العدم، وأن ترى فيه حرائق الجزائر، انتحار الحرائر..لكنها جاءت إلى مكتبه بتقرير به أثر لاغتصاب اللغة في قضية غش اغتصب فيها الشرف.
ـ الأسبوع القادم في مثل هذا الوقت احضري معك نزيهة وسننظر قضيتكما كما جاءت في تقرير أستاذة النقد.
خرجت ..وانسل قلبه وهي تستدبره وتستقبل الباب.. ضغط على زر الحاسوب : حفظ الاستقالة..ثم توقيف التشغيل... رفع رأسه إلى الحائط قبالته كانت به لوحة ليست زيتية؛ فالزيت مهر الشريفات..ولا لبنية؛ فاللبن لم يخرج بعد من بين فرث ودم ...
كانت مكتوبة بوضوح: التدخين مضر بالصحة..قهقهت كل الشياطين التي حضرت الجلسة السرية من الحفاظ على الصحة، وقهقه معها الرئيس بكل لغات الغابة، ودندن بكل ترانيم الثعابين ..أخرج السيجار إلى مقصلة الشفتين ثم ألهب رأس ضحية شريفة من شريفات مارلبورو.



#عبد_العالي_زغيلط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية الكولونيالية
- على سرير التنوير
- -الأمازيغية- (حصان طروادة):
- الفرنسية هل هي غنيمة حرب أم دوار كولونيالي؟
- الخردة (قصة)
- البنّاء في عين الفوّارة
- إذا الشعوب كُوِّرت!
- لا توبة لك أيها الراهب
- علامة تع(!)ب /قصة
- تاروايت (عبد الحق المؤجل) قصة
- قرابين للنسيان- قصة
- الفرقة الناجية
- قراءة في رواية -عصر الطحالب-* للكاتب: كمال بولعسل
- نهاية الوطنية القديمة
- عائشة -نائمة-...


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العالي زغيلط - سيجارة راس المحنة الشريفة