أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - الرقم الروحي أو QR code















المزيد.....

الرقم الروحي أو QR code


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7118 - 2021 / 12 / 26 - 16:01
المحور: الادب والفن
    


وواصلت السكرتيرة درسها وهي تنظر إليه وتتفحص وجهه : ذلك أن الناس، كما تعرف قسمتهم الأسطورة على قسمين؛ القسم الأوّل : وهم المؤمنون الّذين آمنوا بالله وصدقوا الحكاية، القسم الثّاني : وهم الّذين لا يؤمنون بهذه الأساطير ونسميهم الكفار. ويشتمل يوم القيامة على مراحل عظيمة ومواقف هائلة تمّ ذكرها في النصوص المتعاقبة، وأوّل هذه المراحل هو بعث النّاس وخروجهم من القبور، وحشرهم جميعاً حفاةً عراةً، ثمّ بعد ذلك يأتي الأنبياء للفصل في أمرهم، فتكون الشّفاعة الكبرى لأحد الأنبياء، ثمّ تتطاير الصّحف ويأخذ كلّ إنسان كتابه بيمينه أو شماله، ثمّ تُنصّب الموازين، وتُوزَن الأعمال، وتَتبع كلّ أمّة ما كانت تعبده في الحياة الدّنيا، ثمّ يُرَدّ النّاس على الحوض، ثمّ المرور على الصّراط، ثمّ وقوف النّاجين من هذه المراحل على قنطرة المَظالم وذلك للمُقاصة فيما بينهم، ثمّ دخول الجنّة أو النّار، ثمّ الخروج من النّار لمن دخلها مؤقتا من المؤمنين، وذلك بشكلٍ عام. وتوقفت السيدة عن الكلام ناظرة إلى السيد نون بتسائل : لا بد أنك سمعت عن يوم القيامة ؟ لا بد أنك سمعت عن الثواب والعقاب والخير والشر والجنة والنار ؟ فقال السيد نون وهو يحاول أن يتظاهر بتفهم الموقف : نعم نعم نعم، بالتأكيد، لقد تعلمنا هذه الأشياء أو الخرافات في المدرسة فيما يسمى بحصة الدين، وفي المساجد وعلى شاشات التلفزيون، ولكن لماذا أنا هنا الآن ؟ أم أنه قد حان يوم القيامة فعلا وحقيقة، وهل أطفالي وعائلتي يتواجدون هنا هم أيضا ؟ فانحنت إلى الأمام واقتربت منه قائلة : إن القسم الذي تتواجد فيه الآن لا علاقة له بكل هذه الأسئلة الفنية، نحن هنا فقط لتنفيذ إجراءات الدخول العامة وحضور أحداث هذا اليوم الخاص، أما هل هذا اليوم هو الآن أم غدا أم بعد ألف عام، هذا من إختصاص الإدارة العامة والمسؤول الشخصي عن ملفك العام، والذي ستراه حتما بعد قليل. مشكلتنا الأساسية الآن هي عدم وجود التقرير الخاص بمرورك بالقبر في ملفك العام. وأشارت بعينيها الكبيرتين إلى الملف الرمادي الموضوع أمامها على الطاولة. وتمتم بصوت خافت بينه وبين نفسه : القبر .. القبر .. ثم قال بصوت طبيعي : ولكنني لم أدفن أو على الأقل لا أتذكر إنني دخلت القبر. فقالت وهي تشير له أن يهدأ : هذا شيء طبيعي، ولهذا هناك موظفون يقومون بكتابة هذا التقرير الناقص في ملفك، الميت لا يعرف ولا يستطيع أن يكون واعيا بما يحصل له في القبر في ذلك الوقت. على كل حال، القبر هو أول منزلة من منازل الآخرة، وما بعده يعتمد عليه، فإذا كان حال الإنسان في قبره شديداً كان ما بعده أشدّ منه، وإذا كان يسيراً كان ما بعده أيسر منه حسب النصوص التي في حوزتنا. وهناك من يصدق ويؤمن بنعيم القبر وعذابه، وأنّ الروح تردّ إلى الجسد في القبر، وأنّ الله يرسل إلى الميت ملكان فيسألانه عن ربّه، وعن دينه، وعن نبيّه، فإذا كان من أهل الإيمان أجابهم إجابة صحيحة، وكانت عاقبته خيراً؛ إذ تاتيه ملائكة بيضاء الوجوه، وأمّا إذا كان من أهل الكفر فلا يستطيع الإجابة، ثمّ تأتيه ملائكة سوداء الوجوه، يضربونه ضرباً شديداً بمطارق حديدية، وبعد السؤال والإجابة يتحدّد مصير الإنسان في قبره، إمّا في العذاب، وإمّا في النعيم، إما الجنة وإما الجحيم، كما يتنوع العذاب في القبر بحسب الذنوب التي كان يقترفها الإنسان في الدنيا. بطبيعة الحال هناك من لا يصدق هذه الأشياء، ولكن بما أنك الآن وصلت إلى هنا، فلابد لنا أن نعرف، بغض النظر عن موقفك من الإيمان والكفر، إن كنت في القبر محاط بملائكة بيضاء أم سوداء الوجوه، حتى نوجهك للإدارة المناسبة للإهتمام بلمفك بخصوص الإقامة. وعندما لاحظت علامات القلق والإستغراب في عيون السيد نون، قالت له وهي تحاول أن تعطيه قدرا من الطمأنينة والثقة : على كل حال ليس هناك سوى إفتراضين لا ثالث لهما، سواء إنه بعد موتك دفنت مثل بقية عباد الله، والملاكان المسؤولان عن التقرير، ناكر ونكير لم يقوما بعملهما كما ينبغي لسبب نجهله حتى الآن، سواء أنك لم تدفن ولم تمر بمرحلة القبر أو المحرقة أو أي نوع آخر من وسائل التخلص من الجسد، وأرسل بك مباشرة إلى هنا بلحمك وعظامك، وفي هذه الحالة لابد من الحصول على ترخيص إستثنائي من المدير العام لتكملة الإجراءات. ثم فتحت درجا من أدراج مكتبها وأخرجت إستمارة من عدة صفحات ومدتها له قائلة بأنه عليه أن يجيب على الأسئلة الموجودة في الإستقراء وذلك بنعم، لا أو لا أدري، وذلك لتكملة الإجراءات الضرورية للدخول.
ومدت له الإستمارة وبدأ في القراءة ثم الإجابة على الأسئلة العديدة التي يحتويها هذا الإستفسار ..

١ - هل عانيت من عذاب نفسيّ من رؤيتك لمقعدك من الجنة أو أحسست بالحسرة على ما ضيّعت من النعيم ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٢ - هل أحسست بالغبطة والسرور من رؤيتك لمقعدك من الجنة وأدركت ما ينتظرك من الطيبات ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٣ - هل أحسست بقبرك يضيق عليك حتى لم تعد تتنفس ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٤ - هل ضربت بمطرقةٍ عظيمةٍ لو ضُربت بها الجبال لتفتت ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٥ - هل فتح عليك بابٌ من النار فأصبح لباسك من النار، وفرش قبرك ناراً، ثمّ بشّرت بالعذاب في الآخرة فتمنّيت ألّا تقوم الساعة ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٦ - هل خسفت بك الأرض؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٧ - هل رضخ أحدهم رأسك بالحجارة ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٨ ـ هل سبحت في نهر من الدم ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
٩ - هل حرقوك بتنورٍ من النار ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٠ هل شقّ فمك، شق جانبي فمك إلى القفا ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١١ - هل أشعلت النار في المال الذي سرقته من الناس واحترقت بها ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٢ - هل ضربوك بمطرقٍة من حديدٍ ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٣ - هل فتح لك باب من الجنة، فقرّت عينك بما رأيت منها، وأتاك من رِيحها ونسيمها واستمتعت بطِيبها ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٤ - هل فرش لك من فرش الجنة ولبست من لباسها ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٥ - هل بشّرت بالجنة، فأشتقت إلى قيام الساعة ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٦ - هل توسع قبرك وأصبح فسيحا لدرجة لا تصدق ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري
١٧ - هل سلَّطُ عليك تسعةٌ وتسعونَ تِنِّينًا ؟ أو سبعونَ حيَّةً لكلِّ حيَّةٍ سبعُ رؤوسٍ يلسَعونَك ويأكلون لحمك إلى يومِ القيامةِ ؟
◻ ـ نعم ◻ ـ لا ◻ ـ لا أدري

ولاحظ أثناء إنشغاله بقراءة الأسئلة والإجابة عليها، أن السكرتيرة كانت تتكلم في الهاتف بصوت خافت، ربما حتى لا تزعجه، وربما حتى لا يسمع ما تقوله، وعندما أنتهى من عملية شطب المربعات التي تشير إلى إجاباته، مد لها النمودج وهو مرتبك لعدم معرفته بهدف العملية إجمالا، ولكنه قام بالعمل كعادته، بطريقة عملية منطقية وببساطة.
ثم قالت له في النهاية وهي تتصفح الأوراق : نحن نتأسف على هذا التأخير، يبدو أنها مشكلة فنية نتيجة الظروف التي صاحبت مغادرتك، وسنصحح هذا الخطأ فورا. يجب أن تنتظر عدة دقائق حتى أدخل هذه المعلومات في المنظومة حتى تحصل على الرقم الذي ينقصنا لتكملة إجراءات الدخول. رقم المغادرة - أو ما نسميه أحيانا بالرقم الروحي - للحصول على تأشيرة الدخول، وهو رقم من المفترض أن تناله في القبر من قبل الإدارة المتخصصة، لو قامت بعملها كما ينبغي. كتم السيد نون الإبتسامة التي كادت ترتسم على شفتيه، وقال لها وهو يشير إلى الإستمارة التي قام بتحرير إجابته عن عذاب القبر : ولكن كيف تتأكدون من مصداقية المعلومات الموجودة في هذه المذكرة، إذا كنتم غير قادرين على معرفة هذه الإجابات مسيقا ؟ فقالت له وهي تضحك ضحكة خفيفة : السيد نون، نحن هنا لا نهتم بالإشكاليات الفلسفية، المنظومة الإلكترونية التي لدينا قادرة على إجراء مليارات العمليات المعقدة المتعلقة بكل تفاصيل الحياة لأي كائن على سطح الأرض أو على سطح المريخ أو أي كوكب آخر، والنتائج التي لدينا حتى الآن مقنعة وبدون مشاكل تذكر، فلا تقلق من هذه الناحية. ثم نهضت من مقعدها وفي يدها جهاز إلكتروني صغير وطلبت منه أن يقترب منها قائلة : والأن سأطبع على جبهتك أو على عنقك رقمك الروحي، الذي تسمونه على الأرض برمز الاستجابة السريعة QR code، وهو يحتوي كل المعلومات الخاصة بحياتك منذ البداية حتى هذه اللحظة، وأضافت وهي تضحك، وكذلك المعلومات المستقبلية اللاحقة. قالت ذلك واضعة الجهاز الصغير الذي يشبه المسدس على عنقه حيث أحس بضغطة خفيفة ساخنة، مما جعله يفرك رقبته بأصابعة عدة لحظات.ثم سمع صوتهت قائلة: وشكرا على تعاونك معنا على كل حال، لقد انتهت إجراءات الدخول، والآن ما عليك إلا أن تذهب لمكتب المسؤول عن الإقامة والذي سيحدد لك مكان إقامتك. واقتادته إلى باب جانبي وأدخلته صالة أخرى كبيرة ذات إضاءة خافتة وأشارت له بالجلوس على أحد المقاعد في مواجهة الباب الضخم الذي يؤدي فيما يبدو إلى مكتب الرئيس أو المسؤول المباشر. وقالت له وهي تقفل الباب ورائها : عندما تسمع رنين الجرس سترى إشارة ضوئية فوق المدخل، عندها يجب أن تدخل بدون خوف، سترى، الأمر كله لا يتعدى عدة دقائق.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن والحشيش وضرورة الهلوسة
- الإبداع الفني والمخدرات
- تيك تاك
- شكيبير .. الشاعر المسطول
- بمناسبة الإنتخابات الليبية
- الشعر والألوهية
- اليوم العبوس
- إجراءات الدخول
- تعويذة ضد الإنتحار
- صالة الإنتظار
- عرق البحار
- تشققات البحر
- عالم المعجزات
- يوم الحشر
- بداية الإنفجار
- الإختيار المستحيل
- صور من تحت الأرض
- القبر الذهبي
- دراكولا
- السيفيروت وعلم الأرقام


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - الرقم الروحي أو QR code