أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رؤوف علوان - كراجات العالم














المزيد.....

كراجات العالم


رؤوف علوان

الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


سفر الى النسيان
...........

الكراجات برزخ بين مثواك ومرتحلك، تجربة لتتامل ما انبتت نفسك من اشجار وأشواك في ترحالها اليومي والأبدي. فسفر الاجساد ترافقه ظلال الارواح. والكراجات نقاط مفصلية تربط حنان اقامتك الآمن بالعالم الخارجي المفتوح على كل الاحتمالات. لذا تبدو لفظة (المرآب) غريبة هجينة لا تهبك معنى ولا يتداولها احد.

ويكتسب الكراج صفات اهله, ولو كان مجرد سيارتين تقف جانب الشارع وينادون زبير زبير. فكراجات الاحياء تأخذ شكلها ووجهها ولغتها من المناطق التي تذهب اليها. فهل ان كراج التنومة الذاهب الى ما تبقى من انهار ونخيل وخضرة وطيبة يشابه كراج القبلة او الحيانية.

وكذلك هي الكراجات الكبيرة. ففي التسعينات, قال لي صديق وكان نائب ضابط في القوة الجوية انه حين يصعد متسول الى الحافلة في احد كراجي بغداد فسوف ينال الخير . ولكنه في الكراج الاخر ينال رفسة الى خارج الحافلة.


وقبل ايام كنت اروم السفر الى بغداد في حاجة عاجلة ( صد رد), فذهبت الى كراج البصرة الرئيسي في ساحة سعد، فكان السواق كعادتهم يأكلون الوجه, ويتشبثون بساعد كل قادم من الجهات الثلاث. وهم ينادون بحرارة: بغداد, نجف, ناصرية بالكيا. (حجي نفر واحد عمارة بالتاكسي. يالله توكل) مع أن السيارة فارغة.

وحين يكتمل العدد, ينبهك اكثر الركاب ايمانا او خوفا (الفاتحة لام البنين رحم الله والديكم تسهيل امر ) وكانك ما ان تغادر الكراج حتى تدخل دائرة الخطر والحذر.

وقفت عند بوابة الكراج الكبيرة والسقائف الطويلة تمتد في الداخل. فأحسست بيد الغربة تمسك بيدي. تمسح على وجهي, وتهب قلبي بهتة. فكراجات المدن الكبيرة هي الاكثر غربة, تقراها في الوجوه, وأسماء المحافظات, الأشجار الزائدة عن الحاجة, والمحلات المريبة, ومزاح السواق. وكانك في حلم طويل لن ينقضي حتى تجد السيارة الملائمة للسفر.


والكراجات بطبعها جاحدة ناسية لتاريخها. لا تذكر امسها, فكيف بنا ونحن ابناء الامس الاوفياء. فانبعثت في خيالي صورا من خلال الضباب بالأسود والأبيض الشاحب بالحزن والحنين.

فأرى مفرزة الانضباط العسكري تجثم في مدخل الكراج مطلوب منها ان يكتظ باطن سيارة البوكس بالجنود المساكين سيئي الحظ. واسمع جعجعة الايفا ترتج امام الكراج مولية الى الفاو, عبادان, نهر جاسم, السودة والبيضة. وعلى ظهرها جنود يعتلون اليطقات مرغمون على الاستشهاد في الخنادق الوسخة. وأصوات القصف البعيد ينبأ عن نزف في شرايين الأرواح. ان للقذائف صوت الموت. فينادون أهذا موعد ملائم للشهادة, الا يكفي أيها الوطن المسخّم ستة آلاف سنة من القتل والقتال والغزو والإذلال! ستمتد المعارك لأسابيع، يجزر فيها الف اضحية يوميا.

اشاهد الجنود على رصيف الشارع المواجه للكراج. يفطرون الكباب او الفشة او شوربة طيبة لرخصها من عربة ألوانها براقة. او عند بائعة القيمر الحميراء المكتنزة, تجامل للتكسب,أو لمن يروق لها. فيشربون اكثر من استكان للشاي. ثم يمضون الى موتهم المحتمل مع سيكارة سومر اسود سن طويل.

في قلب الكراج، ابصر سيلا متدافعا يجري الى طرفه خلف المنشاة 44 راكب. وألاجساد تجهش بتعرّق الخاكي حيث تتقافز الحقائب الخالية والمنتفخة بالدجاجة المقلية الملفوفة بجريدة القادسية أو ألف باء, او كيلو كعك أبو السمسم.

وحين يتزاحم الجميع عند باب الحافلة الموصد. يحجز السائق المقعد الخلفي باريحية مفرطة للعوائل! ثم تنطلق اغنية الاطلال في مسجل السيارة لمجرد ان تتحرك إطارات الحافلة او سيارة الريم, ثم يعقبها سعدي الحلي متغزلا بحبيبه الذكر. اما انا فقد اختبأت طوال الحرب خلف جدار الجامعة، فنجوت, لكني كنت ادمن الذهاب للكراج كل شهر كي اسافر الى باب الطوب في الموصل عبر12 ساعة من ليل بعضه تململ وبعضه نوم متقطع. وهناك في جامعة الموصل سأنسى كل الكراجات المغتربة والحزينة والدافئة لثلاثين نهار بمناخ البحر المتوسط.

فهل كان ذلك حلما ناء في صفحة الزمان, يندفع بقوة وقسوة صوب النسيان , وان كلينا سينسى, نحن المسافرون وكل كراجات العالم.



#رؤوف_علوان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كراجات العالم


المزيد.....




- سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
- الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
- الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
- رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها ...
- فنانة تشكيلية إسرائيلية تنشر تفاصيل حوار خطير عن غزة دار بين ...
- مغني راب أمريكي يرتدي بيانو بحفل -ميت غالا- ويروج لموسيقى جد ...
- فنانو أوبرا لبنانيون يغنون أناشيد النصر


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رؤوف علوان - كراجات العالم