أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - كاروان جعفر الدوسكي - البُنية العَقلية المعوقةَ للإنتاج المَعرفي















المزيد.....

البُنية العَقلية المعوقةَ للإنتاج المَعرفي


كاروان جعفر الدوسكي
(Karwan Al-dosakee)


الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 03:40
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مع زيادة وَتيرة التَغييرات في البُنية الإقتصادية العالمية، المزيد من الضغط يُمارس على الشعوب والحكومات لتَطوير أفكار وخِبرات تؤدي الى مستوى جديد مِن المَعرفة. أصبح هذا الاتجاه مُهمًا جدًا لدرجة أنهُ بدأ بإستحداث مُصطلح "إقتصاد المعرفة" لوصف السمة السائدة لمثل هذه الإقتصادات. وان التعقيد الحالي الذي تَتسم به الأحداث المحلية، الإقليمية والدولية والتداخل بينها، وما ينتج عن هذا التداخل من تحديات تَجعل مِن الصَعب جدا على صُناع القرار إتخاذ القرارات السليمة، أوإقتراح سياسات ووضع إستراتيجيات منتجة؛ فإن معظم دول العالم والمنظمات الكبيرة باتت تعتمد على الإبتكار وإنتاج المعرفة، لطرح حلول للتحديات المختلفة التي تواجهها.
لذلك أصبح إنتاج المعرفة وإدارتها موضوعات فكرية مهمة في سياسة الدول وخططها المستقبلية. تقليدياً المؤسسات المنتجة للمعرفة هي الجامعات، المختبرات ومراكز الدراسات والأبحاث، إلخ. لذا فقد زاد بالضرورة الإهتمام بتلك الجهات. ولم يعد مُجدياً للمجتمعات تَجاهل هذه الحقيقة. فالدول التي لم تدرك بعد أن المَعرفة هي العامل الأكثر أهمية لبناء القدرات والإنتقال من التخلف إلى التطور، ستجد نفسها على هامش التحولات وخصوصاً في فترة ما بعد هذا الوباء العالمي والتحديات المُقبلة. بل وستكون الحلقة الأضعف مثل غالبية دول الشرق الأوسط، للأسف، المؤمنة بالاساطير وبـإن سوپرمان قادم لا محال لخلاص الأمة. لذا لا بد من أن تتبنى الدول الساعية للتطور، سياسات لِجَعل العِلم والمَعرفة ضمن أولوياتها. إننا في الحقيقة مستهلكين للمعرفة، حتى إن استهلاكنا لها هي بطريقة إرتجالية، سطحية، شكلية وغير وظيفية. فلو كُنا قد عَرفنا كيفية إستهلاك المعرفة بطريقة صحيحة لعرفنا أهمية إنتاجها.
والسؤال هنا، هل هذا التغيير يُعتبر عملية سهلة أو يمكن تطبيقها مباشرةً؟ الجواب: كلا أبداً! هذا لا يُمكن إحداثهُ في الأساس ما لم نُقيم البُنية العقلية لدى الأفراد. حالياً، يُمكن القول بأنَ بُنية العقل لدى أغلب الأفراد في المجتمعات الشرق أوسطية، هي بُنية ملتوية. ألم تسأل نفسك لماذا نُحتسب على الدول التي حالتها متأخرة حتى الآن. فنحن نمتلك عقل احادي-قياسي حيث نحتاج دائما الى النسخة الاصلية لنقيس عليها. ليس هناك مجال للتفكير النقدي. وهنا يمكن الاشارة الى ان تطعيل دراسة الفلسفة والمنطق في مدارسنا جابت ثمارها بإمتياز. هذه البُنية العقلية حتماً لا يُمكن أن تنتج معرفة وهي في حالة السكونْ "Standby". ويُمكن أيضاً وَصف الحالة العقلية لدينا بأنه عقل خطابي. لذا ترانا أبدعنا بالشعر وفشلنا في جانب المنطق. لربما أن التعلق الشديد بالشِعر يؤثر على الجانب المَنطقي. وبما ان اللغة التي نتكلم بها تشكل الطريقة التي نُفكر بها (اللغة هي أداة تفكير)، فاللغة المَليئة أصلاً بالترادُفات مِن السَهل تَسخيرُها لتَشكيل ظواهر كلامية والتي بدورها مع مرور الوقت تُكَون حالة فِكرية غير دَقيقة. لذا نرى عدد المفكرين والعلماء في منطقتنا لا يَكاد يَحصى بعدد أصابع اليد بمقابل آلاف الشُعراء. وبالنتيجة الإنتاج الشعري لا يقاس بالإنتاج المَعرفي. فالشعر العربي والمعلقات خير دليل على ذلك. على سبيل المثال، بالغ قيس بمدح راعية الغنم "ليلى" وأنا أجزُم أن ليلى لم تكن بذاك الجمال المُبالغ فيه. خصوصاً لا وجود لا للفيلر ولا للبوتكس حينها. وهنا لا نلومهُ فالشعر لا يُعيبهُ المُبالغة والخيال ولا البُعد عن الحقيقة والمنطق. وهذا أبداً لا يُبرهن أنهُ يَجب إهمال الشعر والأدب لأنهُما يُعبِران عن الذوق العام للشعوب. ولكن نَنتقد البُنية العقلية التي تمادت كثيراً وأخذَنا مِن الشعر منطقة راحة -لانه بصراحة اسهل- نتنهد بها عما حصل للأمة بعيداً عن الواقع. ومِثالاً على هذهِ الإلتوائية والإزدواجية، حينما حلل علي الوردي الشخصية العراقية على إعتبارها شخصية إزدواجية تحمل قيم متناقضة وذكر: "أن العراقي أكثر من غيرهِ هياماً بالمُثل العُليا ودعوةً إليها في خِطاباتهِ وكِتاباتهِ، ولكنهُ في الوقتِ نفسهِ من أكثر الناسِ إنحرافاً عن هذهِ المُثل في واقع حياتهِ". ونحن هنا نَزيد على ما إعتقدهُ الوردي، بأنها غالباً ما تتوافق مع أكثرية شعوب المنطقة على الأقل فكرياً.
ولكي نكون اكثر صراحةً، بعملية فحص سريع عن الحالة الفكرية والعقل الجمعي، نرى أننا أصلاً لا نَمتلك الآلية المُناسبة لتَخيُل المُستقبل، ولا نستطيع أن نُقدم إنتاجاً معرفياً للعالم، لرُبما لأن حنينُنا يَجرنا للماضي. ماضٍ مِثلَ "العصر العباسي الأول" الذي يُعتبر من أكثر العصور الإسلامية إنتاجاً للمَعرفة في المنطقة على خِلاف يومنا هذا. فالماضي أصبحَ مُقدساً ونحنُ نتمسك بالتُراث خوفاً من فِقدان الهَوية، لأنهُ هو الشيئ الوحيد الذي نمتلكه {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة} فامسينا رهينة للماضي. وبالنتيجة صارت هنالك مُقدساتٍ كثيرة في حياة الفرد لا يمكن نَقدُها. لدينا مجتمع مستهلك ساكن يَربط اللأخلاق بقيم ومعايير مجتمعية سائدة وغالباً تكون هذه المعايير نابعة من المستوى المعرفي الذي كان سائداً في وَقتٍ ماضٍ، ورُبما تكون خاطئة مثلاً. هكذا مُجتمع وبمرور الزمن يصبح لدى أفرادهِ عقل إتصالي وتنموا عندهم عُقدة الذنب. وإذا جَدلاً تُخاطِبهم يقولون {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}، أي لم يكُن لدينا وعي وننساق وراءَ الوعي الجمعي "Trend" كالأغنام. وهذا الجِدال مَحفوف بخسارة العديد من الأحباب لأن الممنوع هو الأساس في الذهن، والسؤال يكون دائماً عن الحرام والحلال، قبل التفكير في الموجود أو كيفية إنتاجه "على الأقل." ومع التغييرات التي تحصل في العالم كل يوم تجعل من الشعوب المستلهكة في موقف مُحرج جداً. نحن نعيش حالياً في المسقبل فعلاً مع كمية التقنيات الموجودة الآن. فمثلاً كيف سوف نتعامل مع العالم الافتراضي "Metaverse" الجديد من شركة ميتا (فيسبوك سابقاً)؟ اليس معيباً علينا أن لا نَنتج ولا واحدة من هذهِ التقنيات المؤثرة ونحن فقط نتسابق بإعطائها صفة "الحرام" أو "الحلال" ولكن في النهاية سوف تكون إحصائيات إستخدامها قياسية كسابقاتها.
الحلول حاضرة وموجودة ومن المُعيب أن نذكرها مباشرة هنا لبساطتها ولكن أولاً يجب صيانة الخلل في البُنية العقلية والتركيز على الإستقلالية الفكرية من اغلال الماضي التي تلاحقنا. نرى أن مجتمعات المنطقة محتاجة إلى إحداث تغير شامل في هندسته الإجتماعية "Social Engineering" رأساً على عَقِب من جديد. ولإن الفرد هو الحجر الأساس لهذا التحول، لذا يَجب الإستثمار في الموارد البشرية والإهتمام بالحالة الفِكرية وخصوصا للجيل القادم. فيجب الإهتمام بجودة المواد الدراسية وتدريس الفلسفة والمنطق والتفكير النقدي مرة أخرى الى جانب إدخال المواد المُتعلقة ببيئة العمل والإبتكار. وإن احترام مبدأ حرية العقل والتفكير وتكريس القيم الاخلاقية التسامحية كفيلة باحداث التغير المطلوب. هذه الحرية الفكرية يجب ان تكون بعيدة عن التسلط الديني، الإجتماعي أو حتى المؤسسي. وبإزالة المُقدسات من الحياة يصبح الفرد حراً مرة أخرى وتتوفر الفرصة لديهِ لتَقديس الخالق وحده والتركيز على إعمار الارض. فكيف يمكن لمجتمع أن يتغير وهو يحسب النقد إهانة والإختلاف خيانة أو زندقة. ونرى مِن أوليات شعوب المنطقة أن تقوم باستحداث عقد اجتماعي جديد تكون فيه كل المرادفات والمتناقضات حاضرة. هذا كله لا يُعتبر خياراً وإنما يتوجب على الأمم أن تَسلُك هذا الطريق وبخلافهِ تنتُج أزمة أخلاقية. وإنها ليست فقط مسؤولية الحكومات أو النخب وإنما مسؤوليةُ جماعية. لأن إنهيار المسوؤلية الفَردية وعدم إحساس الفرد بمسوؤليتهِ تجاه المجتمع من أسباب إنهيار الحضارات والدول. وفي الختام نَقول أن عدم معرفتك أو إطلاعك على الحقيقة الكاملة لا تلغيها أبداً. فالحَقيقة واحدة سواء قبلتَ بها أم لا.



#كاروان_جعفر_الدوسكي (هاشتاغ)       Karwan_Al-dosakee#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البُنية العَقلية المعوقةَ للإنتاج المَعرفي


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - كاروان جعفر الدوسكي - البُنية العَقلية المعوقةَ للإنتاج المَعرفي