أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - إبراهيم مشارة - في وداع سماح إدريس















المزيد.....

في وداع سماح إدريس


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 7095 - 2021 / 12 / 3 - 23:06
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


وأخيرا ترجل الفارس بعد رحلة قصيرة ومضنية مع المرض الذي لا يرحم ضحيته (السرطان) حتى ينتهي به إلى النهاية الفاجعة، ورحلة شاقة وطويلة مع الحرف والموقف والالتزام، وإن مات سماح وتوارى بجسده المثخن بالجراح فإن روحه سوف تبقى حية باقية بيننا نتمثل مواقفها وأبجديات نضالها وصمودها.
رحل سماح إدريس (1961/25 تشرين الثاني 2021) لكن مواففه باقية تشكل منارة هادية لنا في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل والعلم بالتعالم والمواقف الرجولية بالانتهازية. زمن يغدو فيه اليمين يسارا واليسار يمينا بجرة قلم ،بفتات يسير يلقى من عل أو بصورة إعلامية دعائية أو بحقيبة سياسية وما شئت من ألوان الإغراء والصيد الذي غدت فيه الثقافة مطية إلى الوجاهة والنجومية والنفوذ والتكسب الفاضح.
لم يكن الراحل سماح من هذا اللون من الناس محترفي الفكر والكتابة والفعل الثقافي الذين لبسوا مسوح رهبان الفكر ودونكشوتات الثقافة بل كان بروميثيوس العربي الذي يطعم الناس من فلذات كبده وعصارة فكره ويختط لهم طريقا يبسا في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من أمواج الشبهات والانتهازية والدجل أو العمالة المفضوحة.
هل نقول أن اسمه المستوحى من اليسر والسماحة واللين وهو المعروف بالحدب على الناس وخاصة مستضعفيهم والانتصار للإنسان المسحوق والمهمش المجدوع الأنف بتوصيف صلاح عبد الصبور وفي حب الحياة ومتعها ،الحياة التي يلج إليها الإنسان الحق من عتبة الحواس قبل الكلمات والكتب، الحياة في نضارتها وعفويتها ،في مباهجها وآلامها، في جدليتها وتجاذبها وصراعها بين الذكورة والأنوثة وفي صراع طبقاتها وهيمنة رأسمالييها وساستها ومافياتها ولوبياتها المتعددة الألوان المتوحدة المقصد؟
عاش سماح إدريس في سماء من الكبرياء والترفع – لا في برج عاجي- غير ملتفت إلى كل إغراء ومطامع شخصية لصالح الإنسان والخير والعدل والجمال وهو المثقف النقدي المنخرط في مشروع تجديد الفكر القومي العربي والناشط العلماني.
هو القومي واليساري الذي ظل وفيا لهذا الخط ولو شاء أن يجعل من الآداب منبر دعاية لليمين أو التطبيع لتهافت عليه الساسة ودوائر الإعلام والمال ولكنه آثر المبدأ وحياة المبدأ مكلفة شاقة وعسيرة لا يقدر عليها إلا الإنسان الطليعي والمناضل الذي يلتحم بقضايا أمته ويسترخص في سبيلها كل تضحية وكل غال.
وهو نصير فلسطين الأبدي التي خذلها الساسة وباعها المرتزقة في سوق نخاسة العصر مقابل الحفاظ على كراسيهم وامتيازاتهم وقد شكل في لبنان جبهة لمقاومة التطبيع وجعل بمعية رفاقه من لبنان صرحا باذخا يحول بينه وبين الاستخذاء والهرولة والانبطاح وظل ذلك دأبه حتى أفضى إلى ربه.
لقد كان الشاعر القديم يقول :
بأبه اقتدى عدي في الكرم
ومن شابه أبه فما ظلــــــم
وقد اقتدى سماح بوالده الراحل سهيل إدريس (1925/2008) الروائي والناقد والمترجم ومنشئ دار الآداب ومجلتها التي نشرت الأدب الرفيع عام 1953وقد خلفت بجدارة الرسالة والثقافة والكاتب المصري كما تولت هذه الدار نشر الدواوين الشعرية التي شكلت فتوحا في مجال الكتابة الشعرية وكذا السرديات الهامة والدراسات النقدية الجادة والمبتكرة وعبر هذه الإصدارات التي تولت نشرها لأدباء بدأوا شبابا أو كهولا فأذاعت إنتاجهم في العالم العربي برمته ويكفي المرء أن يقرأ اسم "دار الآداب" على الغلاف حتى يدرك أن هذا الديوان أو هذه الرواية أو الدراسة النقدية هي أعمال هامة تستحق النشر في دار الآداب فعرف القارئ العربي أسماء حنا مينة ومحمد برادة ومحمد شكري وغيرهم وعبر الترجمات التي قدمتها لأهم الأعمال الروائية والدراسات النقدية الغربية خاصة المذهب الوجودي - وكان سهيل إدريس متحمسا لهذا المذهب - فنشرت أعمال ساتر وكامو وسيمون دي يوفوار وغيرهم.
كما ظل سهيل إدريس صاحب قاموس "المنهل" الفرنسي العربي الذي لا تخلو منه مكتبة كاتب أو مثقف أو سياسي أو اقتصادي فهو بحق من الإنجازات الكبرى لدار الآداب وهو الروائي صاحب الرواية الذائعة "الحي اللاتيني" في جدلية الالتقاء بين الشرق والغرب و"أصابعنا التي تحترق" بلمسة وجودية وهو زوج الكاتبة عايدة مطرجي والدة سماح.
تولى سماح رئاسة هيئة تحرير مجلة الآداب منذ عام 1992 حتى عام 2012 ثم رئيس تحريرها بعد أن تحولت إلى مجلة إلكترونية عام 2015.
هذا هو سماح سليل بيت توارث عشق الحرف وصلابة الموقف والانتصار للإنسان والتفاؤل بغد عربي مشرق لا إقصاء فيه تصنعه الكلمة – وفي البدء كانت الكلمة- ويتولى فيه المثقف النقدي دور الحادي والرائد والطلعة مثلما كان الأمر مع رواد التنوير في الغرب منذ فولتير وديدرو ومونتيسكيو و غيرهم.
ظلت الآداب بفضل سماح نافذة على آداب العالم ومنبر كل مثقف طليعي، جاد، تقدمي لديه الجديد والجاد والمبتكر أكان شعرا أم سردا أم نقدا رغم عراقيل الطبع والنشر والتوزيع والمشاكل المالية ومتاعب الرقابة والعقبات الجمركية في الموانئ والمطارات العربية وبروح المواكبة وتمثل الإشكاليات ركبت الآداب موجة التحديث وغدت مجلة إلكترونية تخففا من أعباء النشر والتوزيع وهروبا من متاعب الرقابة ،و رغبة في الانتشار العرضي .
وللراحل مساهمات في النقد عن رئيف خوري المثقف اليارز والطليعي والناقد المطلع" رئيف خوري وتراث العرب" وعمل نقدي جاد ومبتكر عن المثقف والسلطة " المثقف العربي والسلطة بحث في روايات التجربة الناصرية" وبالاشتراك دراسة "صناعة الهلوكوست تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" .
كما أن له مساهمات في أدب الطفل والكتابة للأطفال بل والتخصص فيها إيمانا منه بأن الغد العربي الموعود يصنعه أطفال اليوم دون الإحساس بعقدة نقص فكثير من الكتاب والمثقفين يرون في هذا اللون من الكتابة انتقاصا من أقدراهم أو زراية بأقلامهم تماشيا مع العرف أن الكتابة لا تكون إلا للكبار وحتى هذا الميدان ميدان الكتاب للطفل كان عرضة لطغيان الروح الانتهازية والتجارية البحتة من قبل بعض من لا يحسن هذا الفن ولا يستثمر فيه بروح إبداعية وإنسانية وفنية، وقد كان هاجس سماح تيسير اللغة العربية باعتماد الفصيح السهل والمتداول والمواكب لروح العصر وثورته العلمية والتقنية والمعلوماتية بعيدا عن التعقيد والتقعر والتصنع حتى لا يضر بالغاية التي يرمي إليها وهي إعداد طفل عربي قارئ ومثقف قومي المنزع بفضل الكلمة التي تصنع وجدانه وعقله.
وكان آخر ما يود إصداره قاموس المنهل عربي عربي تماشيا مع فلسفته اللغوية التي ذكرناها آنفا, ويبدو أن هذا القاموس على وشك الصدور أو تنقصه اللمسات الأخيرة فقط.
هذا هو سماح إدريس ابن لبنان مولدا ونشأة وفلسطين التزاما والقومية انتماء المناهض للتطبيع وثقافة الاستخذاء والانبطاح والهرولة وهذا هو سماح الملتزم بقضايا الإنسان الذي قزمته الحاجة وألغت فيه الرأسمالية المتوحشة بعده الثالث الإنساني والروحاني لصالح الهيمنة بتحالف بين القوى الرجعية السياسية والثقافية والدينية وهو رئيس حملة مناهضة داعمي إسرائيل في لبنان منذ عام2002.
وإذا كان ملاح صلاح عبد الصبور في" الظل والصليب" قد مات من غير جرح ومن غير دم ،من غير نزال ومات قبل الموت حين ودع الأحباب والزمان:
ملاحنا هوى إلى قاع السفين واستكان
وجاش بالبكا بلا دمع بلا لسان
ملاحنا مات قبيل الموت حين ودع الأصحاب
..والأحباب والزمان والمكان
عادت إلى قمقمها حياته وانكمشت أعضاؤه ومال
ومد جسمه على خط الزوال
كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم
ولم يعش لينتصر ولم يعش لينهزم
فإن سماح مات بجسد مثخن بالجراح من النزال وعاش لينتصر لأنه اندغم في الزمان والمكان وتمثل الهم والمصير الإنسانيين وتوسم في الغد العربي أملا تصنعه الكلمة ويضئ طريقه الموقف الملتزم مع رفض كافة المساومات وروح الاستخذاء أو صيد الفرص المناسبة في عالم تحول إلى جلاد وضحية وكان آخر ما كتب "إذا تخلينا عن فلسطين تخلينا عن أنفسنا".
ستظل الآداب منارة بأرشيفها وروح سماح شامخة بمواقفها شموخ أرز لبنان ،ثايتة ثبات صنين وستبقى فلسطين قلب العالم العربي ولؤلؤة الدنيا .
وعلى مواقف سماح نلتقي.



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرحمن بدوي في سيرته: سيرة ذاتية أم ملحمة ؟
- في حــــــب نجيب محفوظ ، في ذكرى وفاتــــــــــــــه
- هارتموت فندريش والأدب العربي
- محمد أركون سبق التجديد أم أصالة الاجترار؟
- حين يقذع الشعراء
- بريق الغبار حول سيرة محمد شكري الذاتية
- آينشتين وإسرائيل فصل من كتاب زيارة جديدة للتاريخ لمحمد حسنين ...
- مأساة غيلان تراجيديا السياسة والثقافة على مر الأزمان
- الإسلام والحداثة إسلام المؤسسة أم إسلام الرسالة؟
- قراءة في كتاب:الماركسية والجزائر
- لقاء مع الطاهر وطار قبل رحيله
- ماركس في الجزائر قراءة في رسائله إلى ابنتيه ورفيقه إنجلز
- عن أحداث فرنسا الأخيرة
- العرب في مرآة الآخر قراءة في كتاب -العرب وجهة نظر يابانية-
- نهر التطبيع
- محمد الماغوط: تراتيل المواجع على أرصفة المقاهي
- هلاوس العربي الأخير الذي لم يصب بالعدوى
- الجزائر تستعيد رفات شهدائها من قادة الثورات الشعبية
- تجربة في الحجر الصحي
- أدب الكوارث


المزيد.....




- إبعاد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين من حفل تخرج جامعة ميشيغان ...
- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن
- حوار مع العاملة زينب كامل
- شاهد كيف رد السيناتور بيرني ساندرز على انتقاد نتنياهو لمظاهر ...
- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - إبراهيم مشارة - في وداع سماح إدريس