أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الواحد الحسيني - جدار دارنا المقدس














المزيد.....

جدار دارنا المقدس


علاء عبد الواحد الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 7113 - 2021 / 12 / 21 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


جدار دارنا المقدس .
قصة واقعية .

منذ سنوات مضت  قررت ان اقوم بطلاء جدار بيتنا العتيق او كما يقال بيت العائلة نزولاً عند رغبات والدتي الملحة لكون الجدار قد تعرض مسبقا إلى تصبغات من جراء وضع الناس الحناء عليه وهي نتيجة لعرف سائد في مجتمعنا بحيث أن الناس البسطاء ينتخون بالسيد أو الأولياء في حاجة ما لاعطائهم مرادهم  فخصصت في حينها  مبلغ من المال وحددت يوماً لغرض البدأ بالعمل وفعلاً جاء ذلك اليوم الموعود  وبادرت بشراء الاصباغ وباشرتُ بالعمل ،وبعد يوم طويل وشاق ومتعب اتممتُ العمل وبدا الجدار العتيق بعد الطلاء  وقد لبس حلة جديدة اسعفت واجهته المتعبة  وامدت بعمره .
انتهيت تماماً من عملي وذهبت الى والدتي وجلست معها في غرفتها مع اثاثها القديم و التي كانت بدورها ممتنة جداً من لون الاصباغ فأخذنا  الحديث طويلاً وذهبنا بذاكرتنا بعيداً الى اليوم الذي تعاونا فيه كعائلة من اجل بناء هذا الدار العتيق الذي عانا والدنا الأمرين لغرض بناء منزل يحتوينا كانت ولا زالت أمي   تعشق  تفاصيله الدقيقة واثاثه العتيق ولوحاته الجدارية التي بان التراب  فيها من خلف الزجاج   .
ذهبت بعدها الى فراشي  واثار التعب  قد اهلكت مفاصل جسدي المتعب  نمت بعمق .
استيقظت من نومي في صباح اليوم التالي ووجدتُ والدتي وكعادتها وقد قامت بتحضير وجبة الافطار كأنما لديها واجب لطالما دأبت وبكل حرص ونشاط ان تؤديه على اتم وجه .ورغم اني متزوج لكن تعودت أن اخذ فطوري من يدها واتكلم معها واشاورها وتشاورني كانت تجد عزائها بي بعد  أن فقدت والدي واخوتي الذين وافاهم الاجل مبكراً .
اكملت فطوري وودعت والدتي وخرجت الى العمل والفضول ينتابني والابتسامة تملأ ثغري  لكي ارى  جداري المطلي حديثاً وانا افتح الباب وإذا بامرأة طاعنة بالسن نوعاً ما كأن  الزمن قد جار عليها بقساوة ووضع اثاره على وجهها كانت الشقوق التي تعتلي جبينها ووجنتيها قد نحتت قصة كفاح من اجل البقاء. ورغم كل تفاصيها المتعبة بدت عيناها ضاحكة مستبشرة مبتهجة ومرسوم على ثغرها ابتسامة لطيفة دافئة و هي تقف أمام جدار المنزل وكانت تحمل في يدها اناء من البلاستك مملوء بالحناء فكانت  تأخذ بيدها المتعبة شيء من الحناء وتلطخ به جدار المنزل أبدعت برسم لوحة تراجيدية سومرية وهي تتفنن  بتلطيخ جدار منزلنا  كانت لوحة بلون واحد على جدار المنزل .
  لا استطيع وصف حالتي حينها  فبقيت في حالة من الصمت والذهول من هول الكارثة وقد سرقت مني فرحتي التي لم تدم طويلاً وجهدي قد ذهب ادراج الرياح ورغم اني وقفت أمامها بكل احترام لم تلتفت لي  ولم تعرني اي أهمية ولم تهتم لوجودي لأنها كانت مشغولة جداً بلوحتاها وكأن الحائط لا يعنيني والمنزل ليس بمنزلي حتى فرغت تماماً من عملها فإذا بهآ ترفع رأسها ووجهت  كلامها لي وقالت: (رحم الله السيد الوالد برحمته الواسعة نخيته واعطاني مرادي ها وقد حبلت زوجة ابني وقد وفيت بنذري وحنيت دار السيد   بالحناء الحمراء) !!.
تمالكت نفسي وسلمت على المرأة العجوز بكل احترام ووقار وقلت لها : سلمتي يا اماه ورحم الله امواتكم والحمد لله الذي استجاب لدعائك وقد من الله على عائلتكم بزائر جديد لعل الله يكتبه من أبناء السلامة .
سمعت كلماتي وسرت كثيراً وكأن لسان حالها يقول لي يا ولدي هذا الحائط لا يعنيك ولا يعني عائلتك فهو ملك لنا نحن الفقراء لله فلا تنذهل من فعلتي بجداركم .
فقلت في نفسي أن عقائد الناس المعتقة مقدسة مبجلة فلا يمكن أن تخترق بسهولة .رغم أن الله يقول في كتابه الحكيم (ادعوني استجب لكم )

ذهبت العجوز ورجعت لامي والدهشة والذهول قد غطت  ملامح وجهي الذي كان قبل قليل مفعم بالزهو والفخر والفرح استغربت والدتي من حالتي وقالت لي : ماذا دهاك ياولدي قبل قليل كان حالك افضل حال أراك قد تغير لونك والذهول قد امتلكك خير ان شاء الله .
فقلت يا اماه : لقد رأيت أمام جدار المنزل امرأة عجوز وهي تلطخ جدار الدار  بالحناء .فابتسمت أمي هي الأخرى وقالت : الان فهمت سبب ذهولك وذهاب بهجتك..فقلت يا أمي قد ذهب تعبي (هواء في شبك ) ووجدت نفسي مذهولا أمامها ولم استطع ان احاورها فلا يوجد بيني وبينها قاعدة انطلق منها في الحوار غير عرف سائد تفهمه هي فكيف لي أن اقنعها بأن ما  فعلته يعتبر تعدياً سافراً على املاك الغير .
سكتت أمي قليلاً ثم قالت لي ياولدي قد اعتادت الناس على وضع الحناء على باب وجدار دارنا وعلى قبور الأولياء والصالحين منذ زمن بعيد فهذه  هي عقائدهم واعرافهم التي اعتبروها جزاءاً من دينهم وهم يمارسونها عن قناعة وثقة فلا تستطيع انت او غيرك أن تغيرها او تصححها او أن تنتقدها بسهولة  والا وجدت نفسك منبوذاً غريباً بينهم فالناس بطبعهم يخافون من الأفكار الجديدة ونقد الاعراف و تصحيحها وإياك يا ولدي أن تناقش جاهل او متعصب فتخسر أمامه او تناقش غافل استحب غفلته فاغلب الناس يا بني يأخذون دينهم  ميت عن ميت والحي فيهم مستكين غافل استحب غفلته او احب استغلال اعرافهم لمصالحة .

الحقيقة لم تحاورني امي بل كانت نفسي تحاور نفسي فأمي على بساطتها أحبت الناس واحترمت عقيدتهم .
وبعد شهرين أو أكثر أصبح جدار منزلنا ملطخ بالحناء بالكامل مرة أخرى فتركت جدارنا للاعاراف والمعتقدات لتفعل به ما تشاء ولم أحول بعدها أن اطليه مرة أخرى .

علاء الحسيني .



#علاء_عبد_الواحد_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايران انتصار ام خضوع
- امرأة لا تعرف الانكسار ( قصة من وحي الواقع
- القرار السياسي المفقود في العراق من يتحمله ؟؟؟
- (تنمية الدراسات الدينية المستدامة )
- (المشروع الكوني الامريكي بين الحقيقة والخيال )
- الفضائل وتعددها في المجتمع
- الامبريالية الاستعمارية الاعلامية الحديثة
- جدل الاصلاح في المجتمع من اين يبدأ؟؟
- خيارات الذات في ظل القفزات العلمية والموقف الاخلاقي
- السياسة الامريكية في الشرق الاوسط بعد عام 2030رؤيا مستقبلية
- العراق وخطر التقسيم


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الواحد الحسيني - جدار دارنا المقدس