أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر هشام الصفّار - شارع تحت درجة 50 مئوي.. وقصص أخرى














المزيد.....

شارع تحت درجة 50 مئوي.. وقصص أخرى


عامر هشام الصفّار

الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 02:43
المحور: الادب والفن
    


شارع تحت درجة 50 مئوي
ينهض جاسم مبكرا هذا الصباح البغدادي الذي أشرقت شمسه قبل قليل لتعكس أشعتها على سعفات نخلة في حديقة بيته البسيط في حي العامل ببغداد.. يرفض الكسل الذي ألّم به فجأة .. ينظر من خلل شباك غرفته الى شارع خلا من الناس ألاّ من بعض الكسبة الذين راحوا يسرعون لأعمالهم الحرة طلبا لرزق حلال. أغتسل وراح يرتب ملابس شرطي المرور التي أعتاد عليها منذ سنوات.. قميصه الأبيض غسله البارحة وعمل فيه المكواة على عجل.. رفع قبعته التي سيحتاجها وهو يتوسط شارعا مزدحما قرب ساحة الحي في هذا اليوم التموزي.. تذكر أنه شاهد صورة فوتغرافية بالأسود والأبيض يوما لشرطي المرور في ساحة من ساحات بغداد الخمسينيات وهو يقف تحت مظلة في الشارع ينظم المرور لسيارات فارهة قليلة في أعدادها تمرق ببطيء كما يبدو.. كانت أياما أخرى لزمن ذهب ولن يعود.. يكرر مع نفسه ذهب.. مع الريح.. الريح الصفراء.. يبتسم.. ولا ينسى أن يمر على شعرات رأسه القليلة بمشطه القديم الذي يتركه قرب مرآة مدورة في مدخل البيت...
الشمس بدأت تصّاعد في سماء حي العامل، وها هو يومه قد أنتصف.. حرارة الأسفلت أصبحت لا تطاق.. خبير الأنواء الجوية يقول بغداد هي أكثر مدينة في العالم حرارة اليوم.. ستكون درجة الحرارة 50 مئوي أو قد تزيد على ذلك.. لقد تعوّد جسمه على الحر.. والرطوبة ودخان السيارات التي تمرق قربه لتزيد في شعوره بالتعب.. يذهب لمحل أبو عمار القريب عليه.. يغسل وجهه في دقائق ليعود لنفس الساحة.. رافعا يده اليمنى مرة واليسرى مرات.. الكل يطيع أوامره اليوم.. لا مخالفات أبدا رغم الحر الذي لا يطاق.. لم يشأ أن يقارن أيامه الحاضرة بما مضى.. فهو لا يعرف لماذا أصبح الصيف أكثر حرارة من أي صيف آخر.. بعض الناس من المثقفين يقولون أنه تلوث البيئة.. ولكن جاسم لا يصدق ذلك.. ويظل همه أن لا يحدث أي حادث سيارة في حي العامل اليوم..
مر بخاطره كابوس الليلة الماضية عندما قال له ولده:
-بابا.. كنت تنظّم المرور في الشارع وأنت نائم..!
-كيف يا ولد؟
-كانت يدك اليسرى مرفوعة مرة.. ومرة أخرى ترفع يدك اليمنى.. وتحاول أن تتكلم.. سمعتك تقول.. أمش.. دير بالك .. بالك..
ضحك جاسم .. وتذكر حمال الشورجة الذي كان يمشي في شوارع السوق الضيقة ويصيح بصوت عال: بالك.. بالك.. بالك..
مع نسمات هواء يود أن يظن أنها كانت عليلة، راح جاسم في مساء المدينة يراقب ولده ويسمعه وهو يلعب مع أولاد المحلة بكرة قدم جديدة أشتراها له قبل أيام.. فجأة أنطفأ الكهرباء .. وساد الساحة ظلام دامس... !

بيت الضفادع
أعطني فسحة من وقتك لأتحدث أليك أيها الطبيب.. هكذا قال لي السيد كامبل الرجل الثري المعروف في هذه المدينة التي يلّفها الضباب هذه الأيام..كيف تريدني أن أبقى هنا لوحدي وأبنتي بعيدة عني في كندا.. لماذا لا أذهب أليها؟!.. أنا في السبعين من عمري وها أنت تعطيني كل شهر كيساً من الأدوية والعقاقير التي أتناولها كل يوم دون أن أنبس ببنت شفة.. ولكنني لا يمكن أن أتحمل هذا الذي يجري في المدينة..كل يوم أشاهد تلفزيون البي بي سي يبث على مدار الساعة أخبار الموتى والأصابات بهذا الفايروس اللعين..صورهم تملأ صفحات الجرائد..فقدتُ العديد من أصدقائي الذين عرفتهم منذ أيام الشباب في كارفيلي..حيث كنت أعمل في مناجم الفحم..عملنا سوية..تلوّنت وجوهنا سوية بسخام الفحم والحديد.. كنا نضحك..نسعل.. نحتسي الخمرة في بار المدينة، ولكننا لم نكن نتوقع أن نموت لوحدنا في بيوت هي اليوم مثل بيوت الضفادع النتنة..أتركني يا سيدي الطبيب..أعطني السماح لي لألحق بأبنتي..لا أريد اليوم أكثر من ذلك.

المرفأ
ها هو اليوم الرجل الستيني (عمره 65 عاما) يتأبط عددا قديما من مجلة العربي ويسير تحت أشعة الشمس الباهتة في مدينة كارديف الويلزية دون أن يتعب أو يمّل.. ها هو على عادته كما يقول.. ومنذ عشرين عاما حيث سكن المدينة بعد أن هاجر من أرض الوطن التي أصبحت بعيدة..
أسماعيل كان مدرّسا للغة العربية في المدرسة المتوسطة في منطقة الأعظمية ببغداد.. يكرّر مع نفسه اليوم أنه مربي للأجيال..أجيال لا يدري أين أصبحت، وأين حلّ بها الدهر بعد كل هذا الزمن.
ها هي البحيرة الهادئة البريئة مثل وجه طفل جميل تبدو أمامه مرحبة.. تفرش ذراعيها كما الحبيبة عندما تلقى الحبيب بعد غياب..يستذكر مكان جلوسه قرب حديقة الروز في بستان قريب على البحيرة.. كانت زوجته معه..وكانا معا يستذكران أول قصة كتبها يوم كان ينشر في مجلة الأقلام العراقية..كانت تحب أن تسمعه يقرأ لها. مرّ بزهرة التوليب الحمراء.. مسّد خدها الناعم..داعبته..ضحكت له..أو تخيلها كذلك.. جذب نظره اليوم الشكل الجديد الزاهي الذي بدا عليه مرفأ البحيرة وهو يرمز لتاريخ مدينة الثقافة والجمال. لم يكن أذن وحيدا..ها هو صدى صوتها..زوجته يرّن في أذنه.."هل تعلم أن هذا المرفأ قد أعيد طلاءه وتشكيله بعد أن منح رجل المال للبنائين ليرمّموا المرفأ حيث كانت شريكة حياته تحب أن تجلس أمامه..مرفأ البحيرة هذا..وترسم لوحة عمرها كما كانت تقول"..
تذكّر كل ذلك..وهو لا زال ماشيا متأبطا مجلته. بعد قليل سيدّس رأسه في أوراقه، وسيبحث عن فكرة جديدة، لا يظن أنها ستتلاشى، كما ألوان قوس قزح تشكّل قبل دقائق، بعد نثيث مطر خفيف في مدينته التي يرى فيها فصول السنة في لحظات زمن عابرة.



#عامر_هشام_الصفّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا عراقية: حوادث المرور تودي بحياة الآلاف من أبناء الشعب
- المهندس المعماري والفنان قحطان المدفعي ..في ذمة الخلود
- أقرأ في صحافة لندن لهذا اليوم الثلاثاء 2 نوفمبر 2021
- الصحة وتغيرات المناخ
- جولة في صحافة لندن ليوم الأربعاء 20 أكتوبر/ تشرين أول 2021
- شخصيات في حياتي: الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي
- الكاتب التنزاني عبد الرزاق قرنح يفوز بنوبل الآداب
- تطورات أيجابية في العلاج المناعي للسرطان
- قطاع الأنترنت في العراق والأمية.. عجيب أمور.. غريب قضية
- صحافة لندن في يوم السبت 4 أيلول 2021
- حول التوسع في القبول للدراسات العليا في العراق
- دواء فعال جديد لعلاج أرتفاع الكوليسترول بالدم
- محاضرة ثقافية: أبعاد نفسية في الأدب العربي
- اللقاحات المضادة للكورونا.. كم تدوم فائدتها؟
- حول كتاب لمحة في الطب وآداب المهنة
- قراءة في كتاب -حكايات الطب والحرب-
- وباء الكورونا..ما معنى أن نعيش معه؟!
- قضايا الشرق الأوسط في المسرح البريطاني
- ما هو الجديد في تجارب المزج بين اللقاحات المضادة للكورونا؟
- -حين تتشابك الحكايا- والحلم الذي ينتظر التحقق


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر هشام الصفّار - شارع تحت درجة 50 مئوي.. وقصص أخرى