أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - رحلتي في غياهب الإيجارات














المزيد.....

رحلتي في غياهب الإيجارات


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7083 - 2021 / 11 / 21 - 02:14
المحور: الادب والفن
    


كانت طفولتي قاسية ولم تترك في مخيلتي غير الصور المؤلمة التي يتعذر علي محوها أو نسيانها ؛ انني لأذكرها الآن وأنا في عقدي الخامس , فتكويني بنارها وتلفحني الحسرة ويحتويني الألم ؛ اذ جاء صاحب الملك الى أبي وأخبره بضرورة إخلاء الشقة التي كنا نسكن فيها فورا وبلا تأخير ..
احتار أبي في أمره وضاقت عليه الدنيا بما رحبت , وأجهشت أمي بالبكاء , وعلا الوجوم وجوه أخوتي وأخواتي ..
بدأ الكل بنقل الأثاث والحاجيات من الشقة الى الشارع العام لاستئجار سيارة نقل .. وانا أوكلوا لي مهمة تغذية وإسكات أخي الرضيع , وبما ان صاحب الشقة قد وقف على رؤوسنا ولم يبرح مكانه وهو ينظر الينا كيف نخلي الشقة .. لم أجد مكان يرتاح فيه الرضيع ويهدأ غير سلالم العمارة فقعدت عليها و أجلسته في حضني و في فمه (( الممه )) ..
أخي الرضيع أخذ النوم منه مأخذه وانا سرحت في هذا المنظر الرهيب الذي تعيشه عائلتي , كأنها وحدة عسكرية تقهقرت امام ضربات الاعداء فأنهزمت لا تلوي على شيء ..
ان الأقدار تفننت في ايذاء عائلتي وخصوصا أبي الذي قضى عمره متنقلا من دار الى دار ومن شقة الى أخرى .. وعندما حضرته المنية , جئنا بالشيخ كي يلقنه العديلة , الا ان أبي لم يأبه بها ! وأخر كلمة تفوه بها : أدفعوا الايجار !!
كنت انظر الى أصحاب الدور كأن على رؤوسهم تيجان من العز لا يبصرها الا المؤجرون !!
حتى الطيور تؤوي مساءا الى أوكارها الآمنة المستقرة الا انا وامثالي من البؤساء ؛ لعلنا لسنا من فصيلة المخلوقات ..!!
علاقة الزمان بالمكان جوهرية وكذلك علاقة المكان بالانسان ؛ فمن الصعب تصور انسان بلا بيت ولا مكان يؤيه , وان حدث ذلك له فهذا يعني انه ادنى مرتبة من طيور البراري و وحوش البرية , وهل يستطيع الانسان العيش بلا مكان ولا زمان ؟ !
الى متى ابقى كالمهجر أنتقل من مكان الى مكان ..؟
والى متى ابقى كالمقامر أخسر رهانا تلو رهان ..؟
لم اعد اتحمل استفزازات صاحب الدار , وحقارة ونذالة ( ابو الملك ) الذي طالما فتح باب الدار بلا استئذان كأننا عبيدٌ ونسائنا اماءٌ ..
انا عطشان ولا يرويني الا ماء السكن , انا ظمأن و لا أشرب الا من ماء الوطن ..
اصبحت ارى اصحاب الاملاك والدور والشقق كأنهم سجانين او جباة ضرائب .. يلعبون بنا كما يلعب القدر بالبشر , يمتصون دمائنا كالبعوض , تكبر كروشهم على حساب عظامنا , يضحكون ومادة ضحكهم آلامنا !!
هم لا يرحمون ضعف النساء ولا براءة الاطفال ولا مسكنة الكبار.. لاسيما في مجتمعنا الذي يفتقر لابسط قوانين العدالة الاجتماعية ..!!
حقا المؤجر كالمهجر , وكالمقامر , وفوق كل هذا هو متهم حتى يملك عقار ..!!
كلما حدث أمر سيء أو وقعت جريمة سرقة ؛ انبرى أهل الحي باتهام المؤجر فلان ؛ كأن اهل الدور منزهون من كل عيب ومبرئون من كل خطأ , فالقاعدة عندهم : (( المؤجر متهم حتى تثبت برائته )) .
المؤجر يُريد التحرير ولكن ليس من الاحتلال بل من ربقة الإيجار, هو يُريد الثورة ولكن ليس على الاستعمار انما على صاحب الدار ..!!
بعض المؤجرين تقمصوا سلوكيات الجرذان فهم ينتقلون من حفرة الى اخرى ؛ اذ كلما حلوا في حفرة خربوها ثم طردوا منها الى اخرى وهكذا دواليك ؛ فحياتهمُ عبارة عن : سلسلة خرابات ومجموعة انتكاسات ..
والذي يُزيد النار سعيرا, والطين بلة ؛ حكم المجتمع القاسي على الانسان بالفشل في حال تلبسهُ بالإيجار وحرمانهُ من نعمة الدار؛ فطالما سمعنا هذه العبارة : (( خطيه ذولي ايجار , نزل )) !!
أحتار اصدقائي في أمر تعزيتي عندما توفت زوجتي .. الى اين يذهبون , وكيف يلتقون بي .. فأنا لا أملك مكانا معينا وأعيش بلا عنوانا ثابتا .. فانا شبه مواطن او نصف انسان ؛ واجزم صادقا ان نصف المواطنة والانسانية الاخر لا يكتمل الا بالسكن الامن .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة انتشار الجرذان في العراق
- اذكروا مثالب الفطيس مولاكم
- ظاهرة الفضول والتدخل في شؤون الآخرين في مجتمعنا
- (غمان وثولان ) الاغلبية العراقية / الحلقة الاولى / تأبين الم ...
- أنا عاهرٌ وليست هي عاهرة
- الجار الكلب والكلب الجار
- حلمٌ ... وقرار
- مشكلة العزوف عن قراءة الكتاب في مجتمعنا
- جريمة ضرب وتعنيف الأطفال في مجتمعنا
- جرائم صدامية مروعة / الحلقة الاولى / سمل العيون
- لحظة موت
- صرخة في سكون ظلام الزمن الاغبر
- الاعلام المسعور للدخلاء ضد ابناء العراق الجنوبيين الاصلاء / ...
- تدجين الامة العراقية
- الطغمة الهجينة سيرة معروفة وادوار متغيرة
- صراع الاعتقادات والافكار الطوباوية مع الواقع الإنساني
- الاعلام المسعور للدخلاء ضد ابناء الجنوب العراقيين الاصلاء ال ...
- الاعلام المسعور للدخلاء ضد ابناء الجنوب العراقيين الاصلاء / ...
- الاعلام المسعور للدخلاء ضد ابناء الجنوب العراقيين الاصلاء / ...
- ظاهرة الكلام الجارح في مجتمعنا


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - رحلتي في غياهب الإيجارات