أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد الشفيع عيسى - جائزة نوبل و علم الاقتصاد... أيُّ علمٍ هُو ..؟















المزيد.....

جائزة نوبل و علم الاقتصاد... أيُّ علمٍ هُو ..؟


محمد عبد الشفيع عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 7071 - 2021 / 11 / 8 - 20:40
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


حصل ثلاثة من الاقتصاديين مؤخراً على جائزة نويل "التذكارية" فى علم الاقتصاد لأبحاثهم عن سوق العمل، وقبل ذلك حصل باحثون آخرين فى السنوات الماضية عن موضوعات مختلفة من قبيل "الاقتصاد السلوكي" و "سلوك المستهلك" و "بحوث الفقر" و "المضاربات".

وقد أثار ذلك نقاشاً جاداً وغنياً تجاوز حدود الجائزة المذكورة ، إلى علم الاقتصاد ذاته. وتركز النقاش حول مدى (علمية) "علم الاقتصاد" ، حيث ينافح البعض عن "علمية" هذا العلم ، وأنّه علم تجاوز العتبة التجريدية إلى ميدان "التجريب" شأنه شأن العلوم الطبيعية ، ولذلك يستحق صفة العلم الحق – من وجهة النظر هذه. ومن جهة أخرى ، يرى بعض الباحثين (والمفكرين مثل الراحل الكبير سمير أمين) أن علم الاقتصاد ليس علماً وضعياً كما قد يُراد له، ولكنه علم اجتماعي يتمحور حول مفهوم "الاقتصاد السياسي" .
و فى هذا المضمار يثور أمامنا السؤال: هل الاقتصاد علم أصلاً ؟
وإذا كان علماً بحقّ - وهو ما يمكن القطع به على مدى زمنى طويل يمتد ليس لعشرات السنين فقط ولكن ربما لمئات- فهل هو "علم وضعى" positive على طريقة العلوم الطبيعية. في هذه العلوم الأخيرة يستخدم المنهج " الاستقرائي" أداة يُتَوسّل بها للتوصل إلى نتائج قبلة للبرهنة، بدء من الملاحظة ثم وضع الفروض فإجراء التجارب المعملية أو غير المعملية، وانتهاء بالتحقق من مدى صحة الفرض إثباتا او نفيا، تمهيدا لصياغة الاستنتاجات.
هل علم الاقتصاد بهذا المعنى علم وضعي بحت، أو تجريبي، ومن ثم يكون محايدا من الناحية الاجتماعية، بلا توجه إيديولوجي من أي نوع، فيكون، كما يقال، خاليا من القيم Value-free..؟
أم ان علم الاقتصاد في حقيقته ليس من قبيل العلم الطبيعي، التجريبي أو الوضعي، فيكون من قبيل العلم "التجريدي" القائم على استخدام طريقة "الاستنباط" كما هو الحال في الرياضيات وعائلتها الممتدة إلى الإحصاء والقياس؟ وفي هذه الحالة الأخيرة يكون علم الاقتصاد فكرا خالصا منبت الصلة بعالم التجارب التطبيقية..؟
أم أن علم الاقتصاد علم اجتماعي، موضوع دراسته هو المجتمع في شريحة من شرائحه الحية، شريحة "الثروة" ومن ثم "الناتج" أو "الدخل"، إنتاجا وتوزيعا وتداولا واستهلاكا..؟ و إن كان ذلك كذلك، وهو ما نميل إليه فهو ليس علما محض تجريبي أو طبيعي، ولا هو تجريدي محض "فكر خالص"، وإنما هو مزيج من الأمرين معا، تجريب وتجريد، استقراء واستنباط. ثم أن هذا العلم إن استخدم التجربة فهو لا ستخدمها او يستنسخها في "المعمل" أو في حقل العينة الإحصائية، و إنما معمله هو المجتمع نفسه، و إن حقله الدراسي ليمتد على طول وعرض التاريخ الاجتماعي، الإنساني بالذات.
وإن توسل علم الاقتصاد بالتجارب فبمعنى العمل تطبيق الأفكار على العينات الإحصائية توصلا لفهم مجتمع الدراسة ككل. وإن توسّل بالتجريد النظري فلوضع القاعدة الفكرية التي ينطلق منها لدراسة مفردات المجتمع ضمن الظاهرة الاقتصادية بمعناها الواسع من خلال خطوات البحث العلمي المتسلسلة: من الملاحظة إلى الفرض إلى التطبيق إلى عملية احقق من صحة الفرض فيما يسمّى Verification.
أما من يرون في علم الاقتصاد مجرد ميدان للتطبيقات والتجارب بدون فكر اجتماعي يستجيب لاحتياجات المجتمع و مطالبه الأساسية، فهؤلاء يعزلون الاقتصاد عن محيطه (الطبيعي)، أي الاجتماعي. و من يرون في الاقتصاد علما لحل "التمرينات الرياضية و القياسية"، أي علما يحتفل بالمنهجية الكمية دون فكر اجتماعي شامل، فهؤلاء يعزلونه عن النظرية وعن الممارسة في آنٍ معا.
و لأنّ علم الاقتصاد علم اجتماعي –إنساني فهو علم غنيّ حقا منذ نشأته الأولى، فقد حفل بالتنوع الفكري الممثل للتطورات الاجتماعية والدولية في كل حقبة، و أطلقت عليهم التسميات من مؤرخي الفكر الاقتصادي، بدء من (التجاريين أو "المركنتيليين") و ( الطبيعيين أو "الفيزيوكرات") إلى الكلاسيكيين (أو التقليديين) ثم الكلاسيكيين الجدد ( أو التقليديين المُحدَثين)، وكل هذا في إطار المسار العام للفكر الغربي الرأسمالي من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين، حيث شهد القرن الأخير في أواسطه نشوء وازدهار تيار آخر مختلف من داخل الفكر الرأسمالي بمعناه العريض، وهو التيار (الكينزي) –نسبة إلى جون ماينارد كينز-الذي أدخل مفهوم "تدخل الدولة" ليوازن تيار (حرية السوق) السائد إلى حد بعيد من البداية حتى اليوم. وفي مواجهة الكينزييين و (مابعد الكينزيين) الداعين إلى التدخل و "دولة الرفاهة" في أوربا وأمريكا منذ ثلاثينات و أربعينات القرن العشرين حتى سبعيناته عموما، رجعت الكلاسيكية الجديدة-القديمة في ثوب قشيب لتجدد مذهب (حرية الأسواق) باسم (الليبرالية الجديدة) وخاصة من خلال (النقديين الجدد) وما يسمى بمدرسة شيكاغو، بزعامة ميلتون فريدمان، في عودة كاسحة متعددة المسميات والشعارات فيما عرف بإرثوذكسية السوق، والتي يتبناها ثنائي "البنك الدولي" و صندوق النقد الدولي" بقوة منذ مطالع الثمانينات.
أما عن الفكر الاقتصادي الاشتراكي فحدّث ولا حرج، ابتداء من كتاب "رأس المال" لكارل ماركس الصادر في خمسينات وستينات القرن التاسع عشر، وتبعه شلاّل من الفكر متنوع المرامي و الأشكال حتى ستينات وسبعينات القرن العشرين من حول التجربتين السوفيتية و الصينية "الماوية"، أو في معارضتهما على مستوى أوربا و "العالم الثالث". و إلى جانب الفكر الاقتصادي الاشتراكي، ولكن ليس بعيدا عنه قامت مدارس فكرية داعية إلى ضرورة تحقيق التكافؤ في النظام الاقتصادي العالمي، و مواجهة "التبعية"، و إلى ضرورة العدل الاجتماعي الجذري، و التنمية الاقتصادية المتمحورة حول التصنيع والتطوير التكنولوجي و "الإحلال محل الواردات"..إلخ. وما يزال شلال التيارات المعارضة لإرثوذكسية السوق (أو أصولية الأسواق) قائما يتدفق، ومن أحدث موجاته خلال الأعوام الأخيرة كتاب توماس بيكيتي (رأس المال في القرن الحادي والعشرين)، بالإضافة إلى تجديدات متنوعة من قبيل "المدرة المؤسسية" وغيرها.
هذا، و لقد اطلعت على قائمة الحاصلين على جائزة نوبل (التذكارية) في " العلوم الاقتصادية" منذ إنشائها (1968/1969) فوجدت أعلاما لا يُشقّ لهم غبار، وخاصة في البدايات من قبيل راجنار فريش و يان تبنبرجن و جونار ميردال و بول سامويلسون و فاسيلي ليونتييف وميلتون فريدمان و أرثر لويس و روبرت سولو و دوجلاس نورث و أمارتيا سن وجوزيف ستيجلتز، حتى بول رومر في 2018 وغيرهم. ولكن هذه استثناءات لا يقاس عليها فيما يبدو، إذ تربت الجائزة لتحاكي التحيزات العقائدية لمؤسسيها ومانحيها من السويد. هذه التحيزات تتجلى في التركيز على ذوي المنهجيات من خلفيات (مؤمنة) في غالبيتها بأصولية "السوق" من (النيو كلاسيك) بصفة خاصة، و ذوي النزعة التطبيقية و "التجريبية" و "الكمية" على ظواهر جزئية متفرقة من المجتمعات الرأسمالية الحديثة في المقام الأول، مع ندرة نادرة لممثلي الاتجاهات الأخرى في علم الاقتصاد مثل ذوي الخلفية الكينزية او المؤسسية. أما الاتجاهات ذوات الميول (الاشتراكية) أو (غير الرأسمالية) فيمكن لنا أن نزعم أنها لم تُمثل أصلا. فهل يمكن ان نحلم بمثل جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية على المستوى العربي لتقدم الطيف العريض لهذه العلوم حقا..؟



#محمد_عبد_الشفيع_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - دراما عربية -: آسيوية – إفريقية ..! تأملات -طائر مُحلِّق-
- كيف نفهم الاقتصاديات الدولية الراهنة..؟ أثر السياسة على الاق ...
- نظام دوليٌّ مهترِئ، و عالمٌ ممزّق
- قيام و سقوط -القوة العظمى الوحيدة-..!
- الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط: ملاحظات من وحي تقري ...
- حول مقولة -التقدم الإنساني- : مساهمة أوّليّة في البحث الفلسف ...
- فكرة -التقدم التاريخي-؛ هل هي صحيحة تماما؟ و إلى أيّ مدى ..؟ ...
- بين سلطة العلم و سطوة الهوى خيطٌ رفيع ..!
- (الدولة القومية للشعب اليهودي !) تأبَى الاعتراف ؛ و -اليمين ...
- تحويل مصر إلى مركز إقليمي لوجيستي للغاز: علامات استفهام حول ...
- فلسطين التي ( لا ناقة لها و لا جمل) .. !
- من الفوضى العارمة إلى شيء من النظام..! العلاقات الدولية في م ...
- نقاطُ القوة تتحول إلى نقاطٍ للضعف: على هامش الرأسمالية العال ...
- بين قوة الاقتصاد وضعف السياسة: هزال البنيان القيادي الراهن ف ...
- فلسطين التاريخية التي لا يعرفها البعض.. بين اليمن والعراق..!
- هزال المنظومة القيادية الراهنة في العالم الغربي : بين قوة ال ...
- الهجرة واللجوء في عالمٍ مضطرب - ترياقٌ شافٍ أم سُمٌّ زُعاف
- مجتمع الاستهلاك و الاغتراب الحضاري الراهن: نحو رؤية اجتماعية ...
- العلم والمال و -كورونا-.. و حكمة أمير الشعراء..!
- ثقوبٌ في ثوب النظام الأمريكي


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد الشفيع عيسى - جائزة نوبل و علم الاقتصاد... أيُّ علمٍ هُو ..؟