عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 7079 - 2021 / 11 / 16 - 22:10
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عانى التعليم في العراق الكثير بسبب ما تعرض له البلد من حروب وحصار اقتصادي وانعدام الأمن , اضافة الى ما تم اعتماده بعد 2003 من فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على الطائفية وليس المواطنة , وقيام بعض المدارس بتعليم طلابها اللطم وصلاة الجنازة وغيرها .
وحسب تقرير اليونسكو فإن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 كان يمتلك نظاماً تعليميا اعتبر من افضل انظمة التعليم في المنطقة , اضافة الى ان العراق كاد ان يقضي في ذلك الوقت على الأمية تماماً من خلال حملات محاربة الأمية التي اعتمدها .غير انه بسبب الحرب التي خاضها العراق مع ايران في ثمانينات القرن الماضي قد ادت الى تحويل الموارد العامة تجاه الانفاق العسكري ما اثر على قلة الانفاق على قطاع التعليم الذي انحدر مستواه واستمر ذلك مع مرور السنين بسبب عدم وضع خطة استراتيجية لمعالجة ذلك . وكان ايضا من تداعيات غزو الكويت والحرب التي كانت من تداعياتها ضعف المؤسسات التعليمية في العراق وانخفاض التخصيصات المخصصة لقطاع التربية والتعليم . كما انخفض الانفاق الحكومي على تعليم الطالب الواحد من ( 620 ) دولار في السنوات الذهبية ( 1970 – 1984 ) الى ( 47) دولارا , اضافة الى انخفاض رواتب المعلمين من حيث القيمة الحقيقية وانخفاض عدد الطلاب الاجمالي في التعليم الابتدائي وزيادة نسب التسرب الى نحو ( 20%) .ومنذ 2003 والاحتلال الأمريكي للعراق ظهرت المشاكل الرئيسة التي تعيق النظام التعليمي كنقص الموارد وتسييس النظام التربوي والهجرة والتشرد الداخلي من المعلمين والطلاب ايام الطائفية اضافة الى التهديدات الأمنية والطائفية والفساد والأمية على نطاق واسع حيث ان اكثر من ( 6) ملايين عراقي بالغ يعانون من الأمية التامة.
كما نلاحظ بعد 2003 انتشار المدارس والجامعات الخاصة ( الأهلية) بكثرة في جميع المحافظات العراقية وبتشجيع الحكومات المتعاقبة وفقا لسياستها الجديدة بالاتجاه نحو الخصخصة واقتصاد السوق حسب توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين .الكثير من مدارسنا اليوم تعاني وهي بحاجة الى اصلاح جذري حيث قلة او انعدام المكتبات والمختبرات العلمية وتزايد الرشوة وعدم وجود الكهرباء والماء وتداعي الأبنية المدرسية في ظل قلة الدعم الحكومي وتوجه العديد من الأطفال في سن الدراسة الى مجال العمل والتسول. وتشير الدراسات الى ان حوالي 70% من المدارس في العراق تفتقر الى المياه النظيفة والمرافق الصحية , وان حوالي 1000 مدرسة يتم بناؤها من الطين والقش او الخيام او الكرفانات وخاصة في المناطق الريفية لبلد يعتبر ثاني اكبر احتياطي للنفط في العالم, اضافة الى المناهج الدراسية غير المناسبة والتي عفا عليها الزمن مع ضعف تدريب المعلمين وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بكثرة , اضافة الى ازدياد وتيرة الصراع الطائفي وتأثير ذلك على نظام التعليم , مع انخفاض مستوى التعليم الذي دعا المنظمات الدولية المتخصصة الى اعتبار العراق حاليا من اسوء بلدان العالم في مستوى التعليم اضافة الى تأثير الوضع الأمني الخطير وغير المستقر على الاستمرار في التعليم والدوام المنتظم. وقد اضحى العراق في مصافي الصومال وجزر القمر وجيبوتي واليمن وليبيا والسودان وسوريا ضمن تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس اشتمل على 140 دولة وتم استثناء تلك الدول والعراق اولهم لافتقارهم لمعايير الجودة في مستوى التعليم الجامعي والثانوي والابتدائي. وتعتبر ازمة التعليم في العراق بهذا المستوى المتدني ازمة جديدة تضاف الى الخيبات السياسية والاقتصادية والأمنية والخدماتية الذي شهد اهمالا حكوميا لقطاع التربية والتعليم واظهرت وزارة التربية الخاضعة للمحاصصة الحزبية منذ 2003 اعلى معدلات الفشل والتخبط والانهيار في الوقت الذي كان فيه العراق الأول على البلدان العربية على صعيد التعليم في سبعينيات القرن الماضي.
ويلاحظ اليوم ان التخصيصات المالية في موازنات العراق الاتحادية لقطاع التربية والتعليم تتميز بقلتها, فموازنة 2018 مثلا خلت من أي درجات وظيفية لتعيين المعلمين والمدرسين حيث اشترط صندوق النقد الدولي ( الذي يخضع له العراق ) على الحكومة العراقية تقليص النفقات التشغيلية بسبب معاناة الحكومة من آثار الافلاس وعدم وجود القدرة على دفع رواتب موظفيها بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية وتداعيات الحرب على داعش . كما ان مبالغ الموازنات العراقية الكبيرة تستنفذ في تغطية النفقات التشغيلية التي تشكل اكثر من 78% , بينما بلغت حصة وزارتي التربية والتعليم العالي في موازنة 2019 ما نسبته ( 3,72 %) من اجمالي الانفاق العام .وهذا لا يتناسب مع التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التربية والتعليم .
وبهذا الصدد فقد شخص برنامج الحزب الشيوعي العراقي مهمتين ملحتين :
الاولى : مواصلة الجهود لتصفية آثار المرحلة السابقة .
الثانية : اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها :
ولغرض اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية فقد حدد برنامج الحزب الشيوعي العراقي عدة مهام :-
اذ اعتبر قطاع التربية والتعليم من الأولويات المهمة مؤكدا على تخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة للنهوض بقطاع التعليم , اضافة الى الاهتمام بتوفير الأبنية المدرسية وفق المواصفات العالمية .ويؤكد البرنامج كذلك على تعزيز الفكر التنويري واعتماد فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على قيم المواطنة وليس قيم الطائفية , مع تنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي, واعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس مع تشجيع البحث العلمي والابتكار , اضافة الى اهمية ربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى. اذ ان التعليم اليوم في العراق في واد ومهمات التنمية الاقتصادية – الاجتماعية في واد آخر . مؤكدا على ضرورة تأمين مستلزمات التقدم التقني والمادي وادراج المعلوماتية ضمن المناهج بشكل مبكر . وتطرق برنامج الحزب ايضا في هذا المجال الى مسألة استكمال عملية محو الأمية وضمان مجانية التعليم في المراحل الدراسية كافة وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية ومعالجة ظاهرة التوسع المتنامي للتعليم الأهلي المكلف للأسرة العراقية على حساب التعليم الحكومي المجاني . كما اهتم البرنامج ايضا بشمول مرحلة رياض الأطفال بالسلم التعليمي والزامية التعليم وفقا للدستور , اضافة الى تأكيده على اصلاح التعليم العالي والحفاظ على استقلاليته وعدم تقييده بانتماء عقائدي او أي غطاء آخر . ومن الأمور المهمة التي اكد عليها برنامج الحزب الشيوعي العراقي ربط التعليم بأنواعه وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي بحاجات البلاد وآفاق تطورها والاهتمام بشكل خاص بالتعليم التقني والمهني ومتابعة تطبيق القوانين والضوابط الخاصة بالمدارس والجامعات الأهلية , اضافة الى الاهتمام باعتماد اسس الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المتقدمين للمنح والبعثات والزمالات وفي القبول بالجامعات والمؤسسات التربوية بشكل عام بعيداً عن اسس الطائفية او القومية او غيرها . الى جانب ذلك اكد البرنامج على السعي لتحويل مجالس الآباء والمدرسين الى هيئات ساندة للعملية التربوية مع الاهتمام بالنشاط اللا صفي لتنمية الروح الجماعية التعاونية للطلاب ووضع الطالب في مركز العملية التربوية واحترام الهيئات التدريسية وتأكيده على الممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية مع الاهتمام بتأهيل وتدريب العاملين في هذا القطاع والتحسين الدائم لمستويات معيشتهم بما يمكنهم من تكريس اهتمامهم لإنجاز مهامهم التربوية في افضل الظروف . وهذا ما دعا المعلمين في انحاء العراق ومن خلال نقابتهم الى الاضراب العام وعلى مدى يومين لتحسين اوضاعهم واصلاح العملية التربوية التعليمية .
ان الحكومة الحالية والمقبلة التي ستنبثق بعد انتخابات تشرين 2021 مطالبة اليوم بالإصلاح الجذري لقطاع التربية والتعليم وتحسين البنى التحتية وزيادة التخصيصات المالية لهذا القطاع ومحاربة الأمية والفساد والطائفية وربط التعليم بحاجات البلاد التنموية وآفاق تطورها .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟